المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم التيمم من الجنابة وصفته: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ١

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌شرح مقدمة ابن حجر رحمه الله

- ‌كتاب الطهارة

- ‌1 - باب المياه

- ‌طهارة مياه البحر:

- ‌طهارة الماء:

- ‌كيف ينتقل الماء من الطهورية إلى النجاسة:

- ‌حكم اغتسال الجنب في الماء الدائم:

- ‌النهي عن البول في الماء الدائم:

- ‌اغتسال الرجل بفضل المرأة والعكس:

- ‌ولوغ الكلب:

- ‌أقسام النجاسات:

- ‌ طهارة الهرة:

- ‌كيف تطهر المكان إذا أصابته نجاسة:

- ‌الحوت والجراد والكبد والطحال:

- ‌2 - باب الآنية

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌حكم اتخاذ أوعية من جلود الميتة:

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الكفار:

- ‌تضبيب الإناء بالفضة:

- ‌3 - باب إزالة النجاسة وبيانها

- ‌تحريم الخمر وأحكامها:

- ‌الحمر الأهلية وحكم نجاستها:

- ‌حكم طهارة لعاب الإبل:

- ‌طهارة المني:

- ‌حكم بول الجارية والغلام والفرق بينهما:

- ‌حكم دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌4 - باب الوضوء

- ‌صفة الوضوء:

- ‌وجوب المضمضة والاستنشاق:

- ‌استحباب تخليل اللحية:

- ‌حكم الدلك:

- ‌صفة مسح الرأس والأذنين:

- ‌فضل إسباغ الوضوء:

- ‌استحباب التيمن:

- ‌المسح على العمامة وشروطه:

- ‌حكم البدء بالبسملة:

- ‌حكم الجمع بين المضمضة والاستنشاق بكف واحدة:

- ‌حكم ما يمنع وصول الماء في الوضوء:

- ‌أذكار الوضوء:

- ‌5 - باب المسح على الخفين

- ‌شروط المسح على الخفين:

- ‌صفة المسح على الخفين:

- ‌حقيقة السفر ومدة المسح للمسافر:

- ‌مدة المسح للمقيم:

- ‌حكم المسح على الخفين في الجنابة:

- ‌6 - باب نواقض الوضوء

- ‌حكم نقض الوضوء بالنوم:

- ‌عدم جواز صلاة الحائض:

- ‌الوضوء من المذي:

- ‌حكم نقض الوضوء بالقبلة:

- ‌خروج الريح:

- ‌مس الذكر:

- ‌القيء والرعاف والقلس:

- ‌حكم الوضوء من لحوم الإبل:

- ‌حكم من غسل ميتا:

- ‌حكم مس القرآن بغير وضوء:

- ‌هل يتوضأ من الحجامة:

- ‌حكم الوضوء من النوم:

- ‌التحذير من الوسواس في الوضوء:

- ‌7 - باب آداب قضاء الحاجة

- ‌تجنب دخول الخلاء بشيء فيه ذكر لله:

- ‌ دعاء دخول الخلاء:

- ‌الاستنجاء بالماء:

- ‌الأماكن المنهي عن التخلي فيها:

- ‌الكلام عند قضاء الحاجة:

- ‌النهي عن مس الذكر باليمين في البول:

- ‌النهي عن الاستنجاء باليمين:

- ‌النهي عن استقبال واستدبار القبلة بغائط أو بول:

- ‌ستر العورة أثناء قضاء الحاجة:

- ‌الدعاء بعد قضاء الحاجة:

- ‌ضرورة الاستجمار بثلاثة أحجار:

- ‌النهي عن الاستجمار بعظم أو روث:

- ‌الأمر بالاستنزاه من البول:

- ‌8 - باب الغسل وحكم الجنب

- ‌الجنابة من موجبات الغسل:

- ‌الاحتلام وأحكامه:

- ‌استحباب الاغتسال من تغسيل الميت:

- ‌حكم اغتسال الكافر إذا أسلم:

- ‌غسل يوم الجمعة:

- ‌حكم قراءة الجنب القرآن:

- ‌حكم نوم الجنب بلا وضوء:

- ‌صفة الاغتسال من الجنابة:

- ‌حكم المكث في المسجد للحائض والجنب:

