المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحوت والجراد والكبد والطحال: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ١

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌شرح مقدمة ابن حجر رحمه الله

- ‌كتاب الطهارة

- ‌1 - باب المياه

- ‌طهارة مياه البحر:

- ‌طهارة الماء:

- ‌كيف ينتقل الماء من الطهورية إلى النجاسة:

- ‌حكم اغتسال الجنب في الماء الدائم:

- ‌النهي عن البول في الماء الدائم:

- ‌اغتسال الرجل بفضل المرأة والعكس:

- ‌ولوغ الكلب:

- ‌أقسام النجاسات:

- ‌ طهارة الهرة:

- ‌كيف تطهر المكان إذا أصابته نجاسة:

- ‌الحوت والجراد والكبد والطحال:

- ‌2 - باب الآنية

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌حكم اتخاذ أوعية من جلود الميتة:

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الكفار:

- ‌تضبيب الإناء بالفضة:

- ‌3 - باب إزالة النجاسة وبيانها

- ‌تحريم الخمر وأحكامها:

- ‌الحمر الأهلية وحكم نجاستها:

- ‌حكم طهارة لعاب الإبل:

- ‌طهارة المني:

- ‌حكم بول الجارية والغلام والفرق بينهما:

- ‌حكم دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌4 - باب الوضوء

- ‌صفة الوضوء:

- ‌وجوب المضمضة والاستنشاق:

- ‌استحباب تخليل اللحية:

- ‌حكم الدلك:

- ‌صفة مسح الرأس والأذنين:

- ‌فضل إسباغ الوضوء:

- ‌استحباب التيمن:

- ‌المسح على العمامة وشروطه:

- ‌حكم البدء بالبسملة:

- ‌حكم الجمع بين المضمضة والاستنشاق بكف واحدة:

- ‌حكم ما يمنع وصول الماء في الوضوء:

- ‌أذكار الوضوء:

- ‌5 - باب المسح على الخفين

- ‌شروط المسح على الخفين:

- ‌صفة المسح على الخفين:

- ‌حقيقة السفر ومدة المسح للمسافر:

- ‌مدة المسح للمقيم:

- ‌حكم المسح على الخفين في الجنابة:

- ‌6 - باب نواقض الوضوء

- ‌حكم نقض الوضوء بالنوم:

- ‌عدم جواز صلاة الحائض:

- ‌الوضوء من المذي:

- ‌حكم نقض الوضوء بالقبلة:

- ‌خروج الريح:

- ‌مس الذكر:

- ‌القيء والرعاف والقلس:

- ‌حكم الوضوء من لحوم الإبل:

- ‌حكم من غسل ميتا:

- ‌حكم مس القرآن بغير وضوء:

- ‌هل يتوضأ من الحجامة:

- ‌حكم الوضوء من النوم:

- ‌التحذير من الوسواس في الوضوء:

- ‌7 - باب آداب قضاء الحاجة

- ‌تجنب دخول الخلاء بشيء فيه ذكر لله:

- ‌ دعاء دخول الخلاء:

- ‌الاستنجاء بالماء:

- ‌الأماكن المنهي عن التخلي فيها:

- ‌الكلام عند قضاء الحاجة:

- ‌النهي عن مس الذكر باليمين في البول:

- ‌النهي عن الاستنجاء باليمين:

- ‌النهي عن استقبال واستدبار القبلة بغائط أو بول:

- ‌ستر العورة أثناء قضاء الحاجة:

- ‌الدعاء بعد قضاء الحاجة:

- ‌ضرورة الاستجمار بثلاثة أحجار:

- ‌النهي عن الاستجمار بعظم أو روث:

- ‌الأمر بالاستنزاه من البول:

- ‌8 - باب الغسل وحكم الجنب

- ‌الجنابة من موجبات الغسل:

- ‌الاحتلام وأحكامه:

- ‌استحباب الاغتسال من تغسيل الميت:

- ‌حكم اغتسال الكافر إذا أسلم:

- ‌غسل يوم الجمعة:

- ‌حكم قراءة الجنب القرآن:

- ‌حكم نوم الجنب بلا وضوء:

- ‌صفة الاغتسال من الجنابة:

- ‌حكم المكث في المسجد للحائض والجنب:

- ‌جواز اغتسال الزوجين في مكان واحد:

- ‌9 - باب التيمم

- ‌التيمم من خصائص الأمة الإسلامية:

- ‌عدم صحة التيمم مع وجود الماء:

- ‌حكم التيمم من الجنابة وصفته:

- ‌بطلان التيمم بوجود الماء:

- ‌حكم التيمم للجروح عند مخالفة الضرر:

- ‌المسح على الجبيرة:

- ‌مسائل مهمة في المسح على الجبيرة:

- ‌10 - باب الحيض

- ‌الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌مباحث مهمة في الحيض:

- ‌علامة المستحاضة:

- ‌أحكام الاستحاضة:

- ‌حكم الاغتسال لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌وجوب الوضوء لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌حكم الكدرة والصفرة:

- ‌الاستمتاع بالحائض:

- ‌كفارة وطء الحائض:

- ‌أحكام تترتب على الحيض:

- ‌النفاس:

- ‌كتاب الصلاة

- ‌1 - باب المواقيت

- ‌استحباب التعجيل بالعصر وتأخير العشاء:

- ‌حكم الإبراد في صلاة الظهر:

- ‌الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها:

- ‌الفجر الصادق والفجر الكاذب:

- ‌الحث على الصلاة في أول الوقت:

- ‌2 - باب الأذان

- ‌صفة الأذان ومعانيه:

- ‌كيفية الأذان:

- ‌لا يشرع الأذان ولا الإقامة لصلاة العيد:

- ‌متابعة السامع للأذان:

- ‌صفة متابعة الأذان:

- ‌حكم أخذ الأجر على الأذان:

- ‌حكم الوضوء للمؤذن:

- ‌حكم إقامة من لم يؤذن:

- ‌فضل الدعاء بين الأذان والإقامة:

- ‌3 - باب شروط الصلاة

- ‌شرط الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر:

