المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم الحركة في الصلاة وضوابطها: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ١

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌شرح مقدمة ابن حجر رحمه الله

- ‌كتاب الطهارة

- ‌1 - باب المياه

- ‌طهارة مياه البحر:

- ‌طهارة الماء:

- ‌كيف ينتقل الماء من الطهورية إلى النجاسة:

- ‌حكم اغتسال الجنب في الماء الدائم:

- ‌النهي عن البول في الماء الدائم:

- ‌اغتسال الرجل بفضل المرأة والعكس:

- ‌ولوغ الكلب:

- ‌أقسام النجاسات:

- ‌ طهارة الهرة:

- ‌كيف تطهر المكان إذا أصابته نجاسة:

- ‌الحوت والجراد والكبد والطحال:

- ‌2 - باب الآنية

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌حكم اتخاذ أوعية من جلود الميتة:

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الكفار:

- ‌تضبيب الإناء بالفضة:

- ‌3 - باب إزالة النجاسة وبيانها

- ‌تحريم الخمر وأحكامها:

- ‌الحمر الأهلية وحكم نجاستها:

- ‌حكم طهارة لعاب الإبل:

- ‌طهارة المني:

- ‌حكم بول الجارية والغلام والفرق بينهما:

- ‌حكم دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌4 - باب الوضوء

- ‌صفة الوضوء:

- ‌وجوب المضمضة والاستنشاق:

- ‌استحباب تخليل اللحية:

- ‌حكم الدلك:

- ‌صفة مسح الرأس والأذنين:

- ‌فضل إسباغ الوضوء:

- ‌استحباب التيمن:

- ‌المسح على العمامة وشروطه:

- ‌حكم البدء بالبسملة:

- ‌حكم الجمع بين المضمضة والاستنشاق بكف واحدة:

- ‌حكم ما يمنع وصول الماء في الوضوء:

- ‌أذكار الوضوء:

- ‌5 - باب المسح على الخفين

- ‌شروط المسح على الخفين:

- ‌صفة المسح على الخفين:

- ‌حقيقة السفر ومدة المسح للمسافر:

- ‌مدة المسح للمقيم:

- ‌حكم المسح على الخفين في الجنابة:

- ‌6 - باب نواقض الوضوء

- ‌حكم نقض الوضوء بالنوم:

- ‌عدم جواز صلاة الحائض:

- ‌الوضوء من المذي:

- ‌حكم نقض الوضوء بالقبلة:

- ‌خروج الريح:

- ‌مس الذكر:

- ‌القيء والرعاف والقلس:

- ‌حكم الوضوء من لحوم الإبل:

- ‌حكم من غسل ميتا:

- ‌حكم مس القرآن بغير وضوء:

- ‌هل يتوضأ من الحجامة:

- ‌حكم الوضوء من النوم:

- ‌التحذير من الوسواس في الوضوء:

- ‌7 - باب آداب قضاء الحاجة

- ‌تجنب دخول الخلاء بشيء فيه ذكر لله:

- ‌ دعاء دخول الخلاء:

- ‌الاستنجاء بالماء:

- ‌الأماكن المنهي عن التخلي فيها:

- ‌الكلام عند قضاء الحاجة:

- ‌النهي عن مس الذكر باليمين في البول:

- ‌النهي عن الاستنجاء باليمين:

- ‌النهي عن استقبال واستدبار القبلة بغائط أو بول:

- ‌ستر العورة أثناء قضاء الحاجة:

- ‌الدعاء بعد قضاء الحاجة:

- ‌ضرورة الاستجمار بثلاثة أحجار:

- ‌النهي عن الاستجمار بعظم أو روث:

- ‌الأمر بالاستنزاه من البول:

- ‌8 - باب الغسل وحكم الجنب

- ‌الجنابة من موجبات الغسل:

- ‌الاحتلام وأحكامه:

- ‌استحباب الاغتسال من تغسيل الميت:

- ‌حكم اغتسال الكافر إذا أسلم:

- ‌غسل يوم الجمعة:

- ‌حكم قراءة الجنب القرآن:

- ‌حكم نوم الجنب بلا وضوء:

- ‌صفة الاغتسال من الجنابة:

- ‌حكم المكث في المسجد للحائض والجنب:

- ‌جواز اغتسال الزوجين في مكان واحد:

- ‌9 - باب التيمم

- ‌التيمم من خصائص الأمة الإسلامية:

- ‌عدم صحة التيمم مع وجود الماء:

- ‌حكم التيمم من الجنابة وصفته:

- ‌بطلان التيمم بوجود الماء:

- ‌حكم التيمم للجروح عند مخالفة الضرر:

- ‌المسح على الجبيرة:

- ‌مسائل مهمة في المسح على الجبيرة:

