الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما إجماع السلف فهو معلوم، حتى إن بعض العلماء جعل هذا من العقائد، ووضعه في العقيدة.
شروط المسح على الخفين:
53 -
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ فأهويت لأنزع خفيه، فقال:"دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما". متفق عليه.
قوله: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ" وذلك في غزوة تبوك حين رجع عليه الصلاة والسلام وكان معه المغيرة بن شعبة ينقل له الماء لوضوئه واستنجائه فتوضأ، "فأهويت لأنزع خفيه" يعني: أهويت برأسي لأنزع خفيه، وكأنه كان قائما يصب الماء على النبي صلى الله عليه وسلم فلما وصل إلى الرجلين أهوى لينزع الخفين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"دعهما" يعني: اتركهما لا تنزعهما، ثم علل ذلك بقوله:"فإني أدخلتهما طاهرتين" هنا ضميران: "دعهما" و"أدخلتهما""الهاء" في "دعهما"، و"أدخلتهما" هل مرجعهما واحد أو يختلف؟ لننظر "دعهما" يعني: دع الخفين لا تنزعهما، أو دعهما دع الرجلين، لا تصب عليهما، "فإني أدخلتهما" الضمير يعود على الرجلين؛ لأن الرجل هي المدخلة في الخف فيكون قوله:"أدخلتهما" معطوفا على الرجلين، وهذا يؤيد أن يكون الضمير في دعهما على الرجلين.
"فمسح عليهما" على ماذا؟ على الخفين، وهذا يؤيد أن يكون قوله:"دعهما" يعود إلى الخفين، والمسألة سواء عاد إلى هذا أو إلى هذا فالحكم لا يختلف، وقوله:"أدخلتهما طاهرتين"، طاهرتين نعربها على أنها حال من الهاء في قوله:"أدخلتهما: ، "فمسح عليهما" ولم يذكر التفصيل في المسح، أي: لم يذكر أنه مسح اليمنى ثم اليسرى، لكنه أثبت أنه مسح عليهما.
ففي هذا الحديث من الفوائد: جواز استخدام الحر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استخدم المغيرة بن شعبة وهو حر.
على السائل، فالمغيرة بن شعبة لما استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن ذلك من شرفه وفضله وأنها غنيمة أن يستخدمه النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان استخدامك للشخص في فعل معين أو أكثر من فعل يدخل السرور عليه وتجد أنه يفرح بذلك فإن استخدامك إياه لا يعد من المسألة المذمومة.
ومن فوائد الحديث: فضيلة المغيرة بن شعبة لخدمته النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائده: جواز خلع النعلين أو الخفين من الغير وإن كان هذا يستنفر منه كثير من الناس،
لكن كلما قويت الصلة سهلت هذه المسألة؛ يعني: كون الإنسان يناول صاحبه العصا أو ما أشبه ذلك لا يجد فيها غضاضة، لكن كونه يلبسه النعلين أو يخلعهما هذه فيها غضاضة عند كثير من الناس، ولكن نقول: كلما قويت الصلة سهلت هذه.
ومن فوائد هذا الحديث: البناء على الأصل؛ يعني: جواز تصرف الإنسان بالبناء على الأصل لقوله: "لأنزع خفيه" بناء على الأصل، ما هو الأصل هنا؟ غسل الرجلين. المغيرة رضي الله عنه لم يستأذن الرسول فقال: أتأذن أن أخلع، بل أهوى لينزع بناء على الأصل.
ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام وجبره للخاطر لقوله: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين" فلما ذكر الحكم ذكر العلة.
ومن فوائد الحديث: الإشارة إلى أنه لا يمسح على الخفين إذا لبسهما على غير طهارة وجهه: أنه علل عليه الصلاة والسلام عدم خلعهما بأنه لبسهما على طهارة يفيد أنه يشترط لجواز المسح على الخفين فقط أن يلبسهما على طهارة وقوله: "طاهرتين" هل المراد أنه أدخلهما بعد أن طهرت القدمان أو يوزع الفعل على كل قدم وحدها؟ في هذا خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إنه لا يجوز أن يلبس الخفين إلا إذا تمت الطهارة بغسل الرجلين، وبناء على ذلك لو غسل الرجل اليمنى ثم لبس الخف ثم غسل اليسرى ولبس الخف فإنه لا يصح المسح عليهما حتى يخلع اليمنى ثم يعيد لبسها، وهذا هو المشهور من المذهب، وفيه حديث يشير إلى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسام قال:"إذا توضأ أحدكم فلبس خفيه فليمسح عليهما". فإن قوله: "إذا توضأ" لا يصدق عليه أنه توضأ إلا إذا تمت الطهارة، ثم هو أيضا أحوط.
وأصحاب القول الثاني، يقولون: إنه أدخل كل قدم وهي طاهرة فصدق عليه أنه أدخلهما وهما طاهرتان، وهذا يقوى على القول بأن الإنسان إذا غسل كل عضو من أعضاء الوضوء ارتفع الحدث عنه، أما على قول من يقول إنه لا يرتفع الحدث حتى يتمم الأعضاء فلا شك أنه لابد أن يتمم غسل الرجلين.
هل في المسألة صعوبة فيما لو أدخل اليمنى ثم اليسرى؟ ليس فيه صعوبة؛ لأن المطلوب منه الآن أن يخلع اليمنى ثم يعيد لبسها هذا المطلوب.
فإن قال قائل: هذا نوع من العبث إذا ما معنى أن نقول: اخلع الخف ثم عد فالبسه؟
نقول: هذا ليس نوعا من العبث؛ لأن أصل وضع الخف أولا غير صحيح، كونه يلبسه قبل
أن تتم الطهارة هذا غير صحيح، فهذه ليست إعادة، هذا في الواقع لبس جديدا؛ لأن اللبس الأول الذي حصل قبل الوضوء ليس بصحيح لا يقره الشرع، بهذا ننفصل عن القول بأن هذا نوع من العبث.
ومن فوائد هذا الحديث أيضا: أن المسح على الخفيبن أفضل من الغسل؛ وجه ذلك: أن الرسول قال: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين"، فمسح عليهما وعلى هذا نقول: امسح ولا تخلع لتغسل، ولكن لو أن الإنسان لبس ليمسح فهل يمسح أو لا؟ في هذا تفصيل إن كان لبس ليمسح لغرض له في المسح فهنا يمسح وإن كان لبس ليمسح فيسقط واجب الغسل، فإنه لا يمسح، كما قلنا: إن الإنسان إذا سافر في رمضان ليفطر فإنه لا يحل له الفطر؛ لأن هذا تحيل على إسقاط واجب.
ومن فوائد هذا الحديث: أن المسح على الخفين يكون مسحا عليهما معا لقوله: "فمسح عليهما"، ولم يذكر أنه بدأ باليمين، فعلى هذا يكون المسح عليهما جميعا باليدين، ولكن قد يقول قائل: إن مراد المغيرة رضي الله عنه أن يبين أصل المسح بقطع النظر عن الترتيب ولهذا ما ذكر غسل الوجه ولا اليدين ولا مسح الرأس، وأن الأفضل أن يبدأ باليمنى قبل اليسرى لعموم قول عائشة رضي الله عنها:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وتطهره وفي شأنه كله".
مسألة: لم يذكر في هذا الحديث كيف يمسح ولا أي موضع يمسح.
فنقول: إن المسح إنما هو على الأعلى - أعلى الخف- كما سيأتي إن شاء الله، والمسح وصفه العلماء بأن الإنسان يبل يده بالماء ثم يمر بها من أطراف الأصابع إلى الساق وتكون الأصابع مفرقة؛ لأنها لو كانت مضمونة لاختص المسح لجانب من الخف، فإذا كانت مفرقة كان أوسع؛ ولهذا قال: ينبغي أن يمسح مفرقا أصابعه من أطراف الرجل إلى الساق.
ومن فوائد هذا الحديث: يسر الشريعة وسهولتها، حيث إن الله تعالى لم يوجب على العباد أن يخلعوا ويغسلوا؛ لأن في ذلك مشقة في النزع والغسل واللبس، فلهذا رخص للإنسان أن يمسح، وهذا دخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الدين يسر".
أسئلة:
- المسح على الخفين هل دل عليه القرآن أم ثبت بالسنة؟
- لو قال لنا قائل: هذه القراءة مع قراءة: {وأرجلكم} تدل على أنه يجوز أن يغسل الرجل تارة ويمسحها تارة أخرى فما الجواب؟
-