الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهذا ذكروا الطهارة، ثم الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج على الترتيب الذي جاء في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام.
1 - باب المياه
ثم قال المؤلف: "باب المياه" جمعها باعتبار مصادرها؛ لأن المياه إما مياه بحار، أو غمام، أو آبار، فلهذا جمع، فمياه الأمطار التي تأتي من المطر كالأودية والغدران وما أشبه ذلك، مياه البحار معروفة وكذلك مياه الآبار، وربما نضيف أيضا مياه الأنهار فجمعها المؤلف وإلا فالأصل أن الماء جنس واحد لا يجمع لكن باعتبار مصادره وأنواعه ذكرها بالجمع، (والمياه)؛ هي ذلك الجوهر الساكن، وهو من أسهل الأمور تناولا، وهي أغلاها عند الحاجة إليه، ربما يكون الفنجان الواحد عند الحاجة إليه يساوي مئات الدراهم؟ إذن هو غال رخيص؛ ولهذا قال العلماء: لو أن إنسانا أتلف قربة من الماء في مفازة قيمتها هناك خمسمائة درهم وقيمتها في البلد درهمان فهل يضمن خمسمائة درهم أو درهمين؟ يضمن بالأول؛ لأنها غالية في مكانها.
طهارة مياه البحر:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر:
أبو هريرة هو أكثر الصحابة رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه اعتنى بالحديث وحفظه وصار متفرغا وإلا فإننا نعلم أن أبا بكر رضي الله عنه أكثر تلقيا من أبي هريرة بالنسبة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأنه أكثر ملازمة منه، لكن أبا بكر رضي الله عنه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم التحديث عنه قليل؛ لأن الناس يأخذون عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة بدون واسطة، وبعد موته تعلمون أن أبا بكر رضي الله عنه اشتغل بأعباء الخلافة وتدبير الدولة، والناس أيضا يهابون أن يشغلوه بالتلقي عنه وهو لا يتفرغ لهم؛ فلهذا كان أقل بكثير مما نقل عن أبي هريرة؛ ولهذا لو سئلنا أيهما أكثر حديثا أب هريرة أو أبو بكر؟ نقول: أما بالنسبة للتلقي عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهو أبو بكر لا شك عندنا في هذا، أما بالنسبة لنقل الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهو أبو هريرة رضي الله عنه.
"قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر": "في البحر" هذا من كلام ابن حجر رحمه الله ليس من كلام أبي هريرة، ولا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لكن المؤلف - كما تعلمون- جعل هذا كتابا مختصرا
فقال في البحر، قال:"هو الطهور ماؤه الحل ميتته". وللحديث سبب، سببه: أن قوما أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: إننا يا رسول الله نركب البحر وليس معنا ماء - يعني: يتوضئون به-، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم فيه:"هو الطهور ماؤه الحل ميتته". لم يقل: نعم، بل قال:"هو الطهور ماؤه الحل ميتته"، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا سئل عن مثل هذا السؤال يقول: نعم، سأله رجل أنتوضأ مع لحوم الإبل، قال:"نعم"، لكن هنا عدل عن كلمة "نعم" إلى قوله:"الطهور ماؤه"؛ ليكون ذلك أشمل وأعم فيتطهر به ولا يتطهر منه؛ بمعنى: أنه لو أصاب الثوب والبدن فإنه لا يجب أن يتطهر منه؛ لأنه طهور، وأيضا يتطهر به من الحدث الأصغر والأكبر والنجاسة، وهذا من حسن جواب الرسول عليه الصلاة والسلام.
فكلمة "الطهور ماؤه" أعم من كلمة "نعم"؛ لأنه لو قال: نعم؛ لكان المعنى: تطهروا به، أو توضئوا به، لكن قال:"هو الطهور ماؤه".
أيضا زادهم على ذلك قال: "الحل ميتته". "الحل"؛ يعني: الحلال، ميتته، والمراد ب "ميتته": ميتة ما لا يعيش إلا فيه إلا في البحر، وليس المراد: ما مات في البحر؛ ولهذا إذا سقطت شاة في البحر وماتت فهي حرام ميتة، لكن المراد ب "ميتته": مضاف إلى البحر؛ يعني: ميتة ما لا يعيش إلا في البحر حلال، هكذا كان جواب النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وكلمة "الطهور" بفتح الطاء وهو اسم لما يتطهر به كالسحور اسم لما يسحر به، والوجور اسم لما يوجر به المريض وهلم جرا، أما الطهور بالضم فهو مصدر أو اسم مصدر وهو عبارة عن الفعل، فمثلا إذا قرب الإنسان ماء يتوضأ به، فالماء يسمى طهورا أو يسمى وضوءا ونفس الفعل الوضوء يسمى طهورا، أو وضوءا، فالفرق إذن بين فتح أوله وضمه هو أنه أريد الفعل فهو مضموم، وإن أريد ما يتطهر به فهو بالفتح، ونظيره السحور اسم لما يؤكل في السحر، والسحور اسم للأكل.