- ‌جواز اغتسال الزوجين في مكان واحد:

- ‌9 - باب التيمم

- ‌التيمم من خصائص الأمة الإسلامية:

- ‌عدم صحة التيمم مع وجود الماء:

- ‌حكم التيمم من الجنابة وصفته:

- ‌بطلان التيمم بوجود الماء:

- ‌حكم التيمم للجروح عند مخالفة الضرر:

- ‌المسح على الجبيرة:

- ‌مسائل مهمة في المسح على الجبيرة:

- ‌10 - باب الحيض

- ‌الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌مباحث مهمة في الحيض:

- ‌علامة المستحاضة:

- ‌أحكام الاستحاضة:

- ‌حكم الاغتسال لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌وجوب الوضوء لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌حكم الكدرة والصفرة:

- ‌الاستمتاع بالحائض:

- ‌كفارة وطء الحائض:

- ‌أحكام تترتب على الحيض:

- ‌النفاس:

- ‌كتاب الصلاة

- ‌1 - باب المواقيت

- ‌استحباب التعجيل بالعصر وتأخير العشاء:

- ‌حكم الإبراد في صلاة الظهر:

- ‌الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها:

- ‌الفجر الصادق والفجر الكاذب:

- ‌الحث على الصلاة في أول الوقت:

- ‌2 - باب الأذان

- ‌صفة الأذان ومعانيه:

- ‌كيفية الأذان:

- ‌لا يشرع الأذان ولا الإقامة لصلاة العيد:

- ‌متابعة السامع للأذان:

- ‌صفة متابعة الأذان:

- ‌حكم أخذ الأجر على الأذان:

- ‌حكم الوضوء للمؤذن:

- ‌حكم إقامة من لم يؤذن:

- ‌فضل الدعاء بين الأذان والإقامة:

- ‌3 - باب شروط الصلاة

- ‌شرط الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر:

- ‌شرط ستر العورة وضوابطه:

- ‌شروط الساتر وضرورة طهارته:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌شرط استقبال القبلة وضوابطه:

- ‌حكم صلاة المسافر على الراحلة:

- ‌شرط طهارة المكان وضوابطه:

- ‌الأماكن التي ينهى عن الصلاة فيها:

- ‌ حكم الكلام في الصلاة وضوابطه:

- ‌حكم الحركة في الصلاة وضوابطها:

- ‌4 - باب سترة المصلي

- ‌صفة السترة للمصلي:

- ‌الأشياء التي تقطع على المصلي صلاته:

- ‌فائدة السترة وحكمها:

- ‌حكم اعتبار الخط سترة:

- ‌مسألة الخط بالتلوين وهل يعتبر سترة

- ‌مسألة حكم العمل بخبر الآحاد والحديث الضعيف:

- ‌5 - باب الحث على الخشوع في الصلاة

- ‌النهي عن الصلاة بحضرة طعام:

- ‌حكم الالتفات في الصلاة وأنواعه:

- ‌حكم البصاق في الصلاة وضوابطه:

- ‌ وجوب إزالة ما يشغل الإنسان عن صلاته:

- ‌التحذير عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة:

- ‌النهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين:

- ‌6 - باب المساجد

- ‌وجوب تنظيف المساجد وتطييبها:

- ‌النهي عن اتخاذ القبور مساجد:

- ‌حكم دخول الكافر للمسجد:

- ‌حكم إنشاد الشعر في المسجد وشروطه:

- ‌حكم إنشاد الضالة في المسجد:

- ‌حكم البيع والشراء في المسجد:

- ‌حكم إقامة الحدود في المسجد:

- ‌تمريض المرضى في المسجد:

- ‌زخرفة المساجد وزينتها:

- ‌تحية المسجد:

الفصل: ‌حكم التيمم من الجنابة وصفته:

فإن قال قائل: وهل يلزمه أن يشتريه إذا وجد الثمن؟

فالجواب: نعم، يلزمه؛ لأنه لا يصدق عليه أنه عادم.