- ‌10 - باب الحيض

- ‌الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌مباحث مهمة في الحيض:

- ‌علامة المستحاضة:

- ‌أحكام الاستحاضة:

- ‌حكم الاغتسال لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌وجوب الوضوء لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌حكم الكدرة والصفرة:

- ‌الاستمتاع بالحائض:

- ‌كفارة وطء الحائض:

- ‌أحكام تترتب على الحيض:

- ‌النفاس:

- ‌كتاب الصلاة

- ‌1 - باب المواقيت

- ‌استحباب التعجيل بالعصر وتأخير العشاء:

- ‌حكم الإبراد في صلاة الظهر:

- ‌الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها:

- ‌الفجر الصادق والفجر الكاذب:

- ‌الحث على الصلاة في أول الوقت:

- ‌2 - باب الأذان

- ‌صفة الأذان ومعانيه:

- ‌كيفية الأذان:

- ‌لا يشرع الأذان ولا الإقامة لصلاة العيد:

- ‌متابعة السامع للأذان:

- ‌صفة متابعة الأذان:

- ‌حكم أخذ الأجر على الأذان:

- ‌حكم الوضوء للمؤذن:

- ‌حكم إقامة من لم يؤذن:

- ‌فضل الدعاء بين الأذان والإقامة:

- ‌3 - باب شروط الصلاة

- ‌شرط الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر:

- ‌شرط ستر العورة وضوابطه:

- ‌شروط الساتر وضرورة طهارته:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌شرط استقبال القبلة وضوابطه:

- ‌حكم صلاة المسافر على الراحلة:

- ‌شرط طهارة المكان وضوابطه:

- ‌الأماكن التي ينهى عن الصلاة فيها:

- ‌ حكم الكلام في الصلاة وضوابطه:

- ‌حكم الحركة في الصلاة وضوابطها:

- ‌4 - باب سترة المصلي

- ‌صفة السترة للمصلي:

- ‌الأشياء التي تقطع على المصلي صلاته:

- ‌فائدة السترة وحكمها:

- ‌حكم اعتبار الخط سترة:

- ‌مسألة الخط بالتلوين وهل يعتبر سترة

- ‌مسألة حكم العمل بخبر الآحاد والحديث الضعيف:

- ‌5 - باب الحث على الخشوع في الصلاة

- ‌النهي عن الصلاة بحضرة طعام:

- ‌حكم الالتفات في الصلاة وأنواعه:

- ‌حكم البصاق في الصلاة وضوابطه:

- ‌ وجوب إزالة ما يشغل الإنسان عن صلاته:

- ‌التحذير عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة:

- ‌النهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين:

- ‌6 - باب المساجد

- ‌وجوب تنظيف المساجد وتطييبها:

- ‌النهي عن اتخاذ القبور مساجد:

- ‌حكم دخول الكافر للمسجد:

- ‌حكم إنشاد الشعر في المسجد وشروطه:

- ‌حكم إنشاد الضالة في المسجد:

- ‌حكم البيع والشراء في المسجد:

- ‌حكم إقامة الحدود في المسجد:

- ‌تمريض المرضى في المسجد:

- ‌زخرفة المساجد وزينتها:

- ‌تحية المسجد:

الفصل: ‌حكم الحركة في الصلاة وضوابطها:

وقد قال: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة". فهو عليه الصلاة والسلام يصلي في بيته ما عدا المكتوبة وما تشرع له الجماعة، فقولنا:"وما تشرع له الجماعة" نعني بذلك: صلاة الكسوف على القول بأنها سنة، وقيام رمضان، فإنه صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ثلاث ليال وتخلف في الرابعة خوفا من أن تفرض علينا.

ومن فوائد هذا الحديث: جواز النحنحة في الصلاة سواء بان حرفان أو لم يبن؛ لأن الحديث مطلق فلم يقيد بحرف ولا حرفين.

ومنها: أنه ينبغي للإنسان إذا استؤذن عليه وهو يصلي أن يبين حاله للمستأذن، حتى يكون على بصيرة، وإلا فمن الجائز أن يسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ينهي الصلاة ثم يأذن له لكن هذا لا ينبغي، بل الذي ينبغي أن تبين لأخيك أنك في صلاة.

ومنها: تحريم الكلام في الصلاة، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم عدل عنه إلى التنحنح، ومعلوم أن التنحنح في الإجابة أدنى مقابلة من الكلام؛ لأن من تقابله الكلام أعلى ممن تقابله بالنحنحة، يظهر ذلك لو أن أحدا خاطبني منكم فتنحنحت له، وآخر خاطبني وخاطبته بالكلام، فالمرتبة الثانية أعلى من الأولى، فلو كان الكلام جائزا في الصلاة لكان أحسن الناس خلقا محمدا صلى الله عليه وسلم يتكلم.

