الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيف ننقض الوضوء به ونحن نقول: أن الأصل بقاء الوضوء فلا ينتقض إلا بيقين؟ نقول: لأن هذا النوم مظنة الحدث، وانضباط القضية عليه انضباط العلة غير ممكن وما كان انضباط العلة فيه غير ممكن استوى فيه ظهور العلة وعدمها هاذ وجه المسألة، وأيضا عندنا دليل: حديث صفوان بن عسال السابق يقول: "ولكن من غائط، وبول، ونوم"، فهذا حديث فنأخذ به.
لو قال قائل: إذا زال العقل بغير نوم، كما لو أغمى على الإنسان فهل ينتقض وضوؤه بالقليل والكثير؟ الجواب: نعم؛ لأن الإغماء يفقد فيه الإنسان الإحساس ولا يمكن أن يقول لو أحدث لأحس فالإغماء ينتقض به الوضوء مطلقا؛ ولهذا لو أن رجلا أغمي عليه يوما كاملا وأفاق من الإغماء فإنه لا يلزمه قضاء الصلاة، ولو نام كاملا لزمه قضاء الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها"، وأما الإغماء فلا يجب فيه قضاء الصلاة؛ لأن المغمى عليه لا يمكن أن ينتبه حتى لو نبه وأوقظ لا يمكن أن ينتبه فهو بمنزلة المجنون الذي لا يمكن أن يحس بأحد.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الوضوء لا يجب إلا للصلاة لقوله: "ثم يصلون" لكن الاستدلال هنا ضعيف؛ لأن القضية قضية عين يتحدث عنهم وهم ينتظرون صلاة العشاء لكن هناك أحاديث تدل على أن الوجوب لا يجب إلا للصلاة بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم ساقها شيخ الإسلام رحمه الله في انتصاره لما ذهب إليه من أن الطواف بالبيت لا يشترط له الوضوء، وذكر أدلة إذا طالعها الإنسان تبين له أن هذا هو الحق وأن الطواف بالبيت لا يشترط له الوضوء، وبناء عليه لو أحدث الإنسان في أثناء الطواف فليستمر لو وصل إلى المسجد الحرام في الزحام الشديد وهو لم يتوضأ، نقول: طف ولا نلزمه أن يذهب مع هذه المشقة ليتوضأ، أما إذا كان الأمر ميسرا فلا شك أن الوضوء أفضل احتياطا واتباعا لأكثر العلماء، وأنه إذا انتهى من طوافه فسوف يصلي ركعتين والصلاة يجب لها الوضوء بالإجماع ثم قال:
عدم جواز صلاة الحائض:
62 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "جاءت فاطمة بنت أبي حيبش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: لا، إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم، ثم صلي". متفق عليه.
- وللبخاري: "ثم توضئي لكل صلاة". وأشار مسلم إلى أنه حذفها عمدا.
قوله: "جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم" لأن النساء يأتين إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ويسألنه حتى بحضرة الرجال، حتى إنهن ليقلن الكلام الذي يستحي منه الرجل في حضرة الرجال؛ ولعله مر عليكم قصة عبد الرحمن بن الزبير الذي تزوجته امرأة طلقها زوجها ثلاثا فجاءت تشكو إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقالت: إن رفاعة القرظي طلقها ثلاثا، وتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإن ما معه مثل هدبة الثوب وأشارت بثوبها - يعني: أنه لا يستطيع الجماع-، فقال:"أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك". وبهذا نعرف أن صوت المرأة ليس بعورة، بل إن القرآن دل على أن صوت المرأة ليس بعورة {فلا تخضعن بالقول} [الأحزاب: 32]. لم يقل: فلا تكملن أو تقلن، وبينهما فرق.
فإن قال قائل: ألم يقل الرسول عليه الصلاة والسلام تسبح الرجال وتصفق النساء؟ قلنا: بلى لكن هذا من باب الاحتياط في درء الفتنة؛ لأن المرأة لو سبحت في الصلاة ربما يكون صوتها رخيما وتؤديه على وجه يحصل به الفتنة للمصلين فمنع منه، أما مطلق القول فإنه لا بأس به.
