المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم الوضوء من لحوم الإبل: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ١

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌شرح مقدمة ابن حجر رحمه الله

- ‌كتاب الطهارة

- ‌1 - باب المياه

- ‌طهارة مياه البحر:

- ‌طهارة الماء:

- ‌كيف ينتقل الماء من الطهورية إلى النجاسة:

- ‌حكم اغتسال الجنب في الماء الدائم:

- ‌النهي عن البول في الماء الدائم:

- ‌اغتسال الرجل بفضل المرأة والعكس:

- ‌ولوغ الكلب:

- ‌أقسام النجاسات:

- ‌ طهارة الهرة:

- ‌كيف تطهر المكان إذا أصابته نجاسة:

- ‌الحوت والجراد والكبد والطحال:

- ‌2 - باب الآنية

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌حكم اتخاذ أوعية من جلود الميتة:

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الكفار:

- ‌تضبيب الإناء بالفضة:

- ‌3 - باب إزالة النجاسة وبيانها

- ‌تحريم الخمر وأحكامها:

- ‌الحمر الأهلية وحكم نجاستها:

- ‌حكم طهارة لعاب الإبل:

- ‌طهارة المني:

- ‌حكم بول الجارية والغلام والفرق بينهما:

- ‌حكم دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌4 - باب الوضوء

- ‌صفة الوضوء:

- ‌وجوب المضمضة والاستنشاق:

- ‌استحباب تخليل اللحية:

- ‌حكم الدلك:

- ‌صفة مسح الرأس والأذنين:

- ‌فضل إسباغ الوضوء:

- ‌استحباب التيمن:

- ‌المسح على العمامة وشروطه:

- ‌حكم البدء بالبسملة:

- ‌حكم الجمع بين المضمضة والاستنشاق بكف واحدة:

- ‌حكم ما يمنع وصول الماء في الوضوء:

- ‌أذكار الوضوء:

- ‌5 - باب المسح على الخفين

- ‌شروط المسح على الخفين:

- ‌صفة المسح على الخفين:

- ‌حقيقة السفر ومدة المسح للمسافر:

- ‌مدة المسح للمقيم:

- ‌حكم المسح على الخفين في الجنابة:

- ‌6 - باب نواقض الوضوء

- ‌حكم نقض الوضوء بالنوم:

- ‌عدم جواز صلاة الحائض:

- ‌الوضوء من المذي:

- ‌حكم نقض الوضوء بالقبلة:

- ‌خروج الريح:

- ‌مس الذكر:

- ‌القيء والرعاف والقلس:

- ‌حكم الوضوء من لحوم الإبل:

- ‌حكم من غسل ميتا:

- ‌حكم مس القرآن بغير وضوء:

- ‌هل يتوضأ من الحجامة:

- ‌حكم الوضوء من النوم:

- ‌التحذير من الوسواس في الوضوء:

- ‌7 - باب آداب قضاء الحاجة

- ‌تجنب دخول الخلاء بشيء فيه ذكر لله:

- ‌ دعاء دخول الخلاء:

- ‌الاستنجاء بالماء:

- ‌الأماكن المنهي عن التخلي فيها:

- ‌الكلام عند قضاء الحاجة:

- ‌النهي عن مس الذكر باليمين في البول:

- ‌النهي عن الاستنجاء باليمين:

- ‌النهي عن استقبال واستدبار القبلة بغائط أو بول:

- ‌ستر العورة أثناء قضاء الحاجة:

- ‌الدعاء بعد قضاء الحاجة:

- ‌ضرورة الاستجمار بثلاثة أحجار:

- ‌النهي عن الاستجمار بعظم أو روث:

- ‌الأمر بالاستنزاه من البول:

- ‌8 - باب الغسل وحكم الجنب

- ‌الجنابة من موجبات الغسل:

- ‌الاحتلام وأحكامه:

- ‌استحباب الاغتسال من تغسيل الميت:

- ‌حكم اغتسال الكافر إذا أسلم:

- ‌غسل يوم الجمعة:

- ‌حكم قراءة الجنب القرآن:

- ‌حكم نوم الجنب بلا وضوء:

- ‌صفة الاغتسال من الجنابة:

- ‌حكم المكث في المسجد للحائض والجنب:

