الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلو حملنا أنها على الدوام دائما لكان هذا تناقضا لكنها في الغالب، "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد"، وسبق أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بثلثي مد فجعل يدلك ذراعيه، وإن كان ضعيفا.
والمد: هو ربع الصاع، أي: ربع صاع النبي صلى الله عليه وسلم، والمصطلح عليه عندنا هنا: أن المد ثلث الصاع، وقوله: يغسله بالصاع، وهو أربعة أمداد وهو كما ذكرنا لكم سابقا، ينقص عن الصاع الموجود عندنا الخمس، ويزبد عليه صاعنا الربع، إذن إذا نسيت زيادة الصاع عندنا على صاع النبي صلى الله عليه وسلم تقول: يزيد عليه الربع؛ لأن ذاك ثمانون وهذا مائة وعشرون، وإذا قلت: ينقص صاع النبي صلى الله عليه وسلم عن صاعنا، نقول: الخمس يعني عشرين من مائة، وأكثر إلى خمسة أمداد، فيكون صاعا ومدا؛ وهذا هو الأكثر لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ بمد ويغتسل بالصاع، فيؤخذ من هذا الاقتصاد في استعمال الماء؛ لأن هذا لا شك أنه قليل.
ومن فوائده أيضا: أنه ينبغي للإنسان أن يكون مقتصدا في العبادة، لا يزيد عليها لا كمية ولا كيفية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الكمية - لما توضأ ثلاثا- قال:"من زاد على ذلك فقد أساء وتعدى وظلم".
ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي أن نقتدي بالرسول عليه الصلاة والسلام في هذا، ولهذا قال العلماء: يسن أن يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، وهذا ممكن إذا كان الإنسان يغترف من إناء، يعني: ممكن أن يتوضأ بهذا القدر، لكن إذا كان يصب عليه من المواسير فإن ذلك لا يمكن، ولا يمكن انضباطه.
أذكار الوضوء:
52 -
وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد يتوضأ، فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء". أخرجه مسلم، والترمذي، وزاد:"اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين".
"ما منكم من أحد" لها نظير في القرآن الكريم - في التركيب هذا- وهو قوله تعالى: {فما منكم من أحد عنه حجزين} [الحاقة: 47]. فإعرابها أن (ما) نافية، و (منكم) خبر مقدم و (من أحد) مبتدأ
مؤخر، لكن المبتدأ هنا اقترن ب (من) الزائدة لتوكيد العموم، وإنما قلنا: لتوكيد العموم؛ لأن (أحد) نكرة جاءت في سياق النفي وهي تفيد العموم، يعني: ما من إنسان منكم، والخطاب للصحابة، لكن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة خطاب لجميع الأمة.
"ما منكم من أحد يتوضأ" صفة لأحد "فيسبغ الوضوء" أي يتمه كما وكيفا، "ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" ثم يقول إذا انتهى من الوضوء:"أشهد أن لا إله إلا الله"، "أشهد" بمعنى: أنطق بلساني معترفا به في قلبي كأنما أشاهده رأي العين.
وقوله: "أن لا إله إلا الله" أسمع بعض الناس ينطق بها فيقول: "أشهد أن لا إله إلا الله"، وهذا لحن فاحش؛ لأن "أن" المشددة لا يجوز أن يكون اسمها ضمير الشأن محذوفا، وإنما هي "أن" المخففة، وعلى هذا فنقول:"أن لا إله" وليس: "أن لا إله"، "أن لا إله إلا الله"، وضمير الشأن نا محذوف هو اسمها، و "لا إله إلا الله" الجملة خبرها، وقوله:"لا إله إلا الله"(إله) بمعنى: مألوه، والمألوه هو: المعبود تألها ومحبة وتعظيما، وقوله:"إلا الله" لا يصح أن نعرب (الله) خبر "لا"؛ لأن لفظ الجلالة معرفة، بل يقول النحويون أنه أعرف المعارف، و (لا) النافية للجنس لا تعمل إلا في النكرات، وعلى هذا فلا يصح أن نعرب (الله) على أنه خبرها؛ لأنه من شرطها أن تعمل في النكرات.
