الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفعل، ووجوبها في كل يوم، بخلاف بقية الأركان بعضها شهري وبعضها سنوي، وبعضها عمري، وأن النبي صلى الله عليه وسلم تلقاها بدون واسطة، وأنها لا تسقط بأي حال من الأحوال، وهذا هو القول الراجح، واختار شيخ الإسلام رحمه لله أنه إذا لم يستطع الإيماء فإنها تسقط حتى إنه رحمه الله لا يرى أن الإنسان يصلي بعينه كما قال الفقهاء، لكن الراجح خلاف هذا؛ لأن الصلاة تشتمل على أعمال قلبية وأعمال بدنية ظاهرة، فإذا عجز عن الأعمال البدنية الظاهرة لزم العمل الباطن القلبي، فالصواب: أنها لا تسقط ما دام العقل ثابتًا، فهي غير ساقطة، ولا تكون العبادة مناجاة بين العبد وربه إلا الصلاة، وأنه يشرع لها الاجتماع.
- لماذا بدأ بالمواقيت وبدأ بالطهارة؟
- المواقيت إن شئنا قلنا: خمسة، وإن شئنا قلنا: ثلاثة، كيف ذلك؟
- هل الأوقات متصل بعضها ببعض إلا صلاة الفجر، وما الدليل؟
- ذكرنا أن بعض العلماء قال: إن العشاء يمتد وقتها من نصف الليل إلى الفجر، وقت ضرورة، فما دليلهم؟
امرأة طهرت من الحيض في الثلث الأخير من الليل هل تلزمها صلاة العشاء على القولين؟
وهل تلزمها صلاة المغرب؟
- ما معنى زوال الشمس؟
- ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «كان ظل الرجل كطوله» ؟
- هل يصح أن نحسب الظل من أصل الشيء الشاخص؟
- ما هو انتهاء وقت صلاة العصر؟
- وقت المغرب ما لم يغب الشفق فما هو الشفق؟
- إذا أخر الصلاة عن وقتها بغير عذر ثم صلاها ما الحكم؟ وإذا كان بعذر؟
استحباب التعجيل بالعصر وتأخير العشاء:
143 -
وله من حديث بريدة في العصر: «والشمس بيضاء نقية» .
«وله» أي: لمسلم «من حديث بريدة في العصر» ، أي: وهو يصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم «والشمس بيضاء نقية» ، يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف من صلاة العصر والشمس بيضاء نقية، يعني: لم تتأثر بشيء، وهذا يدل على أنها رفيعة.
فيستفاد منه: أنه ينبغي المبادرة بصلاة العصر حتى ينصرف منها وهي بيضاء نقية.
144 -
ومن حديث أبي موسى: «والشمس مرتفعة» .
ولا فرق بين الحديثين في المعنى، لكن الأول ذكرها بالوصف ذكر الشمس بالوصف، والثاني ذكرها بالمكان، فلماذا قال:«مرتفعة» ، وهناك قال:«بيضاء نقية» ؟
145 -
وعن أبي برزة الأسلمي - رضي الله تعالى عنه - قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر، ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية
…
قوله: «حية» يعني: ليس فيها تأثر، فهي بمعنى: نقية، وبمعنى: مرتفعة مما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم يبادر بها.
«وكان يستحب أن يؤخر من العشاء» «كان» أي: النبي صلى الله عليه وسلم «يستحب» محبة دينية لا محبة نفسية، لكن محبة دينية أن يؤخر من العشاء، ولكنه عليه الصلاة والسلام كما يراعي الناس إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطئوا أخر، وهكذا ينبغي للإمام أن يراعي المأمومين.
«وكان يكره النوم قبلها» أي: قبل العشاء؛ لأن الإنسان إذا نام فإما أن يكون نومه عميقًا فلا يقوم إلى العشاء، وإما ألا يتعمق في النوم فيتنكد إذا قيل له: قم إلى الصلاة، ويتفرق عليه نومه ولا يطمئن فيه، ثم إذا قام فسوق يقوم وهو كسلان لا يعي ما يقول في صلاته؛ فلذلك كان النبي صلى الله عليه ومسلم يكره النوم قبلها، وهل هذه الكراهة كراهة شرعية أو كراهة نفسية؟ يحتمل أن تكون هذه أو هذه، لكن إذا نظرنا إلى العلل ترجح عندنا أنها كراهة شرعية.