- ‌جواز اغتسال الزوجين في مكان واحد:

- ‌9 - باب التيمم

- ‌التيمم من خصائص الأمة الإسلامية:

- ‌عدم صحة التيمم مع وجود الماء:

- ‌حكم التيمم من الجنابة وصفته:

- ‌بطلان التيمم بوجود الماء:

- ‌حكم التيمم للجروح عند مخالفة الضرر:

- ‌المسح على الجبيرة:

- ‌مسائل مهمة في المسح على الجبيرة:

- ‌10 - باب الحيض

- ‌الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌مباحث مهمة في الحيض:

- ‌علامة المستحاضة:

- ‌أحكام الاستحاضة:

- ‌حكم الاغتسال لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌وجوب الوضوء لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌حكم الكدرة والصفرة:

- ‌الاستمتاع بالحائض:

- ‌كفارة وطء الحائض:

- ‌أحكام تترتب على الحيض:

- ‌النفاس:

- ‌كتاب الصلاة

- ‌1 - باب المواقيت

- ‌استحباب التعجيل بالعصر وتأخير العشاء:

- ‌حكم الإبراد في صلاة الظهر:

- ‌الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها:

- ‌الفجر الصادق والفجر الكاذب:

- ‌الحث على الصلاة في أول الوقت:

- ‌2 - باب الأذان

- ‌صفة الأذان ومعانيه:

- ‌كيفية الأذان:

- ‌لا يشرع الأذان ولا الإقامة لصلاة العيد:

- ‌متابعة السامع للأذان:

- ‌صفة متابعة الأذان:

- ‌حكم أخذ الأجر على الأذان:

- ‌حكم الوضوء للمؤذن:

- ‌حكم إقامة من لم يؤذن:

- ‌فضل الدعاء بين الأذان والإقامة:

- ‌3 - باب شروط الصلاة

- ‌شرط الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر:

- ‌شرط ستر العورة وضوابطه:

- ‌شروط الساتر وضرورة طهارته:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌شرط استقبال القبلة وضوابطه:

- ‌حكم صلاة المسافر على الراحلة:

- ‌شرط طهارة المكان وضوابطه:

- ‌الأماكن التي ينهى عن الصلاة فيها:

- ‌ حكم الكلام في الصلاة وضوابطه:

- ‌حكم الحركة في الصلاة وضوابطها:

- ‌4 - باب سترة المصلي

- ‌صفة السترة للمصلي:

- ‌الأشياء التي تقطع على المصلي صلاته:

- ‌فائدة السترة وحكمها:

- ‌حكم اعتبار الخط سترة:

- ‌مسألة الخط بالتلوين وهل يعتبر سترة

- ‌مسألة حكم العمل بخبر الآحاد والحديث الضعيف:

- ‌5 - باب الحث على الخشوع في الصلاة

- ‌النهي عن الصلاة بحضرة طعام:

- ‌حكم الالتفات في الصلاة وأنواعه:

- ‌حكم البصاق في الصلاة وضوابطه:

- ‌ وجوب إزالة ما يشغل الإنسان عن صلاته:

- ‌التحذير عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة:

- ‌النهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين:

- ‌6 - باب المساجد

- ‌وجوب تنظيف المساجد وتطييبها:

- ‌النهي عن اتخاذ القبور مساجد:

- ‌حكم دخول الكافر للمسجد:

- ‌حكم إنشاد الشعر في المسجد وشروطه:

- ‌حكم إنشاد الضالة في المسجد:

- ‌حكم البيع والشراء في المسجد:

- ‌حكم إقامة الحدود في المسجد:

- ‌تمريض المرضى في المسجد:

- ‌زخرفة المساجد وزينتها:

- ‌تحية المسجد:

الفصل: ‌حكم الوضوء من لحوم الإبل:

على الوجه المطلوب مع وجود الرعاف؛ وإذا كان نهي أن يصلي وهو يدافع الأخبثين فكذلك هنا سوف يشتغل.

"القلس" نقول: إذا لم ينقض القيء فالقلس من باب أولى.

"المذي" ينقض الوضوء لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "توضأ وانضح فرجك" فهو ناقض للوضوء، فصار الثلاثة الأولى:"القيء، والرعاف، والقلس" كلها لا تنقض الوضوء؛ وذلك لأن الأصل بقاء الوضوء وعدم الناقض إلا بدليل صحيح.

‌حكم الوضوء من لحوم الإبل:

69 -

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه: "أن رجلا سأل صلى الله عليه وسلم أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم". أخرجه مسلم.

هذا يقال فيه ما قيل فيما سبق من جهة السؤال، قال:"أتوضأ من لحوم الغنم" يعني: إذا أكلها، فقال له:"إن شئت" يعني: إن شئت توضأ وإن شئت فلا تتوضأ، "أتوضأ من لحوم الإبل"، قال: نعم، يعني: أنه يجب أن تتوضأ، ووجه قولنا: يجب أن تتوضأ؛ لأنه علق الوضوء من لحم الغنم على مشيئته، وهذا يستلزم أن لا مشيئة له في أكل لحم الإبل، وأنه يجب أن يتوضأ.

أسئلة:

- اختلف العلماء رحمهم الله في حديث طلق، وبسرة اللذين ظاهرهما التعارض، فسلكوا مسلك الترجيح، فهل هذا المسلك صحيح؟ لا، لماذا؟ لأنه لا يصار إلى الترجيح إلا إذا تعذر الجمع.

- كيف يمكن الجمع؟

- حديث عائشة ذكره المؤلف وقال: إنه ضعفه أحمد فما فائدة ذكره؟ ليبين ضعفه.

- ما الفرق بين القيء والقلس؟

- هل قال أحد بأن القيء والرعاف ينقض الوضوء كثيره دون قليله؟ نعم، فقهاء الحنابلة، والراجح خلافه.

- هل المذي ينقض الوضوء؟

- نكمل حديث جابر قال: "أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الغنم"، كلمة "رجل" مبهم لم يعين، وهل الحكم يتوقف على تعين هذا الرجل؟ لا يتوقف، وعلى هذا فلا يضر عدم معرفة الرجل المذكور بعينه؛ لأن المقصود هو الحكم، سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ من لحوم

ص: 263

الغنم؟ قال: "إن شئت" يعني: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ، وهذا يدل على أن من الأعمال ما يجوز فعله؛ ولكن لا يستحب، لكن إن فعله الإنسان فلا حرج عليه؛ لأن كون الرسول عليه الصلاة والسلام يضيف هذا الشيء للمشيئة يدل على أن الإنسان إن توضأ لم يؤجر، وإن ترك لم يأثم ولم يؤجر، قال:"إن شئت".

قال: "أتوضأ من لحوم الإبل" قال: "نعم"، "نعم" يعني: توضأ فقوله: "من لحوم"، ولحوم يشمل كل ما يحمله قدم ورجل الحيوان فإنه يسمى لحما، فيدخل فيه لحم القلب، والكبد، والكرش، والأمعاء، وكل ما شمله جلد هذه البهيمة فإنه داخل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل، واللحم عند ذكر الحل والتحريم أو ترتيب الأحكام يشمل الجميع، قال الله تعالى:{حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير} [المائدة: 3]. ومن المعلوم أن لحم الخنزير يشمل جميع ما أدخل جلده من لحم أحمر وأبيض وأمعاء وكرش وكبد وغير ذلك.

ففي هذا الحديث فوائد كثيرة منها: حرص الصحابة رضي الله عنهم على تعلم العلم؛ ولهذا لا يدعون صغيرة ولا كبيرة يحتاجون إليها في الدين إلا سألوا عنها، ومن تتبع الأسئلة الواردة من الصحابة على النبي عليه الصلاة والسلام تبين له أن قول بعض الجهال: إن الصحابة رضي الله عنهم لم يتعمقوا في العلم ولا في السؤال عنه قول باطل؛ لكنهم لم يتعمقوا تعمق المتأخرين الذين يضربون الأمثال، ويصورون الصور البعيدة الوقوع، بل الممتنعة الوقوع، الصحابة رضي الله عنهم يأتون الأمور بظاهرها ولا يتعمقون، لكنهم موفقون للعلم الصحيح.

