الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حين ما تقرأه تعرف أنه كلام الرسول، لاسيما إذا كنت تكرر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ويكثر عليك ورودها فإنك ربما تعرف الشأن من كلامه، كما أنك لو كنت معتادا أن تقرأ كلام عالم من العلماء لعرفت أنه كلامه وإن لم ينسب إليه إذا مر بك في موضع آخر، فالصواب: أن هذا الحديث في سنده مقال، فلا يثبت على قدميه فضلا عن أن يعارض حديث أبي سعيد الخدري.
حكم قراءة الجنب القرآن:
108 -
وعن علي رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن ما لم يكن جنبا". رواه أحمد والخمسة، وهذا لفظ الترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان.
قوله رضي الله عنه: "كان النبي يقرئنا القرآن" أي: يعلمنا إياه؛ لأن القرآن ينزل على النبي عليه الصلاة والسلام ثم يعلمه الصحابة، "ما لم يكن جنبا" يعني: فإن كان جنبا امتنع عن الإقراء فلم يقرئهم مع أنه صلى اللهعليه وسلم أحرص الناس على إبلاغ الرسالة لإيجاب ذلك عليه في قوله تعالى: {يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وغن لم تفعل فما بلغت رسالته} [المائدة: 67]. "ما لم يكن جنبا"، وسبق معنى الجنب وأنه شرعا: من أنزل منبا بشهوة أو جامع وإن لم ينزل.
من فوائد الحديث: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إبلاغ القرآن، وأنه كان بنفسه يقرئ أصحابه امتثالا لقول الله تعالى:{يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك مربك} .
ومن فوائده: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقرئهم إذا كان جنبا، وهل هنا الامتناع على سبيل الأفضلية، أو على سبيل الوجوب؟
قيل: على سبيل الأفضلية؛ لأنه ليس إلا مجرد إمساك وافمساك نوع من الفعل، والفعل المجرد يدل على الاستحباب، وعلى هذا التأويل فالأفضل للجنب ألا يقرأ القرآن، وإن قرأ فلا إثم عليه.
وقيل: إنه على سبيل الوجوب؛ لأن إمساك النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر واجب لا يكون إلا عن محرم، وهذا أقرب أن الجنب يحرم عليه قراءة القرآن، وتعليم القرآن.
فإن قال قائل: لو كتب القرآن كتابة فهل يلحق باللفظ؟
فالجواب: لا، لأن الكتابة لها حكم اللفظ في مواضع ولها حكم الإشارة في مواضع، ولذلك لو أن أحدا كتب ورقة إلى شخص وهو يصلي افعل كذا وكذا، فإن صلاته لا تبطل، ولو
قال: افعل كذا بطلت صلاته، فهنا لم تلحق الكتابة بالقول، بل ألحقناها بالفعل، ولو كتب رجل طلاق امرأته صارت هذه الكتابة كاللفظ، ولو كتب "بيتي وقف" صار وقفا، ولو كتب "عبدي حر" صار حرا، فالمهم أن الكتابة تلحق أحيانا بالقول، وأحيانا بالفعل.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا ينبغي أن يستحيا في أمور الدين لقول علي: "ما لم يكن جنبا"، هذه الكلمة قد يستحيا منها لاسيما بالنسبة للأكابر؛ يعني: تستحي أن تقول: "فلان جنب"، لكن إذا كان لذك في بيان الحق فإن الله لا يستحي من الحق، ولم يذكر في الحديث إلا أن يتوضأ، وعلى هذا فلا يقرئ القرآن، ولا يقرؤه ولم توضأ، بخلاف المكث في المسجد بالنسبة للجنب، فإنه يجوز إذا توضأ.
ومن الفوائد: أن الحائض لا تقرأ القرآن إلحاقا لها بالجنب، ولكن هذا الإلحاق فيه نظر، وجه ذلك: أن الجنب مانعه يمكنه رفعه إذا اغتسل، والحائض لا يمكنها ذلك؛ لأن الحيض ليس بيدها فافترقا، وعلى هذا لا يصح القياس.
ولكن هل حرم على الحائض أن تقرأ القرآن؛ فجمهور العلماء على أنها لا تقرأ وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله. ومن العلماء من قال: إنها تقرأ؛ لأنه ليس في منعها من قراءة القرآن حديث صحيح صريح، والأصل جواز قراءة القرآن، بل قراءة مأمور بها.
109 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم أهله، ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا". رواه مسلم. زاد الحاكم. "فإنه أنشط للعود".
قوله: "إذا أتى أحدكم أهله" أي: جامعها، فكنى بالإتيان عن الجماع من باب البعد عن التلفظ بما يستحيا منه، وقد عبر القرآن عن الجماع باللمس وبالدخول، فقال:{أو لمستم النساء} [المائدة: 6]. وقال: {التي دخلتهم بهن} [النساء: 23]. أي: جامعتموهن، وقال:{لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن} [البقرة: 236]. وقوله: "أهله" زوجته أو زوجه، زوجته لغة الفرضيين، وهي ضعيفة من حيث الكلام العربي، أما الكلام الفصيح فهو بالتذكير سواء كان وصفا للذكر أو للأنثى.