فإن قال قائل: وهل يجوز أن ننبه الإنسان لغير النحنحة؟

فالجواب: نعم، يسبح، أو يرفع صوته بالقراءة أو بالذكر حسب ما يقول؛ لأن المقصود التنبيه الداخل على أن هذا الإنسان في صلاة، لو كان تليفون ينبه وهو جنبك هل لك أن ترفعه وتقول: انتظر فإني أصلي؟ لا، إذن ماذا تصنع؟ إما أن أتركه وأنا معذور لا شك، وإما أن أرفعه وأتنحنح، أما أن أقول: أنا أصلي أو ما أشبه ذلك بناء على أنه قد لا يفهم فلا.

‌حكم الحركة في الصلاة وضوابطها:

216 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "قلت لبلال: كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول هكذا، وبسك كفه". أخرجه أبو داود، والترمذي وصححه.

هذا شبيه بما سبق، ابن عمر رضي الله عنه من فقهاء الصحابة، ومن عباد الصحابة، ومن أشد الصحابة

ص: 544

ورعا وتمسكا بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، وبلال معروف هو مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم، سأله ابن عمر وهو أعلى منه نسبا وأقرب منه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أيضا أعلم من بلال، سأله كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم - أي: على الناس- حين يسلمون عليه؛ لأن الناس كانوا يسلمون على الرسول عليه الصلاة والسلام وهو في صلاته، فكان قبل تحريم الكلام يرد عليهم، وحين حرم الكلام امتنع، كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرد عليهم السلام ولما رجع عبد الله بن مسعود من الهجرة وسلم عليه لم يرد عليه، فصار في نفسه لماذا لم يرد فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله يحدث في أمره ما شاء، وإنه أحدث ألا نتكلم- أو قال: - ألا تتكلموا في الصلاة".

وظاهر حديث ابن مسعود أنه لم يشر إلى الرد، لكن حديث بلال هذا يقول:"كان يرد عليهم فيقول: هكذا وبسط كفه" لكن رفعها قليلا، هكذا.

ففي هذا الحديث فوائد، منها: خفاء بعض الأحكام على من هو أعلم، وجهه: أن بلالا كان عنده علم بهذا، وأن ابن عمر ليس عنده علم، وهذا سهل؛ يعني: المسألة خفيت على أحد، ولكن الغريب أن تخفى مسألة على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ومعه المهاجرين والأنصار وذلك في حديث الطاعون. عمر رضي الله عنه توجه إلى الشام في أثناء الطريق قبل له: إن الشام فيها طاعون، والطاعون - أعاذنا الله وإياكم منه وأجارنا- مرض فتاك إذا نزل بأرض فتك بأهلها فتوقف عمر وليس عنده دليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، توقف أيمضي أو يرجع إلى المدينة وجميع الصحابة المهاجرين والأنصار ثم القدامى من المهاجرين، وكان الرأي أن يرجع، ولكن مع ذلك صار فيه شيء من التوقف حتى جاء عبد الرحمن بن عوف، وكان قد غاب في حاجة له، وأخبرهم بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فاطمأنوا ورجعوا؛ يعني: الخليفة الراشد وكل الصحابة الذين كانوا معه، كلهم خفي عليهم هذا الحديث، فلا تستغرب أن يخفى حكم مسألة على رجل من أكبر العلماء يعرفها أنى واحد من طلبة العلم، لا يستغرب.

ومنها: حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم، فلم يستنكر ابن عمر أن يسأل بلالا عن هذه المسألة، وهذا أمر معلوم، أعني: حرص الصحابة على العلم.

ومنها: جواز السلام على المصلي، وجه هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرهم ولو كان غير جائز لنهاهم، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء، منهم من قال: إنه جائز، ومنهم من قال: إنه سنة،

ص: 545

ومنهم من قال: إنه مكروه، أما من قال: إنه جائز فاستدل بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة على السلام عليه، وأما من قال: إنه سنة، فقال: الأصل في السلام أنه سنة، فإذا أقرهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي كان إقرارا لهم على أصله، وما هو الأصل؟ السنية فيكون مسنونا، وأما من قال: إنه مكروه، فعلل ذلك بأمرين احدهما أن المصلي مشغول، وإذا كان مشغولا فلا ينبغي أن تشغله، ثانيا: إنك إذا سلمت على المصلي فقد ينسى ويقول: عليك السلام، وما أكثر الغفلة في الصلاة فيسلم عليه فنقول: عليك السلام، وقد يكون جاهلا كعامي لا يدري عن الأمور فيسلم عليه فيقول: عليك السلام، وقد تلحقه الهيبة فيقول: عليك السلام مثل أن يمر به السلطان فيقول: السلام عليك، فمع الدهشة يقول: عليك السلام، فإذا كان في هذا عرضة لإبطال صلاة المصلي فإنه يكون مكروها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الصحابة حين كانوا يقرأ بعضهم عند بعض وهم يجهرون ويصلون نهاهم وقال:"لا يؤذين بعضكم بعضا في القرآن"، فما دمنا نخاف فلا نفعل، لكن أقرب الأقوال انه مباح.

