الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالجواب: نعم نجيز هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قد لبد رأسه، وهذا مما يدلك على أن المسح على ما فوق الرأس أمر ميسر.
فإن قال قائل: فالنساء تلبس حليا على رأسها وتشبكه في الشعر وتخيطه عليه فهل يلزمها نزعه عند الوضوء أو تمسح عليه؛ لأن مشقة هذا أيضا شديدة، وكما سمعتم أن المسح على الرأس أمر مخفف.
"التساخين" يقول: هل الخفاف، يؤخذ من هذا الحديث جواز المسح على الجوارب؛ لأن عموم قوله:"التساخين" وإن فسرت بالخفين فإنها من باب تفسير الشيء ببعض معناه، فالتساخين كل ما تسخن به الرجل من جوارب وخفاف وغيرها.
فهل يجوز المسح على الخف الرقيق أو المخرق؟
الجواب: نعم على القول الراجح؛ لأن هذا يحصل فيه تسخين القدم.
وهل يجوز المسح على اللفائف، يعني: لو كان هناك برد شديد، أو حر شديد فلوقاية الرجل لف عليها لفائف فهل يجوز المسح عليها؟
الجواب: نعم، لا شك في هذا؛ لأن إزالة هذا الملفوف أشد من الخف أو الجورب.
فإن قال قائل: وهل يجوز المسح على الخف المخرق؟
قلنا: نعم ما دام اسم الخف باقيا أو اسم الجورب باقيا، فإنه يجوز المسح عليه؛ لأن النصوص جاءت مطلقة، ثم إن المقام مقام رخصة وتسهيل، وإذا كان المقام رخصة وتسهيل فلا ينبغي أن نشدد على عباد الله في شيء لم يثبت في شريعة الله، وهذه قاعدة يجب على الإنسان أن يهتم بها، أي شرط تشترطه في أي حكم من الأحكام فاعلم أنك بذلك ضيقت الشريعة؛ لأن الشروط قيود، وإذا قيد المطلق صار تضييقا على الناس، فأي شرط تضيفه إلى حكم من الأحكام فاعلم أنك ضيقت شريعة الله، وسوف يحاسبك الله على هذا؛ لأن الله أطلق لعباده ويسر لعباده، ثم تأتي أنت بزيادة قيد أو شرط لم يكن موجودا في القرآن والسنة ولا القياس الصحيح، فإنك سوف تحاسب على هذا.
حكم المسح على الخفين في الجنابة:
58 -
وعن عمر رضي الله عنه موقوفا- وعن أنس - مرفوعا-: "إذا توضأ أحدكم فلبس خفيه فليمسح عليهما، وليصل فيهما، ولا يخلعهما إن شاء إلا من الجنابة". أخرجه الدارقطني، والحاكم وصححه.
قوله: "إذا توضأ أحدكم" متى يصدق على الإنسان أنه توضأ؟ إذا أتم طهارته: إذا غسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، وغسل رجليه، صح أنه توضأ، وقوله:"فليمسح عليهما وليصل فيهما" اللام في هذين الفعلين للأمر، ولذلك سكنت اللام لوقوعها بعد الفاء في الجملة الأولى، وبعد الواو في الجملة الثانية.
ففي هذا الحديث دليل على فوائد:
منها: أنه لا يجوز المسح على الخفين إلا إذا لبسها بعد استكمال الطهارة، وهذا يؤخذ من قوله:"إذا توضأ".
ومن فوائد هذا الحديث: أنه يرجح القول في أنه غسل الرجل اليمنى وأدخلهما الخف، ثم اليسرى وأدخلها الخف، فإذا لا يسمح لأنه أدخل اليمنى قبل أن يتم وضوءه، فإذا صح هذا الحديث فإنه يرد القول بأنه يجوز أن يدخل الرجل اليمنى قبل أن يغسل اليسرى ثم يغسل اليسرى ويدخلها وهذا جائز عند شيخ الإسلام رحمه الله وجماعة من العلماء، وقال: إنه لا ينافي حديث المغيرة "إني أدخلتهما طاهرتين"، لكن إذا صح هذا الحديث فهو واضح أنه لابد من استكمال الطهارة، والأمر سهل، يعني: لا يبقى عليك أن تخرج من الشبهة إلا أن تؤخر إدخال اليمنى حتى تغسل اليسرى.
ومن فوائد هذا الحديث: ترجيح المسح على الخلع للابس الخف لقوله: "فليمسح عليهما، ولا يخلعهما" وقد سبق بيان ذلك.
ومن فوائد هذا الحديث: الصلاة في الخفين لقوله: "فليصل فيهما".
فإن قال قائل: أرأيتم لو كان فيهما قدرا نجسا؟ قلنا: لا يصلي فيه حتى يطهره، وبماذا يطهرهما؟ يطهرهما بالتراب يمسح الخف في الأرض حتى تزول النجاسة؛ لأنه هكذا جاءت السنة، وأما قول من يقول: لابد من غسلهما فهذا قول ضعيف لمخالفته السنة من وجه؛ ولأن فيه مشقة على الإنسان؛ لأنه لو غسل الخف ثم لبسه تأذى بالبرودة؛ ولأن فيه إفسادا للخف فعلى كل حال لا شك أن تطهير الخفين بالتراب.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا مسح على الخفين في الجنابة لقوله: "ولا يخلعهما إن شاء الله إلا من الجنابة" وسبق ذلك، وبيان الحكمة من كون الجنابة لابد فيها من غسل الرجل.
59 -
وعن أبي بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه رخص للمسافر ثلاثة أيتام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة، إذا تطهر فلبس خفيه: أن يمسح عليهما". أخرجه الدارقطني، وصححه ابن خزيمة.
يقال في قوله: "إذا تطهر". ما قيل في قوله: "إذا توضأ"، والباقي واضح.
60 -
وعن أبي بن عمارة رضي الله عنه أنه قال: "يا رسول الله، أمسح على الخفين؟ قال: نعم.
قال: يوما؟ قال: نعم. قال: ويومين؟ قال: نعم. قال: وثلاثة أيام؟ قال: نعم، وما شئت".
أخرجه أبو داود، وقال: ليس بالقوي.
عندي تعليق على هذا: قال الإمام أحمد: رجاله لا يعرفون، وقال الدارقطني: هذا إسناد لا يثبت. وقال ابن معين: إسناد مظلم.
الحديث هذا يدل على أنه لا توقيت في المسح على الخفين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم وما شئت"، لكنه إذا كان لا يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام فإنه لا عبرة به، ولا يرجع إليه، وذكره المؤلف رحمه الله ليبين قول أبي داود فيه، وقال: ليس بالقوي، وبعض العلماء قال: إنه يصح هاذ الحديث ويحمل على الضرورة، بأن يكون الإنسان مسافرا لا يتمكن من الحصول على الماء لغسل الرجلين في كل وضوء، أو يكون في مكان بارد بحيث لو خلع الخف لسقطت أصابعه من البرد، أو ما أشبه ذلك، ولكن هذا محمل ضعيف؛ لأن الحديث ليس فيه هذا، ويكفينا أن نقول: هذا الحديث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأحاديث الصحيحة الصريحة دالة على التوقيت فيؤخذ بها، أما مسألة الضرورة كما لو كان الإنسان في جو بارد شديد يخشى على قدميه من التفتر، أو من سقوط الأصابع من البرد فهذا يقال فيه: إنه يعامل معاملة الجبيرو، يعني أنه يمسح عليه ما كان محتاجا.
5 -