تقول: "إني امرأة أستحاض فلا أطهر"، أستحاض؛ يعني: يشتد مع الحيض، وفرق بين أستحاض وأحيض، الفرق بينهما: أن الاستحاضة كثرة الدم، والحيض أقل يأتي في أوقات معلومة. "فلا أطهر" وظاهر الحديث أنها يأتيها الدم في كل الوقت ولا تطهر "أفأدع الصلاة؟ ". قال:"لا، إنما ذلك عرق" لماذا استفهمت عن ترك الصلاة؟ لأنه من المعلوم أن الحائض لا تصلي وهي تظن أن هذا الدم حيض، فسألت أتدع الصلاة أم لا. قال: لا، تقول:"إني امرأة أستحاض فلا أطهر" أي: يأتيها الحيض بكثرة لأن "أستحاض" فيها حروف زائدة، وقد قيل: إن زيادة المبنى زيادة في المعنى، وهذا ليس بدائم فمثلا: رجل رجال، رجال زائدة في المبنى وهي زائدة في المعنى هذه قاعدة أغلبية، وإلا فقد يكون النقص في المبنى زيادة في المعنى كما لو قلت: شجرة وشجر، شجرة، حروفها أربعة، شجر حروفه ثلاثة، وأيهما أكثر شجرة لكن الغالب أن الزيادة في المبنى زيادة في المعنى، إذن: أستحاض" معناها: تأتيها حيضة كثيرة تستمر معها؛ ولذلك قالت مفسرة هذه الاستحاضة: "فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ " يعني: أتركها،
قال: "لا"، لا تدعي الصلاة، بل صلي ثم علل هذا الحكم فقال:"إنما ذلك - بالكسرة- عرق" لأن الكاف في اسم الإشارة يراعى فيها جانب المخاطب، واسم الإشارة يراعى فيه جانب المشار إليه، فإذا قيل أشر إلى اثنين مخاطبا جماعة رجال نقول:"ذانكم" أشر إلى جماعة رجال مخاطبا إناث "أولائكن"، أشر إلى واحد مخاطبا إناثا، "ذلكن" في القرآن الكريم {فذلكن الذي لمتنني فيه} [يوسف: 32]. هنا في الحديث "ذلك" المخاطب امرأة، والكاف إذا خوطبت بها امرأة تكون مكسورة، و"ذا" اسم إشارة لمذكر مفرد وهو الدم يعني إنما الدم دم عرق، واعلم أن هذا هو المشهور في اللغة أن الكاف إنما يراعى فيها جانب المخاطب إن كان مفردا مذكرا فهي مفتوحة، وإذا كانت مفردة مؤنثة فهي مكسورة، جماعة نسوة تقترن بها النون "كن" جماعة رجال تقترن بها الميم "كم"، مثنى لذكور أو إناث تقترن فيها الميم والألف كما، هذا هو الأفصح في اللغة العربية، وجاء في اللغة أيضا فتحها لمخاطبة الذكور مطلقا، ولو كانوا اثنين أو جماعة، وكسرها للإناث مطلقة سواء كن اثنين أو جماعة، وجاء فتحها مطلقة في الإفراد باعتبار الشخص ذلك يعني أخاطب هاذ الشخص، ولو كان أكثر من واحد، وقوله:"إنما ذلك عرق" فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين دم الحيض وهذا الدم، هذا قال:"إنه دم عرق"، ودم الحيض دم طبيعة وجبلة كتبه الله تعالى على بنات آدم منذ خلقهن فهو دم طبيعة يأتي بغير سبب، لا مرض ولا جراحة ولا غير ذلك طبيعي، قال العلماء: ويخرج - أي: دم الحيض- من عرق في قعر الرحم، وللأطباء المتأخرين فيه كلام أكثر من هذا، فالمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين دم الحيض، ودم الاستحاضة بأن دم الاستحاضة "دم عرق"، قال:"وليس بحيض" أيضا لما أثبت ذاك نفى عنه الحيض، قال:"وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة"، وبماذا تعرف إقبال الحيضة؟ تعرف إقبال الحيضة إذا كانت معتادة يعني: لها عادة سابقة قبل الاستحاضة، فإقبال الحيضة إقبال المدة، وإن لم يكن لها عادة، فإقبال الحيضة تغير الدم، فمثلا امرأة كانت من عادتها أن تحيض في أول يوم من الشهر ستة أيام، ثم ابتليت بالاستحاضة وصار الدم معها دائما، هذا الحيض تجلس في الشهر الثاني من أول يوم إلى ستة أيام والباقي استحاضة، تصلي وتصوم وتعمل كل ما تعمل الطاهرات، إذن إقبال الحيضة نقول في المعتادة إقبال أيام عادتها، وفي غير المعتاد إقبال التمييز، كيف التمييز؟ الفقهاء رحمهم الله يقولون: التمييز من ثلاثة وجوه:
أولا: دم الحيض أسود، ودم الاستحاضة أحمر.
