الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستنجاء بالماء:
81 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة، فيستنجي بالماء". متفق عليه.
قوله: "كان رسول الله يدخل الخلاء". "كان يدخل"، يقول العلماء: إن "كان" إذا كان خبرها مضارعا فإنها تدل على الدوام غالبا لا دائما، ودليل هذا أن السنة وردت بأن الرسول كان يفعل كذا، وكان يفعل كذا، وهما شيئان مختلفان فدل ذلك على أنها ليست للدوام دائما بل غالبا، وقد يسلب عنها معنى الظرفية وتكون دالة على الالتصاق، أي: التصاق اسمها بخبرها، ومن ذلك قوله تعالى في آيات كثيرة:{وكان الله غفورا رحيما} [النساء: 96]. فهنا "كان" ليست للدوام غالبا ولا دائما؛ لأنه سلب منها معنى الظرف، وصار المراد: اتصاف الله تعالى بالمغفرة والرحمة دائما، وقول عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم:"كان يقول في كل ركعتين التحية". هل هو دائما؟ نعم دائم، ولا يقال: إنه يرد على هذا أن الوتر ركعة يقول فيه التحية لأنه تقول: "كان يقول في كل ركعتين التحية"، ولم تقل:"في كل صلاة"؛ فخرج الوتر بقيد قولها: "في كل ركعتين".
قوله: "كان يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة" الغلام يطلق على الصغير، وقد يطلق على من بلغ لكنه لا زال صغيرا، وقد يطلق على المستخدم وإن كان كبيرا، ويطلق على المملوك وإن كان كبيرا، فقوله:"وغلام نحوي" هل المراد نحوي في السن أو نحوي في كونه يخدم الرسول عليه الصلاة والسلام؟ إذا قلنا: إنه ابن مسعود تعين أن يكون المراد بقوله: "نحوي: أي: في خدمة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكون إطلاق الغلام هنا على من كان بالغا من باب التوسط في الكلام، أما إذا كان غيره آخر صغير لم يذكره أنس، فلا إشكال.
وقوله: "إداوة من ماء" معناه: إداوة فيها ماء، و"الإداوة" جلد صغير يوضع فيه الماء، ويكون حمله سهلا ويسيرا ويشبهه ما كان من القطن ويسمى عندنا المطارة؛ فلا أدري هل هذا عندكم، على كل حال: هي إناء صغير يعلق في الكتف ويحمله المسافر على كتفيه؛ لأنه خفيف المحمل، فالإداوة عبارة عن إناء صغير من جلد أو غيره يحمله المسافر على كتفه؛ لأن حمله سهل.
وقوله: "إداوة من ماء" لو قال قائل: كيف قال من ماء، والإداوة تكون من الجلد؟
قلنا: من ماء، أي: فيها ماء، و"عنزة" العنزة يقول في الحاشية: عصا طويلة أسفلها سن كالرمح، وقيل: إنها الرمح القصير، هذه العنزة كان النبي عليه الصلاة والسلام يستعملها في
السفر عند قضاء الحاجة ليضع عليها الثوب حتى يستتر به، ويستعملها أيضا عند الصلاة يجعلها سترة له.
في هذا الحديث فوائد:
منها: استخدام الأحرار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلمن استخدم أنس بن مالك وهو حر.
ومنها: منقبة أنس بن مالك رضي الله عنه وذلك لخدمته النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذه منقبة وفضيلة لأنس رضي الله عنه، ومن الذي يحصل له أن يخدم الرسول عليه الصلاة والسلام.
ومنها: جواز مساعدة الإنسان في طهارته سواء كان ذلك في الطهارة من الخبث كما في هذا الحديث، أو في الطهارة من الحدث كما في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه حينما كان يصب الماء على النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ به.
ومنها: جواز التعاون في خدمة الشرفاء لقوله: "أحمل أنا وغلام نحوي إدازة من ماء وعنزة"،
وهنا نقول: هل التعاون هنا في هذا الحديث أن أحد الرجلين معه الإداوة، والثاني معه العنزة، أو أنهما يتعاقبانهما يأخذهما واحد مرة، والثاني مرة أخرى؟ الظاهر أن الأول أقرب، فيكون قوله:"إداوة من ماء وعنزة" موزعا على الرجلين، وليس المعنى: أن كل رجل يحملهما جميعا.
ومنها: الاستعداد لما ينبغي أن يفعل لقوله: "وعنزة".
ومنها: تأكد السترة في الصلاة وعند التخلي.
ومنها: جواز الاستنجاء بالماء دون الحجارة؛ لأن أنسا رضي الله عنه لم يذكر أنه كان يحمل أحجارا معه، وإنما ذكر أنه كان يحمل الماء، والماء إنما كان ليستنجي به النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فيدل الحديث على جواز الاقتصار على الماء في الاستنجاء، وإن كانت الدلالة فيها شيء من الضعف، لكن هذا هو الظاهر أنهم حملوا هذا ليستنجي به.