- ‌شرط ستر العورة وضوابطه:

- ‌شروط الساتر وضرورة طهارته:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌شرط استقبال القبلة وضوابطه:

- ‌حكم صلاة المسافر على الراحلة:

- ‌شرط طهارة المكان وضوابطه:

- ‌الأماكن التي ينهى عن الصلاة فيها:

- ‌ حكم الكلام في الصلاة وضوابطه:

- ‌حكم الحركة في الصلاة وضوابطها:

- ‌4 - باب سترة المصلي

- ‌صفة السترة للمصلي:

- ‌الأشياء التي تقطع على المصلي صلاته:

- ‌فائدة السترة وحكمها:

- ‌حكم اعتبار الخط سترة:

- ‌مسألة الخط بالتلوين وهل يعتبر سترة

- ‌مسألة حكم العمل بخبر الآحاد والحديث الضعيف:

- ‌5 - باب الحث على الخشوع في الصلاة

- ‌النهي عن الصلاة بحضرة طعام:

- ‌حكم الالتفات في الصلاة وأنواعه:

- ‌حكم البصاق في الصلاة وضوابطه:

- ‌ وجوب إزالة ما يشغل الإنسان عن صلاته:

- ‌التحذير عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة:

- ‌النهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين:

- ‌6 - باب المساجد

- ‌وجوب تنظيف المساجد وتطييبها:

- ‌النهي عن اتخاذ القبور مساجد:

- ‌حكم دخول الكافر للمسجد:

- ‌حكم إنشاد الشعر في المسجد وشروطه:

- ‌حكم إنشاد الضالة في المسجد:

- ‌حكم البيع والشراء في المسجد:

- ‌حكم إقامة الحدود في المسجد:

- ‌تمريض المرضى في المسجد:

- ‌زخرفة المساجد وزينتها:

- ‌تحية المسجد:

الفصل: ‌الحوت والجراد والكبد والطحال:

من العلماء من نازع في هذا وقال: إن الأرض تطهر بالشمس والريح، فماذا يجيب عن هذا الحديث؟ إذن الفائدة من ذلك المبادرة بإزالة النجاسة عن المسجد.

- هل يستفاد من هذا الحديث المبادرة بإزالة البقعة؟ نعم، لأن الإنسان لا ينبغي أن يجوز على محل نجس؟

يستفاد من هذا: أنه يجب في البقعة التي يصلي عليها أن تكون طاهرة، ولكن ما الواجب هل الواجب أن تكون جميع البقعة - كما لو كان يصلي على سجادة طرفها نجس- هل الواجب أن تكون جميع البقعة التي يصلي عليها طاهرة أو المقصود ما يباشره في صلاته؟

الجواب: الثاني حتى لو كان إنسان عنده سجادة في طرفها نجاسة وصلى على الجزء الطاهر منها فلا بأس، وكذلك لو كان في بقعة إلى جنبه نجاسة وصلى على الطاهر منها فإن ذلك لا بأس به، حتى قال العلماء: لو صلى وبين يديه نجاسة ولكن لا يباشرها بمعنى: أنه إذا سجد صارت النجاسة بحذاء صدره؛ فإن صلاته صحيحة لكن لا شك أنه ينبغي أن يصلي الإنسان وبين يديه نجاسة؛ لأن هذا فيه سوء أدب؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبصق المصلي بين يديه، حتى إنه رأى بصاقا في قبلة المسجد فعزل الإمام لأنه بصق في قبلة المسجد، وهذا ينافي الأدب مع الله عز وجل.

‌الحوت والجراد والكبد والطحال:

10 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان: فالجراد والحوت، وأما الدمان: فالكبد والطحال". أخرجه أحمد، وابن ماجه، وفيه ضعف.

قوله: "أحلت لنا ميتتان" إذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: أحلت، أحل لنا، أو نهينا عن كذا، أو أمرنا بكذا، فالفاعل من؟ الله عز وجل، فيكون "أحلت لنا" أي: أحل الله لنا.

وإذا قال الصحابة: أحلت لنا، أو نهينا عن كذا، أو أمرنا بكذا، فالمراد: النبي صلى الله عليه وسلم، لكن هذا عند أهل العلم يسمى مرفوعا حكما.

ص: 102

وإذا قال التابعي: أحلت لنا، أو أمرنا، أو نهينا، أو ما أشبه ذلك فهل هو مرفوع مرسل أو موقوف متصل؟ في هذا الخلاف بين علماء الحديث؛ فمنهم من يقول: إنه موقوف متصل؛ لأن التابعي يروي عن الصحابي مباشرة، ومنهم من قال: إنه مرفوع مرسل؛ لأنه حذف منه الصحابي.

قوله: "أحلت لنا ميتتان ودمان" هذا كالاستثناء من قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم} [المائدة: 3]. ومعلوم أن الميتة والدم نجسان؛ لأنهما حرام، وقد ذكرنا قبل أن كل حيوان محرم فهو نجس، والدليل قوله تعالى:{قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة} . يعني: إلا أن يكون المطعوم ميتة، {أو دما مسفوحا}. هذه اثنين {أو لحم خنزير فإنه رجس} [الأنعام: 145].

{فإنه} الضمير يعود على ما سبق، يعني: على المطعوم الذي وجده محرما؛ أي: فإن هذا المطعوم رجس، وليس عائدا على لحم الخنزير كما قال بعضهم، بل هو عائد على ما وجده الرسول عليه الصلاة والسلام محرما، فقوله:{فإنه رجس} هذه علة للتحريم، ففهمنا أن جميع المحرمات من الحيوانات نجسة ويأتينا - إن شاء الله- أنه يستثنى منها شيء.

"أحلت لنا ميتتان ودمان" هذا كأنه مستثنى من قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم} ،

"أما الميتتان: فالجراد والحوت" الجراد معروف، والحوت: يشمل جميع ما في البحر من جيوان، كل ما في البحر فإنه قوت وميتته حلال، ميتة البحر حلال مستثناة من الميتة.