ويعارض القول بأن الأصل السنية أن يقال: بأن هذا مشغول ولا يمكن أن نقول إنه مكروه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقره عليه ولا يمكن أن نقول الصحابة عندهم علم ومعرفة بخلاف العوام بعدهم، لأننا لو قلنا بهذا لبطلت استدلالاتنا بكثير من الأحاديث، فالأقرب أنه لا يكره وأنه مباح، ولكن هل يكتفي بهذا الرد بالإشارة؟ هذا ظاهر الحديث أنه يكتفي، هذا فيمن سلم ماشيا واضح أنه يكتفى به، لكن فيمن سلم وجلس حتى انتهى المصلي من صلاته هل يرد عليه قولا، أو نقول: إنه يكتفى بالرد الأول لأنه مما جاءت السنة؟ الظاهر الثاني، أي: أنه يكتفى، وكونه يجلس أو يمضي في سبيله ليس على المصلي شيء منه، ولكن لا شك أن من حسن الأخلاق أنه إذا انتهى من صلاته - المصلي- يرد على أخيه يقول: وعليك السلام كيف أنت، كيف حالك؛ لأنه قد يكون من الجفاء ألا ترد، وكل شيء يوجب سرور أخيك واطمئنانه وإزالة ما في قلبه من ظن الكبر فيك فهو خير.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الحركة من غير جنس الصلاة للحاجة لا بأس بها، وجهه: أن النبي صلى الله عليه وسلم يشير بيده للسلام للحاجة، وهذه الإشارة من جنس الصلاة أو لا؟ لكن للحاجة لا بأس بالحركة.

ومن فوائد هذا الحديث: جواز إطلاق القول على الفعل، وجهه: قال: "بيده"، ومثل هذا

ص: 546

حديث عمار في التيمم: "إنما كان يكفيك أن تقول بيدك هكذا". وفيه أيضا إشارة إلى أن حقيقة الكلام ما أفاد معناها، فلا يقال: إن هذا من باب التجوز، تقول هذا من باب الأساليب العربية، وأن حقيقة معنى الكلام هو ما أفاده بحسب اللغة أو العرف أو الشرع، شيخ الإسلام رحمه الله ينفي أن يكون في اللغة مجاز، ويقول: إن الكلمة في سياقها وفي محلها لا تدل إلا على ما يراد بها، وكلامه عند التأمل هو الصواب، والعلماء مختلفون في الحقيقة والمجاز هل هي ثابتة في اللغة والقرآن، أو في اللغة دون القرآن، أو لا في اللغة ولا في القرآن؟ يعني: المجاز على أقوال ثلاثة معروفة، ومن أراد البسط هذا فعليه بقراءة كتاب الشيخ الشنقيطي وهو:"منع جواز المجاز في القرآن"، وكذلك يقرأ:"مختصر الصواعق المرسلة" لابن القيم، ويقرأ كتاب:"الإيمان" لشيخ الإسلام ابن تيمية، فقد وضح هذا توضيحا جليسا إذا قرأه الإنسان بتأمل عرف أنه الحق، ورأيت في مختصر الصواعق لابن القيم أن من علماء النحو من قال: لا حقيقة في اللغة، كلها مجاز. أين نذهب إذا صارت كل الدنيا مجازا؟ هذا لا شك في أنه من الأوهام والأغلاط، أو من الفلسفة المتعمقة فأحسن الأقوال ما ذهب إليه شيخ الإسلام.

أسئلة:

- مر علينا أنه يجوز للمصلي أن يشير إشارة مفهومة عنه، ففي أي حديث هذا؟

- مر علينا أيضا أنه يكتفى بالإشارة برد السلام للإنسان وهو يصلي؟

- هل إشارة الأخرس التي تقوم مقام نطقه كإشارة المتكلم؟ نعم، ولكنها لا تبطل الصلاة.

- هل يجوز للإنسان أن يتنحنح بدون حاجة؟

217 -

وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو حامل أمام بنت زينب، وإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها". متفق عليه - ولمسلم: "وهو يؤم الناس في المسجد".

قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو حامل أمامة"؛ أمامة هي بنت ابنته وأبوها أبو العاص بن الربيع رضي الله عنه، وهو ممن وعد النبي صلى الله عليه وسلم ووفى له وكانت أسلمت قبله ثم أسلم بعد ذلك، فردها النبي صلى الله عليه وسلم إليه بعد ست سنوات، واعلم أن الرجل إذا أسلمت امرأته قبله فإن أسلم في العدة فهي زوجته ولا خيار لها. رجل كافر له امرأة كافرة فأسلمت فيجب التفريق بينهما، فإن أسلم وهي في العدة

ص: 547

فهو زوجها ولا خيار لها، وإن أسلم بعد انقضاء العدة، فقال أكثر العلماء: إن النكاح ينفسخ وتبين منه، ولا تحل له إلا بعقد جديد؛ لأن العلقة بينهما زالت بانتهاء العدة، وقيل: بل هي بالخيار إن شاءت انتظرت حتى يسلم زوجها فترجع عليه، وإن شاءت تزوجت، فيكون الفرق بين إسلامه في عدتها، وإسلامه بعد العدة أنه قبل العدة لا خيار لها [يبقى] الزوج زوجها، [أما] بعد العدة فعلى القول الراجح لها الخيار: إن شاءت انتظرت الزوج لعله يسلم، وإن شاءت تزوجت. زينت رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرت فردها النبي صلى الله عليه وسلم عليه بعد ست سنين.

توفيت زينت رضي الله عنها في حياة أبيها صلى الله عليه وسلم، ولها بنت صغيرة ويقال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يحملها إبان مرض أمها، أو موتها؛ لأنه عليه الصلاة والسلام من خلقه الحسن العظيم: أنه في مهنة أهله حتى إنه كان يحمل الصبيان يدللهم عليه الصلاة والسلام هذه البنت الصغيرة كانت معه وهو يصلي بالناس يحملها على كتفه إذا قام، وإذا سجد وضعها، والظاهر أيضا أنه يضعها في الركوع؛ لأنه صعب أن يضعها على كتفه في الركوع فيضعها، وإذا قام بحملها، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها. ولمسلم:"وهو يؤم الناس في المسجد" أي: وهو عليه الصلاة والسلام إمامهم.

ففي هذا الحديث فوائد كثيرة: أعلاها وأهمها وأعظمها: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان يلاطف الصبيان إلى هذا الحد.

ومنها: ملاطفة الصبيان والشفقة عليهم والتواضع لهم؛ لأن هذا مما يلين القلب ويرقق القلب.

ومنها: جواز العمل اليسير في الصلاة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحملها إذا قام، ويضعها إذا سجد، وهذا عمل ولو كان يبطل الصلاة ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هل يجوز أو لا يجوز؟

نقول: عند الحاجة ولو لإسكات الصبي يجوز ومع غير الحاجة يكره.

وبناء على هذا نقول: إن الحركة في الصلاة من غير جنس الصلاة تنقسم إلى خمسة أقسام:

واجبة، مستحبة، مكروهة، محرمة، فهي من المسائل التي تجري فيها الأحكام الخمسة، واجبة إذا توقفت عليها صحة الصلاة، يعني: إذا لم تصح الصلاة بدونها صارت

ص: 548

واجبة، كيف ذلك؟ لها صور عديدة؛ منها: إذا رأى الإنسان على ثوبه نجاسة، وعليه ثوب آخر فهنا لابد أن يتحرك، ماذا يصنع؟ يخلع الثوب؛ لأنه لو أبقاه مع علمه بالنجاسة بطلت الصلاة.

ومنها: لو اجتهد في القبلة واتجه إلى غير القبلة ثم أتاه إنسان وأخبره بأن اتجاهه معاكس للقبلة فماذا يجب عليه؟ يجب عليه أن يتجه إلى القبلة، وقد جرى هذا للصحابة رضي الله عنهم في مسجد قباء؛ فإنهم كانوا في صلاة الصبح متجهين إلى بيت المقدس بناء على الأصل، فأتاهم آت وقال لهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه قرآن وأمر أن يستقبل الكعبة، فلما قال لهم هذا استقبلوها. وكيف كان دورانهم؟ يعني: هل هو على اليمين أو على اليسار؟ دوران كامل؛ لأنهم استداروا فكانت ظهورهم نحو بيت المقدس ووجوههم نحو الكعبة، دوران كامل صار مكان الإمام مكان المأمومين، وهذا العمل واجب.

ومنها: لو كان الرجل عادما للثوب فإنه يصلي عاريا {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16]. في أثناء الصلاة جاءه الخادم بالثوب هل يقول: لا أتحرك؟ لا، يجب أن يتحرك ويلبس الثوب، إذن ما هو الضابط في الحركة الواجبة؟ ما تتوقف عليها صحة الصلاة.

