الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النهي عن اتخاذ القبور مساجد:
241 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قاتل الله اليهود: اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» . متفق عليه. وزاد مسلم: «والنصارى» .
وفي رواية في غير هذا الحديث: «لعنة الله على اليهود والنصارى» . «قاتل» بمعنى: أهلك يتعين هذا؛ لأن من قاتل الله فهو هالك على كل حال، وجاءت بلفظ المقاتلة؛ لأنه لما كان هذا المعاند المخالف لشريعة الله عز وجل سميت الدعوة عليه بالإهلاك مقاتلة كقتال المتنازعين، اليهود هم الذين يزعمون أنهم أتباع موسى، سموا بذلك إما لأن جدهم يسمى يهوذا، ولكنه عرب فصار يهودًا، وإما أنه من هاد يهود بمعنى: رجع لقولهم: {إنا هدنا إليك} [الأعراف: 156]. وقوله تعالى: {يحكم بها النبيون الذين أسلموا} لمن {للذين هادوا} [المائدة: 44]. ويحتمل أن يكون هذا راجعًا للأمرين جميعًا: أنهم هادوا؛ أي: رجعوا إلى الله وتابوا من عبادة العجل، وأن جدهم كان يسمى بهذا الاسم، ثم قال:«اتخذوه قبور أنبيائهم مساجد» هذه الجملة تعليل للحكم الذي قبلها يعني: كأنه قيل: لم؟ فقال: اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، أي: صاروا يصلون عند القبور سواء بني عليها أو لم يبن؛ لأنه إذا اتخذ هذا المكان مصلى فقد اتخذه مسجدًا بلا شك سواء بنى عليه بناية أو لم يبن، وزاد مسلم:«والنصارى» ؛ النصارى هم أتباع عيسى، وسموا نصارى إما لقولهم:{نحن أنصار الله} [الصف: 14]. وإما نسبة إلى بلدهم «الناصرة» وهي معروفة، ويمكن أن يقال للوجهين جميعًا.
أسئلة:
- للمساجد معنيان ما هما؟
- ما حكم بناء المساجد في المدن والقرى؟
- هل يمكن أن يستدل بهذا على وجوب صلاة الجماعة؟
- قولها: «تنظف وتطيب» ما الفرق بينهما؟
- ما هو الدليل على أن مثل هذا يكون تطيبًا؟
- «قاتل الله اليهود» ، ما المراد بـ «قاتل» ؟ ولماذا جاءت بلفظ المقاتلة؟
- ما معنى قوله: «اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ؟
***
242 -
ولهما: من حديث عائشة رضي الله عنها: «كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا» ، وفيه:«أولئك شرار الخلق» .
قوله: «ولهما» أي: للبخاري ومسلم «كانوةا» أي: النصارى «كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح» هذا أعم من كونه نبيًا أو غير نبي، الصالح هو المستقيم في دينه سواء كان نبيًا أو غير نبي «بنوا على قبره مسجدًا» وهذا يوضح معنى قوله:«اتخذوةا قبور أنبيائهم مساجد» ، وفيه:«أولئك شرار الخلق» يعني: عند الله «أولئك» بالكسر؛ لأن الكاف اسم للإشارة تكون حسب المخاطب، واسم الإشارة يكون حسب المشار إليه، وفي هذا امتحان للطالب. فإذا قيل لك: أشر إلى واحد مخاطبًا اثنين كيف تقول: «ذلكما» كما قال عز وجل عن يوسف: {ذلكما} يخاطب صاحبي السجن {مما علمني ربي} [يوسف: 37]. أشرف إلى أنثى مخاطبًا أنثى؟ «تلك» هذه هي اللغة المشهورة الفصحى أن الكاف تكون بحسب المخاطب، إن مفردًا مذكرًا صارت مفردًا مذكرًا، وإن مثنى صارت للتثنية، وإن جمعت جمع ذكور صارت للجمع بالميم، وإن جمعت جمع إناث صارت بالجمع بالنون قال الله تعالى:{قالت فذالكن الذي لمتنني فيه} [يوسف: 32]. «فذلكن» تشير إلى واحد وهو يوسف، ولهذا أتى بـ «ذا» تخاطب نسوة جماعة، فيه لغة أخرى أن الكاف بالفتح والإفراد مطلقًا على اعتبار الشخص، وإذا كان المخاطب جماعة أو منثى فهو باعتبار الجنس باعتبار الشخص لكونها مفردًا مذكرًا وباعتبار الجنس لكونها مفردة لا مثناة، ولا مجموعة، فيه لغة ثالثة: أنه إذا خوطب بها النساء فهي بالإفراد والكسر، مطلقًا وإذا خوطب بها الرجال فهي بالإفراد والكسر لكن اللغة الأولى هي الفصحى هنا «أولئك شرار الخلق» المخاطب أنثى واحدة والمشارة إليه جماعة وهم الذين يبنون على قبور صالحيهم.
في هذا الحديث من الفوائد: أن الشرك عظيم جدًا، وذلك لعظم وسائله وذرائعه، فأصل المسجدلا إذا بني على القبر إنما يصلى لله لكن في هذا المكان هذا هو الأصل، لكن لما كان يخشى أن صاحب القبر يعبد صار البناء على قبره من كبائر الذنوب، والتعظيم في الوسيلة يدل على عظم الغاية.
ومن فوائد هذا الحديث: حماية الشريعة لجانب التوحيد حماية كاملة بحيث سدت جميع الوسائل التي قد تؤدي إلى الشرك.
ومنها: تحريم بناء المساجد على القبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الدين يبنون المساجد على القبور بأنهم شرار الخلق.
ومنها: أن البناء على القبور فيه التشبه باليهود والنصارى، فيكون هذا الواقع في هذه الأمة مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لتركبن سنن من كان قبلكم» ، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟ » . وعلى هذا فالذي يبني مسجدًا على القبر مشابه تمامًا لليهود والنصارى.
ومن فوائد الحديث: وجوب هدم المسجد المبني على القبر، وجه الدلالة: أن البناء هذا من كبائر الذنوب ولا يجوز إقرار الكبائر، هذه واحدة. ثانيًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهدم المسجد الضرار. مع أنه لم يبن على قبر لكن فيه مضارة لمسجد إلى جانبه، فما كان وسيلة إلى الشرك فهدمه من باب أولى.
ومنها: مسألة اختلف فيها هل تصلح الصلاة في هذا المسجد الذي بني على القبر أو لا تصح؟ في هذا خلاف بين أهل العلم منهم من قال: إنها تصح؛ لأن المحرم هو بناء المسجد، وهو منفصل عن الصلاة، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة في المساجد المبنية على القبور فهو كما لو صلى الإنسان في مكان مغصوب، والراجح أن الإنسان إذا صلى في مكان مغصوب فصلاته صحيحة مع الإثم وهذا مذهب الأئمة الثلاثة، القول الثاني: أن الصلاة فيه لا تصح؛ لأنه منهي عنها بطريق اللزوم، وهو أن الصلاة في هذا المسجد وسيلة إلى عبادة صاحب القبر فتكون منهيًا عنها نهي الوسائل، وإذا كان العمل منهيًا عنه صار إيجابه مضادة لله ورسوله، فيقتضي المنع منع تنفيذ هذا الشيء لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» وهذا القول أقرب للصواب، إن الصلاة في المساجد المبنية على القبور حرام غير صحيحة، لاسيما إذا كان المصلي ممن ينظر إليه النار نظر إمامة؛ أي: أنهم يقتدون به، فهنا يتضاعف الإثم ويقوى القول بأن الصلاة غير صحيحة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الشرع يتفاضل لقوله: «أولئك شرار الخلق» وهو كذلك كما أن الخير يتفاضل، ويلزم من هذا أن تتفاضل الأعمال، ويلزم لزومًا آخر أن يتفاضل العمال، وهذا هو الحق أن الأعمال تتفاضل صالحها وسيئها، وأن العمال يتفاضلون بحسب أعمالهم، وعليه فنقول: الإيمان يزيد وينقص؛ لأن العمل من الإيمان؛ إذا تفاضل العمل لزم من ذلك تفاضل الإيمان، وهذا هو الحق أن الإيمان يتفاضل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ويزيد أيضًا لقوة الآيات المشاهدة وضعفها، فإن الإنسان كلما شاهد الآيات ازداد إيمانًا بالله عز وجل ولهذا قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام:{رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} [البقرة: 360]. والإنسان يشاهد هذا في نفسه كلما رأى آية عظيمة خارجة عن المألوف