الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقدر عين الجرادة في ماء يبلغ مثلا قربة كاملة فهذا لا يغير على مقتضى هذا الحديث إذا أخذنا بعموم المفهوم يكون نجسا ولكنه لا يكون نجسا، ولو سقطت نجاسة كبيرة فيما دون ذلك لكان تغير الماء بها قويا.
فأنت أيها المسلم احتط لنفسك الذي يغلب على ظنك أن النجاسة تكثر فيه؛ لا تستعمله إلا لحاجة، وأما الذي يغلب على ظنك أن النجاسة لا تؤثر فيه أو تأكدت أنها لم تؤثر فيه؛ فلا يهمك أن يكون قليلا أو كثيرا، هذا هو الذي تدل عليه الأدلة والقواعد العامة في الشريعة، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
حكم اغتسال الجنب في الماء الدائم:
5 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب". أخرجه مسلم.
"لا يغتسل""لا" ناهية، والدليل على أنها ناهية جزم الفعل بها؛ لأن "لا" الناهية تعمل الجزم فيما تدخل عليه من الأفعال، وهي لا تدخل إلا على المضارع، فهي من علامات المضارع، وكذلك "لم" لا تدخل إلا على المضارع، فإذا وجدت كلمة دخلت عليها "لم" فهي للمضارع.
"أحدكم في الماء الدائم" أحدكم هذا خطاب للرجال، واعلم أن أكثر خطابات القرآن والسنة موجهة للرجال؛ لأن الرجال هم رعاة العلم، وهم رعاة الأمة، فلهذا تجد أكثر الخطابات في القرآن والسنة موجهة إلى الرجال.
وقوله: "في الماء الدائم"، الدائم سيأتي في الحديث الذي بعده أنه الذي لا يجري؛ لأنه ساكن لا يتحرك فهو دائم.
وقوله: "وهو جنب" الجملة هذه حال؛ يعني: في موضع نصب على الحال من "أحدكم"؛ أي: من فاعل يغتسل يعني والحال أنه جنب لماذا؟ لأن الجنب وإن كان طاهر البدن لكن قد يكون هناك إفرازات خفيفة بسبب الجنابة لا ندري ما هي فتؤثر في الماء توسخه وتقذره؛ فلهذا نهي أن يغتسل في الماء الدائم وهو جنب.
في هذا الحديث فوائد كثيرة؛ منها: رعاية الشريعة للصحة؛ لأن كون الإنسان يغتسل وهو جنب في ماء راكد لا يدخل عليه شيء ولا يخرج منه شيء لا شك أنه سيلوثه وسيكون علة له ولغيره.
ومنها: شمول الشريعة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم فهي شاملة لمصالح الناس في المعاد والمعاش خلافا لمن قال: إن الشريعة هي تنظيم العبادة فيما بين الإنسان وبين ربه، والباقي موكول إلى الناس، وهذا يخشى أن يكون من باب الكفر ببعض الشريعة والإيمان ببعضها.
الشريعة شاملة لكن الناس يختلفون في العلم والفهم، قد يقصر علم الإنسان عن الإحاطة بالشريعة وهذا كثير، وقد يقصر فهمه عما أحاط به من الشريعة فيظن أن الشريعة مقصرة أو قاصرة في هذا الباب.
ومن فوائد هذا الحديث: تحريم أو كراهة اغتسال الإنسان وهو جنب في الماء الدائم، من أين يؤخذ؟ من النهي، وقد اختلف الأصوليون في النهي هل هو للكرامة أو التحريم، أو يفرق بين ما كان مبناه العبادة وما كان مبناه الأدب والنظافة، فالأول محرم، والثاني للكراهة.
قالوا: إنما كان النهي للتحريم؛ لأنه في جانب العبادة، والإنسان إنما خلق للعبادة، فلابد أن يحققها فعلا للمأمور وتركا للمحظور، أما العادات وما يعود للصحة والنظافة وما أشبه ذلك فيحمل على الكراهة، والمتأمل للأحاديث التي ورد فيها النهي يرى أن هذا القول أقرب ما يكون؛ لأنه يمر بك أحاديث فيها نهي ولم تكن للتحريم ولا يمكن أن تقول إنها للتحريم، ويمر بك أحاديث تقول إنها للتحريم فإذا وجد نهي مطلق غير مقرون بما يدل على أنه للتحريم، فأقرب الأقوال في ذلك الوسط أن ما كان شأنه شأن العبادة فهو للتحريم، وما كان للنظافة والعبادات وما أشبه ذلك فهو للكراهة.