المستحب: ما يتوقف عليه كمال الصلاة. مثل التقدم إلى الصف كرجل يصلي في الصف الثاني فبانت فرجه في الصف الأول، نقول: تقدم إليها، والتقدم هنا مستحب؛ لأنه من كمال الصلاة، ومن ذلك لو كان رجلان يصليان سواء جماعة فجاء ثالث ليدخل معهما فهنا لابد من حركة، الحركة هنا سن أو واجبة؟ سنة، وهي أن يتقدم الإمام ليكون أمام المأمومين.

يسأل بعض الناس، هل يكبر الداخل قبل أن يجذب المأموم، أو يقدم الإمام، أو ينتظر حتى يجذب المأموم أو يقدم الإمام أيهما؟ (السؤال مرة ثانية) دخل رجل واثنان يصليان سيصلي معهما، هل نقول: قدم الإمام أو أخر المأموم؟ الأول أولى؛ لماذا؟ لأنه إذا قدم الإمام أو أخر المأموم سيتفادى الحركة في صلاته، سيدخل والمسألة قد تمت لا يقال: إن هذا يستلزم انفراد المأموم؛ لأن هذا لا يضر هذا جزء يسير، وابن عباس لما أخره الرسول عليه الصلاة والسلام من اليسار إلى اليمين حين مر من ورائه انفرد أو لم ينفرد؟ انفرد، لكن هذا انفراد لا يضر، وعليه فإذا سألنا عن المسألة التي ذكرناها نقول: أخر المأموم، أو قدم الإمام قبل أن تكبر، تأخير المأموم من اليسار إلى اليمين إذا كانا اثنين من الواجب أو من المستحب؟ إن قلتم: من المستحب، أخطأتم، وإن قلتم: من الواجب أخطأتم، إن قلتم: من الحرام أخطأتم أكثر، إذا قلتم: من المكروه أخطأتم

ص: 549

أقل، نقول: إن قلنا بأنها لا تصح صلاة المأموم عن يسار الإمام مع خلو يمينه فالحركة واجبة؛ لأنها تتوقف عليها صحة الصلاة، وإن قلنا: بأنه سنة بأن كونه عن يمينه أفضل من كونه عن يساره، وتصح الصلاة فالحركة مستحبة، وهذه المسألة فيها خلاف، والراجح أن وقوف المأموم عن يمين الإمام مستحب، وليس بواجب، وأنها تصح صلاة المأموم عن يسار الإمام مع خلو يمينه، لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر في ذلك غاية ما هناك أنه فعل والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، وهذه قاعدة أصولية فقهية "أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم المجرد لا يدل على الوجوب".

فإن قال قائل: كون الرسول يتحرك، وابن عباس يتحرك ألا يدل على الوجوب؟

قلنا: لو كانت هذه الحركة محرمة - يعني: كثيرة بحيث تبطل الصلاة - لقلنا هذا يدل على الوجوب، لكن هذه حركة يسيرة لإكمال الصلاة، فالقول الراجح في هذه المسألة أن الصلاة تصح عن يسار الإمام مع خلو يمينه فيما إذا كانا اثنين، وهذا اختيار شيخنا عبد الرحمن رحمه الله وتنزيله على القواعد واضح كما سمعتم، بقينا بالحركة المكروهة، هل اليسيرة لغير حاجة هذه مكروهة، مثاله: إنسان قام يصلح الغترة، أو الطاقية، أو العقال، أو ما أشبه ذلك، حركة ما لها حاجة هذه مكروهة تنقص الصلاة، لكن لا تبطلها، فإن قيل: هل منها أن يحك جلده إذا التهب عليه؟ مكروه أو غير مكروه؟ نقول: حك الجلد إذا التهب عليه أفضل من تركه؛ يعني: فتكون الحركة مستحبة؛ لأن اشتغال قلب الإنسان سبب الالتهاب أكثر من اشتغاله بحركة يده لتبريد الحكة، ومن المعلوم أنا نرتكب الأدنى قبل الأعلى. لو قال قائل: دائما يحك الإنسان وإذا به ينتقل الالتهاب إلى محمل آخر هل يتابعه؟ يتابع، إلا إذا توالى وكثر فلا يتابع فإنه محرم؛ لأن الحركة المباحة هي اليسيرة ولحاجة أو الكثرة للضرورة، اليسيرة لحاجة عرفتموها كالحكة، وما أشبه ذلك، الكثيرة للضرورة كإنسان عدا عليه سبع وهو يصلي فأراد أن يدافع عن نفسه واقتضى ذلك عملا كثيرا، العمل هنا جائز أو غير جائز؟ جائز للضرورة، أما إذا كان العمل كثيرا متواليا لغير ضرورة فإنه يبطل الصلاة.

المحرم: الكثير المتوالي لغير ضرورة هذا حرام، ويبطل الصلاة.

