الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - باب الوضوء
يقال: الوضوء، والوضوء بالضم؛ فالوضوء: الماء الذي يتوضأ به، والوضوء- بالضم-: التوضأ، يعني: الفعل، وله أمثلة: كطهور وطهور، وسحور وسحور، ووجور ووجور له أمثلة كثيرة في اللغة العربية على هذا المنوال، فما هو الوضوء؟
الوضوء مشتق في اللغة من الوضاءة، وهو: الحسن والجمال والنظافة من الأقذار والمؤذيات، وأما في الشرع فهو: التعبد لله عز وجل بتطهير الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة.
الأعضاء معروفة و "أل" فيها للعهد الذهني، وإنما قلنا "التعبد لله"؛ لأننا نريد أن نعرف تعبديا فلابد أن نقول عبادة.
كذلك في الصلاة هل نقول: إنها أقوال وأفعال معلومة أم نقول التعبد لله؟ التعبد لله، وكذا نقول في الصلاة وفي الصيام وفي الحج، والوضوء من أفضل الأعمال.
وله فوائد كثيرة منها: أنه إذا كان في أيام الشتاء والبرد مما يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات كما في الحديث: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة".
ومنها: أنه كلما طهر الإنسان عضوا من الأعضاء، تطهر هذا العضو من النجاسة المعنوية وهي الآثام، فيخرج إثم كل عضو من هذه الأعضاء عند آخر قطرة من القطرات.
ومنها: أنه اقتداء وأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أنه امتثال لأمر الله {يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم} [المائدة: 6].
ومنها: وهو خاص بهذه الأمة "يدعون يوم القيامة غرا محجلين". من أثر الضوء.
ومنها: أن الحلية في الجنة تبلغ حيث يبلغ الوضوء {يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا} [فاطر: 32]. {وحلوا أساور من فضة} [الإنسان: 21]. فأساورهم ثلاثة أنواع: من ذهب، والثاني: اللؤلؤ، والثالث: فضة، وهذه إذا اجتمعت يكون لها منظر يسر الناظرين.
المهم: أن له فوائد كثيرة، ولذلك كان القول الراجح من أقوال العلماء أنه عبادة تجب فيه النية خلافا لمن قال: إنه طهارة لا تجب النية فيه، كإزالة النجاسة، ومعلوم أن إزالة النجاسة لا يشترط فيها النية، فلو أن الإنسان نشر ثوبه النجس ونزل المطر وطهره صار طاهرا وإن لم ينو، لكن الوضوء لا يكون صحيحا إلا بنية؛ لأنه عبادة.
الوضوء له سنن وله فرائض وواجبات؛ فمن سننه السواك دليله حديث أبي هريرة:
29 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء".
"لولا" هذه حرف امتناع لوجود، وعندنا ثلاث أدوات اقتسمت الامتناع أو الوجود:"لما، ولو، ولولا": "لما" حرف وجود لوجود، "لو" حرف امتناع لامتناع، "ولولا" حرف امتناع لوجود.
مثاله في "لما" تقول: "لما زارني أكرمته"؛ هنا حصل الإكرام لحصول الزيارة، إذن وجود لوجود.
ومثال "لو": "لو زارني لأكرمته"؛ فهنا امتنع الإكرام لامتناع الزيارة.
ومثال "لولا": "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم"؛ فهنا امتنع الأمر لوجود المشقة، وقوله:"لولا أن أشق" المشقة هي التعب والإجتهاد.
وقوله: "على أمتي" المراد بالأمة: أمة الإجابة؛ لأن أمة الدعوة الأمة المدعوون لا يخاطبون بالسواك، وإنما يخاطبون بالإسلام أولا.
وقوله: "لأمرتهم" أي: أمر إلزام. وجه ذلك: أنا حملناهم على الإلزام؛ لأن أمر غير الإلزام لا مشقة فيه؛ حيث إنه يجوز للإنسان تركه، وما دام يجوز تركه فلا مشقة فيه، وعلى هذا فيكون مراده "لأمرتهم" أمر إلزام.
"بالسواك" السواك يطلق على الألة التي يتسوك بها، وعلى الفعل، نقول: تسوك الرجل سواكا بالغ فيه هذا الفعل، وعلى هذا يكون السواك اسم مصدر وليس مصدرا؛ لأنه لم يطابق الفعل في حروفه، ومن ذلك أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم:"السواك مطهرة للفم مرضاة للرب".