إذن أين الحبر؟ الخبر محذوف قدره بعضهم: "لا إله موجود"، وهذا التقدير لا يصح، لماذا؟ لأنه موجود آلهة غير الله، قال الله تبارك وتعالى:{فما أغنت عنهم ءالهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك} [هود: 101]. وقال تعالى: {ولا تجعل مع الله إلها ءاخر} [الإسراء: 39].
فالآلهة موجود، وقال تعالى في ذكر بطلان آلهة المشركين:{إن هي إلا أسماء سميتموها} [النجم: 23]. فهم يسمونها آلهة لكن هل هي آلهة في الحق؟ لا.
وعليه فنقول: من قدر (لا إله موجود)؛ فإنه غلط فاحشا من وجهين:
الوجه الأول: أن الواقع يكذبه؛ لأنه توجد آلهة سوى الله.
الوجه الثاني: لا يوجد إله إلا الله لزم أن تكون هذه الآلهة هي الله وهذا خطأ فاحش.
إذن ما الذي نقدر؟ نقدر ما دل عليه القرآن {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه البطل} [لقمان: 30]. فنقدر "حق" وهو أحسن من تقديرنا "بحق"؛ لأننا إذا قدرنا "بحق" لزم أن تكون "بحق" جار ومجرور متعلق بمحذوف، والتقدير: لا إله كائن بحق إلا الله، ومتى أمكن عدم الإضمار فهو أولى، لاسيما أن عدم الإضمار فيه مطابقة للقرآن {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه البطل} [لقمان: 30]. وعلى هذا نقدر: لا إله حق إلا الله.
فإذا قال قائل: المعنى غير بين؟
نقول: هو بين، نقول:"لا رجل قائم إلا زيد" يمكن أو لا يمكن؟ يمكن، فنقول:"رجل" اسمها، و "قائم" خبرها، وعليه فنقول:"الله" لفظ الجلالة يكون بدلا من الخبر المحذوف، والبدل له حكم المبدل فعلى هذا يكون المعنى: أنه لا يوجد إله حق إلا الله عز وجل، وهذا هو المتعين.
"لا إله إلا الله وحده لا شريك له"، "إلا الله وحده" توكيد للإثبات أو للنفي؟ توكيد للإثبات، "لا شريك له" توكيد للنفي، وحق لهذه الكلمة بمعناها العظيم أن تؤكد بأن الله وحده هو الحق لا شريك له لا مشارك له في هذه الألوهية.
"وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" فنقول في "أشهد" مثل ما قلنا في "أشهد" الأولى، "وان محمدا" هنا أبقيت على ثقلها أو خففت؟ بقيت على ثقلها؛ لأنها تصح أن تدخل على الجملة الاسمية أشهد أن محمدا عبده ورسوله. "محمد" علم شائع في جنس الأعلام، فمن هو؟ هو محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي - صلوات الله وسلامه عليه- وإنما لم يقيد بوصف يبينه؛ لأنه قد ملأ القلوب علم يعرف أنه فلان، العلم ليس يعين الشخص نفسه لكن يعين المسمى به، وإذا كان المسمى به محمدا مثلا عشرة صار مبهما أو معينا؟ صار مبهما، لكن هذا لما كان معرفته في القلوب حالة لا يمكن أن ينصرف القلب لغيره أغنى عن ذكر الصفة الكاشفة وصار المراد ب"محمد": محمدا رسول الله الهاشمي القرشي صلوات الله وسلامه عليه، وحقق لنا ولكم اتباعه.
"عبده ورسوله" هذه عبودية من أخص أنواع العبودية؛ لأن العبودية أنواع:
عبودية عامة: وهي التعبد لله تعالى كونا، وهذا شامل لجميع الخلق كل الخلق يتعبدون لله كونا لا يمكن أن يخرجوا عن طاعته أبدا حتى الكافر وهو عبد لله، قال الله تبارك وتعالى:{إن كل من في السموت والأرض إلا ءاتي الرحمن عبدا} [مريم: 93]. وهذه العبودية العامة لا يحمد عليها الإنسان؛ لأن الإنسان مسخر.