فإن قال قائل: وهل يلزمه استعارته إذا قال: يمكن استعارة ما يحمل فيه الماء، كالدلو والرشاء وما أشبه ذلك؟

فالجواب: أنه يلزمه إلا إذا كان يخشى أن يمن عليه بذلك؛ فإنه لا يلزمه، أما إذا كان يستعيره من شخص قد علم أنه يفرح إذا استعير منه الشيء؛ فإنه يلزمه لعدم وجود العلة التي هي المنة.

120 -

وعن علي رضي الله عنه عند أحمد: "وجعل التراب لي طهورا".

وهو قريب من حديث حذيفة، وفيه من الفوائد من حديث حذيفة، أن التيمم مطهر كما سبق، وإذا كان مطهرا لزم أن يكون رافعا للحدث، وهذا هو ما تقتضيه دلالة القرآن والسنة، فالقرآن قال الله تعالى:{ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم} [المائدة: 6]. والسنة كما ترون وصف النبي صلى الله عليه وسلم التراب أنه طهور، والطهور ما يتطهر به، وبناء على هذا القول لم تيمم من علم أنه لن يجد الماء بعد الوقت لو تيمم قبل دخول الوقت فتيممه صحيح، وله أن يصلي به، ومن تيمم في الوقت ثم خرج الوقت وعلى طهارته فتيممه لا يبطل إلا بزوال مبيحه، وهو البرء إن كان التيمم لمرض، ووجود الماء إن كان التيمم لعدم الماء، ثم قال رحمه الله:

‌حكم التيمم من الجنابة وصفته:

121 -

وعن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: "بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة، فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال هلى اليمين، وظاهر كفيه ووجهه". متفق عليه، واللفظ لمسلم.

وفي رواية البخاري: "وضرب بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه".

قوله: "عن عمار بن ياسر قال: بعثني" بمعنى: أرسلني، فالبعث يكون بمعنى

ص: 359

الإرسال، ومن قوله تعالى:{ولقد بعثنا في كل أمة رسولا} [النحل: 36]. أي: أرسلنا، وقوله:"في حاجة" لم يبينها إما لأن الذي ينبغي للإنسان المرسل في حاجة - لاسيما من ولاة الأمور- ألا يبينهما؛ لأنها قد تكون من الأسرار التي ينبغي اطلاع الناس عليها، أو لسبب من الأسباب، "فأجنبت" أي: أصابتني جنابة، وجنابة تكون في واحد من الأمرين: إما بالجماع، وإما بالإنزال، والظاهر أنها كانت بالاحتلام، أعني: التي وقعت من عمار بن ياسر.

قوله: "فلم أجد الماء" وذلك بعد طلبه، قال العلماء: إن نفي الوجود لا يكون إلا بعد الطلب، وقد يكون تعبيره بقوله:"لم أجد الماء" فإنه هو أعلم بأنه ليس حوله ماء، فيصح ان يقول:"لم اجد الماء" وإن لم يطلبه.

"فتمرغت في الصعيد" أي: تقلبت، يعني: على الجنبين الأيمن والأيسر، والبطن والظهر، "كما تتمرغ الدابة" وهاذ التشبيه للبيان، وليس للتقبيح، لأنه لا يمكن أن يأتي بتشبيه للتقبيح، وهو من فعل نفسه وهو أيضا بإقامة عبادة، لكنه للبيان لئلا يظن الظان أنه تمرغ في بعض جسده بل في كله "كما تتمرغ الدابة ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك" أي: ذكر أنه أصابته الجنابة، وأنه تمرغ كما تتمرغ الدابة بناء على أن طهارة التراب كطهارة الماء، فكما أن الماء يعم جميع البدن فكذلك طهارة التيمم هكذا قال.

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما يكفيك أن تقول: بيديك""يكفيك" أي: عن التمرغ، ويحتمل أن المعنى: يكفيك عن الاغتسال الذي تمرغت من أجله أن تقول بيديك هكذا، هنا أطلق القول وأراد به الفعل؛ لأن اليد لا تقول القول باللسان، لكن قد يطلق القول ويراد به الفعل، "بيديك هكذا" ثم فسر هذا المجمل، "ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه". قوله: "مسح الشمال على المين" يعني هكذا، وظاهره أنه على كل الكف ظاهره وباطنه؛ ولهذا قال:"وظاهر كفيه". إذن مسح الشمال على اليمين من الباطن، وظاهر كفيه من الظاهر، "ووجهه" يعني: ومسح وجهه.