السواك يعني: التسوك وليس العود، ومن استعماله بمعنى الآلة التي يتسوك بها أن القول: أعطيت فلانا سواكا؛ يعني: ما يتسوك به، فصار السواك يطلق على الآلة التي يتسوك بها، وعلى نفس الفعل، فما المراد به في الحديث "لأمرتهم بالسواك؟ " الفعل وليس الآلة؛ لأنه ليس من المعقول أن يكون المراد "لأمرتهم" أن يحمل الواحد منهم آلة يتسوك بها بل المراد بالسواك أي بالفعل.
يقول: "أخرجه مالك وأحمد والنسائي، وصححه ابن خزيمة، وذكره البخاري تعليقا".
قدم المؤلف مالكا إما لتقدم ومنه، وإما لأن "الموطأ" أصح من "المسند"، وإلا فلا شك أنا إماما كالإمام أحمد أشهر من الإمام مالك وغيره، فقد أطلق عليه إمام أهل السنة وحاله مشهورة معروفة، وقوله:"ذكره البخاري تعليقا" ما معنى التعليق؟
يقول علماء المصطلح: التعليق: حذف أول المسند، فمثلا إذا كان الراوي - يعني: مخرج الحديث - رواه على هذا الترتيب (1 - 2 - 3 - 4) إلى منتهاه، فحذف رقه (1) معلق، حذف (ا، 2) معلق، حذف (1، 2، 3) معلق، بل يطلق المعلق على حذف السند كله، حكم المعلق أنه ضعيف؛ لعدم وجود السند، وإذا عدم السند صار الرواة مجهولين لابد من العلم بالرواة لأنهم أهل للرواية؛ إلا أنهم قالوا: إذا كان المخرج قد التزم بتعليق ما هو صحيح عنده بصيغة الجزم فيحكم بصحته مطلقا، أو عند المعلق؟ عند المعلق فقط، يعني: قد يكون صحيحا عنده ولكنه ليس بصحيح عند غيره.
الخلاصة: المعلق اصطلاحا: ما حذف أول إسناده أو جميع الإسناد، المعلق في المرتبة من قسم الضعيف، إلا إذا كان في كتاب التزم مخرجه الصحة، وهذا يكون صحيحا عنده فقط وعند غيره قد يكون صحيحا وقد يكون غير ذلك، لكنه إذا كان المعلق إماما معتبرا عند الحفاظ فلا شك أن تعليقه له وزنه وله قيمته، ولهذا ذكره المؤلف قال:"ذكره البخاري تعليقا"، مع أنه يكفي أن يقول: رواه مالك، وأحمد، والنسائي، وصححه ابن خزيمة.
في هذا الحديث فوائد متعددة منها: شفقة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر معلوم بالضرورة؛ لأنه يثبت بالتواتر لقوله تعالى:{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: 128].
ومن فوائده: أن النبي صلى الله عليه وسلم له أن يجتهد في الأحكام لقوله: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم" ولم يقل: "لولا أن الله لم يأمرني لأمرتهم"، بل قال:"لولا أن أشق"، فالمانع له من الأمر الملزم ليس عدم أمر الله، ولكن المشقة.
إذن للنبي أن يجتهد ثم إن أقره الله عز وجل فالحكم شرعي بإقرار الله، وهذا هو الأصل وإن لم يقره الله ارتفع الحكم، فعفو النبي عليه الصلاة والسلام على المتخلفين لم يقره الله
عليه بل قال: {عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكذبين} [التوبة: 43]. فقوله: {عفا الله عنك} بدأ بالعفو عما حصل قبل أن يذكره، قال:"عفا الله عنك" وقال اللله تبارك وتعالى: {يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك} [التحريم: 1].
إذن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجتهد في الأحكام، ثم إن أقرع الله فهو الشرع من عند الله، وإن لم يقره الله - وهو نادر نادر نادر- فإنه يرتفع الحكم، أخذ الفداء من أسرى بدر لم يقره الله عز وجل بل قال:{لولا كتب من الله سبق} في تكميل الرسالة واستمرارها {لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} [الأنفال: 68].
وهذه المسألة طال فيها الجدل بين العلماء، وعندي أنه ليس فيها - والحمد لله- إشكال، وأنها واضحة أن الرسول يأمر وينهى سواء كان بوحي من الله أو بإقرار من الله.
