الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوم القيامة يخلو بعبده المؤمن، ويقرره بذنوبه ويقول:"قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم". ففرق الله عز وجل بين الستر وبين المغفرة؛ فدل ذلك على أن المغفرة ليست مجرد الستر، بل هي شيء زائد عليه.
ضرورة الاستجمار بثلاثة أحجار:
93 -
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين ولم أجد ثالثا، فأتيته بروثة، فأخذهما وألقى الروثة، وقال: هذا رجس، أو ركس". أخرجه البخاري. وزاد أحمد، والدارقطني:"أئتني بغيرها".
قوله: رضي الله عنه: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط" يعني: مكان قضاء الحاجة، "فأمني أن آتيه بثلاثة أحجار"، وذلك من أجل أن يستجمر بها، فوجد حجرين ولم يجد الثالث، ولكنه أتى بروثة، والروثة هنا هي روثة الحمار، وليست روثة البعير، بل هي روثة الحمار، بدليل ما يأتي في الحديث، يقول:"فأخذهما - أي: أخذ الحجرين- وألقى الروثة، وقال: هذا رجس" هنا قال: "هذا" ولم يقل: "هذه" باعتبار المشار إليه؛ يعني: هذا المشار إليه رجس ولا يريد هاذ الإتيان؛ لأن ابن مسعود أتى بشيء ليس برجس وهما الحجران، ثم قال:"أو ركس"، والخلف لاختلاف اللفظ والمعنى واحد، والمراد بالركس هنا: النجس.
زاد أحمد والدارقطني: "اثتني بغيرها"؛ أي: بغير الروثة؛ لأن الروثة نجسة، والنجس لا يمكن أن يطهر.
من فوائد هذا الحديث: منقبة لعبد الله بم مسعود، كيف ذلك؟ لكونه خدم النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: جواز استخدام الأحرار؛ لأن ابن مسعود كان حرا.
ومن فوائده: أن أمر الخادم ونحوه لا يعد سؤالا مذموما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر خدمه، الناس لا يعدون هذا سؤالا، بل يعدونه أمرا، ويرون أن الآمر فوق المأمور.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز الاستعانة بالغير في الطهارة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم استعان بعبد الله بن مسعود أن يحضر ما يتطهر به.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الاجتهاد إذا خالف النص فهو باطل، من كون النبي صلى الله عليه وسلم رد اجتهاد عبد الله بن مسعود وقال:"إن هذا رجس"، لكنه لم يوبخه؛ لأنه مجتهد، وإلا فمن المعلوم أن
كونه يأتي بروثة على النبي صلى الله عليه وسلم ليتطهر بها، أن فيها شيئا من الاستخفاف، لكنه رضي الله عنه مجتهد؛ فيستفاد منه: أن المجتهد إذا أخطأ لا يلام على خطئه؛ لأنه مجتهد، وهذه هي قاعدة الشريعة والحمد لله أن الحاكم إذا حكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للرجل الذي تيمم وصلى ثم وجد الماء فتوضأ وأعاد الصلاة جعل له الأجر مرتين مع أنه مخطئ في هذا العمل؛ حيث إن صاحبه الذي لم يعد قال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أصبت السنة".
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لابد في الاستجمار من ثلاثة أحجار، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من عبد الله بن مسعود أن يأتيه بثلاثة أحجار، ثم قال حين رد الروثة:"ائتني بغيرها"؛ فدل هذا على أنه لابد من ثلاثة أحجار.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الاستجمار مطهر لقوله: "هذا رجس"، والرجس لا يطهر، فدل هذا على أنه لو كان طيبا طاهرا لكان مطهرا، وهذا هو الصواب أن ما يحصل من الاستجمار فهو تطهير، وبناء على ذلك لو أن الإنسان استجمر من بول أو غائط بأحجار أو تراب؛ أو مناديل، ثم عرق أو أصاب ثوبه بلل وصل إلى مقعدته أو إلى ذكره فهل نقول: إن ما أصابه الماء والبلل والعرق ومن هذا المحل يكون نجسا؟ الجواب: لا، وهذا هو القول الراجح المتعين.
ومن العلماء من يقول: إن الاستجمار لا يطهر، وأنه لا يعفى عن أثر الاستجمار إذا تجاوز غير محله، ولكن هذا القول ضعيف، والصواب: أنه مطهر تطهيرا تاما، فهل يقاس على ذلك ما لو أزيلت النجاسة في غير هذا الموضع بحجر حتى لم يبق لها أثر؟ الجواب: نعم؛ وذلك لأن النجاسة عين خبيثة متى أزيلت بأي مزيل سواء كان بحجر أو بغير ذلك فإنها تطهر، لكن بشرط أن تكون الإزالة إزالة تامة.
فإن قال قائل: قياسكم غير هذا المحل عليه فيه نظر؛ لأن هذا المحل يكثر تلوثه بالنجاسة، فإن الإنسان دائما يبول، ودائما يتغوط، وغير هذا المحل لا يكثر فيه التلوث بالنجاسة فلا يمكن القياس، ويدل لعدم إمكان القياس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بول الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد:"أريقوا عليه سجلا من ماء". فهذا يدل على أن النجاسة لا تزال إلا بالماء؛ فجوابنا على هذا أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يصب عليه ماء من أجل الإسراع في تطهيره؛ لأنه لو بقي