وفي رواية للبخاري: "وضرب بكفيه الأرض" ولكنها لا تعارض رواية مسلم؛ لأن اليد إذا أطلقت فالمراد بها: الكف، وإذا قيدت بما قيدت به. فإذا قيل: يده إلى الكتف صارت اليد كل العضو، وإذا قيل: يده إلى المرفق صارت إلى المرفق، يده فقط صارت الكف، ولهذا لما قال الله تعالى:{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38]. صار المراد بذلك: الكفين فقط، "وضرب بيديه الأرض ونفخ فيهما" وكأنه - والله أعلم- علق بهما تراب كثير فنفخ ليتساقط بعض ما علق ثم مسح بهما وجهه وكفيه.

في هذه الرواية للبخاري زيادة النفخ: نفخ فيهما"، وفيه أيضا: سياق مخالفة الترتيب، فإن

ص: 360

سياق مسلم: أنه مسح بيديه قبل الوجه، وسياق البخاري: مسح الوجه قبل اليدين، وسياق رواية البخاري هو الذي يوافق القرآن، قال الله تعالى:{فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} [المائدة: 6]. فكون البدء بالوجه؛ لأنه أشرف، ولأجل أن يوافق ترتيب التيمم ترتيب الوضوء، فإن الترتيب في الوضوء: الوجه قبل اليدين.

ففي هذا الحديث فوائد، منها: جواز بعث الغير في جاجة، فإن كانت دعوة أو كتابا أو ما أشبه ذلك فهي عبادة، وإن كانت خاصة فهي جائزة، وهذا لا ينافي كراهة السؤال - أي: سؤال الغير- لأنك إذا علمت أن الغير بفرح إذا كلفته بشيء فإن المنة تكون منك عليه، وليس منه عليك.

ومن فوائد هذا الحديث: جواز التصريح بما يستحيا منه عند الحاجة، لقوله:"فأجنبت" وهذا قد يستحي منه الإنسان، لكن إذا كان لحاجة كبيان حكم شرعي، فإنه لا بأس به، وقد يكون واجبا.

ومن فوائده: أنه لا يجوز التيمم مع وجود الماء لقوله: "فلم أجد الماء"، وهذا كإقامة الدليل على جواز التيمم.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يجوز التيمم مع وجود الماء لقوله: "فلم أجد الماء"، وهذا كإقامة الدليل على جواز التيمم.

ومن فوائد هذا الحديث: أن مقتضى القياس مساواة الفرع للأصل، وجهه: أنه قال الطهارة بالتراب على الطهارة بالماء فتمرغ.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجوز العمل بالقياس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه مشروط بما إذا لم يتمكن من الوصول إلى النص، فإن تمكن لم يصح القياس، أما إذا لم يتمكن فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه.

ومن فوائده: أنه لا قياس مع النص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل قياس عمار بن ياسر رضي الله عنه.

ومن فوائده: أن من اجتهد فاخطأ فإنه لا يؤمر بالإعادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر عمارا بإعادة ما سبق من الصلاة، ولو أمره لنقل لأهميته، لا يقال: إن عدم النقل ليس نقلا للعدم؛ لأنا نقول هذا مهم، وإاذ كان عمار رضي الله عنه ذكر صفة التيمم، فكيف لا يذكر إعادة الصلاة لو كان الرسول أمره بها مع أنها أهم؟

وعلى هذا؛ فإذا اجتهد الإنسان اجتهادا بلا تفريط وأخطأ؛ فإنه لا إعادة عليه، وهذا له شواهد وله أصول منها: المرأة التي كانت تستحاض حيضة شديدة ولا تصلي، فلم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة لأنها بنت على الأصل، وهو أن الأصل في الدم أنه حيض، ولا تصلي الحائض، أما إذا كان مجرد حرص غير مبني على أصل أو كان هناك تفريط فإن عليه الإعادة.

من التفريط مثلا لو اجتهد في القبلة وهو في البلد يمكنه أن يسأل ويتيقن؛ فإن عليه الإعادة؛ لأنه قادر على تصحيح الاتجاه، أما إذا لم يكن تفريط فلا إعادة.