ومن فوائد هذا الحديث: تأكد استعمال السواك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنعه من الإلزام به إلا المشقة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الأصل في الأمر الوجوب لقوله: "لأمرتهم" هكذا استدل بعض أهل العلم بذلك وقالوا: إن هذا يدل على أن الأمر المطلق يكون للوجوب، ولكن قد يناقش ويقال: إن قوله: "لأمرتهم" أمر إلزام، وإلا فمطلق الأمر ثابت، لكن كون الأمر للوجوب أو للاستحباب أو للإرشاد والتوجيه لا يمكن فيما تتبعته أن ينضبط بضابط؛ لأن بعض الأوامر تكون للوجوب بالاتفاق، وبعض الأوامر تكون لغير الوجوب بالاتفاق، وبعض الأوامر تكون محل نزاع، ولهذا اختلف فيها العلماء:
منهم من قال: الأصل في الأمر الوجوب، واستدل لقوله.
ومنهم من قال: الأصل في الأمر الاستحباب؛ واستدل لقوله.
ومنهم من قال: ما كان مقصودا به التعبد فالأمر فيه للوجوب، وما كان المقصود به التأدب فالأمر فيه للاستحباب، وهذا أقربها من حيث العموم وإلا فقد يكون من الآداب وهو واجب.
فإن قال قائل: أنا أريد أن أشق على نفسي وأتسوك عند كل وضوء، فهل هذا هو الأفضل أو الأفضل أن يأخذ برخصة الرسول عليه الصلاة والسلام؟ الثاني، وقد يقال: إن كان فيه مشقة بينة فالأفضل إتيان الرخصة، وإن لم يكن فيه إلا أن تخرج السواك من جيبك وتدلك أسنانك فافعل؛ لأن هذا في الحقيقة ليس فيه مشقة.
وقوله: عليه الصلاة والسلام: "وبالسواك" قلنا: المراد بذلك: التسوك، وبناء على هذا هل تحصل فضيلة السواك بغير العود، أي: بغير عود الأراك؟ فيه خلاف:
من العلماء من يقول: إنه لا يحصل فضل السواك إلا إذا تسوك بالمسواك.
ومنهم من قال: بل يحصل له من السنة بقدر ما حصل من الإنقاء، وأنه يمكن أن يدرك السنة إذا تسوك بأصبعه أو خرقة، وهذا أقرب إلى الصواب أن يقال لا شك أن الأكمل والأفضل أن يكون بعود الأراك أو ما يقوم مقامه، ولكن لو تسوك بالإصبع أو الخرقة فإنه يحصل من السنة على قدر ما حصل له من التنظيف.
فيه أيضا بحث آخر: قول النبي عليه الصلاة والسلام: "مع كل وضوء" أين يكون محله؟ قبل الشروع في الوضوء، أو بعده أو في أثنائه؟
الحديث مطلق لم يبين لكن العلماء رحمهم الله اختاروا أن يكون التسوك عند المضمضة، قالوا: لأن هذا هو محل تنظيف الفم يكون المناسب أن يكون حال المضمضة والله أعلم.
أسئلة:
- هل الوضوء خاص بهذه الأمة أو للأمم كلها؟ للأمم كلها.
- ما هو الشي الخاص بهذه الأمة من الوضوء؟ أنهم يدعون يوم القيامة غرا محجلين، وهذا هو ظاهر السنة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "أعطيت خمسا
…
". ومنها التيمم عند عدم الماء يدل ذلك على أن غيرنا يتطهر بطهارتنا إلا في التيمم، وكذلك أيضا: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء" فالظاهر أن التخصيص هو هذا الثواب الذي يحصل لهذه الأمة.
- في الحديث الذي قرأناه مسائل أصولية منها: أن الأصل في الأمر الوجوب؟
- قوله: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم" ما وجه الدلالة؟ أنه لو أمرهم لكان لازما يشق عليهم، ولو كان الأمر للاستحباب ما شق عليهم.
- ذكرنا أن هذا هو المشهور عند علماء الأصول لكن هناك قولا آخر يقول: إن الأصل إذا كان بالتعبد فواجب وإذا كان بالتأدب فسنة.
- هناك قول ثالث ما هو، وما دليله؟ أن الأمر للاستحباب مطلقا، الدليل: الأمر فيه يدل على مشروعيته، والأصل عدم التأثيم بالترك وهذا هو حقيقة الاستحباب.
- قوله: "لأمرتهم بالسواك" ما المراد به؟ به الفعل.
-