ولهذا قال العلماء رحمهم الله: يكره النوم قبل صلاة العشاء، ولكن قد يكون الإنسان مرهقًا في يوم، وإذا نام ولو ساعة بين المغرب والعشاء صار نشيطًا؛ فهذا نقول: إن النوم هنا لا يكره؛ لأنه نوم يراد به التقوي على العبادة والإقبال عليها بنشاط، وهذا يقع دائمًا، كثير من الناس يكون مرهقًا جدًا جدًا، ولو كان يصلي لم يستفد الفائدة المرجوة، فينام لمدة ساعة أو نصف ساعة حتى يزول عنه التعب، فنقول: هذا النوم الآن مطلوب؛ لماذا؟ لأنه يقوي على العبادة حتى يقبل الإنسان على صلاته وهو يعرف ماذا يقول؛ ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام الإنسان إذا قام يصلي وأتاه النوم أن ينصرف، وألا يمضي في صلاته مكرهًا نفسه على ذلك.
«والحديث بعدها» لماذا؟ لأسباب صحية، وأسباب شرعية، أما الأسباب الصحية: فقد اتفق الأطباء - قديمًا وحديثًا - على أن نوم أول الليل أفضل وأصح من نوم آخره، وهذا شيء يعرفه الناس حينما كانوا ينامون من أول الليل.
ثانيًا: أن فيه إعانة على أن يقوم الإنسان للتهجد؛ لأنه إذا نام من أول الليل بعد صلاة العشاء قام إلى التهجد نشيطًا.
ثالثًا: أنه إذا تأخر في النوم حرم التهجد، وإن قام قام على كسل، وربما يحرم صلاة الفجر؛ لهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره الحديث بعد العشاء.
لكن وردت أحاديث تدل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام ربما تحدث بعد العشاء؟ .
فيقال في الجواب عن هذه الأحاديث: إن الأمر فيها سهل وهو أنه إذا اقتضت المصلحة أو الحاجة أن يتحدث فلا بأس.
ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إلا الحديث اليسير، أو الحديث لشغل، أو الحديث مع الأهل فهذا لا بأس به، وأما أن يبقى دائمًا يتحدث بعد العشاء ولاسيما في أحاديث إما أن تكون لغوًا، وإما أن تكون حرامًا ومعصية، فهذا لا ينبغي، بل إذا كانت معصية صارت حرامًا.
«وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه» «ينفتل» ، يعني: ينتهي منها، «وصلاة الغداة» هي الفجر، «حين يعرف الرجل جليسه» يعني: من يجالسه، وهذه التقديرات - كما تعلمون - حدثت في وقت لا توجد ساعات، ولا توجد سرج في المساجد، فكانوا يقدرون هذا بما سمعتم، ولا شك أن هذا على سبيل التقدير؛ لأن معرفة الرجل جليسه تختلف؛ بماذا؟ بقوة البصر، وطبائع الجو، وعدم السقف، وغير ذلك من الأسباب، لكن الصحابة رضي الله عنهم أمرهم كله يسير ليس فيه تعمق، يذكرون الأشياء على سبيل التقريب، ومع ذلك:«وكان يقرأ بالستين إلى المائة» . متفق عليه. ومعلوم أن القراءات تختلف، والآيات تختلف أيضًا، القراءة تختلف؛ لأن بعض الناس يقرأ بسرعة، ومن الناس من يقرأ ترتيلًا، وربما يكون بين قراءتيهما للجزء الواحد عشر دقائق، وأيضًا الآيات تختلف؛ فمن الآيات:{الرحمن (1) علم القرآن} [الرحمن: 1، 2]. قصيرة، آيات «المرسلات» قصيرة، آيات «اقتربت الساعة» قصيرة، آيات «البقرة» طويلة، فبأي شيء نعتبر؟
نقول: إذا جاءت مثل هذه الأشياء فنعتبر الوسط، وكذلك نعتبر في أداء القراءة الوسط، لا الذي يسرع ولا الذي يبطئ، ونذكر الآن فوائد حديث عبد الله بن عمرو:
«وقت الظهر»
…
إلخ فيه فوائد:
منها: أن السنة تأتي مفصلة للقرآن، وعلى هذا فيكون قوله تعالى:{ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء} [النحل: 89]. يشمل السنة، لأن السنة تبين القرآن، فإنك لو نظرت إلى القرآن لن تجد هذا الحد في أوقات الصلاة، إنما تجده إجمالًا مثل قوله:{فسبحن الله حين تمسون وحين تصبحون (17) وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون} [الروم: 17، 18]. على القول بأن هذه إشارة إلى أوقات الصلاة.