ص: 361

ومن فوائد هذا الحديث: أن محل التطهير في التيمم عضوان فقط، وهما: الوجه واليدان، وهما أشرف الأعضاء بالنسبة للوجه فالوجه أشرف من الرأسى، واليدان أشرف من الرجلين، ولهذا كفى بالتعبد أن يلوث الإنسان وجهه ويديه بالتراب، فصارت الطهارة بالتيمم مقصورة على عضورين فقط هما أشرف أعضاء الوضوء: الوجه واليدان.

ومن فوائد هذا الحديث: أن طهارة الوضوء وطهارة التيمم في الجنابة سواء، يعني من فوائده: أن الحدث الأصغر والأكبر سواء في طهارة التيمم بخلاف الماء.

ومن فوائد الحديث: أنه لا يكرر المسح في التيمم؛ لأن حديث عمار ليس فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كرر، قال العلماء: وهكذا كل ممسوح فإن تكرار مسحه مكروه؛ لأن فيه نوع مضادة للحكم الشرعي، إذ إن الشارع إنما جعل تطهيره بالمسح تخفيفا فتكراره تقيل، فيكون فيه نوع مضادة، وعلى هذا كل شيء يمسح فتكرار مسحه مكروه، الرأس يكره تكرار المسح، الخفان يكره تكرار مسحهما، الجبيرة يكره تكرار مسحها، التيمم يكره فيه التكرار.

ومن فوائد هذا الحديث: أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين؛ لأن عمارا لم يذكر إلا ضربة واحدة، وأكدها فقال:"ضربة واحدة".

هل يستفاد منه أن ما استعمل في الطهارة لا يكون طاهرا غير مطهر؟ ربما يستفاد من ذلك أن المستعمل بالطهارة لا يكون طاهرا غير مطهر؛ لأن الحديث ظاهره أن الرسول مسح الوجه، ومسح الكفين كليهما، أما الفقهاء الذين يرون أن التيمم المستعمل لا يجوز التطهير به، فيقولون: يمسح الوجه بالأصابع، ثم يمسح الكفين براحة اليد، ولا شك أن هذا تكلف لم تأت به السنة.

فإما أن يقال: إنه يستفاد منه أن الطهور المستعمل في طهارة واجبة لا ينتقل من الطهورية إلى الطهارة، وإما أن يقال: إن طهارة التيمم يراعى فيها التخفيف، على أن الأصل الذي ذكرناه على القول الراجح لا ينتقل فيه الماء من الطهرية إلى الطهارة، وأن الماء المستعمل في رفع الحدث طهور مطهر.

ومن فوائد هذا الحديث: وجوب استيعاب الوجه في مسح التيمم لقوله: "ووجهه"، وبه نعرف تقصير بعض العوام الذين إذا تيمموا يمسحون وسط الوجه فقط، والواجب أن يمسح الوجه كله من منحى الجبهة إلى أسفل اللحية، ومن الأذن إلى الأذن؛ لقوله:"وجهه".

ومن فوائد هذا الحديث: مشروعية النفخ بعد الضرب، لكن نقول: إن هذا مقيد بما إذا علق بهما تراب كثير.

ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الترتيب في التيمم سواء كان عن جنابة أو كان عن حدث

ص: 362

أصغر، ولكن الفقهاء رحمهم الله يقولون: إن تيمم عن حدث أصغر وجب الترتيب، وإن تيمم عن حدث أكبر لم يجب الترتيب، لكن ظاهر الأدلة وجوب الترتيب مطلقا، ولا يصح أن يقاس على طهارة الماء؛ لمخالفته لطهارة الماء في أصول كثيرة، فالصواب: وجوب الترتيب.

لكن هل يسقط الترتيب بالجهل والنسيان؟ الظاهر هذا، أن الترتيب يسقط بالجهل والنسيان في كل شيء.

إذا قال قائل: من أين لكم وجوب الترتيب؟

قلنا: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أبدأ بما بدأ الله به". هكذا أخرجه مسلم، وفي رواية في السنن، قال:"ابدءوا بما بدأ الله به".

فإن قال قائل: وهل يجوز التيمم على غير الأرض كالتيمم على البساط ونحوه؟

فالجواب: إن كان فيه تراب جاز ذلك؛ لأن التراب الذي فيه جزء من الأرض وإن لم يكن فيه تراب فالظاهر أنه لا يجوز.