ثانيا: دم الحيض ثخين، ودم الاستحاضة رقيق.
ثالثا: دم الحيض له رائحة منتنة، ودم الاستحاضة ليس له ذلك.
ورابعا: قال المتأخرون المعاصرون (الأطباء): دم الحيض لا يتجلط، ودم الاستحاضة يتجلط - يعني: يتخثر، أي: يجمد-، ودم الحيض لا يجمد سائل، وعللوا ذلك بتعليل طبي أن دم الحيض عبارة عن انفجار كرات الدم في قاع الرحم بعد تصلبها في الرحم فلا تعود مرة أخرى إلى التصلب بخلاف دم الاستحاضة فإنه لم يسبق أن يتجمد فلذلك يتجمد إذا خرج كسائر الدماء، الإنسان لو جرح أصبعه ثم تخثر الدم تجمد، فهذه أربعة فروق، إذن النبي عليه الصلاة والسلام فرق بين الدمين، قال:"فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة" يعني: لا تصلي، "وإذا أدبرت" معنى أدبرت: إن كانت معتادة يعني انقضت أيام عادتها، وإن كانت غير معتادة ولا تمييز انقطع الدم الأسود التخين المنتن "فاغسلي عنك الدم ثم صلي"، الدم" يعني دم الحيض، وهذا يعني ان تطهر منه ولابد أيضا أن تغتسل، "ثم صلي ما أدركت وقته"، قال وللبخاري: "ثم توضئي لكل صلاة"، وأشار مسلم إلى أنه حذفها عمدا، ولكن الصواب مع البخاري
…
"توضئي لكل صلاة"، هل المراد لوقت كل صلاة، أو لكل صلا تصليها حتى لو كانت تريد أن تجمع بين الصلاتين فلابد أن نتوضأ للصلاة الأولى والصلاة والثانية؟ فيها احتمالان؛ ولكن الأول هو الراجح أي: لوقت كل صلاة.
من فوائد هذا الحديث: أن نساء الصحابة رضي الله عنهن لا يمنعهن الحياء من الفقه في الدين، والسؤال عنه.
ومن فوائده: أنه قد تقرر أن الحائض لا تصلي؛ لقولها: "أفأدع الصلاة؟ " وهذا بإجماع العلماء، أجمع العلماء على أن الصلاة لا تجب على الحائض، وتحرم عليها ولا تصح منها، ولا يجب عليها قضاؤها، هذا بالإجماع، وظاهر الحديث صلاة الفريضة، والنافلة وهو كذلك، لأن ما ثبت في الفرض ثبت في النفل إلا بدليل.
ومن فوائد هذا الحديث: الاقتصار في الجواب على ما يفيد لقوله: "لا" ولم يقل: لا تدعي الصلاة؛ لأن "لا" تكفي وخير الكلام ما قل ودل، ومثله:"نعم" في الإجابة.
ومن فوائد هذا الحديث: حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في قرنه العلة بالحكم تؤخذ من قوله: "إنما ذلك دم عرق"، ووجه كون هذا حكمة: أن الحكم إذا علل ببيان علته ازداد الإنسان به طمأنينة في الحكم وينشرح به صدره.
ومن فوائده - أي: من فوائد قرن العلة بالحكم-: أن الإنسان يعرف بذلك سمو الشريعة، وأنها لا تحلل ولا تحرم ولا توجب إلا لحكمة، لكن من الحكم ما نعلمها ومنها ما لا نعلمه.