وعبودية خاصة: وهي التعبد لله بشرعه، هذه هي التي يحمد عليها الإنسان وهي مدار الثناء، العبودية لله بالشرع أقسام بعضها أخص من بعض، فعبودية الصالحين ليست كعبودية الأولياء؛ لأن عبودية الأولياء أخص، عبودية الأولياء ليست كعبودية الأنبياء، عبودية الأنبياء أخص، عبودية الأنبياء ليست كعبودية الرسل، عبودية الرسل أخص؛ لأنهم محملون إبلاغ الرسالة إلى عباد الله والجهاد عليها إذا أذن لهم في الجهاد.
وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالعبودية من أي الأنواع؟ من أخص الأخص، بل هو عليه الصلاة والسلام وإخوانه من أولي العزم هم أخص أنواع العبودية، ولذلك انظر إلى أعماله عليه الصلاة والسلام ماذا يصنع: ذكر، استغفار، صلاة صدقة، بذل، لا يوجد له نظير، حتى إنه - عليه الصلاة
والسلام- لما كان يصلي حتى تنفطر قدماه قالوا له في ذلك فقال: "أفلا أكون عبدا شكورا". هذه هي العبودية التامة، أما الرسالة فحدث ولا حرج، يخرج إلى الناس في أوطانهم يدعوهم إلى الله عز وجل ويرجع وهم قد أدموا عقبه ولم يستجيبوا له، ومع ذلك هو صابر، وخروجه إلى أهل الطائف ودعوته إياهم ثم إهانتهم له حتى يرميه فتيانهم بالحجارة ويدموا عقبه ثم يرجع لم يفق إلا في قرن الثعالب، ويأتيه ملك الجبال يقرئه السلام، يقول: إن الله أمره إذا شاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطبق عليهم الأخشبين الآن، الأمر بيده بإذن الله عز وجل لو شاء لأمر ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين، لكن ماذا قال؟ قال:"أستأنيهم - أي: أتأنى- لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به". وهذا أتجدون أحدا أصبر من هذا حتى الفطرة والطبيعة تقتضي أن ينتقم الإنسان من هؤلاء وأمثالهم، لكنه عليه الصلاة والسلام. لا ينتقم لنفسه أبدا؛ إنما أمره الله، إذن هو قد اتصف بأكمل أنواع العبودية.
"ورسوله" أي: المرسل من قبل الله عز وجل، فهو رسول من الله إلى من؟ إلى الإنس والجن، إلى جميع الناس من يهود ونصارى ووثنيين وملحدين، إلى كل الخلق، وهو أرسل إلى الملائكة أو لا؟ هذا معل لا حاجة إلى بحثه، لكن أرسل إلى الجن والإنس، فالإنس والجن كلهم مكلفون بقبول رسالته والشهادة له بالرسالة، وما أحسن الكلمة التي قالها الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله قال:"هو عبد لا يعبد ورسول لا يكذب"، هذه جملة جيدة جدا تصرها سهل وهي جامعة، "هو عبد لا يعبد ورسول لا يكذب"، هذه جملة جيدة جدا تصورها سهل وهي جامعة، "هو عبد لا يعبد ورسول لا يكذب"، وسيأتينا - إن شاء الله- في فوائد هذا الحديث أن الناس صاروا فيه طرفين ووسط: طرف عبدوه، وطرف كذبوه، والوسط: من عبدوا الله برسالته وصدقوه، هؤلاء هم الوسط.
يقول عليه الصلاة والسلام: "ما من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة"، دائما في القرآن يشير الله إلى هاتين الشهادتين في عدة مواضع نذكر منها موضعا واحدا ونقيس عليها الباقي، قال الله تعالى:{أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت ءاباءهم الأولين} [المؤمنون: 68]. هذه تتضمن الشهادة لله عز وجل؛ حيث جاء قوله وهو كلامه بتحقيق التوحيد {أم لم يعرفوا رسولهم} [المؤمنون: 69]. هذه شهادة أن محمد رسول الله، وهذا يأتي في القرآن كثيرا بأن يذكر أولا ما يتضمن التوحيد ثم ما يتضمن الرسالة، قوله:"إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء"، "إلا فتحت"، من المعلوم أن الجنة ليست في الأرض، وأن القائل لا يشاهدها، ولا يشاهد
أبوابها، لكن إذا جاءنا الخبر عن الصادق المصدوق فما موقفنا؟ أن نصدق به أكثر مما نصدق ما نشاهده بأعيننا؛ لأن العين قد تخطئ وخبر النبي عليه الصلاة والسلام لا يخطئ، وعلينا أن نؤمن بهذا الأمر الغيبي، وأن الإنسان إذا تطهر وأسبغ الوضوء وقال: هذا فتحت له أبواب الجنة، فماذا يترتب على فتحها؟ يترتب على فتحها له أن الله ييسر له جميع الأعمال التي بها يدخل هذه الأبواب، وتعرفون أن أبواب الجنة منها باب للصلاة، وباب للصيام، وباب للصدقة، وباب للجهاد كما جاء في الحديث، فيكون مضمون هذا أن الله تعالى ييسر لهذا المتوضئ الذي أكمل وضوءه بالتوحيد، وهي طهارة القلب، ييسر له الأعمال التي يدخل بها من أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء.