"وأما الدمان: فالكبد والطحال"، الكبد معروف، والطحال: قطعة تشبه الكبد من بعض الوجوه لاصقة في المعدة، هذه أيضا حلال مع أنها دم.

أتى المؤلف رحمه الله بهذا الحديث في باب الطهارة، وكان المتبادر إلى الذهن أن يذكره في أي باب من أبواب الأطعمة، لكنه ذكره هنا لأن المحرم نجس، فإذا كان هذا حلالا كان طاهرا.

فيستفاد من هذا الحديث فوائد:

الفائدة الأولى: أنه ليس للنبي صلى الله عليه وسلم أن يحلل إلا بإذن الله لقوله: "أحلت لنا"، وهذا مبني على صحة الحديث مرفوعا، وسنتكلم عليه - إن شاء الله تعالى- أو نتكلم عليه الآن.

الحديث يقول المؤلف أنه فيه ضعف، وقد صححه جماعة من الحفاظ صححوه موقوفا على من؟ على ابن عمر، فيكون من قول ابن عمر، ولكن نقول: إن قول ابن عمر "أحلت لنا ميتتان ودمان" في حكم المرفوع؛ لأنه يتكلم عن حكم شرعي، ولا يمكن أن يأتي به من عنده؛ لأنه لا مجال للاجتهاد فيه، وعلى هذا فيكون إن لم يصح مرفوعا صريحا فهو مرفوع حكما.

نأخذ الفائدة الأولى: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك أن يحلل أو يحرم إلا بإذن اله، ولهذا لما نهى

ص: 103

النبي صلى الله عليه وسلم عن قربان المسجد فيمن أكل بصلا أو ثوما في يوم خيبر، قال الناس: حرمت حرمت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنه ليس لي تحريم ما أحل الله". يعني: ليس لي التحريم.

التحريم إلى من؟ إلى الله عز وجل، فإذا أحل الرسول شيئا أو حرم شيئا علمنا أن الله قد أذن له، ليس المعنى أنه إذا أحل شيئا نقول: أين الدليل أن الله حرمه، فكفى بقول الرسول صلى الله عليه وسلم دليلا، لكن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أحله ولا حرمه إلا بإذن الله.

قال لهم: "إنه ليس لي تحريم ما أحل الله، ولكنها شجرة أكره ريحها"، فدل هذا على أن محمد رسول الله لا يملك أن يحرم ثم إنه في القرآن ما يدل على هذا {ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين} [الحاقة: 44 - 47].

إذن الرسول عليه الصلاة والسلام معصوم من أن يتقول على الله، فإذا لم يأذن له الله في تحليل شيء أو تحريمه فلن يحلله ولن يحرمه.

من فوائد هذا الحديث: حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام وإلقائه الخطاب، وذلك بالإجمال ثم التفصيل "ميتتان ودمان"، عندما يرد على سمع المخاطب مثل هذه تجده يتشوق ما هذا؟ ما هاتان الميتتان وهذان الدمان؟ وهذا لا شك أنه من حسن التعليم، أن الإنسان يأتي بالشيء مجملا ثم يأتي به مفصلا، وقد وصف الله آيات القرآن بذلك قال:{كتاب أحكمت ءاياته ثم فصلت} [هود: 1]. فالإجمال ثم التفصيل لا شك أنه من أساليب البلاغة البالغة.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الجراد ميتته حلال، وهذا إذا صار بفعل آدمي فلا شك في ذلك كما لو شوى الجرادة أو كبها في الماء الذي يغلي من النار هذا واضح أنه حلال؛ لأنه من فعل العبد، لكن لو وجدنا جرادا ميتا على ظهر الأرض أحلال هو أم لا؟ حلال، إلا إذا علمنا أنه مات بسم؛ يعني: أن مبيدات رشت عليه ومات، فهنا نقول: لا تأكله؛ لأن في ذلك ضررا، والدين الإسلامي قاعدته:"لا ضرر ولا ضرار".

إذا قال قائل: ما الحكمة في أن ميتته تحل وهو حيوان بري يعيش في البر؟

قال العلماء: الحكمة في ذلك: أنه ليس له دم، وأصل خبث الميتة: احتقان الدم فيها، ولذلك إذا أنهر الدم وماتت صارت حلالا، الجراد ليس فيه دم فلذلك صارت ميتته حلال، إذا كان الحيوان مما يحرم أكله لخبثه وليس له دم صار طاهرا، وقصة الذباب تعرفونها الرسول أمر "إذا وقع الذباب في شراب أجدنا أن نغمسه". وهو سوف يموت إذا كان الشراب حارا.

ص: 104

على كل حال: ما الحكمة في أن ميتة الجراد حلال؟ أنه ليس له دم، والعلة في تحريم الميتة: هو احتقان الدم فيها، ودليل ذلك: أنه إذا انهر هذا الدم صارت حلالا، أقول مرة ثانية: إذا كان الحيوان مما يحرم أكله وليس له دم، ماذا يكون؟ سكون طاهرا.

ومن فوائد هذا الحديث: حل جميع حيوانات البحر، ونسأل لو وجدت سمكة على صورة أنثى فتاة حلال أم حرام؟ حلال، جميع الحيتان حلال سواء على صورة آدمي، أو صورة سبع، أو صورة كلب لعموم قوله تعالى:{أحل لكم صيد البحر وطعامه} [المائدة: 96]. وجه ذلك - يا إخواني-: أن {صيد} مفرد مضاف، والمفرد المضاف خذوها قاعدة مفيدة في علم الأصول، المفرد المضاف يكون عامل، اقرءوا قول الله تعالى:{واذكروا نعمت الله عليكم} [آل عمران: 103]. أي نعمة؟ كل النعم، {إن تعدوا نعمت الله لا تحصوها} [إبراهيم: 34]. إذن كل النعم؛ ولهذا قال العلماء: لو قال الرجل: "امرأتي طالق" وله أربع نساء من يطلق؟ كل النساء، ولو قال:"عبدي حر" وله أكثر من عبد؛ عتق كل العبيد ما لم ينو الواحد، إذن جميع حيتان البحر حلال حيها وميتها.

الدليل من غير هذا الحديث: {أحل لكم صيد البحر وطعامه} [المائدة: 96]. قال ابن عباس رضي الله عنهما وناهيك به علما في التفسير- قال: صيده ما أخذ حيا وطعامه ما اخذ ميتا، وإنما قال ذلك؛ لأنه لو كان المراد بالطعام الذي هو ثمار الأشجار في البحر لم يكن لتخصيص البحر فائدة؛ لأن ثمار الأشجار حلال في البر وفي البحر، إذن فالمراد بطعامه ما ذكر رضي الله عنه وهو ما أخذ من الحيتان ميتا.

ومن فوائد هذا الحديث: حل الكبد ولو كانت تقطر دما، لكن بشرط أن تكون من مذكاة مع أنها دم، ماذا نقول في دم القلب بعد الذبح، لأن القلب بعد الذبح يتحجر فيه الدم؟ ولهذا إذا شقه الإنسان صار فيه دم، أهو نجس أم طاهر؟ أحلال أو حرام؟ حلال.

فإذا قال قائل: لماذا لم يذكر في الحديث؟

نقول: لأن دم القلب خفي ليس ظاهرا كالكبد والطحال فهو خفي كالدم الذي في العروق؛ ولهذا لدينا ضابط اضبطوه: جميع الدم الذي يكون بعد الذكاة حلال طاهر ولو كان أحمر، ولو تغير به القدر؛ لأنه لما تمت الذكاة صارت جميع البهيمة حلالا طيبا.

إذن الدم الذي يبقى في اللحم والعروق وفي جوف القلب حكمه طاهر حلال.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الأصل في الميتات التحريم، الدليل: أحل ميتتان، يعني: غير هذا حرام، ويؤخذ هذا من المنطوق أو من المفهوم؟ من المفهوم، يعني: وحرم علينا ما سواهما، وكذلك نقول في الدم.

ص: 105

الأصل في الدم أنه حرام يكون نجسا؟ نعم؛ لأننا قلنا: القاعدة كل ما حرم من الحيوان فهو نجس، وكانوا في الجاهلية كان الرجل منهم إذا نفد طعامه شق عرق ناقته ثم مصه، ومعلوم أن الدم يغذي لا شك؛ فحرم الله ذلك إلا بعد الذكاة.

أسئلة:

- سبق في الدرس الماضي قول ابن عمر: "أحلت لنا ميتتان ودمان" فضعفه بعضهم مرفوعا، وصححه موقوفا؛ فهل يختلف الحكم في ذلك؟ لا، لماذا؟ لأنه لا مجال للاجتهاد فيه فإذا قدرنا أنه من قول ابن عمر فهو مرفوع حكما.

- ما هي القاعدة في الدم الذي يكون حلالا مباحا؟ كل ما يبقى بعد الذبح فهو طاهر حلال.

- هل هناك شيء غير الكبد والطحال؟ الدم الذي يبقى في القلب والذي في العروق في اللحم، ولماذا لم ينص عليه النبي عليه الصلاة والسلام؟ لخفائه بخلاف الكبد والطحال فإنها مستقلة.

- الحوت ما المراد به؟ أحوت معين أو جميع ما في البحر؟ جميع ما في البحر، الدليل:{أحل لكم صيد البحر وطعامه} ، "طعامه" هي حيتانه التي توجد ميتة.

وقوع الذباب في الشراب:

11 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم".

الذباب: طائر معروف وهو من أوهن الحيوانات، ولهذا ضربه الله تعالى مثلا في التحدي؛ فقال تعالى:{يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له} [الحج: 73]. استمع لهذا المثل من الله عز وجل، الرب عز وجل يستنصتك وهو فوق سبع سموات يقول: ضرب مثل فاستمعوه، ماذن نقول؟ : سمعا وطاعة نستمع {إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له} [الحج: 73]. الذباب: من أهون ما يكون من الحيوان، لا يمكن أن يخلقوا ذبابا واو اجتمعوا به؛ ولهذا تجد ذبابا ليس له بريد، وليس له قرار؛ أي: مكان يكون فيه ينزل فيه، فهو من أضعف الحيوانات {إن الذين يدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له} . لو اجتمعوا كلهم ما استطاعوا أن يخلقوا ذبابا.

وانظر هذا التحدي القدري مع التحدي الشرعي {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} [الإسراء: 88]. فتحدى الله الخلق أن يأتوا بمثل آياته الشرعية أو يمثل آياته الكونية؛ بمثل آياته الشرعية هي قوله: {قل لئن

ص: 106

اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءان ولا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} [الإسراء: 88].

والكونية: {يأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له} [الحج: 73]. هذا الذباب الطائر المعروف الكثير المتكاثر في بعض الأزمنة أو في بعض الأمكنة، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:"إذا وقع في شراب أحدكم"، أي شراب؟ عام؛ لأنه مفرد مضاف فيفيد العموم أي شراب: ماء، لبن، مرق، أي شيء كان.

"فليغمسه، ثم لينزعه" لما قال: "فليغمسه" علمنا أنه لابد أن يكون شرابا مائعا؛ لأن غير المائع لا يمكن غمسه، إذن الشراب المائع فمثلا العسل شراب هل يغمس فيه؟ لا يمكن أن يغمس فيه، اللهم إلا إن جعلت معه ماء أو لبنا فيمكن.

على كل حال: الحديث يدل على الشراب الذي يمكن غمس الذباب فيه، "ثم لينزعه" يعني: يخرجه من الشراب لئلا يقع في الشراب، تعرفون أنه صغير يمكن أن يدخل مع الشراب من غير أن يشعر به الإنسان لكن لينزعه.

"فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء" سبحان الله! الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن متخرجا من كليه الطب لكنه يأتيه الوحي وإلا فمن يدري في ذلك الوقت أن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، لا يوجد تحليلات، ولا يوجد طب راق، لكنه الوحي من عند الله عز وجل داء يعني: مرض، وفي الآخر شفاء؟ أي: من هذا المرض أو عموما؟ يحتمل أن المراد شفاء؛ أي: من ذلك المرض الذي في الجناح الآخر، ويحتمل أن يكون المراد الشفاء عموما، وحينئذ إذا قلنا بالعموم هل يشمل كل مرض؟ يقال في ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الكمأة:"إنها من المن وماؤها شفاء للعين". فليست شفاء للعين من كل داء يصيبها ولكنه لنوع من أنواع الأدواء وفي الآخر شفاء.

أخرجه البخاري، وأبو داود، وزاد:"وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء". هنا نقول: أخرجه البخاري ظاهر كلام المؤلف أنه لم يخرجه غير البخاري، وأبو داود.

فلو قال قائل: أين بقية الأئمة لماذا لم يخرجوه؟

فيقال: هل الأئمة كلهم إذا رووا عن أناس يتفقون في الرواية عنهم؟ لا، ربما لا يرونهم ولا يدركونهم، كما أننا ترد علينا أحاديث كثيرة ليس فيها ذكر أبي بكر وعمر، ونحن نعلم أن أبا بكر

ص: 107

وعمر سمعاها، ونحن وإن لم نعلم فإنه يغلب على ظننا أن أبا بكر وعمر قد سمعاها لكن لم يروها، فلا يلزم من كون بقية الأئمة لم يرووه أن يكون من أفراد البخاري ضعيفا مثلا وليس ضعيفا بل هو صحيح، والطب الحديث يشهد له، يقول: أخرجه البخاري وأبو داود وزاد: "وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء"، يتقي: يعني إذا خاف على نفسه وأهوى ليسقط في هذا الشراب ماذا يقدم؟ يقدم الجناح الذي فيه الداء يتقي به، وهذا إما إلهام من الله عز وجل وإما أن يكون هذا الجناح يختص بخصيصة ليست في الجناح الآخر يعرفها الذباب.

على كل حال: ما لنا ولهذا، نحن نقول: آمنا وصدقنا أنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء والله أعلم، لماذا يتقي به؟ الله أعلم.

على كل حال: أنا قرأت في بعض الكتب والمجلات أثبتوا أنه يوجد فيه الحمى أو التيفود لا أدري ما اسمها، وأن هذه - بإذن الله- إذا غمسه فإن في الجناح الآخر ما يضاد، ونحن في الحقيقة إنما نستشهد بأقوال الأطباء أو الفلكيين على ما دل عليه الكتاب والسنة ليس من أجل أننا نقبل إلا إذا شهدوا أبدا، نحن نقبل وإن لم يشهدوا، بل لو شهدوا بخلافه وقد صح ثبوتا ودلالة، فإننا لا نعبأ بهم لكننا نستفيد من ذلك فائدتين:

الأولى: زيادة الطمأنينة لا شك.

والثانية: محاجة أولئك الذين يقدحون في الشريعة فيما لا يدخل عقولهم القاصرة؛ فنقول: شهد علماء الفلك بهذا، أو شهد علماء الطب بهذا فنستفيد؛ يعني: نحن لا نقول: نلقي كل ما يقوله الناس في مسألة الطب وفي مسألة الفلك والأجرام السماوية، ولكننا لا نقبل كل ما يقولون، إذا كان الذي يقولون يخالف الكتاب والسنة الثابتين دلالة فإننا لا نقبل كلامهم، نأخذ بما جاء في الكتاب والسنة، ونقول: إن كلامكم الآن الذي يضاد الكتاب والسنة سوف يأتي الزمن الذي يشهد فيه الناس بصحة ما جاء في الكتاب والسنة.

أولا: نسأل لماذا أتى المؤلف بهذا الحديث في باب المياه؟ الجواب: أتى به ليفيد أن مثل الذباب إذا مات في الماء القليل فإنه لا ينجسه؛ لأن الإنسان إذا جاء يشرب؛ شرب من إناء صغير إذا غمس فيه الذباب وهو حار سوف يموت، فإذن أتى به المؤلف ليفيد أنه إذا وقع في الماء القليل شيء مثل الذباب فمات فإن الماء لا ينجس بذلك، هذه هي المناسبة.

أما فوائد الحديث: فنقول في الحديث فوائد؛ منها: شمول الشريعة الإسلامية في بيان أمراض الأبدان وبيان أمراض القلوب، ولهذا ما من شيء يحتاج الناس إليه حتى في أبدانهم إلا بينه الله ورسوله، وهذه قاعد عامة لا يشذ منها شيء.

أما أمراض القلوب والعبادات فهذا أمر معروف، وكذلك أيضا أمراض الأبدان في الكتاب والسنة أصول، لا نص على كل مسألة وكل فرد وكل جزء أصول عامة يستفاد منها في الطب.

ص: 108

ومن فوائد هذا الحديث: أن الذباب ليس بنجس، لا حيا ولا ميتا، من أين تؤخذ؟ من قوله:"إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه"، لو كان نجسا لأرقنا الماء؛ لأن الماء القليل سوف يتأثر بمثل الذباب لاسيما إذا وقع فيه ذباب كثير.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الذباب إذا وقع في الطعام الجامد فإنه لا يغمس من أين يؤخذ؟ يؤخذ من المنطوق أم من المفهوم؟ من المفهوم، هذا من جهة الدلالة الشرعية. الدلالة العقلية: أنك لو غمسته في طعام، فإنه سوف يتفتت في هذا الطعام ولزدت الطين بلة، ويكره الطعام حينئذ للإنسان.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الذباب قلنا: إنه طاهر حيا ميتا، هل يقاس على الذباب غيره؟ العلماء رحمهم الله قالوا: نعم يقاس عليه كل شيء ليس له دم يسيل فإنه طاهر حيا وميتا، حتى لو كان حراما فهو طاهر حيا وميتا، فمثلا الجعلان طاهر لو وقع الجعل في الماء فالماء طاهر، العقرب طاهر؛ لأنه ليس له دم، فإذا وقعت في ماء ولو تغير الماء فهو طاهر؛ لأنها لا تنجس بالموت.