فإن قال قائل: إذا لم يكن عنده في المكان إلا هذا الفراش النظيف؟

نقول: يسقط عنه التيمم لعدم وجود الماء وعدم وجود التراب.

ومن فوائد هذا الحديث - حديث عمار-: أنه يجوز للجن التيمم كما يجوز للمحدث حدثا أصغر؛ لأن قضية عمار هي تيمم في الجنابة، وهذا أجمع العلماء عليه بعد أن كان فيه الحلاف قديما، وممن خالف فيد قديما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه خالف في ذلك، وقال: إإنعلى الجنب أن ينتظر حتى يجد الماء، ثم يغتسل، وناظره عمار في ذلك؛ لأن عمر كان مع عمار حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم وذكره هذا - ذكر عمار عمر هذه القضية- ثم قال له: يا أمير المؤمنين، إن شئت بما جعل الله لك علي من الطاعة ألا أحدث به، قال: لا، حدث نوليك ما توليت، فحدث به، فصار يتحدث به، ولكن الإجماع بعد ذلك انعقد - والحمد لله- على أنه يجوز التيمم للجنب ولمن حدثه أصغر.

122 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين". رواه الدارقطني، وصحح الأئمة وقفه.

ص: 363

قوله: "التيمم ضربتان" يعني: أنه لابد من ضربتين: وقوله: "ضربة للوجه، وضربة لليدين": أما ضربة الوجه، فالوجه قد اثبت أنه يمسح بالتيمم، وأما اليدان فقال:"وضربة لليدين إلى المرفقين" هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأحاديث الكثيرة حديث عمار وغيره، وأن التيمم يكون في الكفين فقط وهو أيضا ظاهر القرآن، وعلى هذا فلا يصح هذا الحديث مرفوعا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك قال المؤلف:"وصحح الأئمة وقفه" الأئمة يعني بذلك: أئمة الحديث، ولا يلزم أن يكون المراد: أئمة الفقه؛ لأن إمام كل فن من له قدم فيه وأتباع عليه، فيكون الأئمة هنا ليس الأئمة الأربعة، ولكن أئمة الحديث.

وقوله: "وقفه" أي: كونه عن ابن عمر نفسه، وليس عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن الموقوف عندهم هو ما انتهى إلى من؟ إلى الصحابي إذا لم يكن له حكم الرفع، فإن كان له حكم الرفع فهو مرفوع لكنه مرفوع حكما.

في هذا الحديث من الفوائد: أنه لابد من ضربتين في التيمم، ولكن ما دمنا صححنا أنه موقوف، فيكون هذا على رأي ابن عمر، والسنة بخلافه، بل والقرآن بخلافه؛ لأن الله قال في التيمم: "فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} [المائدة: 6]. ونحن نرى أن القرآن الكريم إذا أطلق الد فهي الكف فقط، ولهذا اجمع العلماء على انه لا يقطع في السرقة إلا الكف؛ لأن الله قال:{أيديهما} [المائدة: 38]، ولم يقيد، أما في الوضوء فنعم إلى المرفق؛ لأن الله قيد ذلك فقال:{وأيديكم إلى المرافق} .

وفي قوله: {وأيديكم إلى المرافق} دليل واضح على أن اليد إذا أطلقت لم تبلغ المرفق، وإنما المراد بها: الكف، وعليه يكون هذا الأثر من قول ابن عمر، ولكن لا عبرة به ما دام خالف

ظاهر القرآن وصريح السنة فإنه لا عبرة به؛ لأن قول الصحابي لا يكون حجة إذا خالف النص القرآني أالنبوي، وأيضا المعنى يقتضي عدم مسح الذراع؛ لأن الذراع غالبا يكون خفيا إما في الثوب وإما في الرداء، فلا يظهر عليه أثر التعبد بتمرغ الإنسان أو بتعفير الإنسان وجهه ويديه، بخلاف الوجه وبخلاف الكف فإنه يظهر عليهما الغبار - غبار التراب- حتى يتبين أن هذا الرجل تعبد لله تعالى بتعفير وجهه وكفيه تقربا إلى الله واحتسابا للأجر.

ص: 364