ومثل قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر} [الإسراء: 78]. إذن تكون السنة المبينة للقرآن من القرآن.
ومن فوائد هذا الحديث: تعيين أوقات الصلاة على حسب ما جاء في هذا الحديث، وأن وقت الظهر من الزوال إلى أن يصير ظل كل شيء مثله زائدًا عن فيء الزوال؛ لأن فيء الزوال الذي زالت عليه الشمس لا يحسب.
ومن فوائده: أنه ليس بين وقت الظهر والعصر زمن؛ لقوله: «إذا زالت الشمس ما لم يحضر وقت العصر» .
ومن فوائد هذا الحديث: أن وقت العصر يدخل بانتهاء وقت الظهر مباشرة، وينتهي باصفرار الشمس؛ لقوله:«ما لم تصفر الشمس» .
ومن فوائدها هذا الحديث: أن وقت المغرب ليس كما يتوهم كثير من الناس ضيقًا، بل يمتد من غروب الشمس إلى مغيب الشفق، وبذلك يدخل وقت العشاء.
ومن فوائد هذا الحديث: أن وقت العشاء إلى نصف الليل، ونصف الليل داخل أو خارج؟
نصف الليل خارج على القاعدة المشهورة أن ابتداء الغاية داخل، وانتهاؤها خارج.
ومن فوائد هذا الحديث: أن وقت الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس، وهذا تفصيل صريح واضح.
ومن فوائد هذا الحديث: أن من صلى قبل هذه الأوقات فلا صلاة له، لكن إن صلى متعمدًا فهو متلاعب آثم، وربما يصل فعله إلى حد الكفر؛ لأنه من اتخاذ آيات الله هزوًا، ومن صلاها بعد الوقت متعمدًا فالجمهور يرون أنه يقضيها مع الإثم، والصواب أنه لا يقضيها؛ وذلك لأنه أخرها بلا عذر، فيكون متعديًا لحدود الله، ومن يعد حدود الله فأولئك هم الظالمون، والظالم لا يفلح {إنه لا يفلح الظالمون} [الأنعام: 21]. ولو شغل لكان مفلحًا، ويؤيد هذا - يعني: هذا استدلال من القرآن - من السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» .
فإن قال قائل: إذا صلى قبل الوقت يظن أن الوقت قد دخل؟
فإننا نقول: يرتفع عنه الإثم؛ لأنه جاهل، لكن يؤمر بإعادتها في الوقت؛ لأن ذمته لم تبرأ، وإذا أخرها عن وقتها جهلًا يظن أن الوقت لم يدخل، أو نائمًا أو ناسيًا، فلا إثم عليه، وهل تجزئه؟ نعم تجزئه، ودليله من السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم:«من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» .
فإن قال قائل: هل يجوز أن يصلي الصلاة مع الشك في دخول وقتها؟
الجواب: لا؛ لأن الأصل عدم دخوله، فإن قيل: مع الظن؟ قلنا: نعم، يجوز أن يصلي مع غلبة ظنه لدخول وقتها، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن أشكل عليه عدد الركعات:«فليتحر الصواب ثم ليبن عليه» . هذا دليل قولي، دليل إقراري: وهو أنهم أفطروا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تغرب الشمس ثم طلعت الشمس، ولا شك أنهم مفطرون على غلبة ظن لا على يقين؛ لأنهم لو أفطروا على يقين ما طلعت الشمس لكن على ظن، إذن له أن يصلي إذا غلب على ظنه دخول الوقت، فإن تبين أنه قبل الوقت وجبت عليه الإعادة؛ لأنه تبين أن ذمته لم تبرأ.