في هذا الحديث فوائد:
منها: حرص الصحابة: رضي الله عنهم على تلقي العلم، وذلك بمعرفة سبب الحديث وهو سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة لا شك أنهم أحرص الناس على العلم؛ ولهذا كل ما ورد عليك من الأشياء التي لم يسأل عنها الصحابة وهي مما ينقدح في الذهن، فاعلم أن سؤالك عنها بدعة كما قال العلماء رحمهم الله فيمن سأل عن كيفية صفات الله، فقالوا: إن هذا السؤال بدعة؛ لأن الصحابة لم يسألوا عنه.
ومن فوائد هذا الحديث: أن ماء البحر طهور بدون استثناء إلا ما يقيده في الأحاديث الآتية؛ يعني: إلا إذا ما تغير بنجاسة، وإلا فإنه طهور، حتى لو فرض أنه لو طفا على سطحه شيء من الأذى، أو من الدهن، أو من البنزين، أو ما أشبه ذلك، فإنه طهور؛ لأن هذا لم يغيره.
ومن فوائد هذا الحديث أيضا: حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام وإجابته حيث يعمد إلى الأشياء الجامعة العامة، "وقد أعطي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصتارا"، وجه ذلك: أنه قال: "الطهور ماؤه".
ومن فوائد هذا الحديث: جواز زيادة الجواب على السؤال إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وجهه: أن الرسول عليه الصلاة والسلام زاد على سؤال السائلين ببيان حكم ميتة البحر، فقال:"الحل ميتته" لماذا؟ لأن هؤلاء إذا كان أشكل عليهم الوضوء في ماء البحر فالظاهر أنه سيشكل عليهم ميتة البحر، إذا وجدوا سمكا طافيا على الماء ميتا فسوف يشكل عليهم من باب أولى؛ فلهذا أعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم بحكم ميتة البحر مع أنهم لم يسألوا عنها.
ومن فوائد هذا الحديث: أن جميع الأسماك والحيتان حلال لعموم قوله: "ميتته"، وميتة هنا مفرد مضاف فيعم، فكل ميتة البحر من أسماك وحيتان فإنه حلال، وطاهر أو غير طاهر؟ طاهر، من أين علمنا أنه طاهر، من أنه حلال، لأن لدينا قاعدة مفيدة وهي:"أن كل حلال فهو طاهر وليس كل طاهر حلالا، وكل نجس فهو حرام وليس كل حرام نجسا".
كل حلال طاهر واضح وليس كل طاهر حلالا مثل الأشياء الضارة كالسم والدخان، والحشيشة، وما أشبه ذلك، فهذه طاهرة وهي حرام على خلاف في مسألة الحشيشة والخمر، لكن القول الراجح أنها طاهرة.
ثانيا: كل نجس حرام، الدليل: {قل لا أجد ما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن
يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس} [الأنعام: 145]. فعلل الله تعالى التحريم بالنجاسة، فدل ذلك على أن كل نجس فهو حرام، هذا من جهة الأثر - الدليل الأثري-، الدليل النظري: إذا كان يجب علينا أن نزيل أثر هذا الشيء من ظواهرنا فكيف ندخله إلى بواطننا وليس كل حرام نجسا، صحيح وهو كذلك كالدخان والسم وشبهه فإنه حرام وليس بنجس، إذن نستفيد من هذا الحديث: ان جميع ميتات البحر حلال، وجميع حيتانه وأسماكه حلال حيها وميتها.
فإن قال قائل: ما تقولون فيما كان من جنس السباع من الحيتان أحلال هو أم لا؟
الجواب: الأصل حلال يوجد حيوانات - أسماك وحيتان- في البحر تعدو على الإنسان وتأكله كما يعدو السبع في البر ويأكل الإنسان، فهل هذه حرام؟ الجواب: لا، حتى لو كانت على صورة حية، أو على صورة إنسان، أو على صورة كلب فإنها حلال لعموم الأدلة.