أخرجه مسلم، والترمذي، وزاد- يعني: الترمذي-: "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين": "اللهم" يعني: يا الله، "واجعلني" أي: سيرني من التوابين، الذين يريدون التوبة من كل ذنب وفعل فعلوه، "واجعلني من المتطهرين" الذين تطهروا بأبدانهم وقلوبهم، وهذا مأخوذ من قول الله تبارك وتعالى:{فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يجب التوبين ويجب المتطهرين} [البقرة: 222]. فإذا جعلك الله من التوابين المتطهرين فإنك تنال بذلك محبة الله.
من فوائد حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الحث على إسباغ الوضوء؛ لما يترتب عليه من الفضيلة إذا ذكر الذكر من بعده لقوله: "ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء".
ومنها: أنه لابد لحصول الثواب من الإسلام فننظر هل هذه الفائدة واضحة؟ يمكن أن تؤخذ من قوله: "ما منكم من أحد" والخطاب للمؤمنين، غير المؤمن لو توضأ وأحسن الوضوء فإنه لا يحصل له ذلك، بل ولا يقبل منه.
ومن فوائد هذا الحديث: حكمة الشريعة بالتناسب في شرائعها؛ حيث إنه لما حصلت الطهارة الحسية الظاهرة ندب إل الطهارة المعنوية، فإن التوحيد تطهير للقلب من الشرك والوضوء تطهير للأعضاء من الحدث.
ومن فوائد الحديث: أنه لابد من النطق باللسان فيما يعتبر قولا، أي: لابد للقول من النطق فيه باللسان؛ لقوله: "ثم يقول: أشهد"، ولا يكفي أن يمر ذلك على قلبه، بل لابد من النطق.
ومن فوائد هذا الحديث: إثبات توحيد الألوهية لقوله: "أشهد أن لا إله إلا الله"، وتوحيد الألوهية له قسمان: توحيد الألوهية باعتبار تعلقه بالله عز وجل، وتوحيد الألوهية باعتبار تعلقه بفعل العبد؛ ولهذا يعبر عنه بعضهم بتوحيد العبادة وتوحيد الألوهية.
ومن فوائد هذا الحديث: بطلان جميع الآلهة سوى الله لقوله: "أشهد أن لا إله إلا الله".
ومن فوائد هذا الحديث: تأكيد الكلمات المهمة في قوله: "وحده لا شريك له"، فالأشياء المهمة ينبغي أن تؤكد إما توكيدا لفظيا، وإما توكيدا معنويا، واعلم أن التوكيد هنا ليس المراد بالتوكيد الذي ذكره النحويون، فإن التوكيد الذي ذكره النحويون لفظي ومعنوي، والمعنوي له ألفاظ مخصوصة، مثل:"كل، وجميع"، وما أشبه ذلك، لكن هنا توكيد معنوي بذكر جملة تفيد معنى الجملة التي سبقها.
ومن فوائد هذا الحديث: شهادة أم محمدا عبد الله ورسوله مقترنة بشهادة التوحيد، ووجه ذلك: أن كل عبادة لابد فيها من إخلاص، ولابد فيها من متابعة، فالإخلاص يتحقق بشهادة أن لا إله إلا الله، وبالمتابعة تتحقق شهادة أن محمدا عبد الله ورسوله.
ومن فوائد هذا الحديث: الرد على الغلاة في النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: "أن محمدا عبده"، فليس للنبي صلى الله عليه وسلم حظ من الربوبية، هو عبد عليه الصلاة والسلام وليس برب.