ومن فوائد الحديث: الحكمة في توقيت الصلوات؛ بحيث لم يجعلها الله عز وجل في وقت واحد، فهي حكمة ورحمة، وجه ذلك: أنها إذا تفرقت في الزمن صار الإنسان دائمًا مع الله عز وجل لا يغفل؛ لأنه لو غفل فإّا الوقت قد جاء، ومن الحكمة: ألا يتعب الإنسان؛ لأنه لو أمرنا أن نقوم بسبع عشرة ركعة في آنٍ واحد لكان في ذلك تعب ومشقة؛ لا سيما إذا كان الإنسان قد ضعفت قواه لتعب أو ملل، أو ما أشبه ذلك، ومن الحكمة في توزيع الأوقات: قوة الصلة بالله عز وجل؛ لأن كثرة التردد توجب قوة الصلة، إذا كان لك صديق أو حبيب، كنت تتردد إليه دائمًا فهذا يقوي الصلة بلا شك، ولها حكم أخرى تظهر للمتأمل في الحديث الذي بعده.
ومن فوائده: أن النبي صلى الله عليه وسلم يبادر لصلاة العصر، وكذلك في الحديث الثاني الذي بعده:«والشمس مرتفعة» دليل على أن يبادر لصلاة العصر، وهذا هو السنة، إذن نستفيد منه: مشروعية المبادرة بصلاة العصر، وهل مثلها غيرها؟ الجواب: نعم، دلت السنة على أن مثلها غيرها، ويؤيده حديث أبي برزة الأسلمي؛ لأنه لما قال:«كان يستحب أن يؤخر من العشاء» دل على أن غيرها لا يستحب أن يؤخر منه، وقد دلت السنة بالتتبع على أن إيقاع الصلاة في الوقت له أحكام.
الأصل استحباب التقديم في جميع الصلوات إلا واحدة، ما هي؟ العشاء، هذه واحدة، فلا
تقتضي التأخير، وقد يجب التقديم لكل الصلوات، وذلك مثل ما إذا كان الإنسان يخشى مانعًا من الصلاة في آخر الوقت، فإنه يجب عليه أن يقدم.
مثال هذا: امرأة كان من عادتها أن يأتيها الحيض في أثناء وقت صلاة الظهر، فنقول: يجب عليها التقديم في أول الوقت لئلا يأتيها المانع.
- رجل آخر له عمل [يؤديه] في أثناء الوقت، هذا العمل لا يمكن أن يتخلف عنه، فهذا نقول: يجب عليه أن يبادر ويصلي في أول الوقت، وقد يكون العكس يجب التأخير لآخر الوقت، وذلك فيما إذا كان على الإنسان واجب في الصلاة لا يتحقق إلا في آخر الوقت، كرجل يتعلم قراءة الفاتحة هو يعرف أنه في أول الوقت لا يستطيع أن يقرأ، لكن في آخر الوقت إذا تعلم يستطيع، نقول: هنا يجب التأخير.
ومثل ذلك: إذا كان شاكا في القبلة وكان يعلم أنه في آخر الوقت سيأتي الرجل الذي يدله على الاتجاه الصحيح، فهنا نقول: يجب أن ينتظر حتى يحضر من يدله على القبلة، المهم أنه إذا ترتب على التقديم ترك واجب كان التأخير واجبًا.
وهل يجب التأخير لصلاة الجماعة؟ نعم يجب. فإذا علمنا أن هذا الرجل إذا صلى في أول الوقت لم يجد جماعة، وإذا صلى في آخره وجد الجماعة، نقول: يجب عليه أن يتأخر لتحصيل الجماعة.
فإن قال قائل: ما تقولون في رجل عدم الماء في أول الوقت، وهو يرجو أن يجده في آخره، هل يجب عليه التأخير؟
في هذا قولان للعلماء:
منهم من قال: إذا غلب على ظنه أنه يجد الماء وجب عليه أن يؤخر ولا يصلي بالتيمم.
