الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صفة السترة للمصلي:
220 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك- عن سترة المصلي.
فقال: مثل مؤخرة الرحل". أخرجه مسلم.
"سئل النبي صلى الله عليه وسلم" وأبهمت السائل؛ لأنه ليس هناك ضرورة إلى ذكر السائل، إذا أن المقصود هو معرفة الحكم، وهذا يفيدك فيما يرد مبهما في الأحاديث مثل:"عن رجل"؛ أو "قال رجل" أو ما أشبه ذلك، تجد بعض الناس يتعب تعبا عظيما في تعيين ذلك الرجل، وهذا إذا لم تدع إليه ضرورة ضياع للوقت، أما إن دعت إليه ضرورة لكون الحكم يختلف من شخص لأخر فلابد من معرفة هذا المبهم، وإلا فلا حاجة، وهنا تقول:"سئل"، والسائل لا حاجة إلى أن نبحث من هو؛ لأن المقصود معرفة الحكم.
"سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن سترة المصلي" يعني: عما يضعه المصلي سترة له كيف يكون في الطول والعرض، فبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بأنه مثل مؤخرة الرجل، الرحل: هو ما يسمى بشداد عند الناس:
شداد يشد على البعير على ظهره ويركبه الراكب، ويجعل خلف ظهره لوحا يستند إليه، يسمى هذا مؤخرة الرحل، وهو نحو ثلثي ذراع طولا وعرضا أقل من ذلك هذه السترة الكاملة، وهناك سترة أخرى ستأتي - إن شاء الله تعالى-، ولكن السترة الكاملة هي أن تكون كمؤخرة الرحل.
ففي هذا الحديث من الفوائد: أن الصحابة رضي الله عنهم حريصون على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لا لمعرفة الحكم فقط، ولكن العمل به، خلافا لما يفعله بعض الناس اليوم يسأل لمعرفة الحكم، ولكن دون العمل؛ ولهذا إذا جازت له الفتوى أخذ بها وإن لم تجز له الفتوى ذهب يسأل آخر، لكن الصحابة رضي الله عنهم على العكس من هذا، لا يسألون إلا عند الحاجة، وإذا سألوا عملوا بما يصدر من النبي صلى لله عليه وسلم.
ومن فوائد هذا الحديث: أن السترة كأنها شيء مقرر عند الصحابة؛ لأن السؤال لم يرد عن حكم السترة ولكن عن كيفية السترة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن السترة الكاملة أن تكون مثل مؤخرة الرحل.
فإذا قال قائل: ما الفائدة من وضع السترة؟
فالجواب: أن الفائدة أولا: حماية حرم المصلي؛ لأن ما بين المصلي وسترته محترم لا يجوز لأحد أن يمر به.
وثانيا: أنها تحبس النظر عن أن يطيل الإنسان نظره فيما وراء السترة، وهذا شيء مجرب.
والفائدة الثالثة: أن الإنسان يشعر بأنه آمن مطمئن من أن يمر أحد بين يديه من أجل السترة فيطمئن؛ ولذلك انظر هذا في المسجد الحرام إذا وضعت شيئا تجعله سترة احترمه الناس وأمنت، وإن لم تضع فإنك لا تأمن أن يمر بين يديك رجل أو امرأة.
221 -
وعن سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليستتر أحدكم في الصلاة ولو بسهم". أخرجه الحاكم.
قوله: "ليستتر" اللام هنا لام الأمر، ودليل ذلك جزن الفعل بها، ولام الأمر ولام كي تشتبهان عند أول وهلة ولكنهما تختلفان في العمل، لام كي، أو لام التعليل- يكون الفعل بعدها منصوبا؛ وهذه أي لام يكون الفعل بعدها مجزوما، لكن إذا كان الفعل من الأفعال الخمسة لا يظهر الفرق؛ لماذا؟ لن الأفعال الخمسة تنصب وتجزم بحذف النون، فلا يظهر الفرق إلا بالسياق، ومن الفروق بينهما في النطق: لام الأمر تختلف، فتارة ينطق بها ساكنة، وتارة ينطق بها مكسورة، أما لام التعليل فهي دائما مكسورة، لا يمكن أن تسكن، ولام الأمر تسكن بعد (ثم، والفاء، والواو) كما في قول الله تعالى: {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء} [الحج: 15]. {فليمدد} : اللام هنا لام الأمر ساكنة لوقوعها بعد الفاء {ثم ليقطع فلينظر} اللام" لام الأمر، وصارت ساكنة لأنها بعد (ثم)، وقال عز وجل: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم} [الحج: 29]. قوله: {وليوفوا} اللام هنا لام الأمر، وسكنت لأنها وقعت بعد الواو، كثير من القراء الذين يعتمدون الناس على قراءتهم تجده يسكن اللام التعليل بعد هذه الحروف، وهذا لحن يختلف فيه المعنى، فيجب أن يرد على الإمام إذا قرأها ساكنة وهي لام تعليل؛ وذلك لأن هذا تعبير لحنا يحيل المعنى، إذن "ليستتر" (اللام) لام الأمر، وهنا مكسورة أم ساكنة؟ مكسورة، لأنها لم يسبقها (واو) ولا (فاء) ولا (ثم)، "ليستتر أحدكم في الصلاة"، والمراد بذلك: السترة التي وضع أما المصلي، وليس المراد: السترة التي يلبسها المصلي.
"ليستتر أحدكم في الصلاة ولو بسهم" السهم الذي يرمى به، وهو عبارة عن شيء دقيق مدبب الرأس يرمى به بالقوس فهو صغير كالأصبع أو يزيد قليلا، وإذا نسبته إلى مؤخرة الرحل صار صغيرا جدا بالنسبة لها.
في هذا الحديث فوائد، منها: الأمر بالسترة في الصلاة، وهل هذا الأمر للوجوب أو للاستحباب؟ نقول: أولا ليس من حقنا إذا ورد في الكتاب والسنة أمر أن نقول: إنه للوجوب،
أو للاستحباب؛ إذ وظيفتنا أن نقول: سمعنا وأطعنا ونستتر، ولكن إذا ابتلينا وخالفنا حينئذ نسأل هل الأمر للوجوب أو للاستحباب؛ لأنه إذا كان للوجوب كان لابد من التوبة والإتيان به إن أمكن، أو ببدله إذا لم يمكن، أو الاستغفار والتوبة إذا لم يمكن البدل ولا الأصل، وأما قبل ذلك فغرضنا ووظيفتنا القبول، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء والصحيح أنها ليست للوجوب لوجود قرائن، القرائن هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه
…
". الحديث. إذا صلى إلى شيء يستره، وهذا يدل على أن الإنسان قد يصلي إلى ذلك الساتر، وقد لا يصلي.
ثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في منى، فمر ابن عباس رضي الله عنهما راكبا على حمار قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار. قال أهل العلم: أي إلى غير سترة؛ لأن الجدار انتفاؤه معلوم في منى في ذلك الوقت؛ إذ ليس في منى بناء إطلاقا فلا حاجة إلى الاحتراز منه، وهو أصلا غير موجود فيكون مراد ابن عباس: إلى غير جدار، أي: إلى غير سترة، وهذا يدل على عدم وجوب السترة، وإن كان فيه احتمال أنه يريد إلى غير جدار أنه يستتر بالعنزة، لكن الذي يظهر أن مراد ابن عباس نفي وجوب السترة، وإذا تعارضت الأدلة فلا شك أن الاحتياط الفعل، لكن تأثيم الإنسان بالترك إلى دليل واضح.
ومن فوائد هذا الحديث: أن السترة مشروعة لكل مصل حتى النافلة حتى المأموم مع الإمام، أما المنفرد والإمام فهو واضح لكن يقال: إنه وردت استثناءات، فالسترة بالنسبة للمأموم غير مشروعة؛ لأن الصحابة لم يكونوا يتخذونها خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن سترة الإمام سترة لمن خلفه. فإذا كانت سترة لمن خلفه كان اتخاذ المأموم سترة من باب التعمق في الدين والتنطع فيه، لكن يبقى السؤال: إذا كان المأموم مسبوقا فهل يتخذ السترة لما بقي من صلاته؟ الظاهر لا يحتاج إلى حركة، مشروعيتها مشكوك فيها، وإذا كان كذلك فالأولى ألا يتخذ سترة، لكن له أن يرد من يمر بين يديه في حال قضاء ما فات.
ومن فوائد هذا الحديث: أن السترة تصح بالصغير والكبير لقوله: "ولو بسهم".
ومن فوائده: أن السترة الكبرى أفضل من الصغرى؛ لأن قوله: "ولو بسهم" يفيد التقليل يعني: على الأقل بسهم، فهل تجزئ السترة بما دون السهم؟ سيأتينا - 'ن شاء الله تعالى- في آخر الباب أنه يجزئ الخيط، والخيط ليس بسهم وليس بشيء قائم، فيكون المراد بقوله:"ولو بسهم" أي: فيما إذا كانت السترة قائمة.