الفائدة الثالثة: أن العلة إذا كانت وصفا صار الحكم أعم لأنه يتناوله كلما كانت فيه هذه العلة، وانظر إلى قوله تعالى: {قلا لا أجد في ما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه إلا ان يكون ميتة أو دما
مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس} [الأنعام: 145]. وإلى قوله صلى الله عليه وسلم حين أمر أبا طلحة: "إن الله ورسوله نهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس". نستفيد من هذه العلة أن كل نجس فهو حرام، وهو كذلك كل نجس حرام، وليس كل حرام نجسا، إذن قرن الحكم بالعلة له ثلاث فوائد، وإن شئت فقل: ثلاث حكم.
ومن فوائد هذا الحديث: أن العرق لا يمنع الصلاة، يعني لو انبعث عرق من الإنسان في أي مكان من بدنه فإنه لا يمنع الصلاة، بل يجب على الإنسان أن يصلي ولو كان فيه هذا الدم، ولكن هل ينتقض وضوؤه، بمعنى: هل تلزمه أن يتوضأ لكل صلاة أو لا؟ في هذا تفصيل إن كان الدم من السبيلين - أي: من القبل والدبر - فإنه ينقض الوضوء ويلزمه إذا كان مستمرا أن يتوضأ لكل صلاة، وإن كان من غير السبيلين فإنه لا ينقض الوضوء ويلزمه إذا كان مستمرا أن يتوضأ لكل صلاة، وإن كان من غير السبيلين فإنه لا ينقض الوضوء، كما لو كان فيه رعاف دائم أو جرح دائم الجريان أو ما أشبه ذلك فإنه لا ينقض وضوؤه.
ومن فوائد هذا الحديث: تفريق الأحكام أو تفرق الأحكام بتفرق الأسباب، الحيض سبب لترك الصلاة، والعرق ليس سببا لترك الصلاة، فتصلي.
ومن فوائد هذا الحديث: رجوع المستحاضة إلى عادتها؛ لقوله: "إذا أقبلت حيضتك"، ولكن إذا كانت المستحاضة مبتدأة، يعني: لم يسبق لها عادة فإلى أي شيء ترجع؟ نقول: ترجع إلى التمييز؛ لأن الاستحاضة قد تصيب المرأة من أول ما يأتيها الحيض، فنقول: ترجع هذه إلى التمييز، فإذا كان في دمها دم أسود ثخين له رائحة فهو الحيض، وإن لم يكن كذلك فتبقى مشكلة وهي إذا لم يكن في دمها شيء بهذا الوصف أي ليس لها عادة، وليس عندها تمييز فماذا تصنع؟
قال العلماء - وجاء في السنة أيضا-: تجلس من أول وقت أتاها الحيض غالب ما تجلسه النساء، وهو ستة أيام أو سبعة من كل شهر، فمثلا إذا ابتدأ بها الدم في أول يوم من "محرم"، واستمر وليس لها عادة، وليس لها تمييز، نقول: تجلس في الشهر الثاني في "صفر" ستة أيام، أو سبعة، ثم تغتسل وتصلي وتستمر هكذا.
فإن قال قائل: لماذا جعلتموها تجلس أول كل شهر؟ قلنا: لأن الله تعالى جعل عدة من لا تحيض ثلاثة أشهر، وعدة من تحيض ثلاثة قروء، فدل هذا على أن الحيض المعتاد يأتي المرأة كل شهر مرة وأولى ما نبتدئ المدة من ا، ل ما أتاها.
إذا تعارض التمييز والعادة، امرأة معتادة يأتيها الحيض أول يوم من الشهر سبعة أيام كل ما
مضى من وقتها هكذا، ثم ابتليت بالاستحاضة فكان لها تمييز في نصف الشهر في الخامس عشر من الشهر يأتيها دم أسود ثخين منتن في أول الشهر الذي هو أول عادتها دم أحمر فهل تغلب التمييز أو تغلب العادة؟ فيها قولان، وهما روايتان عن الإمام أحمد:
أحدهما: أن تغلب العادة لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة"، وقوله:"اجلسي قدر ما كانت حيضتك تحبسك"، ولم يفصل ولأن هذا أيسر للنساء إذا رجعن إلى العادة فهو أيسر؛ لأن تغير الدم قد يختلف على المرأة، قد يكون في أول الشهر، في وسطه، وقد ينقطع وقد لا ينضبط لكن إذا قلنا تعمل بالعادة، فالعادة منضبطة.