ومن فوائد الحديث: الرد على منكري رسالة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "ورسوله".
ومن فوائد هذا الحديث: فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم حيث جمع بين شرف العبادة وشرف الرسالة لقوله: "عبده ورسوله".
ومن فوائد الحديث: وجوب تصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن الله لكونه رسولا من عنده، تبارك وتعالى قال:{ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حجزين} [الحاقة: 44 - 47]. فكل ما أخبر به عليه الصلاة والسلام عن الله فهو حق وصدق، وكذلك كل ما أخبر به عما وقع من الوقائع - حتى وإن لم تتعلق بالشرائع- فإنه يجب تصديقه عليه الصلاة والسلام لأنه معصوم من الكذب.
ومن فوائد الحديث: فضيلة هذا الذكر عقب الوضوء، لكن عقب أي وضوء أم وضوءا كاملا؟ الوضوء الكامل لقوله:"فيسبغ الوضوء".
المؤلف رحمه الله ساق ذكرا في أول الوضوء وذكرا في آخر الوضوء، الذكر في أوله البسملة، والذكر في آخره هذا الذي سمعتم.
وأما في أثناء الوضوء فإنه ليس فيه ذكر، وما يذكر من أن لكل عضو من الأعضاء ذكرا مخصوصا، فإنه لا صحة له، فليس هناك أذكار في الوضوء إلا البسملة في أوله والتشهد في آخره.
ومن فوائد الحديث: إثبات الجنة وأن لها أبوابا لقوله: "إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية".
ومن فوائده: أن أبواب الجنة ثمانية، وقد ثبت بالكتاب العزيز أن أبواب النار سبعة، وهذا
مما يشير إلى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من "أن رحمة الله سبقت غضبه"؛ ولهذا كانت أبواب دار كرامته من أبواب دار عقوبته.
ومن فوائد هذا الحديث: أن من قام بما ذكر تيسرت له أبواب الخير، يعني: فيسره للصلاة الصدقة، الجهاد، كل أبواب الخير.
ومن فوائد هذا الحديث: الرد على الجبرية الذين ينكرون مشيئة العبد لقوله: "يدخل من أيها شاء"، وكذلك من قوله:"ما منكم من أحد يتوضأ"، فأضاف الفعل إلى الإنسان، وهذا هو الذي تدل عليه الأدلة السمعية والعقلية والواقعية، وأن الإنسان له مشيئة وإرادة، ولكننا نعلم أن الإنسان إذا شاء شيئا وفعله فإن الله تعالى قد شاءه وقدره ولا شك، فلا يكون في ملك الله تعالى ما لا يريد.
ومن فوائد هذا الحديث في رواية الترمذي: أن الإنسان إذا فعل ما يكون سببا للطهارة والتوبة، فإنه لا يعتمد على ذلك ويعجب بعمله، بل يسأل الله القبول لقوله:"اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين".
ومن فوائد الحديث الشريف: أن التوبة منزلة عالية ينبغي للمؤمن أن يسأل ربه إياها، لقوله:"اللهم اجعلني من التوابين" فما هي التوبة؟ التوبة بمعنى: الرجوع، وهي الرجوع من معصية الله إلى طاعته، ولها شروط خمسة:
الأول: الإخلاص.
والثاني: الندم على ما فعل من المعصية.
والثالث: الإقلاع عنها.
والرابع: العزم على ألا يعود.
والخامس: أن تكون في الوقت الذي تقبل فيه التوبة، وذلك قبل حضور الأجل وقبل طلوع الشمس من مغربها. فهذه الشروط الخمسة لابد فيها من التوبة وإلا لم تقبل.
وهل يشترط أن يتوب من الذنوب الأخرى؟ في هذا قولان للعلماء، قول أنه لا تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره، والصواب أن التوبة من ذنب تصح مع الإصرار على غيره، وفصل بعضهم فقال: إن كان الغير من جنس ما تاب منه فإنه يقبل، وإن لم يكن من جنسه فإنه لا يقبل، يعني: لا تقبل التوبة، والصواب أنها قبل مطلقا، فلو تاب الإنسان من الزنا مثلا قبلت التوبة وإن كان مصرا على النظر إلى النساء، وإذا تاب من السرقة قبلت توبته وإن كان يأكل