فإن قال قائل: هل في القرآن ما يدل على حل ميتة البحر؟
قلنا: نعم وهو قوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم} [المائدة: 96]. قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله: "طعامه": إنه ما أخذ ميتا.
[مسألة]:
لو أن الماء تغير بسمك ميت فهل يكون طهورا؟ نعم يكون طهورا؛ لأنه تغير بشيء طاهر حلال فلا يضر.
ثم قال: أخرجه الأربعة، وابن أبي شيبة، واللفظ له، وصححه ابن خزيمة، والترمذي، ورواه مالك، والشافعي، وأحمد. الأئمة الثلاثة رووا الحديث.
وقوله: "اللفظ له" اعلم أن العلماء رحمهم الله الذين ينقلون من الأصول كصاحب البلوغ وغيره قد يختارون أحد الألفاظ ولو ممن دون غيره رتبة في الصحة؛ لأنه أشمل وأوسع، فيختارون هذا اللفظ وإن كان قد رواه من هو أشد تحريا منه للصحيح؛ لكنه يكون بلفظ مختصر، أو سياق ليس بجيد، أو ما أشبه ذلك، المهم أنهم قد يختارون اللفظ المخرج وإن كان أقل رتبة من الآخر لحسن سياق اللفظ.
وقوله: "صححه" أي: حكم بصحته. واعلم أن الحديث الصحيح عند العلماء هو ما اجتمع فيه خمسة شروط:
الأول: أن يكون الراوي له عدلا
…
والثاني: أن يكون تام الضبط.
والثالث: أن يكون إسناده متصلا.
…
والرابع: أن يكون سالما من الشذوذ.
والخامس: أن يكون سالما من العلة القادحة.
خمسة شروط هذا هو الصحيح، فإن اختل بتمام الضبط- بأن كانت الشروط تامة إلا تمام الضبط- فيكون الرواة أو أحدهم عنده خفة في الضبط انتقل من الصحة إلى الحسن وصار حسنا، فإن اختلت العدالة فهو ضعيف، وإن اختل الضبط كله فهو ضعيف، وإن اختل اتصال السند فهو ضعيف، وإن اختلت السلامة من الشذوذ فهو ضعيف، وإن اختلت السلامة من العلة القادحة فهو ضعيف، حتى لو فرض أن الحديث روي في كتاب يعتبر من الكتب الصحيحة، ومن ذلك مثلا ما رواه مسلم في صفة صلاة الكسوف أن الرسول صلى الله عليه وسلم "صلى ثلاث ركعات في كل ركعة". فهذا وإن كان في صحيح مسلم فإنه شاذ لعدول البخاري عنه، واتفاق البخاري ومسلم على أن في كل ركعة ركوعين، وقد أجمع المؤرخون على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل صلاة الكسوف إلا مرة واحدة، وعلى هذا فيحكم على ما سوى الركوعين في كل ركعة بأنه شاذ.
ومن ذلك أيضا ما رواه مسلم في حديث المعراج حيث إنه رواه عن شريك، وقدم فيه وأخر فيعتبر هذا المخالف لما اتفق عليه الإمام البخاري ومسلم شاذا؛ ومن ذلك - على القول الراجح- "أفلح وأبيه إن صدق". فإن قوله:"وأبيه" لم ترد في البخاري إنما وردت في إحدى روايات مسلم وعلى هذا فتكون شاذة.
على كل حال: الشذوذ في الحقيقة وإن كان مخرجا في كتاب صحيح، فإن الوهم وارد على كل إنسان ليس كل أحد معصوما من كل وهم. لابد أيضا أن يسلم من العلة القادحة وهي التي تقدح في أصل الحديث أو في سند الحديث، وأما غير القادحة فإنها لا تضر، ومن غير القادحة: اختلاف الرواة في مقدار ثمن جمل جابر، واختلافهم أيضا في مقدار ثمن القلادة التي في حديث فضالة بن عبيد هل هو اثنا عشر دينارا أو أقل أو أكثر، هذا لا يضر؛ لأن العلة غير قادحة، المهم الصحيح إذا قيل ما هو الصحيح في اصطلاح المحدثين؟ قلنا: ما رواه عدل تام الضبط بسند متصل وسلم من الشذوذ ومن العلة القادحة، فإذا اختل تمام الضبط وباقي الشروط موجودة فهو الحسن، وإن اختلت بقية الشروط فهو الضعيف.