ومنهم من قال: لا يجب، ويفرق بينه وبين تعلم الفاتحة: بأن هذا له بدل وهو التيمم، والتيمم يقوم مقام الماء، لكن الفرق: هذا قد يشكل عليه أن الفاتحة أيضًا لها بدل وهو التسبيح، والتكبير، والتهليل، فحينئذ نقول: لا يجب عليه أن يؤخر لتعلم الفاتحة؛ لأن لها بدلًا، هذا هو القياس، إذا قلنا: إن الفرق هو أن طهارة الماء لها بدل بخلاف قراءة الفاتحة، فيجاب بأنه لها بدلًا.
وعليه: فيكون المثال السالم من الاعتراض هو التأخير للقبلة أو لصلاة الجماعة، وما أشبه ذلك لو أمره أبوه أن يؤخر قال: يا ولدي، تأخر حتى تصلي بي جماعة هل يلزمه؟ لا يلزمه، نقول: اذهب صل مع الناس وارجع، وصل بأبيك، ولا حرج.
في حديث أبي برزة من فوائده: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء، وسبق لنا أن أهل
هذا كراهة نفسية أو كراهة شرعية؟ بينا فيها احتمالين، ولكن تكون شرعية إذا خاف إذا نام ألا يستيقظ، أو أن يقوم في الثانية؛ فهنا نقول: الكراهة شرعية لا شك.
ومن فوائد الحديث - حديث أبي برزة -: كراهة الحديث بعد العشاء، لكنه وردا لتخصيص فيما إذا كان لحاجة أو مصلحة، فلو نزل بالإنسان ضيوف بعد صلاة العشاء فهل يجلس عندهم ويسكت ولا يتكلم بكلمة، أو يباسطهم الحديث؟ الثاني: لأن هذا فيه مصلحة وهو إكرام الضيف، كذلك لو تحدث الإنسان بعد العشاء لقراءة العلم وما أضبهه، هذا لا بأس به لأنه مصلحة، لو تحدث الإنسان بعد العشاء لإنقاذ غريق، أو لإعانة محتاج فهذا أيضًا جائز، وقد يجب في إنقاذ الغريق المهم أن له مخصصات.
ومن فوائد هذا الحديث - حديث أبي برزة -: المبادرة بصلاة الغداة لقوله: «كان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه» مع أنه يطيل القراءة بالستين إلى المائة.
ومن فوائده: إطالة القراءة في صلاة الفجر، ولذلك عبر الله عن صلاة الفجر بالقرآن فقال:{أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودًا} [الإسراء: 78].
ولذلك لم تقصر صلاة الفجر؛ لأنها تطول فيها القراءة كما قالت عائشة رضي الله عنها.
146 -
وعندهما من حديث جابر: «والعشاء أحيانًا يقدمها وأحيانًا يؤخرها: إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطئوا أخر، والصبح: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس» .
«وعندهما» أي: البخاري ومسلم «والعشاء أحيانًا وأحيانًا» ، يعني: ويصلي العشاء أحيانًا يعجلها، وأحيانًا يؤخرها، كيف هذا التفصيل؟ يقول:«إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطئوا أخره» ، «اجتمعوا» ، أي: الجماعة الذين يحضرون إلى المسجد، «عجل»؛ أي: قدمها في أول الوقت مراعاة لهم.
«وإذا رآهم أبطئوا أخر» لوجهين: مراعاة لفضيلة الوقت، ولأحوال الجماعة.
«والصبح: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس» «الصبح» هذه مشغول عنها، الفعل الذي سلط عليها مشغول عنها، لكن هل الاختيار أن ننصبها، أو الاختيار أن نرفعها؟
الاختيار: أن ننصبها؛ لأنه سبقها أفعال تعطف على الجملة الفعلية؛ فيكون الاختيار النصب، ولذلك باب الاشتغال تجري فيه الأحكام الخمسة بالنسبة للإعراب، تارة يجب الرفع، وتارة يجب النصب، وتارة يستحب الرفع، وتارة يستحب النصب، وتارة يجوز الوجهان على التساوي حسب ما هو معروف في كتب النحو.