وقوله: "ثم أراد أن يعود"؛ يعني: يجامع مرة أخرى، "فليتوضأ بينهما وضوءا". ووالوضوء معروف لكن الغسل أفضل، وظاهر الحديث أنه لا يغسل فرجه، ولكن غسل الفرج من باب أولى أيون مطلوبا من الوضوء، ورواية الحاكم:"فإنه أنشط للعود" يعني: أقوى للجماع مرة ثانية؛ لأن البدن يكتسب بهذا الوضوء نشاطا وحيوية يكون بذلك أنشط، ويأتي أهله المرة الثانية وهو نشيط؛ وهو إذا أتى أهله نشيطا صار تضرره بالجماع أقل، ولذلك قال العلماء: لا ينبغي للإنسان أن يكره نفسه على الجماع.
في هذا الحديث فوائد منها: الكناية عما لا ينبغي ذكره باسمه الخاص بما يدل عليه؛ لقوله: "إذا أتى أحدكم أهله".
فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد صرح بلفظ الجماع في حديث ماعز لما أقر على نفسه بالزنا، قال له الرسول عليه الصلاة والسلام:"أنكتها؟ " لا يكني؟
قلنا: بلى، لكن مقام الحدود يجب فيه التثبت حتى لا يظن المقر أن المباشرة والتقبيل زنا، فلذلك صرح النبي عليه الصلاة والسلام باسم الجماع الخاص زيادة في التثبت.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الزوجة تسمى أهلا، وهاذ شيء مستفيض ولا يحتاج إلى إقامة برهان او استشهاد بشاهد، ويبنى على ذلك أن قول الله تبارك وتعالى لنساء النبي:{وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجهلية الأولى وأقمن الصلوة واءتين الزكوة وأطعن الله ورسوله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} [الأحزاب: 33]. فمن يدخل في آل البيت أزواجه بلا شك مثل الشمس؛ لأن السياق في أزواجه، ولو أن أحدا قال: إنه لا يدخل أقاربه في هذا لكان له حجة؛ لأن السياق يعين المراد، لكن الرافضة عكسوا القضية وقالوا: المراد
بأهل البيت: أقاربه دون أزواجه ليخرجوا عائشة رضي الله عنها التي هي أحب أزواجه إليه، بل إنه سئل: أي أزواجه أحب إليه قال: "عائشة".
فالمهم: أهل أهل البيت يدخل فيهم الأزواج بلا شك، بل إن الإنسان يأوي غلأى اهله - أي: زوجته- أكثر مما يأوي إلى أبيه وأمه كما هو مشاهد.
ومن فوائده: أن الشريعة الإسلامية شاملة فيما يتعلق بالأديان وما يتعلق بالأبدان؛ لأن الوضوء مرة ثانية بين الجماعين طاعة لله ورسوله لأمر النبي عليه الصلاة والسلام به، وهذا فيه مصلحة في الأديان، وهو أيضا منشط للإنسان، وهو مصلحة للأبدان.
ومن فوائد هذا الحديث: الأمر بالوضوء، وهل الأمر للوجوب؟ الجواب: لا، ليس للوجوب، ولكنه للاستحباب، والذي صرفه عن الوجوب أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يطوف على نسائه بغسل واحد. ولم ينقل أنه يتوضأ بين ذلك، لكن الذي يظهر لي - والله أعلم-: أنه كان يغسل فرجه لأجل التنظيف وعدم اختلاط مياه النساء بعضها ببعض، أما الوضوء فلم ينقل؛ فيكون الأمر هنا للاستحباب.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا بأس بأن تعلل الأحكام الشرعية بما يعود على البدن بالمصلحة لقوله: "فإنه أنشط للعود"، وينبني على ذلك أن قصد الإنسان بهذا الغرض الدنيوي لا يبطل أجره، وهذا نافع للإنسان، لأن فيه أشياء كثيرة من الأحكام الشرعية تعلل بمصالح بدنية، لماذا تعلل؟ من أجل أن ينظر الإنسان إليها نظرة حد وإلا لكان التعليل بها عديم الفائدة، ومن ذلك- أي: كون الأمور الدنيوية تلاحظ في الاستقامة-: وجوب الحدود على من يسحقونها؛ فإن كثيرا من الناس قد لا يترك هذا الذنب إلا خوفا من العقوبة، ثم إن الرسل أيضا يأمرون أقوامهم بالطاعة، ثم يذكرون المصالح الدنيوية كقول نوح عليه الصلاة والسلام:{فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا} . هذه المصلحة الدينية {يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنت ويجعل لكم أنهرا} [نوح: 10 - 12]. هذه مصلحة دنيوية، ولولا أن الإنسان لا يضره إذا لاحظها ما ذكرها الرسل - عليهم الصلاة السلام؛ لأن ملاحظتها تكون ضررا على الإنسان، ومن ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام:"من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه".