المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فائدة أخرى وهي: مخاطبة الإنسان بمثل ما خاطب به الغير، - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ١

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌شرح مقدمة ابن حجر رحمه الله

- ‌كتاب الطهارة

- ‌1 - باب المياه

- ‌طهارة مياه البحر:

- ‌طهارة الماء:

- ‌كيف ينتقل الماء من الطهورية إلى النجاسة:

- ‌حكم اغتسال الجنب في الماء الدائم:

- ‌النهي عن البول في الماء الدائم:

- ‌اغتسال الرجل بفضل المرأة والعكس:

- ‌ولوغ الكلب:

- ‌أقسام النجاسات:

- ‌ طهارة الهرة:

- ‌كيف تطهر المكان إذا أصابته نجاسة:

- ‌الحوت والجراد والكبد والطحال:

- ‌2 - باب الآنية

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌حكم اتخاذ أوعية من جلود الميتة:

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الكفار:

- ‌تضبيب الإناء بالفضة:

- ‌3 - باب إزالة النجاسة وبيانها

- ‌تحريم الخمر وأحكامها:

- ‌الحمر الأهلية وحكم نجاستها:

- ‌حكم طهارة لعاب الإبل:

- ‌طهارة المني:

- ‌حكم بول الجارية والغلام والفرق بينهما:

- ‌حكم دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌4 - باب الوضوء

- ‌صفة الوضوء:

- ‌وجوب المضمضة والاستنشاق:

- ‌استحباب تخليل اللحية:

- ‌حكم الدلك:

- ‌صفة مسح الرأس والأذنين:

- ‌فضل إسباغ الوضوء:

- ‌استحباب التيمن:

- ‌المسح على العمامة وشروطه:

- ‌حكم البدء بالبسملة:

- ‌حكم الجمع بين المضمضة والاستنشاق بكف واحدة:

- ‌حكم ما يمنع وصول الماء في الوضوء:

- ‌أذكار الوضوء:

- ‌5 - باب المسح على الخفين

- ‌شروط المسح على الخفين:

- ‌صفة المسح على الخفين:

- ‌حقيقة السفر ومدة المسح للمسافر:

- ‌مدة المسح للمقيم:

- ‌حكم المسح على الخفين في الجنابة:

- ‌6 - باب نواقض الوضوء

- ‌حكم نقض الوضوء بالنوم:

- ‌عدم جواز صلاة الحائض:

- ‌الوضوء من المذي:

- ‌حكم نقض الوضوء بالقبلة:

- ‌خروج الريح:

- ‌مس الذكر:

- ‌القيء والرعاف والقلس:

- ‌حكم الوضوء من لحوم الإبل:

- ‌حكم من غسل ميتا:

- ‌حكم مس القرآن بغير وضوء:

- ‌هل يتوضأ من الحجامة:

- ‌حكم الوضوء من النوم:

- ‌التحذير من الوسواس في الوضوء:

- ‌7 - باب آداب قضاء الحاجة

- ‌تجنب دخول الخلاء بشيء فيه ذكر لله:

- ‌ دعاء دخول الخلاء:

- ‌الاستنجاء بالماء:

- ‌الأماكن المنهي عن التخلي فيها:

- ‌الكلام عند قضاء الحاجة:

- ‌النهي عن مس الذكر باليمين في البول:

- ‌النهي عن الاستنجاء باليمين:

- ‌النهي عن استقبال واستدبار القبلة بغائط أو بول:

- ‌ستر العورة أثناء قضاء الحاجة:

- ‌الدعاء بعد قضاء الحاجة:

- ‌ضرورة الاستجمار بثلاثة أحجار:

- ‌النهي عن الاستجمار بعظم أو روث:

- ‌الأمر بالاستنزاه من البول:

- ‌8 - باب الغسل وحكم الجنب

- ‌الجنابة من موجبات الغسل:

- ‌الاحتلام وأحكامه:

- ‌استحباب الاغتسال من تغسيل الميت:

- ‌حكم اغتسال الكافر إذا أسلم:

- ‌غسل يوم الجمعة:

- ‌حكم قراءة الجنب القرآن:

- ‌حكم نوم الجنب بلا وضوء:

- ‌صفة الاغتسال من الجنابة:

- ‌حكم المكث في المسجد للحائض والجنب:

- ‌جواز اغتسال الزوجين في مكان واحد:

- ‌9 - باب التيمم

- ‌التيمم من خصائص الأمة الإسلامية:

- ‌عدم صحة التيمم مع وجود الماء:

- ‌حكم التيمم من الجنابة وصفته:

- ‌بطلان التيمم بوجود الماء:

- ‌حكم التيمم للجروح عند مخالفة الضرر:

- ‌المسح على الجبيرة:

- ‌مسائل مهمة في المسح على الجبيرة:

- ‌10 - باب الحيض

- ‌الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌مباحث مهمة في الحيض:

- ‌علامة المستحاضة:

- ‌أحكام الاستحاضة:

- ‌حكم الاغتسال لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌وجوب الوضوء لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌حكم الكدرة والصفرة:

- ‌الاستمتاع بالحائض:

- ‌كفارة وطء الحائض:

- ‌أحكام تترتب على الحيض:

- ‌النفاس:

- ‌كتاب الصلاة

- ‌1 - باب المواقيت

- ‌استحباب التعجيل بالعصر وتأخير العشاء:

- ‌حكم الإبراد في صلاة الظهر:

- ‌الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها:

- ‌الفجر الصادق والفجر الكاذب:

- ‌الحث على الصلاة في أول الوقت:

- ‌2 - باب الأذان

- ‌صفة الأذان ومعانيه:

- ‌كيفية الأذان:

- ‌لا يشرع الأذان ولا الإقامة لصلاة العيد:

- ‌متابعة السامع للأذان:

- ‌صفة متابعة الأذان:

- ‌حكم أخذ الأجر على الأذان:

- ‌حكم الوضوء للمؤذن:

- ‌حكم إقامة من لم يؤذن:

- ‌فضل الدعاء بين الأذان والإقامة:

- ‌3 - باب شروط الصلاة

- ‌شرط الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر:

- ‌شرط ستر العورة وضوابطه:

- ‌شروط الساتر وضرورة طهارته:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌شرط استقبال القبلة وضوابطه:

- ‌حكم صلاة المسافر على الراحلة:

- ‌شرط طهارة المكان وضوابطه:

- ‌الأماكن التي ينهى عن الصلاة فيها:

- ‌ حكم الكلام في الصلاة وضوابطه:

- ‌حكم الحركة في الصلاة وضوابطها:

- ‌4 - باب سترة المصلي

- ‌صفة السترة للمصلي:

- ‌الأشياء التي تقطع على المصلي صلاته:

- ‌فائدة السترة وحكمها:

- ‌حكم اعتبار الخط سترة:

- ‌مسألة الخط بالتلوين وهل يعتبر سترة

- ‌مسألة حكم العمل بخبر الآحاد والحديث الضعيف:

- ‌5 - باب الحث على الخشوع في الصلاة

- ‌النهي عن الصلاة بحضرة طعام:

- ‌حكم الالتفات في الصلاة وأنواعه:

- ‌حكم البصاق في الصلاة وضوابطه:

- ‌ وجوب إزالة ما يشغل الإنسان عن صلاته:

- ‌التحذير عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة:

- ‌النهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين:

- ‌6 - باب المساجد

- ‌وجوب تنظيف المساجد وتطييبها:

- ‌النهي عن اتخاذ القبور مساجد:

- ‌حكم دخول الكافر للمسجد:

- ‌حكم إنشاد الشعر في المسجد وشروطه:

- ‌حكم إنشاد الضالة في المسجد:

- ‌حكم البيع والشراء في المسجد:

- ‌حكم إقامة الحدود في المسجد:

- ‌تمريض المرضى في المسجد:

- ‌زخرفة المساجد وزينتها:

- ‌تحية المسجد:

الفصل: فائدة أخرى وهي: مخاطبة الإنسان بمثل ما خاطب به الغير،

فائدة أخرى وهي: مخاطبة الإنسان بمثل ما خاطب به الغير، وهذا يسميها أهل البلاغة: المقابلة. فهنا الرسول قال: "إن الماء لا يجنب" كل يعلم أن الماء لا يجنب، لكن ما أراد الرسول رفع الجنابة عن الماء؛ لأن هذا معلوم، لكن أراد أن يخاطب المرأة بمثل ما خاطبت به.

خلاصة ما سبق لنا في تطهر المرأة بفضل الرجل أو الرجل بفضل المرأة: أن ذلك على سبيل الأولوية، وأن الذي يخاطب به الرجل مع أهله، وأن الأفضل أن يغتسلا جميعا، وأيضا ليس فيه دليل على أن الماء إذا تطهر به الرجل بعد المرأة أو العكس أن الطهارة لا ترتفع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين ذلك، ومثل هذا لو كان شريعة لبينه الرسول 0 عليه الصلاة والسلام.

‌ولوغ الكلب:

8 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب".

يقول العلماء: المفتوحة: اسم لما يحصل به الشيء، والمضمومة: هي نفس فعل الشيء وعلى هذا؛ فالطهور: هو الماء الذي يتطهر به، والطهور: هي الطهارة نفسها، السحور: هو ما يتسحر به من تمر أو غيره، والسحور: بالضم هو أكل ذلك السحور.

"طهور إناء أحدكم" الإناء معروف هو الوعاء الذي يستعمل في أكل أو شرب أو غيره إذا ولغ فيه الكلب. "ولغ" الولوغ: هو الشرب بأطراف اللسان، والكلب والهر يشربان بألسنتهما؛ أي: أنه يدلي لسانه في الماء ثم يرفعه كأنهما يلحس الماء لحسا، هذا هو الولوغ، وفي لفظ:"إذا شرب الكلب في إناء أحدكم".

وقوله: "في إناء أحدكم" هذا للبيان وليست الإضافة للتخصيص؛ يعني: أنه لو شرب في إناء لغيره، فالحكم واحد لكن هذا من باب البيان أن يغسله سبع مرات.

"أن يغسله" هذه مصدرية؛ أعني "أن" داخلة على الفعل، والحرف المصدري إذا دخل على الفعل، فإن الفعل يؤول بالمصدر، فعلى هذا يكون المعنى: غسله سبع مرات، فما إعرابها حينئذ؟ خبر ل"طهور"، "أن" المصدرية الداخلة على الفعل تارة تكون مبتدأ وتارة تكون خبرا، ففي قوله تعالى:{وأن تصوموا خير لكم} [البقرة: 184]. هي مبتدأ، وفي هذا الحديث هي خبر.

"أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب" يعني: أولى هذه السبع بالتراب، ولكن كيف يكون أولاهن بالتراب؟ له طريقان:

الطريق الأول: أن تغسله أولا بالماء ثم تذر التراب عليه.

ص: 85

والثاني: أن تذر التراب عليه ثم تصب عليه الماء.

وذكر بعضهم صورة ثالثة: أن تخلط التراب بالماء. المهم أن الأولى هي التي يكون معها التراب.

"أولاهن بالتراب". أخرجه مسلم.

والواقع أنه أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما أيضا، لكن أحيانا يقول العلماء: أخرجه مسلم مع أنه للجماعة كلهم؛ لأن هذا لفظه.

وفي لفظ له: "فليرقه". يعني: قبل أن يغسله، وهذه اللفظة قال الحافظ: أنها لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها وإن لم تصح لفظا فهي صحيحة معنى؛ لأن هذا الماء الذي ولغ فيه الكلب لا يمكن أن نغسل الإناء سبع مرات أولاهن بالتراب إلا بإراقته غالبا، لا نقول: صب الماء واشربه ثم اغسل الإناء؛ لأن هذا بعيد عن مراد الشرع، فه وإن لم يصح سندا فهي صحيحة معنى.

وللترمذي: : أخراهن، أو أولاهن": أتى المؤلف هنا بلفظ الترمذي لأنه يريد - أي: المؤلف - أن يجعل (أو) هنا للتخيير مع أنه يمكن أن يقال: إنها للشك، وإذا كانت للشك فإن لفظ مسلم ليس فيه شك، فيحمل المشكوك فيه على ما لا شك فيه، وحينئذ تكون الغسلة التي فيها التراب هي الأولى، ولكن إذا قال قائل: إذا أمكن الحمل على التخيير أو التنويع فإنه أولى من حمله على الشك؛ لأن حمله على الشك قدح في حفظ الراوي، فلماذا لا نجعلها للتخيير؟ نقول: هذا حق أنه إذا تردد الأمر وهذه قاعدة مفيدة أنه إذا دار الأمر بين أم تكون (أو) للتنويع أو للتخير أو للشك فالأولى حملها على التنويع أو التخيير حسب السياق والقرينة، لماذا كان هذا أولى؟ لأن حملها على الشك طعن في حفظ الراوي، والأصل عدم الطعن، لكن إذا وجدنا رواية في نفس الحديث فهنا نحملها على الشك؛ لأن الرواية التي لا شك فيها تعتبر من قبيل المحكم، والتي فيها الشك من قبيل المتشابه.

والقاعدة الشرعية فيما إذا كان محكما ومتشابها: أن نحمل المتشابه على المحكم حتى يكون الجميع محكما، إذن فنقول: هذه الرواية التي جاء بها المؤلف، والظاهر أنه إنما أتى بها من أجل أن يبين أن الإنسان مخير بين أن يكون التراب في أول غسلة أو آخرها، لا نوافق المؤلف على مراده هذا إذا كان هذا مراده، بل نقول: هي للشك، ويحمل هذا الشك على ما لا شك فيه وهي أن الغسلة تكون في الأولى، وهذا كما أنه أصح رواية فهو أيضا أصح من حيث.

ص: 86

المعنى؛ لأن كون التراب في الأولى يخفف النجاسة فيما بقي من الغسلات؛ إذ إن ما بعد الأولى لا يحتاج إلى تراب، وهذا لا شك أنه يخفف، لكن لو جعلناه في الأخيرة بقي الغسلات الست التي قبلها كلها تحتاج إلى تراب، وأضرب لك مثلا يبين الموضوع: إذا جعلنا التراب في الأولى ثم غسلناه الثانية وانساب شيء من الماء على ثوب أو على إناء إنسان فكيف يغسله؟ يغسله ست مرات بدون تراب لماذا؟ لأن التراب قد استعمل في الأولى، لكن لو جعل التراب في الأخيرة وانساب الماء في الثانية على شيء فإنه يغسله ستا إحداهما بالتراب؛ لأن التراب لم يستعمل في الغسلة الأولى فصار كون التراب في الأولى أصح أثرا وأصح نظرا، وعلى هذا فيكون هو المعتمد أولاهن بالتراب.

وهنا نسأل لماذا أتى المؤلف رحمه الله بهذا الحديث في باب المياه مع أن الأنسب أن يكون في باب إزالة النجاسة وبيانها؟ يقال: إنما أتى بها ليبين أن الماء القليل إذا ولغ فيه الكلب فإنه يجب اجتنابه ويكون نجسا حتى وإن لم يتغير؛ لأنه إذا كان يجب تطهير الذي تلوث بهذا الماء الذي ولغ فيه الكلب، فالنجاسة من باب أولى، فلهذا جاء به المؤلف رحمه الله في هذا الباب.

أما ما يستفاد من الحديث ففيه فوائد منها: أن الكلب نجس، وجه ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه لابد من تطهير ما أصابه فقال: "طهوره أن يغسله". وهذا القول يكاد يكون كالإجماع، ويتفرع منه الرد على من قال بطهارة الكلب؛ لأن الحديث صريح في الرد عليه.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجب إذا صار الكلب صيدا أن يغسل ما أصاب فمه سبع مرات إحداهما بالتراب؛ لأن هذا من جنس الولوغ، بل ربما يكون أشد مما إذا شده على هذا اللحم، ويختلط باللحم اختلاطا بالغا، فيكون مثل الولوغ أو أشد، فهل هذا التقرير مناسب للحال التي كان الناس عليها في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وكانوا يصيدون بالكلاب، ولم ينقل حرف واحد أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بأن يغسل ما أصاب فم الكلب؟ لا، ومن ثم اختلف العلماء في هذه المسألة؛ فمن العلماء من قال: إنه يجب أن يغسل الصيد فيما أصاب فم الكلب؛ لأن هذا مثل الولوغ أو أشد، ويغسل سبع مرات إحداهما بالتراب، ومعلوم أن التراب يلوث اللحم وربما يفسده، فيكون في ذلك إفساد للمال لكن يقولون: الفاسد شيء يسير يكشط بالمدية وينتهي، لكن كيف نتخلص من هذا - أي: التراب-؟ بأن نغسله بالصابون؛

ص: 87

لأن العلماء يقولون: إذا تعذر استعمال التراب فإنه يحل محله الصابون ونحوه مما يكون تنظيفه قويا، لكن القول الراجح - أقصد القول الثاني في المسألة-: أنه لا يجب؛ وذلك لأن الناس كانوا يصيدون بكلابهم في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ويسألون الرسول عن حكم ما صاده الكلب ويخبرهم بالحكم، ولا يشير لا من قريب ولا من بعيد إلى وجوب غسل ما أصاب فمه، وهذا يدل على أنه معفو عنه.

ولا تعجب أن الله تعالى يرفع الضرر والحرج عن الأمة بحيث يزول أثر النجاسة بالكلية، أرأيت إن اضطر الإنسان إلى ميتة وأكل منها هل تضره؟ لا، لكن لو كان غير مضطر تضره، فالله سبحانه وتعالى يجعل الضرر والمنفعة ويدفع الضرر بأمره، فإذا تبين أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصطادون بكلابهم، ويسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأحكام ولم يبين لهم لا في حديث صحيح ولا ضعيف أنه يجب عليهم الغسل، دل ذلك على عدم الوجوب فيكون ذلك معفوا عنه، وهذا القول هو الراجح وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الكلب إذا بال على شيء فإنه يغسل سبع مرات إحداها بالتراب؛ يعني: لو بال في الإناء وجب أن يراق بوله ويغسل الإناء سبع مرات إحداهما بالتراب وجه ذلك: أنه إذا كان الريق وهو أطهر من البول يجب غسل الإناء بعده سبع مرات إحداها بالتراب فالبول من باب أولى، العذرة من باب أولى، وهذا هو الذي عليه الجمهور، فقالوا: إن جميع نجاسة الكلب لابد أن تغسل سبع مرات إحداهما بالتراب، وقال الظاهرية: إنه لا يجب التسبيع في الغسل واستعمال التراب إلا في الولوغ فقط، أما البول والعذرة فإنهما كسائر النجاسات، وهذا ظاهر على مذهبهم وطريقتهم؛ لأنهم يمنعون القياس، وقال قوم من أهل القياس: إن هذا الحكم في الولوغ فقط، والبول والعذرة كسائر النجاسات، وعللوا ذلك بأن الكلاب تقبل وتدبر وتبول في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، وأيضا الرسول- عليه الصلاة والسلام يعلم أن الكلاب تبول في أمكنة الناس ومجالسهم ولم ينبه على ذلك، ثم عللوا أيضا تعليلا طيبا وقالوا: إن ريق الكلب فيه خصيصة لا توجد في بوله وروثه، وهي عبارة عن فيرس أو شيء يعرفونه أهل الطب - دودة شريطية- هذه تكون في ريق الكلب وتعلق في الإناء، ثم إذا استعمل الإناء بعد ذلك وهو قد تلوث بهذا وأكل الإنسان من هذا الإناء أو شرب فإن هذه الدودة الشريطية تعلق بالمعدة وتخرقها، وأنه لا يزيلها إلا التراب.

والمسألة عندي أنا متأرجحة؛ إن نظرنا إلى رأي الجمهور وإلى أن قبح البول والعذرة أكثر من الريق، قلنا: القول ما قال الجمهور، وإذا نظرنا إلى أن الأبوال والأوراث من الكلاب في عهد

ص: 88

الرسول عليه الصلاة والسلام كثيرة ومع ذلك لم يأمر بغسلها سبع مرات إحداها بالتراب رجحنا قول من يقتصر على الريق.

فإذا قلنا: تعادلت الأدلة عند الإنسان فما هو الحوط؟ يعني: قدرنا أنها تعارضت من كل وجه الحمد لله أنت إذا غسلت سبع مرات إحداهما بالتراب من البول والعذرة لم يقل لك أحد:

إن المكان بقي نجسا، لكن لو لم تغسل لقال لك أكثر العلماء: إن المكان صار نجسا.

ومن فوائد الحديث: أنه لابد من استعمال التراب في تطهير نجاسة الكلب على الخلاف الذي سمعتوه: الولوغ، أو البول، أو العذرة تجب بالتراب لقول الرسول عليه الصلاة والسلام "أولاهن بالتراب". هل يجزئ غير التراب عنه؟ هذا فيه خلاف أيضا، وفيه جملة معترضة قبل هل يقوم غير التراب مقام التراب؟ .

يرى بعض أهل العلم أن غير التراب لا يقوم مقام التراب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أولاهن بالتراب". فعين التراب هذه واحدة، ولأن التراب أحد الطهورين، والطهور الثاني الماء، فإذا كان أحد الطهورين وعينه الرسول عليه الصلاة والسلام فلابد من تعيينه.

ويرى آخرون أن غير التراب يقوم مقامه إذا كان مثله في التنظيف أو أشد، وأنتم تعلمون الآن أنه وجد مواد كيماوية أشد من التراب في التنظيف فتقوم مقام التراب، وعللوا قولهم هذا بأن المقصود من إزالة النجاسة هو زوال عينها وأثرها، فإذا زالت عينها وأثرها بأي مزيل حصل المقصود.

وأجابوا عن الأول قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم عين التراب؛ لأنه أيسر ما يكون على الناس، والرسول عليه الصلاة والسلام قد يعين الشيء ليسره لا لذاته وعينه، ومعلوم أنه في عهد الصحابة التراب من أيسر ما يكون، فعين التراب لأنه أيسر ما يكون لا لأنه مقصود لذاته، كما - يعني: لها نظير- أمر بأن يصب على بول الأعرابي ماء مع أنه يمكن إذا بقي أسبوا أو شبه ذلك زال أثر البول وطهرت الأرض، لكن أمر أن يصيب عليه؛ لأنه أسرع في التطهير.

وأما قولهم: إنه أحد الطهورين، نقول: نعم، إنه أحد الطهورين، لكن طهارة التيمم لا يراد منها التنظيف، إنما يراد بها التعبد لله عز وجل، ولما كان الإنسان يتعبد لربه عز وجل بأن يغفر أشرف ما عنده من الأعضاء بالتراب؛ صارت هذه الطهارة الباطنة تسري على الطهارة الحسية الظاهرة، وإلا فمن المعلوم أن التيمم بالتراب لا ينظف ولا يزيل شيئا، والنجاسة هل هي عبادة أو غير عبادة إزالتها قصدا؟ ليست عبادة، ولذلك ليس يضرها نية، ويزول حكمها لو أزالها غير مكلف، ويزول حكمها لو زالت بالمطر ونحوه.

ص: 89

وعليه فنقول: إذا وجد ما يقوم مقام التراب من الأشياء المنظفة جيدا فإنه يقوم مقام التراب.

ولكن لو قال قائل: لماذا لا نتبع النص والحمد لله ما يضرنا؟

نقول: نعم حقيقة أن الأولى الأخذ بالنص سواء قلنا أن غيره يجزئ أو لا يجزئ لماذا؟ لأنك إذا جعلت التراب في إزالة نجاسة الكلب فقد طهر المحل بالنص والإجماع، لكن إذا استعملت غيره ممن هو مثله أو أنظف صار في ذلك خلاف، وكلما تجنبنا الخلاف مع تساوي الدليلين فهو أولى، لكن لاحظوا الكلمة التي قلت - مع تساوي الدليلين- أما إذا ترجح أحد القولين فلا عبرة بالخلاف.

ومن فوائد الحديث: أنه لو وقعت نجاسة الكلب على غير الأواني هل تغسل سبع مرات؟

يعني: مثلا لو أن الكلب جعل يلحس ثوبك أو يلحس ساقك ماذا تقولون؟ يغسل سبع مرات أولاهن بالتراب وقد يستعمل غير التراب؛ لأنه لا فرق بين الإناء وغيره.

هل يستثنى من ذلك كلب الصيد والماشية والحرث؟ ذهب بعض العلماء إلى استثناء ذلك وقالوا: المراد بالكلب الكلب السبعي الغير أليف، وأما الأليف فلا يجب في غسله التسبيع أو استعمال التراب، لكن هذا القول ضعيف؛ لأن اختلاط الكلاب بالناس إذا كانت معلمة أكثر من اختلاطها إذا كانت غير معلمة، فكليف نحمل كلام الرسول عليه الصلاة والسلام على الشيء القليل وندع الشيء الكثير هذا بعيد.

إذن القول بأن هذا الحديث في الكلاب التي لا يجوز اقتناؤها قول ضعيف، ما الذي يضعفه؟ أن اختلاط غير المباحة مع الناس قليل، فلا يمكن أن يحمل كلام الرسول عليه الصلاة والسلام على القليل ويترك الكثير، نظير هذا قول الرسول عليه الصلاة والسلام:"من مات وعليه صيام صام عنه وليه". حمله بعض العلماء على أن المراد بذلك النذر، يعني: من مات وعليه نذر صام عنه وليه، وأما من مات وعليه صيام رمضان، فإن وليه لا يصوم عنه، فما تقولون في هذا الحمل؟ ضعيف لأنه كيف نحمل كلام الرسول على شيء نادر، لو سألنا إنسانا أيهما أكثر أن يموت الإنسان وعليه أيام من رمضان أو أن يموت وعليه نذر؟

الأول، لأن الأول يمكن أن يرد على كل واحد لكن الثاني من يرد عليه؟ على من نذر، وما أقل النذر بالنسبة لصيام فرض رمضان، على كل حال الذي يظهر العموم، وأن هذا عام في الكلاب المباحة والكلاب غير المباحة.

ص: 90