ومن السلف من كره الاقتصار على الماء، ووجه كراهته، أن الإنسان إذا استنجى بالماء لزم منه ان يباشر بيده النجاسة، قالوا: ولا ينبغي للإنسان أن يباشر النجاسة؛ لأنها تعلق به، وعلى الأقل يعلق به ريحها، فلا ينبغي أن يفعل؛ لكن الصحيح وأظنه انعقد الإجماع بذلك على الجواز، وهذا هو الصحيح أنه يجوز أن يقتصر الإنسان على الاستنجاء بالماء ويجاب عن ملامسة النجاسة بأن هذه الملامسة لإزالتها وليست لاستبقائها، فهو يماسها من أجل غزالتها، كما نقول في المحرم: إذا سقط عليه طيب وأراد أن يغسله فله أن يمس ذلك بيده؛ لأن مسه بيده من أجل إزالته لا من أجل استبقائه، فلا نلزمه أن يأتي بعود أو نحوه يغسل به الطيب، بل
نقول: له أن يغسل بيده ولا حرج؛ لأن هذا من أجل إزالته، ونظير ذلك لو أن شخصا غصب أرضا ولما توسط منها ندم وتاب، فماذا نقول: تبقى واقفا في مكانك أم له أن يستعمل الأرض في المشي عليها؟ الثاني، ومشيه هنا ليس عليه فيه إثم، وإن كان هو مستوليا عليها بهذا المشي؛ لأن هذا المشي إنما هو للتخلص منها؛ فالصواب: جواز الاقتصار على الاستنجاء بالماء في تطهير الخارج من السبيلين.
استدراك:
حكم لبس الخاتم: بعض العلماء كرهه إلا لحاجة؛ لأنه ورد حديث ضعيف، لكن بعض العلماء قواه وهو أن الرسول نهى عن التختم إلا لذي سلطان. إلا أن العلماء قالوا: إن هذا حديث ضعيف، والصواب أنه مباح وليس بسنة، وصرح بعض العلماء بكراهة لبسه لمن أراد الزينة، يعني: من الرجال ولو كان مباحا، والصحيح: أنه إذا أبحناه فسواء لبسه الإنسان للزينة أو لبسه لمجرد أنه يهوى هذا الشيء لكنهم قالوا: يكره للرجل أن يجعله في السبابة والوسطى، والأفضل في الخنصر والبنصر والإبهام وليس فيه كراهة وليس فيه استحباب، ولكن الخروج عن العادة قد يلحقه بالشهرة وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لباس الشهرة.
أسئلة:
- الخبث فيها روايتان ما هما؟
- معناها على لغة السكون؟ معناها على لغة الضم؟
- ما مناسبة الدعاء بهذا عند دخول الخلاء؟
- متى يعبر بالفعل عن إرادته؟ أن تكون الإرادة قريبة وأيضا جازمة من أجل أن يتحقق الفعل.
- قول أنس: "كان النبي يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلام" من المراد بالغلام؟
- لماذا يحمل الإداوة والعنزة؟
- هل يؤخذ من الحديث هذا جواز الاقتصار على الماء في تطهير المحل؟
- كره بعض العلماء السابقين أن يقتصر على الماء، فما تعليله وما الرد عليه؟
- ما تقول في محرم أصابه فجعل يغسله بيده أعليه فدية أو لا؟
- هل مثل ذلك إذا كان على رأس المحرم طيب وأراد أن يتوضأ، هل نقول: يجب أن تأتي بشيء لا تباشر فيه الرأس؟ تقول عائشة: "كنت أنظر إلى النبي وعليه وبيص المسك على رأسه".
82 -
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ الإداوة، فانطلق حتى توارى عني، فقضى حاجته". متفق عليه.
المغيرة بن شعبة رضي الله عنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وكان مصاحبا له، وكان يخدمه في وضوئه واستنجائه فقال له:"خذ الإداوة" ما هي الإداوة؟ الإداوة هي: إناء من جلد صغير يكون فيه الماء، ويشبهه عندنا ما يسمى بالمطارة، وقوله:"خذ الإداوة" من المعلوم أنه إنما أمره ليأخذها من اجل أن يستنجي بالماء ويتوضأ به، "فانطلق حتى توارى عني" توارى؛ بمعنى: اختفى عنه، "فقضى حاجته" يعني: ببول أو غائط، وإنما فعل ذلك عليه الصلاة والسلام لا من اجل ستر لعورة؛ لأن ستر العورة واجب ويحصل بأدنى من ذلك، ولكن من أجل أن يبتعد عن رؤيا الناس له على هذه الحال؛ لأن الرجل الحيي الذي فيه الحياء لا يحب أن يراه الناس وهو يقضي حاجته بل يحب أن يبعد حتى لا يروه، وهذا غير نظر العورة؛ لأن نظر العورة أشد من هذا ويأتي الكلام عليه.
في هذا الحديث فوائد منها: جواز استخدام الأحرار، دليله: أن الرسول استخدم المغيرة بن شعبة.
ومن فوائده: أن أمر الخادم بالشيء لا يعد سؤالا مذموما، فقول الرسول للمغيرة:"خذ هذا" أمر ليس سؤالا؛ لأن الخادم يرى نفسه في منزلة دون منزلة المخدوم، فإذا وجه إليه أمر فليس سؤالا، ولكنه أمر.
ومن فوائد هذا الحديث: فضيلة المغيرة ومنقبته في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن هذه منقبة ومزية أن يكون الإنسان خادما للرسول عليه الصلاة والسلام لما في ذلك من الشرف العظيم، ومن العلم الذي يكتسبه من خدمته للرسول عليه الصلاة والسلام.
ومن فوائد الحديث: جواز الاقتصار على الماء في الاستنجاء؛ إذ لم يأمر المغيرة أن يحمل أحجارا.
فإن قال قائل: ربما تكون الأحجار عنده فلا يحتاج أن يأمره.
قلنا: نعم، هاذ محتمل، لكن إذا نظرنا إلى حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يأتي بأحجار فأتى بحجرين وروثة، فألقى الروثة، وقال:"إنها رجس". فهذا يدل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا أراد الاستجمار بالحجر طلب ممن يخدمه أن يأتيه بالحجر.
ومن فوائد هذا لحديث: شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم، والحياء معروف ولا يمكن أن نحده بأوضح من لفظه، فإن الانفاعالات النفسية لا يمكن للإنسان أن يحدها ويعرفها. لو قال قائل: ما