ومن فوائد هذا الحديث: فوائد الاغتسال في الماء غير الدائم، والماء غير الدائم ينقسم إلى قسمين:
قسم: الآن يجري، كالأنهار والسواقي. السواقي التي تجري هذه تطهر منها الإنسان ولا إشكال في ذلك سواء [كان جنبا] أو غير جنب فينوي الاغتسال ويغتسل ينغمس فيها، ولكن لا شك أن الذي يجري سوف يتجدد الماء على البدن فهل نقول كل جرية تجزئ عن غسله؟
الجواب: نعم، كل جرية تجزئ عن غسله، ولهذا قال الموفق رحمه الله في "المغني": إن الرجل إذا حرك يده في الماء ثلاث مرات فقد غسلها ثلاثا؛ لأن الماء يتجدد بالحركة، إذا كان الماء يجري فكل جرية تغمر البدن تعتبر غسلة.
والقسم الثاني من الماء غير الدائم: الذي هو الآن راكد، لكن نعلم أنه سوف بفتح له بعد ساعة أو ساعتين ويمشي ويجري كما يوجد هذا في البرك - برك البساتين- تجد البركة الآن مملوكة لا تجري هي الآن لكنه سوف يفتحها من يلوث الماء ويوزعها على الحائط ويأتي ماء جديد، هل نجعل هذا من الدائم أو من الجاري؟ هذا من الجاري، هذا لا شك أنه من الجاري: لأن هذا الماء سوف يذهب.
إذن ما هو الماء الدائم؟ الماء الدائم: ما يكون في الغدران. أتعرفون الغدران؟ مستنقعات الأمطار، نعم هي دائمة؛ لأن المطر قد ينزل وقد لا ينزل، وقد يبقى الغدير دائما على هذا الوضع فهذا هو الذي ينطبق عليه الحديث.
من فوائد هذا الحديث - وهو من مفهومه-: أنه يجوز الاغتسال في الماء الدائم عن غير جنابة كما لو اغتسل للتنظيف أو اغتسل غسلا مستحبا كما لو أفاق من إغماء واغتسل غسلا فهذا مستحب.
فهل نقول بهذا المفهوم أو نقول: المفهوم فيه تفصيل؟ نقول: المفهوم فيه التفصيل؛ لأن الإنسان إذا اغتسل في الماء الدائم من غير جناية قد يكون جسده ملوثا بأذى يؤذي الناس برائحته وإن لم ينغمس في الماء؛ فهذا نقول: إنه ينهى عن أن يغتسل في الماء الدائم، لكن نأخذ هذا من الحديث أو من القواعد العامة؟
القواعد العامة في أن الإنسان لا يجوز أن يؤذي المسلمين، وهذا يؤذي المسلمين؛ لأن المقصود: أنه في غدير، كل يأتي ويغتسل منها ويشرب منها، فإذا كان في الإنسان وسخ كثير يتغير به الماء حتى يطفو على سطح الماء ما يكون كالدهن من الأذى الذي يكون بالجلد؛ فهذا لا شك أنه ينهي عنه من أجل أنه يقذره ويكون هذا داخلا في القواعد العامة. أما لو كان البدن نظيفا واغتسل فيه من غير جنابة فالحديث يدل على الجواز.
ومن فوائد هذا الحديث: ذكر الجنب، فما هو الجنب؟ الجنب: من لزمه الغسل عن جماع أو إنزال. هذا الجنب، وقد كان كثير من الناس ولا سيما السباب الذي تزوج أخيرا يظن أنه لا غسل بالجماع المجرد، وهذا خطأ وينبغي لطالب العلم أن ينشر بين الناس أن الجماع يوجب الغسل وإن لم يحصل إنزال، بعض الناس يسألنا له شهر أو شهران أو أكثر لا يغتسل من الجنابة إلا إذا كان هناك إنزال وهذا خطأ.
لماذا أتى المؤلف بهذا الحديث في هذا الباب؟ إشارة إلى قول بعض العلماء رحمهم الله أنه إذا اغتسل في الماء الدائم وهو جنب فإنه يكون نجسا، وبعضهم يقول: إنه يكون طاهرا وغير مطهر، ونحن نقول: الحديث لا يدل لا على هذا لا على هذا، أما الأول: فما أبعد دلالته عليه كيف يكون نجسا والجنب طاهر، إن أبا هريرة كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق فانخنس - يعني: انسل في خفية- واغتسل ثم حضر، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:"أين كنت يا أبا هريرة؟ " قال: كنت جنبا فكرهت أن أجالسك على غير طهارة، فقال:"سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس".
فقال: "إن المؤمن" إشارة إلى أن أبا هريرة لما فهم أن الجنب لا يجالس الشرفاء والعظماء بين له أنه لا ينجس وهو جنب، فالقول بأن الماء ينجس قول ضعيف جدا، وأما القول بأنه يكون طاهرا غير مطهر فهو غير مسلم به لأمرين: