الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - باب الحث على الخشوع في الصلاة
الحث والحض معناها واحد، والمراد بذلك: طلب الإسراع في الشيء، يقال:"يسار سيرا حثيثا" أي: سريعا، ومنه قوله تعالى:{يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا} [الأعراف: 54]. أي: سريعا، فمعنى "الحث" يعني: طلب المسارعة إلى هذا.
"الخشوع في الصلاة" فسره العلماء بأنه سكون الأطراف مع طمأنينة القلب، يعني: أن القلب يحضر في الصلاة وتسكن الأطراف، فلا عبث ولا لغو والقلب حاضر متوجه إلى الله عز وجل، فإذا توجه القلب إلى الله سبحانه وتعالى الذي يعلم ما في القلب، فإنه لابد أن يخشع الإنسان ويقصر فكره على من يناجيه وهو الله تبارك وتعالى إذن هو معنى نفسي يستلزم طمأنينة القلب وسكون الجوارح.
واختلف العلماء رحمهم الله هل الخشوع واجب أو سنة؟ والصحيح: أنه سنة، لكنه سنة مؤكدة؛ إذ إنه هو روح الصلاة حقيقة، فالصلاة بلا حضور قلب ما هي إلا قشور بلا لب، وينقص من ثواب الصلاة بقدر ما نقص من الخشوع، وظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "القواعد النورانية": أن الخشوع في الصلاة واجب، واستدل لذلك بأدلة كثيرة، لكن يعكر عليها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الشيطان يأتي إلى ابن آدم في الصلاة فيقول: اذك كذا اذكر كذا حتى لا يدري ماذا صلى". فهذا يمنع أن نقول: إن الرجل إذا استوعبت الوساوس صلاته بطلت.
فالذي يظهر: أن الخشوع سنة مؤكدة جدا، وأن من غلب الوسواس على أكثر صلاته فهو على خطر عظيم.
أسئلة ومناقشة:
- ما المراد بقول المؤلف: باب سترة المصلي؟
- في الحديث ما يدل على تحريم المرور بين يدي المصلي ما هو الحديث؟
- ما وجه التحريم من هذا الحديث؟
- لو قال قائل: إن المصلي لا يمكن أن يبقى أربعين سنة؟
- المبالغة تارة تكون بالأقل، وتارة تكون بالأكثر نريد أمثلة {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} [الزلزلة: 7].
- كلمة "بين يديه" هل هي محدودة أو تختلف باختلاف الناس؟
- هل تصح السترة بالخط، وما الدليل؟
-
رجل يصلي فمر بين يديه كلب أبيض، هل يقطع صلاته؟
- رجل وضع ستر في صلاته وأراد أحد أن يمر بينه وبين سترته، فما موقف المصلي؟
- هل المراد بالمقاتلة: شدة المدافعة، أو القتل؟
- هل لديك شاهد بأن المقاتلة تطلق على شدة المدافعة أو على التشابك بالأيدي؟
- حديث: "لا يقطع الصلاة شيء
…
" هل يمكن أن يعارض حديث أبي ذر؟
- الخشوع في الصلاة ما منزلته في الصلاة؟ قال أهل العلم: هو لب الصلاة وروحها.
- فما المراد بالخشوع في الصلاة هل هو البكاء أو ماذا؟
- لو قال قائل: إنه يذكر عن عمر أنه قال: إن كنت لأجهز جيشا وأنا في الصلاة، هل تقول: إن عمر ليس من الخاشعين في الصلاة؟ لا، لأنه لا يجوز في الخوف ما لا يجوز في غيره، والدليل صلاة الخوف، فالخوف يغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره.
وهل مثل ذلك أن يفكر الإنسان في مسألة علمية أشكلت عليه؟ لا؛ لأن الوقت فيه متسع.
فإذا قال قائل: لو حدثت حادثة تستلزم التعجيل فهل له أن يفكر؟ الظاهر أن له أن يفكر بشرط ألا يخل بالصلاة؛ وذلك لأن العلم نوع من الجهاد في سبيل الله.
لو قال قائل: هل له أن يفكر في معنى ما يقرأ وما يقول من تسبيح ودعاء؟ نعم؛ لأنه من تمامها.
هل إذا رأينا شخصا يعبث بأي شيء هل نستدل بهذا على أن قلبه غافل؟ نعم؛ لأنها حركة صادرة عن إرادة، والإرادة محلها القلب، فنقول: هذا ليس بخاشع، لكنه يعفى ويتسامح عن الشيء الذي يحتاجه الإنسان كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في حمله أمامة.
لو تذكر الإنسان في صلاته شيئا وخاف أن ينساه مرة أخرى فأخرج القلم ورسم بكفه، هل يجوز؟ نعم يجوز بشرط الحاجة، وألا يترتب على ذلك ضرر فربما يشاهده شخص فيقع في عرضه إن لم يكن فعله محل التأسي، به فيما ليس من جنس فعله إذا كان أهلا للتأسي.
فقد يكون الشيء جائزا لكن يخفى على العوام فلو فعله الإنسان وهو ليس قدوة لأكل الناس عرضه، وإن كان قدوة اتخذ الناس من هذا الفعل ما ليس يفعله الذي تأسوا به، وهذه نقطة يجب على طالب العلم أن ينتبه لها.
سبق لنا أن قلنا: إن العلماء اختلفوا في الخشوع هل هو واجب أو لا؟ وظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب "القواعد النورانية" - وهو كتاب مختصر مفيد - أن الخشوع واجب، واستدل بأدلة قوية، لكن يعكر على هذا: الحديث الصحيح أن الشيطان يأتي على الإنسان إذا دخل في الصلاة ويقول: اذكر كذا في يوم كذا، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: فمن فعل ذلك فليعد الصلاة كما قال حينما تكلم على أن ذبح الأضحية لا يكون إلا بعد صلاة العيد، قال:
"من ذبح قبل ذلك فليذبح مكانها أخرى". إنما على الإنسان أن يحرص على الخشوع في الصلاة، حضور القلب؛ لأنه إذا حضر قلبه استفاد فائدة عظيمة من صلاته سوف يتأثر إذا انتهى من الصلاة تأثرا بالغا، لكن إذا دخل فيها ثم من وقت ما يدخل ينفذ له بعض الوساوس التي كان قبل الدخول غافلا عنها، ولم تطرأ على باله فإنه سيخرج من الصلاة بدون أن يتأثر القلب، وسيبقى دائما على هذا الحال، لكن لو عالج نفسه، وصار كلما اتجهت إلى شيء ردها واستحضر ما يقول ويفعل وهو في عراك معها، مسألة ليست هينة، لكن إذا عود نفسه مرة بعد أخرى، ومرة يستحضر نصف الصلاة، ومرة أقل ومرة أكثر وعود نفسه؛ سهل عليه، أما أن يستمر ويغفل عن هذا فإنه لن يستفيد كثيرا من صلاته إلا إبراء الذمة فقط.
228 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل مختصرا". متفق عليه، واللفظ لمسلم. ومعناه: أن يجعل يده على خاصرته.
229 -
وفي البخاري: عن عائشة رضي الله عنها أن ذلك فعل اليهود في صلاتهم.
فائدة: "صلى الله عليه وعلى آله" بعض الناس يقول: "صلى الله عليه وآله"، ولكن إدخال حرف الجر أولى؛ لأنه مطابق للحديث:"اللهم صل على محمد، وعلى آله محمد"؛ ولأن "صلى الله عليه وآله" من شعار الرافضة، فينبغي أن نبتعد عن شعاراتهم؛ ولهذا أشكل على بعض الناس حينما نقول: صلى الله عليه وعلى آله، قال: كيف تقول هذا الكلام هذا شعار الرافضة؟ قلنا: بيننا وبينهم فرق في اللفظ والمعنى، في اللفظ: نأتي بحرف الجر وهم لا يأتون، في المعنى: هم يقصدون ب"الآل": آل البيت، ونحن نقصد ب"الآل": جميع أتباعه.