وقوله: «كان يصليها بغلس» . الغلس: هو اختلاط ظلمة الليل بنور الفجر بحيث لا يغلب أحدهما الآخر؛ لأنه إن غلب نور الفجر فهو إسفار، وإن غلب ظلمة الليل لم يكن إسفارًا ولا غلسًا، بل هو الاختلاط.
* ففي هذا الحديث فوائد:
أولًا: أنه ينبغي للإمام مراعاة الناس في التقديم والتأخير في صلاة العشاء خاصة، وهل نقيس عليها غيرها؛ بمعنى: لو رأينا الناس يتأخرون فيما يُسن تقديمه هل نؤخره؟
الجواب: نعم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا عجل ما يسن تأخيره مراعاة للناس فلنؤخر ما يسن تعجيله مراعاة لهم، ولا فرق، فمثلًا إذا كانت هذه الدائرة فيها مسجد والموظفون مشغولون بالأعمال [ولا ينتهون] كلهم إلا في آخر الوقت، فهل نقول: إن الأفضل هنا التأخير من أجل مراعاة اجتماعهم؟ الجواب: نعم، إذا كان هذا هو الأرفق بهم، أما إذا كان هذا هو الأرفق بالكسالى، وأن النشيطين يحبون التقديم فلا عبرة بالكسالى.
ومن فوائد هذا الحديث: حسن رعاية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وأصحابه؛ حيث يراعيهم في العبادات إذا لم تتضمن هذه المراعاة وقوعًا في محرم، أو تركًا لواجب.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان يعذر للتأخر عن الصلاة إذا كان لا يخشى الفوات؛ لأن الصحابة يتعجلون في الوقت ويتأخرون فيه حسب الظروف: قد تكون أمطار، قد تكون ظلمة، قد تكون رياح توجب أن يتأخروا.
ومن فوائد هذا الحديث: أن السنة تقديم صلاة الصبح لقوله: «والصبح كان النبي صلى الله عليه وسلم يصيلها بغلس» ، وهل يفرق بين الشتاء والصيف بالنسبة لتقديم صلاة الفجر؟ يرى بعضهم أن يفرق، فيقول: أسفر في صلاة الفجر إذا كان في الصيف؛ لأن الناس لا ينامون من الليل إلا قليلًا، وعجل في صلاة الفجر إذا كانت في الشتاء؛ لأن الناس ينامون كثيرًا، ويأتون إلى المسجد وهم على نشاطهم، فإن راعى الإمام المصلحة في ذلك فليفعل.
147 -
ولمسلم من حديث أبي موسى: «فأقام الفجر حين انشق الفجر، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا» .
«أقام الفجر» أي: صلاة الفجر، والمراد بالإقامة هنا: الفعل، وليس الذكر المعروف. قلنا ذلك لنحمل «أقام» على معناه الحقيقي، وقد يراد بقوله:«أقام» ؛ أي: أمر من يقيم، وحينئذ فيراد بالإقامة: الذكر المخصوص.
وقوله: «حين انشق الفجر» جعل ذلك انشقاقًا؛ لأن الفجر إذا سطع على الظلمة فكأنما شقها؛ لأنها تتمايز الظلمة في مكان النور، فيكون هذا انشقاقًا، ولا يحدث ذلك إلا في الفجر الصادق؛ لأنه يمتدمن الشمال إلى الجنوب ويتصل بالأفق ولا ظلمة بعده؛ هذا هو الفجر الصادق.
يوجد الفجر الكاذب، ويختلف عن الفجر الصادق بثلاثة أمور:
أولًا: أن الفجر الكاذب مستطيل، يعني: يصعد في السماء طولًا.
والثاني: أنه لا يتصل بالأفق؛ لأن ما بينه وبين الأفق ظلمة.
والثالث: أنه يضمحل ويزول.
أما الصادق - فكما عرفتم بالأول - لا يتأتى في هذه الأشياء الثلاثة.
وقوله: «والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا» . أي: لا تقرب معرفة بعضهم بعضًا؛ وذلك لشدة الظلمة وعدم الإضاءة بالسروج.
148 -
وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: «كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله» . متفق عليه.
قوله: «كنا نصلي» هذه كان واسمها، والمعروف أن «كان» تفيد الدوام غالبا إذا كان خبرها فعلًا مضارعًا «كان يقرأ» ، «كان يفعل» وما أشبه ذلك.