الثاني: قال بعض أهل العلم: بل تعمل بالتمييز إذا تعارض التمييز مع العادة؛ لأنه ربما كان هذا المرض وهو الاستحاضة سببا في تغير العادة بحيث انتقل الحيض من أول الشهر إلى وسطه، ولا شك أن هذا له وجهة نظر قوية جدا، لكن كما قلت لكم: ظاهر السنة ورحمة الأمة أن ترجع إلى العادة والحمد لله ما دام الرسول عليه الصلاة والسلام أطلق ولم يفصل فإننا نحمد الله على ذلك، ونقول بهذا لأنه أيسر للنساء.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب غسل دم الحيض لقوله: "ثم اغسلي عندك الدم"، وهل يعفى عنه - يعني: يسيره- الجواب: لا، لا يعفى عن يسيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الثوب يصيبه دم الحيض "تحته ثم تقرصه، ثم تغسله، ثم تصلي فيه"، وهذا يدل على أن الواجب إزالة دم الحيض قليلا كان أو كثيرا، ولا يعفى عن شيء منه، دم الاستحاضة هل يعفى عنه؟ قال بعض العلماء: يعفى عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنه دم عرق"، والأطهر أنه لا يعفى عنه، وأن جميع ما خرج من السبيلين فهو نجس لا يعفى عنه إلا الماء الذي ينزل ويكون مستمرا مع المرأة وهو ما يسمى برطوبة فرج المرأة، فهذا طاهر.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب التطهر من النجاسة، من أين يؤخذ؟ من قوله:"ثم صلي"، و "ثم" للترتيب فلا يجوز للإنسان أن يصلي وبدنه متلطخ بنجاسة، فإن نسي وصلى فصلاته صحيحة لقوله تعالى:{ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286]. فإن كان ليس عنده ما يزيل به النجاسة فليخففها ما أمكن وليصل.
وهل يتيمم لنجاسة البدن؟ فقهاء الحنابلة رحمهم الله يقولون: يتيمم؛ لأن هذه طهارة تتعلق بالبدن فأشبهت الوضوء، والصحيح أنه لا يتيمم للنجاسة، بل يزيلها ويخففها ما أمكن، ثم يصلي على حسب حاله، ثم قال:"وللبخاري: "ثم عتوضئي لكل صلاة" الخطاب لمن؟
للمستحاضة "توضئي لكل صلاة"، وذلك لأن الدم مستمر، فتكون طهارتها بقدر الحاجة، ولا تحتاج للصلاة إلا إذا دخل وقتها، فلو توضأت لصلاة الفجر فهل تتوضأ لصلاة الضحى؟
الجواب: نعم، لأن الضحى لها وقت فلابد أن تتوضأ لوقت كل صلاة، وألحق العلماء رحمهم الله بالمستحاضة كل من حدثه دائم كمن بوله دائم وغائطه دائم والريح تخرج من دبره دائما، فإنه يلحق بالمستحاضة، بمعنى: أنه لا يتوضأ إلا إذا دخل الوقت، ويتحفظ يعني يستثفر، وإذا خرج منه شيء بعد كمال التحفظ فإنه لا يضر ولا ينتقض به الوضوء.
فائدة مهمة: قوله: "ثم صلى" هل المراد الصلاة المستقبلة، أو الصلاة الحاضرة أو الجميع؟ يعني: امرأة طهرت في وقت صلاة الفجر بعد طلوع الفجر، هل نقول: صلي الظهر فقط، أو صلي الفجر أيضا؟ تصلي الفجر حتى وإن تأخر تطهرها إلى بعد الشمس، فإنها لابد أن تصلي الفجر؛ لأنها مطالبة بالصلاة.