يقول: "نهى" النهي هو طلب الكف على وجه الاستعلاء، وهل هو فعل أو ترك؟ نقول أما بالسبة لهم القلب فهو فعل؛ لأن القلب يريد أن يترك، وأما بالنسبة للجوارح فهو ترك؛ ولهذا لا يصح أن نطلق أن امتثال النهي ترك، بل نقول: أما بالنسبة لما يقع في القلب من إرادة الترك فهو فعل؛ لأنه كف النفس، وأما بالنسبة للجوارح فإنه ترك؛ أي: عدم فعل، وقولنا:"على وجه الاستعلاء" أي: أن الناهي يشعر نفسه بأنه فوق المنهي بدون تكبر، لكن خرج به ما إذا نهى عن شيء على وجه التذلل فإنه يكون دعاء، كقولنا:{ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286]. "لا" ناهية لا إشكال فيها، لكنها في هذا المقام - وهو مقام تذلل- لا يصلح أن تقول:
إنها ناهية؛ إذ إنه لا يمكن أن يوجه الإنسان النهي إلى من فوقه، ولاسيما أنه بين الخالق والمخلوق، إذا كان من شخص مماثل مساو في الدرجة فإنهم يسمونه التماسا؛ ولهذا تجد حتى في معاملة الناس في كلامهم:"يا فلان من غير أمري عليك افعل كذا"، "من غير أمر لا تفعل كذا"، فيفرقون بين الاستعلاء وبين غيرها، فإذا كانت من مماثل سماها البلاغيون التماسا، وإذا كانت من أدنى إلى أعلى فهي دعاء وسؤال، وإذا كانت من أعلى إلى أدنى فهو نهي، هي النهي يقتضي التحريم أو يقتضي الكراهة؟ سبق أن قلنا كلاما مفيدا وهو انه يقتضي الامتثال سواء كان للتحريم، أو للكراهة، وليس من حقنا أن نقول: هل هو للكراهة، أو للتحريم؛ لأن من سلفنا من الصحابة لم يقولوا إذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أهو للتحريم، وإنما كان قولهم أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، لكن إذا تورط الإنسان في المخالفة حينئذ لا بأس أن يسأل؛ لأنه إذا كان للتحريم وجب عليه التوبة منه، وإذا كان للكراهة فالتوبة غير واجبة؛ لأن فاعل المكروه لا إثم عليه، فحينئذ نقول: إذا سمعت الله تعالى ينهى عن شيء، أو سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم ينهى عن شيء فما موقفك وأنت عبد تابع؟ أن تجتنبه، وبذلك تسلم الذمة، ويسلم الإنسان من أن يتهاون، هذه نقطة مهمة جدا في مقام العبودية؛ لأنه حتى في الناس بعضهم مع بعض لو قال السيد لعبده:"يا فلان، لا تفتح الباب" هل من الأدب أن يقول: يا سيدي أنهيتني نهي منع أو نهي تأديب؟ الجواب: أبدا ليس من الأدب، بل لو أن العبد قال لسيده هذا لعد ذلك منقبة سوء وعاقبة عليه، إنما هل يقتضي النهي التحريم بالنسبة للتعبد انتهينا منه، وقلنا موقف العبد من ذلك أن يتجنب ويقول: سمعنا وأطعنا، لكن من ناحية الحكم، بعضهم قال: إن الأصل في النهي التحريم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه". وبعضهم قال: الأصل في النهي الكراهة، وبعضهم فصل قال: أما ما يتعلق بالأدب فهذا للكراهة، وأما ما يتعلق بالتعبد فهو - أي: النهي - للتحريم، وهذا أقرب إلى الانضباط؛ لأن كثيرا من المنهيات نرى العلماء رحمهم الله يجمعون على أنها للكراهة، أو يكون أكثرهم يرى أنها للكراهة، فلا تنضبط القاعدة، لكن أقرب الانضباط لها أن يقال: ما كان للتعبد فالنهي فيه للتحريم؛ لأن الله ما نهى عنه إلا وهو لا يرضاه، وما كان للآداب بين الناس والمروءة والأخلاق فهو للكراهة، هاذ تفصيل جيد وهو أقرب الأقوال الثلاثة.
نرجع لشرح حديث أبي هريرة: سبق تعريف النهي، وأنه:"طلب الكف على وجه الاستعلاء"، وشرحناه أيضا وتكلمنا: هل الأصل في النهي التحريم، أو الكراهة، أو في ذلك تفصيل.