الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا شك الإنسان في نقض الوضوء لتعارض الأدلة كيف يمكن أن نعرف الحكم من هذا الحديث؟
- قوله عليه الصلاة والسلام: "حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا" فإذا كان الرجل لا يشم ولا يسمع وشك أنه خرج منه ريح فماذا يصنع؟
مس الذكر:
66 -
وعن طلق بن علي رضي الله عنه قال: "قال رجل: مسست ذكري، أو قال: الرجل يمس ذكره في الصلاة، أعليه الوضوء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، إنما هو بضعة منك". أخرجه الخمسة، وصححه ابن حبان، وقال ابن المديني:"هو أحسن من حديث بسرة".
"طلق بن علي" يروي عن رجل أنه قال للرسول عليه الصلاة والسلام: "مسست ذكري"، فأضاف المس إلى نفسه، والمس لابد أن يكون مباشرة، فأما مع الحائض فليس بمس لوجود الحائل الذي يحول، وقوله:"مسست" الغالب أن المس إنما يطلق على المس باليد، والمعنى:"مسست ذكري"، أو قال:"الرجل يمس ذكره"، يعني: بيده، وقوله:"في الصلاة" يعني: حال كونه في الصلاة، وهذا يوجد إشكالا وهو أنه كيف يمكن أن يمس الإنسان ذكره وهو يصلي؛ لأن عليه لباس، عليه قميص وسراويل كيف يمس؟ نقول: لا إشكال، ما دمنا عرفنا أن المس في اللغة العربية إنما يكون مباشرة وبدون مباشرة لا يكون مسا، وإنما مس الحائل حينئذ يزول الإشكال، فالإنسان مثلا وهو يصلي ربما يحتاج إلى مس الذكر مباشرة فيمسه، وما دام يمكن أن ينزل المعنى اللغوي على الواقع فإنه يزول الإشكال، "أعليه الوضوء" يعني: أيجب عليه الوضوء، واعلم أن كلمة "على" من أدوات الوجوب، يعني:"يجب" من أدوات الوجوب، "يلزم" من أدوات الوجوب، "عليه كذا" من أدوات الوجوب وإن كانت ليست بصريحة فيه لكنها ظاهرة في ذلك.
وقوله: "أعليه الوضوء" يعني: أيجب عليه أن يتوضأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا" أي: لا يجب؛ فالسؤال الآن عن الوجوب، والجواب على نفي الوجوب، يعني: لا يجب، وعلى هذا لا يمنع أن يكون مستحبا، ولكن سننظر الحديث الذي بعده إن شاء الله.
قال: "إنما هو بضعة منك"، هذا تعليل للحكم وهو انتفاء الوجوب، كأن سائلا سال: لماذا لا
يجب؟ قال: "إنما هو بضعة منك"، "بضعة" يعني: قطعة من الإنسان كسائر الأعضاء كاليد والرجل، والأصبع والأذن، وما أشبه ذلك، فهل إذا مس الإنسان أذنه ينتقض وضوؤه؟ لا، إذن إذا مس ذكره لا ينتقض الوضوء؛ لأنه جزء منه، وهذه العلة علة لا يمكن زوالها أبدا ولا تشكل على أحد، يعني: لا قال: إن هذه علة وصفية يمكن أن يجادل فيها، هذه علة محسوسة أن الذكر بضعة من الإنسان فإذا كان الإنسان إذا مس بقية أعضائه لا ينتقض وضوؤه فكذلك إذا مس ذكره.
ففي هذا الحديث فوائد؛ منها: جواز السؤال عما يستحيا منه إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وجهه: إنه سأل عن مس الذكر، فإن هذا يستحيا منه، ولكن دعت الحاجة إلى ذلك من أجل أن يبين للمفتي الأمر على حقيقته، ولابد أن يبين الأمر على حقيقته.
ومن فوائد هذا الحديث: أن مس الذكر لا يوجب الوضوء لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا" و "لا" جواب يفيد النفي.
ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يذكر الحكم وعلته، وذلك في قوله:"إنما هو بضعة منك"، ونأخذ منه فائدة تترتب على ذلك: أنه ينبغي للمفتي إذا أفتى بشيء أن يذكر الدليل أو التعليل ليطمئن السائل، لاسيما إذا وجده قد استغرب الحكم أو استنكره؛ فإنه حينئذ يتعين أن يبين له مآخذ الحكم ليأخذ الحكم عن اقتناع؛ لأن كثيرا من الناس إذا سأله العامي قال: هذا حرام، أو هذا حلال ويمشي، لكن إذا شعرت أن الرجل لم يقتنع، وأنه استغرب الحكم فعليك أن تبين الدليل، والمؤمن يقتنع بالدليل؛ ولهذا تحس دائما أن الرجل إذا سألك عن مسألة، ثم أفتيته بها ورأيت أنه ليس بقابل إلى ذلك الحد، ثم قلت: إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال كذا؛ تجده يسفر وجهه ويقتنع تماما، وهذا أمر قد يغفل عنه كثير من الناس.
ومن فوائد هذا الحديث: الإشارة إلى أنه إن مس الذكر على وجه آخر يخالف مس بقية الأعضاء فله حكم آخر، وذلك إذا مسه لشهوة، فإنه إذا مسه لشهوة لا يكون كبقية الأعضاء؛ لأن بقية الأعضاء لا يمكن للإنسان أن يمسها بشهوة، لكن الذكر يمكن أن يمسه لشهوة؛ فعليه نقول: إذا مس الذكر مسا ليس على مس الأعضاء العادي وجب عليه الوضوء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفي الوجوب وعلل، وهذه علة منصوصة، وعلة لا يمكن أن تعتل أو تزول، "إنما هو بضعة منك"، وعليه فإذا مسه على وجه الشهوة فإنه ينتقض وضوؤه، وهذا هو الصحيح أن مس الذكر إن كان لشهوة انتقض به الوضوء، وإلا فلا.
فإن مسه غيره فهل ينتقض وضوؤه؟ أي: الممسوس. الفقهاء يقولون: لا ينتقض وضوؤه،
ولكن إذا رجعنا إلى العلة قلنا: إنه ينتقض، كرجل مست امرأته ذكره وحصل شهوة، العلة واحدة؛ وربما يكون إثارة شهوته بمسه امرأته أشد من إثارة شهوته بمسه هو.
67 -
وعن بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مس ذكره فليتوضأ". أخرجه الخمسة، وصححه الترمذي، وابن حبان.
- وقال البخاري: "هو أصح شيء في هذا الباب".
"من" شرطية تفيد العموم، وقوله:"مس ذكره فليتوضأ" اللام في قوله: "فليتوضأ" لام الأمر فيفيد فوائد؛ منها: أن الرجل إذا مس ذكره فإنه مأمور بالوضوء لقوله: "فليتوضأ".
قوله: "من مس ذكره" ظاهره أنه لا فرق بين أن يمسه لشهوة أو لغير شهوة، وبين أن يمسه عمدا أو غير عمد؛ لأن الإنسان ربما يمس ذكره عن غير عمد، أما إذا أراد أن يرفع إزاره أو يرفع سراويله فمسه عن غير عمد فظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يقصد ذلك أو لا.
وقد يقال إن قوله: "من مس" ظاهر في أن المراد: تعمد المس، لكن الفقهاء الحنابلة رحمهم الله يقولون: إنه إذا مس ذكره ولو عن غير قصد فإن وضوءه ينتقض.
وقوله: "من مس ذكره" ولم يقل: من مس الذكر، فيقتضي أنه إذا مس ذكر غيره لا ينتقض وضوؤه، كما سيأتي في الفوائد إن شاء الله.
وقوله: "فليتوضأ" لم يذكر إلا الوضوء، فلا يجب الاستنجاء؛ لأن الاستنجاء إنما يجب من بول أو غائط.
في هذا الحديث فوائد منها: أن من مس ذكره فإنه مأمور بالوضوء مطلقا لشهوة أو لغير شهوة، عن عمد وعن غير عمد، لكن كما ذكرنا آنفا أن الظاهر أن المراد العمد.
وهل الأمر للوجوب أو للاستحباب؟ اختلف العلماء رحمهم الله في هذا القول؛ فقيل: إن ألأمر للوجوب: وقيل: إن الأمر للاستحباب لم يكن بينهما تعارض، فهل نقول في الجمع بينهما: الأمر في حديث "بسرة" للاستحباب، ونفي الوجوب في حديث "طلق" لا يعارض ثبوت الاستحباب، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم، وقالوا: إنه إذا مس ذكره استحب أن يتوضأ سواء كان لشهوة أو لغير شهوة، ولا يجب سواء كان لشهوة أو لغير شهوة، وقيل: إن الجمع بينهما إذا قلنا الأمر للوجوب أن يحمل حديث "بسرة" على من مسه لشهوة، وحديث "طلق" على من مسه لغير شهوة، والتعليل