فإذا قال قائل: ما هو الضابط في الكثير واليسير؟

قلنا: الضابط العادة والعرف، فإذا رأينا هذا الرجل يتحرك حركات كثيرة لم تجر العادة بها فهو كثير، ويمكن أن يقال ضابطه: أن من شاهده يعمل هذه الأعمال يظن أنه في غير صلاة، يعني: هذا هو الذي ينافي الصلاة.

ص: 550

ومن فوائد حديث أبي قتادة رضي الله عنه: جواز إدخال الصبيان المسجد، وجهه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بهذه الجارية، فيجوز أن يؤتى بالصبيان إلى المسجد، لكن بشرط ألا يخاف منهم أذى أو تشويش، فإن خيف منهم ذلك فإنهم يمنعون، ولكن كيف الطريق إلى منعهم هل نحن نباشر المنع أو نتصل بآبائهم، الثاني أولى يعني: أن نتصل بالآباء؛ لأنك لو منعت هذا الصبي وقام يصيح عند الباب أو ضربته، إن كان ممن يتأدب بالضرب فسيؤثر هذا على أبيه، سيقول: لماذا لم تعلمني أن أمنع عيالي؟ أما إذا لم يعلم له أب فأي إنسان يراه وهو يؤذي الناس ويشوش عليهم فله إخراجه، أما إذا لم يكن منهم أذية فلا.

ومن فوائد الحديث: جواز حمل الطفل في الصلاة، مع أن الغالب أن الأطفال ثيابهم نجسة، فهل يقال: إن هذا مما يسامح فيه، أو يقال: نبقى على الأصل وهو وجوب طهارة الثياب، وطهارة ما يحمله الإنسان؟ الثاني أقرب وأحوط، ويجاب عن حديث أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أنها لم تتنجس، ألبسها ثيابا نظيفة ثم أحضرها أو حضرت هي، المهم أن لدينا الآن احتمال أن تكون هذه الطفلة متلوثة بالنجاسة أو تكون متطهرة منها، لدينا نص واضح على أنه لا يجوز للإنسان أن يلابس - إذا كان يصلي- النجاسة، فنحمل هذا المتشابه - أعني: حديث أمامة - على المحكم وهو أنه لا يجوز للإنسان أن يحمل الطفل الذي تلوث بالنجاسة، لو غلب على ظنه لكن لم يتيقن أنه نجس أيجوز أن يحمله؟ نعم يجوز؛ لأن الأصل الطهارة وعدم النجاسة.

218 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية، والعقرب". أخرجه الأربعة، وصححه ابن حبان.

"اقتلوا" أمر، وهل هو للإباحة أو للاستحباب؟ سيأتي إن شاء الله، "الأسودين" يعني: الحية، والعقرب، العقرب سوداء والحية ليست سوداء، وهذا من باب التغليب، وغلبت العقرب لا لنها أقرب أو أشد لسعة، لكن لأنها أكثر طوافا بالناس فغلبت، وقيل: الأسودين الحية، والعقرب، وهذا الحديث يشمل جميع الحيات وجميع العقارب.

ففيه إذن فوائد، منها: الأمر بقتل الحية والعقرب في الصلاة، وهل هذا الأمر للإباحة؛ لأن الأصل ألا يتحرك الإنسان في صلاته إلا بما هو من جنسها، أو مصلحتها، وهذا لا علاقة له بالصلاة، فيكون الأمر للإباحة كأنه قال: يباح لكم قتل الأسودين، أو إن الأمر للاستحباب؟

ص: 551

الثاني أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل عن قتلهما حتى يقال: إن قوله: "اقتلوا" للإباحة بل هو للاستحباب؛ ولأن القواعد الشرعية تقتضي ذلك؛ حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خمس يقتلن في الحل والحرم". وذكر منها العقرب.

ومن فوائد هذا الحديث: أن كل ما كان طبيعته الأذى من الحيوان فإن الإنسان مأمور بقتله، أخذنا هذا العموم من العلة في الأمر بقتل الحية والعقرب.

ومن فوائد هذا الحديث: أن ظاهره العموم في الصغار والكبار من الحيات والعقارب، فتقتل جميع الحيات الصغار والكبار.

ومن فوائد هذا الحديث: أن ظاهره أن الحية تقتل في البيوت، لكن هذا الظاهر مخصوص بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن قتل الحيات؛ لأن الحيات اللاتي في البيوت ربما تكون من الجن، كما دل على هذا سبب النهي؛ فإن سببه أن شابا كان حديث عهد بعرس فجاء إلى أهله ووجد امرأته على الباب، فسأل لماذا؟ فأشارت إليه أن انظر، فنظر في الفراش وإذا بحية منطوية، فأخذ الرمح ووكزها حتى ماتت ثم مات هو في الحال، قال الراوي: فما يدري أيهما أسرع موتا الحية أو الرجل، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم على إثر ذلك عن قتل الحيات اللاتي في البيوت؛ لأنه يخشى أن تكون من الجن، والجن إذا قتل منهم الإنس أحدا اقتصوا منه؛ إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم استثنى نوعين وهما: الأبتر وذا الطفيتين، "الأبتر": قصير الذنب؛ لأن هذين النوعين يخطفان البصر ويتبعان ما في بطون النساء، تضع الحوامل منها إذا رأتها؛ فلعظم جرمها استثناهما النبي صلى الله عليه وسلم.