وقوله: «نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا» يعني: من الصلاة، وهم لا ينصرفون إلا بعد انصراف النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نهى أن يسبقوه بالانصراف، وكان صلى الله عليه وسلم يبقى مستقبل القبلة بقدر ما يقول: أستغفر الله ثلاثًا، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف فينصرف الناس، فقوله:«فينصرف أحدنا» يعني: بعد أن ينصرف النبي صلى الله عليه وسلم، و «إنه» الجملة هذه حالية حال من الفاعل في قوله:«ينصرف» ؛ أي: من أحدنا، والحال:«وإنه ليبصر مواقع نبله» ، وكسرت «إن» ؛ لأن الجملة الحالية تكون مستأنفة، ويضاف إلى ذلك في هذا التعبير أنها قرنت اللام في خبرها، وإذا قرن خبر إن باللام وجب كسرها. «ليبصر مواقع نبله» أي: المكان الذي يقع فيه النبل، يعني: نبل السهم، يعني: السهم إذا أطلقه من القوس وهو بعيد.
ففي هذا الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبكر بصلاة المغرب؛ لأنهم إذا كانوا ينصرفون منها والضياء باق إلى هذا الحد؛ دل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم كان يبادر بصلاة المغرب، ولكن لابد من أن يكون هناك فاصل بين الأذان والإقامة لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا قبل المغرب، صلوا
قبل المغرب، صلوا قبل المغرب» ، ثم قال في الثالثة:«لمن شاء» . وهذا يقتضي أن يكون بين غروب الشمس وبين صلاة المغرب وقت يتسع للصلاة، وهل يجوز أن تؤخر؟
الجواب: نعم يجوز؛ لأن وقتها موسع، إلى متى؟ إلى أن يبقى بينه وبين دخول وقت العشاء مقدار الصلاة؛ فحينئذ يجب أن يصلي لأنه لا يجوز أن يؤخر الصلاة عن وقتها ولا بعض الصلاة عن وقتها.
149 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «أغتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بالعشاء حتى ذهب عامة الليل، ثم خرج فصلى، وقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي» . رواه مسلم.
«أعتم» ؛ أي: دخلت العتمة، والعتمة: اشتداد ظلمة الليل، وكان الرعاة يعتمون بالإبل، أي: يؤخرون حلبها إلى أن تظلم الأرض، فأعتم - إذن - بمعنى: أخر، «حتى ذهب عامة الليل» أي: حتى ذهب كثير من الليل، ولا يمكن أن نفسر «عامة» هنا بأكثر؛ لأننا لو فسرناها بأكثر لزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بعد منتصف الليل، وهذا لا يمكن، بل «عامة» بمعنى: كثير، «حتى ذهب عامة الليل، ثم خرج فصلى، وقال إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي» . وقال: «إنه» ؛ أي: هذا الوقت الذي صلى فيه «لوقتها» ؛ أي: لوقتها المختار «لولا أن أشق على أمتي» .
ففي هذا الحديث دليل على جواز تأخير الصلاة للإمام عن الوقت المعتاد لقولها: «ذات ليلة» ، و «ذات» هنا من حيث المعنى زائدة، وهي ترد بمعنى «صاحبة» مثل قوله صلى الله عليه وسلم:«ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال» . وترد زائدة كثيرًا، مثل قوله تعالى:{وأصلحوا ذات بينكم} [الأنفال: 1]. أي: أصلحوا بينكم.
ومثله هذا الحديث أيضًا: «ذات ليلة» وتطلق في اصطلاح المتأخرين على النفس فيقال: الذات والصفة يعني: النفس، لكنها ليست من لغة العرب الأصيلة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلا أن الناس يستعملونها كثيرًا بمعنى: النفس، «جاء زيد ذاته» بدل أن يقولوا:«جاء زيد نفسه» .
وفي هذا دليل على احترام الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث لم يتقدم أحد منهم فيصلي بالناس؛ لأنه تأخر إلى أن ذهب جزء كبير من الليل.
ومن فوائد الحديث: أن الأفضل في صلاة العشاء التأخير لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنه لوقتها» .