ومن فوائد هذا الحديث: أن لحم الغنم لا يجب الوضوء منه سواء كان نيئا أو مطبوخا/ وجه الدلالة: الإطلاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفصل، والسائل لم يستفصل، فمن أكل لحم غنم نيئا كان أو مطبوخا لم يجب عليه الوضوء. فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قال: "توضئوا مما مست النار"؟

قلنا: "بلى"، لكن هذا الحديث ورد ما يدل على أنه ليس بواجب، أعني: الوضوء مما مست النار لقول جابر - أظنه جابرا-: "كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار". وهذا الترك لبيان الجواز، وعليه فيكون قوله:"إن شئت" عاما للحم المطبوخ واللحم النيئ.

ومن فوائد هذا الحديث: إثبات المشيئة للعبد، وأن العبد له مشيئة تامة لقوله:"إن شئت"، وفي هذا رد على طائفة مبتدعة مخالفة للمعقول والمنقول والمحسوس ألا وهي الجبرية الذين

ص: 264

يقولون: إن الإنسان ليس له مشيئة، وإنما يعمل اضطرارا لا اختيارا، ولما قيل لهم: إن هذا يستلزم أن يكون الله تعالى ظالما إذا عاقبه على معصية لم يردها، قالوا: إن هذا ظلم لو كان الفاعل يتصرف في غير ملكه، أما إذا كان يتصرف ف ملكه فليس بظلم، وهذا لا شك أن قول باطل؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال عن نفسه:{ولا يظلم ربك أحدا} [الكهف: 49]. وقال في الحديث القدسي: "إني حرمت الظلم على نفسي". وفي هذا دليل على إمكانه لو شاء لظلم لكنه عز وجل لا يظلم، فدل ذلك على أن قولهم هذا باطل، وأن الإنسان له مشيئة.

ولكننا ننكر قولا آخر مضادا له ألا وهو قول القدرية الذين يقولون: إن الإنسان مستقل ب‘رادته ومشيئته؛ لأننا نعلم أن إرادة العبد ومشيئته من إرادة الله عز وجل أي: تابعة لإرادة الله وليست مستقلة، والإنسان يريد الشيء ويعزم عليه ويؤكده ويأتيه مانع من الله عز وجل إما بصرف الهمة، وإما بوجود مانع خارجي لا يستطيع معه أن يفعل، فمشيئة العبد تابعة لمشيئة الله.

وفائدة القول بأننا نقول أنها تابعة لمشيئة الله: أننا نعلم أن العبد متى شاء شيئا فقد شاءه الله عز وجل، فإذا وقع تحقق دون ذلك، أما مجرد مشيئة العبد فالعبد قد يشاء، ومشيئة هذه لا شك أنها من مشيئة الله لكن قد يقع وقد لا يقع؛ لأنه قد تحصل موانع تمنع الإنسان من فعل ما أراد، وفي هذا أيضا دليل على أن الشيء يكون جائزا شرعا فلا يسمى الفاعل مبتدعا، ولكنه لا يطلب من الإنسان، الرسول عليه الصلاة والسلام قال له:"إن شئت".

وهذا الذي قلته أنا له دليل، بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجلا على سرية، فجعل يقرأ لأصحابه ويختم بـ {قل هو الله أحد} ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه. فدل ذلك على أن مثل هذا الفعل لا يسمى بدعة في دين الله ولا يأثم به الإنسان، لكن هل نقول: إنه سنة، وأنه ينبغي للإنسان إذا قرأ في الصلاة أن يختم بـ {قل هو الله أحد} ؟ لا نقول هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولم يأمر به الأمة، غاية ما هنالك أنه أقر هذا الرجل على هذا الفعل فيكون مباحا.

وكذلك سعد بن عبادة سأله أيتصدق ببستانه ونخله على أمه بعد موتنها؟ قال: "نعم".

لكن هل نقول: إن هذا سنة؟ لا؛ ولهذا لما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام بر الوالدين بعد موتهما ما ذكر الصدقة؛ ذكر الدعاء والاستغفار، وإكرام الصديق، وصلة الرحم، ولم يذكر الصدقة، ولو كانت الصدقة عن الأموات مشروعة بمعنى أنها مطلوبة من المكلف لثبت ذلك بالسنة القولية أو الفعلية، لكن لا نقول لمن تصدق عن والديه: إنك مبتدع، بل نقول: هذا شيء

ص: 265

أقره النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس به، ففرق بين أن نقول: هذا سنة مشروع للأمة أن تقوم به، وبين أن نقول: إن هذا لو فعله فاعل فهو جاهل، إذن نأخذ من هذا الحديث، ومن أحاديث أخرى ما قررناه الآن.

ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الوضوء من لحم الإبل، لقوله:"نعم".

فإن قال قائل: إن قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "نعم" تعطي الرخصة من وضوء الإبل؛ لأن الرجل سأل أنتوضأ، قال:"نعم"؛ يعني: ليس فيه مانع، هذا مقتضى اللفظ لو قدرناه من منفصل عن الأول أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال:"نعم" يعني: ليس فيه مانع، لكن إذا قارنا قول:"نعم" بقوله في لحم الغنم: "إن شئت" دل ذلك على أن المعنى أنه ليس راجعا إلى مشيئتك، بل يجب أن تتوضأ وهو كذلك، ويؤيده أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء من لحم الإبل، فقد أمر بالوضوء من لحم الإبل. فإذا اجتمع هذا وهذا علمنا أنه - أي: لحم الإبل- ناقض للوضوء، وأن من أكل وجب عليه الوضوء، يبقى لنا رأي هل هذا يشمل النيئ والمطبوخ؟ الجواب: نعم.

فإذا قال قائل: هاذ الحديث منسوخ بحديث جابر: "كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار"؟

قلنا: سبحان الله! النسخ لا يمكن أن يقام إلا بشرطين: العلم بالتاريخ، وتعذر الجمع، وهنا لا علم لنا بالتاريخ، ولا يتعذر الجمع؛ لأن الأول ترك الوضوء مما مست النار ناسخ لقوله:"توضئوا مما مست النار". هذا هو الذي يقابل هذا، وكلمة "مست النار" يشمل اللهم لحم الإبل، والغنم، والبقر، والطيور، بل والخبز، لكن الله خفف - والحمد لله- على الأمة، ونسخ هذا، أما أن ينسخ شيئا خاصا فهذا ليس بصواب، فالحديث محكم ثابت.

فإن قال قائل: اللحم هل يشمل اللحم الأحمر، والأبيض، والأسود كالكبد وغير ذلك؟

فالجواب: نعم.

فإذا قال قائل: هذا خلاف العرف؛ لأنك لو قلت للخادم: خذ هذا اشتر به لحما، وأتى إليك بمصران امتثل أو لا يمتثل؟ لا يمتثل، إذن المصران لا يتصف باللحم، لو أتى إليك بكبد لم يمتثل.

فيقال: الحقائق الشرعية ليست هي الحقائق العرفية، الشاة عندنا في العرف؟ الأنثى من الضأن، وفي الشرع: تشمل الأنثى من الضأن والمعز، والذكر من الضأن والمعز، ففرق بين الحقائق الشرعية والعرفية، والشارع يحمل كلامه على الحقائق الشرعية؛ لأنه يتكلم بلسان

ص: 266

الشارع فيكون شاملا، ثم نقول: هل تقولون إن لحم الخنزير في قوله: {ولحم الخنزير} [المائدة: 3].

خاص باللحم الأحمر؟ فسيقولون: لا، عام، وهذا أيضا مثله عام ولا فق.

ثالثا: نقول لا يوجد في الشريعة الإسلامية حيوان تتبعض أحكامه بحسب أجزائه أبدا، هذا يوجد في الشريعة اليهودية، حرم الله سبحانه وتعالى بعض أجزاء الحيوان لظلمهم {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبت أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا} [النساء: 160]. وبين ذلك في قوله: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} [الأنعام: 146]. هذه واضحة، حرم كل الحيوان، {ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم} [الأنعام: 146]. فهذا حيوان واحد اختلفت أحكامه بحسب أجزائه، لكن في الشريعة الإسلامية لا يمكن، فلو قلنا بما قال به بعض العلماء رحمهم الله انه لا ينقض من لحم الإبل إلا اللحم الأحمر؛ لزم من ذلك تبعض الأحكام في حيوان واحد، فهذا إذا أكل من الكبد نقول: صل بلا وضوء ما دمت على وضوئك الأول، والثاني الذي أكل من اللحم الأحمر نقول: توضأ وهو حيوان يسقى بماء واحد ويتغذى بغذاء واحد فلا فرق.