فإذا قال قائل: في الحيات التي نهينا عن قتلها ماذا نصنع: أنبقيها معنا في البيت هذا مشكل؛ لأنه سيفزع الأهل والصغار، وسيبقى صاحب البيت في قلق؟

فقلنا له: حرج عليها ثلاث مرات، وقل:"أنا منك في حرج إن بقيت في بيتي"، فإذا حرجت عليها ثلاثا ورجعت فاقتلها؛ لأنك حرجت عليها ثلاثا إن كانت جنية عرفت أنك ستقتلها ولن تأتي، وإن كانت حية من حيات الأرض فإنها لا تدري ولا تعرف، فإذا جاءت فاقتلها فلكل داء دواء.

هل يؤخذ من هذا الحديث: أن جميع ما يؤمر بقتله إذا عرض لك في الصلاة أن تقتله؟

الجواب: نعم؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، والشريعة الإسلامية كلها مبنية على العلل فلا تتناقض.

ص: 552

وظاهر الحديث من فوائده: أنه لو احتاج قتل الأسودين إلى عمل كالتقدم قليى لأخذ العصا أو لأخذ الحجر أو ما أشبه ذلك فليفعل، لاسيما إن خاف أن تهاجمه.

ومن فوائده: أن ظاهر الحديث سواء هاجمت أم لا تهاجم، وسواء خاف مهاجمتها أم لم يخف لأن المقصود إتلاف هذا النوع من الحشرات.

فإن قال قائل: إذا كان الله عز وجل يأمر بقتلها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فما الفائدة من خلقها؟ لأنه قد يقوله قائل، ويعتذر معتذر كيف يخلق شيء ونؤمر بإعدامه؟

والجواب من عدة أوجه:

الوجه الأول: بيان قدرة الله عز وجل، حيث أودع في هذه المؤذيات ما يؤذي، وأودع في النافعات ما ينفع، فالذئب جسمه صغير بالنسبة للبعير وأيهما أنفع؟ البعير، وهذا يضر فيستفاد من ذلك تمام قدرة الله تبارك وتعالى أن خلق هذين المتناقضين.

ومنها: أن يعرف الإنسان قدر نفسه، وأن شيئا حقيرا بالنسبة إليه يؤذيه ويقلقه وربما يهلكه، حتى لا يتعاظم ويقول: أما من أنا، ولذلك نجد البعوضة تسلط على الإنسان في فراشه ولا يستطيع النوم وهي ما هي، وقال رجل من الجبابرة: ما هي الفائدة من خلق الذباب؟ فقال له بعض الحاضرين: الفائدة أن يرغم أنفك، أو قال: أن يرغم أنف الجبابرة؛ لأن هذا الذباب بأرجله الملوثة وهو كريه المنظر يقع على أنف الجبار فيرغمه ويهينه ويذله، وهذا أيضا ربما تكون من الحكم.

من فوائد وجود هذه المؤذيات: أن الله خلقها ليلجأ العبد إلى ربه - جل وعلا- ويكثر من الأوراد الحافظة له عن شرار خلق الله، وبعض الناس لولا خوفه من مثل هذا ما قرأ الأوراد، إذن الفائدة: أن يرجع الإنسان إلى الله تبارك وتعالى في قراءة ما شرع من الأوراد التي تحفظه.

ومن الفوائد أيضا: أن هذه المؤذيات يسلط عليها شيء ليس بشيء بالنسبة لها، ونضرب لكم مثلا: يقولون: إن القنفذ هو خشاش صغير، لكن قد كساه الله تعالى جلدا من الشوك يأتي على الحية ويأكلها، يبدأ بها من الذنب من ذيلها يرعاها رعيا وهي إذا ردت رأسها لتهشه ما تستطيع من الشوك فيبقى معها مصارعة ويقضي عليها، هذا مشاهد، ما الذي يقضي على هذا القنفذ؟ الحدية، وهو طائر صغير يأتي على القنفذ فإذا أحس به انكمش وأخرج الشوك، فيأخذ يذقنه من أحد الشوك، ثم يصعد به في الجو، يطير به ثم يطلقه فإذا أطلقه تبعه، فإذا وصل الأرض داخ لا يتحرك هو إذا داخ - سبحان الله- ينكمش الجلد الشوكي وهو - فيما أظن- لحمه شهي

ص: 553