ولكن كم القدر الذي تكون مدركة به وقت الصلاة؟ المذهب بقدر تكبيرة الإحرام، فإذا طهرت قبل طلوع الشمس بقدر قول: الله أكبر، وجب عليها أن تصلي الفجر، والصحيح أنه لا يدرك الوقت إلا بإدراك ركعة كاملة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة". يتفرع على هذا أنها إذا طهرت إذا طهرت في وقت الصلاة، هل يلزمها قضاء ما قبلها؟ فيه تفصيل: إن كان ما قبلها لا يجمع إليها فإنها لا تقضيه، كما لو طهرت في وقت الظهر فإنها لا تقضي صلاة الفجر؛ لأن الفجر لا تجمع إلى الظهر، وإن كانت تجمع كما لو طهرت في وقت العصر فهل تقضي الظهر أو لا؟ فيه خلاف بين العلماء، والصحيح أنها لا تقضي الصلاة؛ لأنه خرج وقت الظهر وهي معذورة لا تخاطب بالصلاة وكونها تجمع إلى هذه عند الضرورة لا يعني أنها تلزمها، وقد خرج وقتها وقد برئت ذمتها، ثم قول الرسول عليه الصلاة والسلام:"من أدرك ركعة"، أو قال:"سجدة من العصر قبيل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" ولم يقل: والظهر.
فالصواب: أنه لا يلزمها إلا قضاء الصلاة التي طهرت في وقتها. امرأة طهرت قبل الفجر بساعة هل تلزمها صلاة العشاء؟ فيه خلاف، بعض العلماء يقول: تلزمها صلاة العشاء دون صلاة المغرب، وبعض العلماء يقول: تلزمها صلاة العشاء وصلاة المغرب، الصحيح أنها لا يلومها شيء لا صلاة العشاء ولا صلاة المغرب؛ لأن وقت العشاء ينتهي بنصف الليل، ولا
دليل على أنه يمتد إلى طلوع الفجر لا في القرآن، ولا في السنة، بل الدليل على خلاف ذلك، قال الله تعالى:{أقم الصلوة لدلوك الشمس إلى غسق الليل} ، ثم فصل، وقال:{وقرءان الفجر} [الإسراء: 78].
وقوله: {لدلوك الشمس} أي: زوالها، {إلى غسق الليل} أي: من نصف النهار إلى نصف الليل، هذا وقت لأربع صلوات نهاريتين وليلتين، ثم فصل، وقال:{وقرءان الفجر} ، أما السنة: فصريحة، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:"وقت العشاء إلى نصف الليل". وهذا نص صريح واضح، وسبحان الله تجد الإنسان أحيانا يدع الأدلة وهي واضحة كوضوح الشمس، ويكون رأي أكثر العلماء على خلافه، مما يدل على أن الإنسان مهما كان فهو محل نقص.
فإن قال قائل: إنه قد جاء الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام إنه قال: "ليس في النوم تفريط". وإنما التفريط أو يؤخر صلاة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى. قلنا: نعم، ونحن نقول هذا، والمراد بالصلاة التي يمتد وقتها إلى وقت الأخرى وإلا فقولوا إن الفجر والظهر كالمغرب والعشاء، وهذا لا قائل به، والحكمة أيضا تقتضي ما قلنا؛ لأن الله - تعالى- جعل نصف النهار الأول ليس وقتا للفرائض ونصف الليل الثاني ليس وقتا للفرائض.
الفقهاء رحمهم الله يقولون: فيمن ترى يوما دما ويوما نقاء فالدم حيض والنقاء طهر وهذا فيه مشقة، لكن بعض العلماء يقول: إن هذا التقطع يعتبر من الحيض، بمعنى أنها لا تصلي.
أسئلة:
- فيما سبق من حديث فاطمة ما يدل على أن الحائض لا تصلي، فما هو؟
- وهل يلزمها أن تقضي الصلاة؟
- هل في حديث فاطمة ما يدل على أن صاحب الحدث الدائم يصلي؟
- إذا كان رجل معه سلس بول لا ينقطع، أو ينقطع في وقت غير محدد فكيف يصنع إذا دخل وقت الصلاة؟ ولو كان يعتاد أنه يتوقف في آخر الوقت في وقت يتمكن من الوضوء والصلاة هل نقول آخر الصلاة أو صل في أول الوقت؟ نقول: أخر وجوبا؛ لأن تقديم الصلاة في أول وقتها على سبيل الأفضلية؛ ولهذا قال الفقهاء: وإن اعتيد انقطاعه زمنا يتسع فيه للفعل تعين أن يؤخر الصلاة إلى هذا الوقت.
-