فإن قال قائل: يلزم على قياسكم هذا على لحم الخنزير أن توجبوا الوضوء من المرق ومن اللبن.

فالجواب: التزم بهذا بعض العلماء وقال: يجب الوضوء من مرق لحم الإبل، ومن ألبان الإبل، وهذا اللزوم يدفع الاعتراض الذي اعترض به من منع قياس لحم الخنزير، لكن نقول: إنه قد دل الدليل على أن الوضوء من ألبان الإبل ليس بواجب في قصة العرنيين الذين اجتووا المدينة وأصابهم مرض فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلحقوا بإبل الصدقة، ويشربوا من أبوالها وألبانها، ولم يقل: توضئوا مع أالمقام يقتضي أن يقوله لو كان الوضوء واجبا؛ إذ إنهم قوم جهال بالشريعة يحتاجون إلى بيان فهذا هو الذي منعنا أن نوجب الوضوء من ألبان الإبل، والمرق من باب أولى لا يجب.

فلو قال قائل: إذا أكل شيئا يسيرا كرأس العصفور يتوضأ أو لا؟ نعم يتوضأ، هل يمكن أن نقول: إذا أكل ما يفطر به الصائم توضأ، يعني: ولو يسيرا، يعني: ولو كان خلال الأسنان؟

الجواب: هذا هو الظاهر ما دام أكل شيئا له جرم يصل إلى المعدة فإنه يجب عليه أن يتوضأ.

فإن قال قائل: فهمنا الحكم وسلمنا ورضينا، وقلنا: لله تعالى أن يحكم بما شاء، فهل تلحقون بلحم الإبل لحم البقر؛ لأن كلا منهما يجزئ عن سبع شياه؟

ص: 267

فالجواب: لا، لا نلحقه به؛ لأن هذا حكم خاص في الإبل، فلا نلحق البقر بذلك.

هل تلحقون بذلك اللحم الحرام كما لو اضطر الإنسان إلى أكل لحم خنزير فأكل؟

الجواب: لا؛ لأنه ليست العلة نجاسة لحم الإبل حتى نلحق هذا بهذا، فإن قال قائل: ما العلة إذن؟ نقول: عندنا علة لا لأحد ينكرها وهي أن هذا حكم رسول الله عليه الصلاة والسلام هو العلة وهو الحكمة؛ ولهذا استدلت عائشة رضي الله عنها بهذا الدليل نفسه حين سألتها المرأة نقضي الصوم، ولا نقضي الصلاة، قالت:"كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة".

إذن الحكم وهو وجوب الوضوء من لحم الإبل يعتبر من الأحكام التعبدية التي ليس للإنسان فيها إلا التسليم والانقياد بقطع النظر عن كونه يعرف أو لا يعرف مع أن بعض العلماء رحمهم الله أراد أن يستنبط علة هي في الحقيقة عميقة فقال: إنه ثبت أن الإبل خلقت من الشياطين؛ يعني: أن طبيعتها الشيطنة وليس المعنى: أن الشيطان أب لها أو أم لها كقوله: {خلق الإنسن من عجل} [الأنبياء: 37]. المعنى: أن طبيعته العجلة هذا ايضا مثله خلقت الإبل من الشياطين؛ يعني: أن طبيعتها الشيطنة، وصاحبها يكون عنده الفخر والخيلاء كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:"الفخر والخيلاء في الفدادين أصحاب الإبل". هذه الطبيعة التي فيها قد توجب للإنسان أن يكتسب من هذا الفخر والعلو والزهو، والماء يبرد الجسم ويخفف الحرارة ولهذا أمر الإنسان إذا غضب أن يتوضأ لإطفاء حرارة الغضب، فإن كانت العلة هذه فهذه العلة تعتبر كسبا، وإن لم تكن إياها فالعلة أمر النبي صلى الله عليه وسلم.

أسئلة:

- في الحديث ما يدل على وجوب الوضوء من لحم الإبل فما هو؟ تخيير النبي صلى الله عليه وسلم له في الغنم يدل على النقض في الإبل.

ص: 268