"الوزغ" قال أصحابنا رحمهم الله-: للوزغ نفس سائلة نص عليه الإمام أحمد، يعني: له دم يسيل، وأنا أسألكم هل قتلتم وزغا؟ نعم، فهل له دم؟ نعم، الحمد لله إذن الوزغ لا يدخل في هذا الباب؛ لأنه له نفس سائلة.

ومن فوائد هذا الحديث: قدرة الله عز وجل، وأنه قادر على كل شيء، فالذباب - كما تعلمون- دويبة هشة ضعيفة مهينة، وقد جمع الله فيها بين شيئين متضادين هما الداء والشفاء، وهذا يدل على كمال قدرة الله عز وجل، نحن نعرف أن الله على كل شيء قدير فيما إذا خلق في ها مصلحة، وهذا مضرة في ذاتين منفصلتين، ولكم في ذات واحدة فيها مضرة ومنفعة.

يؤخذ من هذا أيضا: أن الله تعالى قد يحكم في الشيء بحل وحرمة في جسد واحد يكون بعضه حلالا وبعضه حراما ممكن في الشريعة الإسلامية؟ لا، ليس في الشريعة الإسلامية حيوان بعضه حلال وبعضه حرام، في الشريعة اليهودية نعم {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} [الأنعام: 146]. هذه ذات مستقلة {كل ذي ظفر} .

يقول العلماء: كل ما أرجله غير مشقوقة فهو من ذوات الظفر مثل الإبل، {ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها} [الأنعام: 146]. واللحوم حلال والشحوم حرام {حرمنا عليهم شحومها إلا ما حملت ظهورها} يعني: ما عدا الظهر فهو حلال، وذلك - والله أعلم- لمشقة تخليصه من اللحم، {أو الحوايا} يعني: ما حملته الحوايا.

ص: 109

الحوايا ما هي؟ الحوايا: الأمعاء الملتوية، {وأما ما اختلط بعظم} وذلك - والله أعلم- لمشقة التخليص، فمثلا الآلية حرام أم ماذا؟ حرام، اللحم حلال، الشحم المستثنى حلال؛ فهذا حيوان واحد صار بعضه حلالا وبعضه حراما.

الذباب حيوان واحد بعضه مرض وبعضه شفاء، على رأي بعض العلماء من علماء المسلمين، هناك حيوان بعضه له حكم وبعضه له حكم وهو الإبل، فإن بعض العلماء يقول: الإبل شحمها لا ينقض الوضوء ولحمها ينقض الوضوء، لكن هذا غير صحيح كما مر علينا وسيمر علينا أيضا إن شاء الله، هذا غير صحيح ليس في الشريعة الإسلامية حيوان يكون بعضه حلالا وبعضه حراما، أو بعضه له حكم طهارة وبعضه له حكم نجاسة، أو حكم نقض وبعضه ليس له ذلك.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الماء لو تغير بطعم الذباب المغموس فيه لم ينجس، من أين يؤخذ؟ من قوله:"فليغمسه". وجه الدلالة: لو كان ينجس ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغمسه؛ لأنه لو كان كذلك لكان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بما يفسد الماء، وهذا متعذر بالنسبية للشريعة الإسلامية.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الذباب حرام لقوله: "ثم لينزعه" لئلا يدخل في الشراب وهو كذلك فهل يقاس على الذباب ما كان مثله مما تستخبثه النفوس؟ يرى بعض العلماء كذلك أنه يقاس عليه ما كان مثله مما تستخبثه النفوس، والمراد بالنفوس: النفوس المستقيمة ليس كل نفس؛ لأن من الناس من لا يعافه شيء، من الناس إذا أكل جرادة خرجت روحه معها تقريبا.

أهدينا لواحد من الإخوان جرادا من أحسن ما يكون، وألذ ما يكون، فلما أكله يقول: رأيت الموت أما عيني ورد علي ما أهديته إليه لأنه يقول: ما أكلته من قبل وعجزت أن أهضمه ومع أنه طيب من أفضل الطيبات.

أسئلة:

- ذكرنا ضابطا في الدرس السابق في الميتات الطاهرة ما هو؟ ما ليس له دم يسيل، ميتة الآدمي طاهرة، ميتة البحر طاهرة، ميتة الجراد طاهرة، وهو يدخل في قولنا:"ما ليس له نفس سائلة".

- ما هو الدليل على أن ما سوى ذلك فهو نجس؟ قوله: {قل لا أجد في ما أوحى إلي} [الأنعام: 145]. هذه الآية أصل في أن الميتات نجسة، وما دل الدليل على أنه طاهر فهو مستثنى، الدليل على أنه ما له نفس سائلة حديث الذبابة.

- معنى قوله: "يتقي بجناحه الذي فيه الداء"؟ يجنح على جناحه الذي فيه الداء.

- هل هذا يدل على أنه عدو للإنسان؟ لا ندري قد يكون الله علمه، والله أعلم.

12 -

ص: 110

وعن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت". أخرجه أبو داود، والترمذي وحسنه، واللفظ له.

قوله: "ما قطع" يحتمل أن يكون اسم شرط، ويحتمل أن يكون اسما موصولا، فإن كان اسم شرط، فقوله:"فهو ميت" جواب الشرط واقترن بالفاء؛ لأن جملة الجواب إذا لم تصلح أن تكون فعل شرط فإنه يجب أن تقترن بالفاء، وبذلك يقول ابن مالك:

واقرن بفا حتما جوابا لو جعل

شرطا لإن أو غيرها لم ينجعل

وقد نظمت هذه في بيت معروف مشهور نريد سماعه منكم:

اسمية طلبية وبجامد

وبما وقد وبلن وبالتنفيس

من أي الجمل ما معنا؟ اسمية، وإذا جعلناها اسما موصولا وقلنا: المعنى: الذي قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت، فلماذا اقترنت الفاء بالخبر؟ يقولون: لأن الخبر لما كان اسما موصولا مفيدا للعموم صار مشبها للشرط في إفادته للعموم والإجمال، فاقترن الخبر بالفاء.

أقول: لما كان المبتدأ اسما موصولا مشبها للشرط في العموم والإجمال صار يقترن في خبره بالفاء، فقوله: "ما قطع من البهيمة: البهيمة: كل الحيوانات بهيمة؛ وذلك لأن البهيمة مأخوذة من الإبهام، والحيوانات كلها مبهمة لا يعرف ما تقول، حتى وإن كان بعضها - أي: بعض الحيوانات- لها أصوات معينة يعرف الإنسان بها ما تريد، فإن بعض الحيوانات كالهر مثلا تعرفه إذا نادى أولاده الصغار، الديك إذا نادى الدجاج له صوت معين لكنه لا ينطق، لا يعرف؛ ولهذا سميت جميع الحيوانات ما عدا الإنسان بهائم.

وقوله: "ما قطع من البهيمة وهي حية" جملة "وهي حية" حال من البهيمة. "فهو ميت" أي: كميتة البهيمة، وهذه أخذ منها العلماء قاعدة فقالوا: ما أبين من حي فهوة كميتته، فما أبين من الحيوان الذي إذا مات صار نجسا فهو نجس، وما أبين من الحيوان الذي إذا مات فهو حلال طاهر فهو طاهر، وما أبين من الحيوان الذي إذا مات فهو طاهر غير حلال فهو طاهر، وغير حلال مثل ما أبين من الآدمي، الآدمي ميتته طاهرة وما أبين منه فهو طاهر؛ فكل ما أبين من حيوان فله حكم ميتة هذا الحيوان حلا وطهرا، هذه القاعدة ما قطع من الشاة وهي حية كميتتها

ص: 111

نجس حرام، ما قطع من الحوت طاهر وحلال، لأن الحوت ميتته طاهرة، ما قطع من الجرادة حلال طاهر؛ لأن ميتتها حلال طاهرة، ما قطع من الآدمي طاهر وليس بحلال، لأن ميتة الآدمي طاهرة وليست بحلال.

أرأيت لو اضطر إنسان إلى أكل لحم إنسان ميت ما تقولون؟ العلماء مختلفون على قولين: من العلماء من قال: إذا اضطر الحي إلى أكل الميت فله أيأكله؛ لأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت، ومنهم من يقول: لا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كسر عظم الميت ككسره حيا". فله حرمة حتى لو مات الحي فإنه يموت ولا يأكله.

نأخذ فوائد: أولا: ما سبب الحديث؟ سبب الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم يجبون أسنمة الإبل وأليات الضأن يتخذونها ودكا فيبينونها منها وهي حية، فقال هذا، ومعرفة سبب الحديث أو الآية يعين على فهم النص.

ومن ذلك: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} [البقرة: 158]. لو نظرنا إلى ظاهر اللفظ لكانت هذه الآية تدل على أن الطواف بين الصفا والمروة من القسم الجائز وأنه لا لإثم فيه، لكن إذا عرفنا السبب وأنهم كانوا يتخوفون من الطواف بينهما؛ علمنا أن ذلك لا يدل على الإباحة، بل يدل على نفي الجناح الذي كانوا يتوهمونه، فمعرفة السبب لها أهمية بالنسبة لمعرفة المعنى.

فمن فوائد الحديث إذن: أنه يجب على العالم إذا اقتضت الحال أن يذكر الحكم الشرعي لوقوع الناس في مخالفته، فإنه يجب عليه أن يبينه؛ لأن الرسول بين هذا حينما رأى الناس يحبون الأسنمة والأليا.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه ما قطع من البهيمة وهي حية فهو كميتة البهيمة لقوله: "فهو ميت". وهنا نسأل هل يجوز أن يقطع شيء من البهيمة أو لا؟ نقول: أما إذا كان عبثا ولمجرد الإيلام أو الانتقام فإن هذا حرام ولا يجوز، مثاله: رجل عنده معز تصرخ عليه في الليل وآذته في نومه فنزل إليها وقطع لسانها. حرام أو حلال؟ حرام، لأن هذا انتقام وهي بهيمة غير مكلفة، كذلك لو كان عبثا فإنه لا يجوز.

لكن لو كان لمصلحة البهيمة أو لمصلحة مالك البهيمة فهل يجوز ذلك أو لا؟ الظاهر: الجواز، لكن يجب أن يتبع أقرب الطريق إلى عدم الإيلام، مثال ذلك: الخصاء لمصلحة البهيمة

ص: 112

ولمصلحة المالك أيضا؛ لأن اللحم إذا خص الفحل صار أطيب لحما وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين موجوءين؛ أي: مخصيين، هذا لمصلحة البهيمة وهو بالتالي أيضا لمصلحة المالك.

أما الذي لمصلحة المالك فهو قطع الآذان، فإنهم في الزمن الأخير صاروا يرغبون في المعز إذا قطعت أذنه ويقولون: إن ثمنها يزيد بالضعف أو أكثر فهذه لمصلحة المالك، لكن يجب أن يستعمل أقرب الطرق إلى عدم الإيلام. ماذا يصنع؟ يبنجها حتى لا تتألم.

فإن قال قائل: ما دليلكم على أن يؤلم البهيمة لمصلحته؟

قلنا: الوسم، كان الرسول عليه الصلاة والسلام يسلم إبل الصدقة.

والوسم: إحراق بالنار مؤلم للحيوان، ولكن هذا لمصلحة المالك؛ لأن الوسم علامة، فدل ذلك على الجواز.

فإن قال قائل: قطع الآذان يشبه فعل الجاهلية حيث كانوا يبحرون البحائر ويسيبون السوائب؟

فالجواب: أنه قد يشبه صورة، لكن ما الحامل للجاهلين على أن يفعلوه؟ الحامل العلامة على أن هذه حرام؛ لأن عندهم قواعد إذا بلغت الشاة أو البعير حرم أن تركب أو تحلب ووجب أن تسيب ثم يقصون من آذانها ما يكون علامة على ذلك، لكن هؤلاء الذين يقصون ليسوا يريدون أن يحرموها، بل يريدون بذلك زيادة الثمن والانتفاع بارتفاع القيمة، إذن تكلمنا على هذا الموضوع مع أن الحديث لم يتعرض له لكن لا مانع لأن هذا مهم.

ومن فوائد هذا الحديث: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على البلاغ وهداية الخلق؛ لأنه بادر عليه الصلاة والسلام من حين علم بذلك بادر لهذا.

فائدة:

استثنى بعض العلماء رحمهم الله مما أبين من الحي شيئين.

الشيء الأول: المسك وفأرته.

والشيء الثاني: الطريدة.

قالوا: هذا جائز المسك وفأرته، يوجد غزال يسمى غزال المسك يستخرج المسك من دمه، وفي ذلك يقول المتنبي في ممدوحه:[الوافر].

ص: 113

فإن تفق الأنام وأنت متهم

فإن المسك بعض دم الغزال

هذا استثناها بعض العلماء وقالوا: إنه ما زال المسلمون يتطيبون بالمسك، وهو يستخرج من دم الغزال.

والمسألة الثانية: الطريدة: الطريدة ذكرها الإمام أحمد رحمه الله، وأن الصحابة فعلوها؛ وهي أن يطرد القوم الظبي ثم يدركوه جميعا، ثم يقطعوه؛ هذا يقطع الرجل، وهذا يقطع الرقبة، وهذا يقطع اليد ويموت ميتة واحدة، ولم يستدل أحمد رحمه الله بحديث لكنه استدل بفعل الصحابة، ولكن هذا أيضا لا يستبعد أن ينطبق على الحديث؛ لأن هذا صيد، والصيد يحل بجرحه في أي موضع كان من بدنه، فهؤلاء جرحوه جميعا، ثم صار هذا الجرح كأنه صيد رمي بسهم، ولم يستثن العلماء مما أبين من الحي أنه يكون طاهرا إلا هاتين المسألتين.

أسئلة ومراجعة:

- لو قال المؤلف: أخرجه السبعة فما المراد به؟ وإذا قال الخمسة؟

- لماذا بدأ المؤلف بكتاب الطهارة؟

- لأنها من شروط الصلاة، والصلاة آكد أركان الإسلام.

- ثانيا: هي من باب التخلية، وهي سابقة على التحلي والإشارة إلى طهارة الباطن.

إذا قال قائل: هي من شروط الصلاة لماذا لم نبدأ بالوقت؟ لأن المحافظة على الوقت أوكد من المحافظة على الطهارة، ولهذا إذا خاف الإنسان فوات الوقت صلى ولو بغير طهارة، فالطهارة تقريبا ربع العبادات تكلموا عليها كثيرا، فلكثرة الكلام فيها قدموها على بقية شروط الصلاة؛ لأن فيها الغسل والوضوء ونواقضهما، وموجبات الغسل، والحيض، وباب النجاسة، يعني أشياء كثيرة، ولهذا بدءوا بها، وإلا هناك شروط من شروط الصلاة أوكد منها.

- لماذا زاد: "الحل ميتته"؟ ما سبب قول النبي صلى الله عليه وسلم في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته"؟

هذه في البلاغة تسمى جواب الحكيم، فبما أنه أشكل عليهم الوضوء فمن باب أولى يشكل عليهم الأكل.

- هل في هذا ما يؤيده من القرآن؟ {أحل لكم صيد البحر وطعامه} .

- سقطت سمكة في ماء فأنتنت وتغير الماء ما حكمه؟ هو طهور، والماء إذا تغير بطاهر فهو طهور.

ص: 114

يوجد حديثان: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء" وحديث ابن عمر: "إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث" فهل بينهما تعارض؟ نعم، حديث عبد الله بن عمر ضعيف فنرجح الأول.

- هل الحديثان على إطلاقهما؟

- مر علينا لا يغتسل الرجل بفضل المرأة ولا العكس هل هذا على سبيل الإرشاد؟ نعم، الدليل: ثبوت ذلك على النبي أنه اغتسل بفضل ميمونة.

- سلك بعض العلماء في هذا الحديث مسلكا غريبا: أن الرجل يتوضأ بفضل المرأة ولا عكس، ما وجه الغرابة؟ أن الحديث واحد.

- من هنا نأخذ: أنه مهما بلغ الإنسان من العلم فإنه عرضه للخطأ.

- هناك كليب صغير ولغ في إناء فما الحكم؟ الماء ينجس ويغسل، كيف يغسل؟

سبع مرات أولاهن بالتراب، حتى لو كان صغيرا؟ نعم؛ لأن الحديث عام:"إذا ولغ الكلب".

وردت قصة غريبة في عهد الرسول تدل على جفاء الأعراب وعدم معرفتهم بحدود ما أنزل الله على رسوله ما هي؟ قصة الأعرابي الذي باب في المسجد.

- لو وقعت مثل هذه القضية ماذا نفعل؟ نصبر حتى ينتهي ونطهره ونخبر الأعرابي بحمه.

- هل الصحابة على صواب حين زجروه؟

لن ينههم الرسول صلى الله عليه وسلم عن المبادرة، ولكن أشار إلى العلة وهي:"ولا تزرموه" حتى لا يتضرر وتكثر المفسدة.

- هل هذا الأمر بالتطير فرض كفاية أو فرض عين؟ فرض كفاية.

- هل في هذا الحديث دليل على رد قول من يقول: إن الأرض تطهر بالشمس والريح؟

أمر النبي بالمبادرة للتطهير.

- المؤلف أتى بهذا الحديث في باب المياه، فما هي المناسبة؟ المناسبة: أن الماء هو الذي تزال به النجاسة.

- في حديث: "ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت" إشارة إلى قاعدة ذكرها الفقهاء فما هي؟ ما أبين من حي فهو كميتته.

- ما قطع من الآدمي حكمه؟ طاهر، لماذا؟ لأن ميتته طاهرة، وكذلك على القول الراجح:

ما انفصل بغير الأذى والقذر فإنه طاهر.

ص: 115