الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقيقة السفر ومدة المسح للمسافر:
55 -
وعن صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا ألا نزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم". أخرجه النسائي، والترمذي واللفظ له، وابن خزيمة وصححاه.
قوله: "كان" سبق الكلام على "كان" وأنها للدوام غالبا لا دائما، وقوله:"يأمرنا" المر هو: طلب الفعل على وجه الاستعلاء، هذا الأمر يعني: واحد يشعر بأنه أعلى منك ويقول: افعل كذا، ولا يمكن أن يكون هذا إلا من شخص يرى أنه فوقك، وأما طلب الفعل على غير وجه الاستعلاء فهذا قد يكون للإكرام، وإن كان أمرا لكن ليس للإلزام قد يكون للإكرام وقد يكون للالتماس وله معان على حسب القواعد.
وقوله: "إذا كان سفرا" أي: مسافرين، والسفر بمعنى المسافر، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأهل مكة وهو يصلي بهم في غزوة الفتح:"أتموا فإنا قوم سفر". أي: مسافرين، وقوله "إذا كنا سفرا" السفر: مأخوذ من الإسفار، وهو البيان والوضوح، وعلى هذا فيكون المعنى المطابق له: خروج الإنسان من المدينة التي هو ساكن فيها؛ لأنه إذا خرج أسفر عن نفسه ولم يكن أمامه ما يظلمه؛ لأنه خرج إلى البر لكن هل هذا المراد؟ المراد به: السفر الشرعي؛ وهو على رأي كثير من العلماء ما كان مسيرة يومين قائدين على الإبل المحملة، وتقديره نحو: ثلاثة وثمانين كيلو مترا بالمسافة هذا هو السفر الشرعي الذي يترتب عليه أحكام السفر، واختار شيخ الإسلام رحمه الله اختيارا لا شك أنه أقرب إلى الأدلة، وهو أن السفر جاء في النصوص مطلقا، والشيء إذا جاء في النصوص مطلقا يحمل على العرف إذا لم يكن له حقيقة شرعية، وعلى هذا ورد في القواعد.
وكل ما أتى ولم يحدد
…
بالشرع كالحرز فبالعرف احدد
فيقول: شيخ الإسلام: أين الدليل من الكتاب والسنة على أن السفر مسافة كذا وكذا؟
والرسول عليه الصلاة والسلام والكلام لشيخ الإسلام- في زمن لم يكن هناك مساحون يقيسون الأرض بالذراع وبالأصابع ويحب الشعير؛ لأن الذين قدروها بالمسافة يصلون بالتقدير إلى حبة الشعير وإلى شعرة البرذون، وعليه فأنا الآن مما ألي البلد هنا غير مسافر لأني ما أكملت حبة الشعير والذين أمامي الآن مسافرون، هذه في الحقيقة إذا تأمله الإنسان وجد انه ليس بصواب، لكن فيه شيء يجعله قولا مقبولا، وهو أنه أضبط من أن يقال إن السفر ما عده الناس سفرا؛ وذلك لأنهم يختلفون في عد هاذ سفرا أو غير سفر، فيكون تحديده من مسافة أضبط، ويقال: إنه يعفى عن الذراع والذراعين والمتر والمترين وما أشبه ذلك؛ إذن يترجح كلام شيخ الإسلام رحمه الله من وجه وهو أنه أقرب إلى النصوص ويترجح الآخر من وجه وهو أنه أضبط؛ لأنك متى قطعت المسافة وأنتم جميعا ترون هذا أنه مقدر بالمسافة هل تختلفون؟ إذا قطعنا (83) كيلو مترا ولو كنا نسافر في آخر النهار، وكلنا يعتبر المسافة فكلنا يرى أننا مسافرون ويطمئن ويقصر الصلاة ويجمع ولا يبالي، لكن إذا قلنا إنه معتبر بالعرف ووصلنا إلى مكان، وكان بعضنا يرى أن هذا سفر عرفا والآخر لا يراه سفرا عرفا حصل نزاع وحصل قلق، هل نجمع ونقصر أو لا؟ وإلا فلا شك أن السنة تؤيد كلام شيخ الإسلام رحمه الله، حتى إنه ثبت في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج ثلاثة أميال أو فراسخ صلى ركعتين.
شيخ الإسلام رحمه الله يقول: بالنسبة لهذه المسألة: المسافة القريبة للزمن الطويل سفر، والمسافر البعيدة للزمن القصير سفر، والمسافة الطويلة في الزمن الطويل سفر من باب أولى، والمسافة القصيرة في الزمن القصير ليس سفرا.
قوله: "إذا كان سفرا أمرنا ألا ننزع خفافنا" يعني: إذا كانت علينا وتمت الشروط ثلاثة أيام بلياليهن كم ساعة؟ (72) ساعة، لكن متى تبدأ هل هو من اللبس أو من الحدث بعد اللبس أو من المسح بعد الحدث، أو من المسح ولو من غير حدث لدينا أربعة احتمالات:
الأول: من اللبس، وهذا ضعيف.
الثاني: من الحدث بعد اللبس، وهذا ضعيف لكنه دون ضعف الأول.
الثالث: من المسح بعد الحدث؛ وهذا أقرب الأقوال؛ لأن الذي ورد في الحديث "فمسح" ولا يصدق المسح إلا بفعله، فيكون ابتداء المدة من المسح.
الرابع: من أول مرة مسح ولو تجديدا، فيكون مسحا بدون حدث، والنصوص محتملة له؛ لكن لندرته وقلته ينبغي ألا يحمل الحكم عليه ويقال إنه من المسح بعد الحدث.
يقول: "إلا من جنابة" يعني: لا ننزعها إلا من جنابة، والجنابة: كل ما أوجب غسلا من جماع أو إنزال ولكن من غائط وبول؛ ونوم.
في هذا الحديث فوائد منها: مراعاة التيسير على الأمة، وذلك بتيسير أحكام السفر في الطهارة وما يتعلق بها، وفي الصلاة وما يتعلق بها، وفي الصيام وما يتعلق به، تجد الشريعة يسرت الأحكام بالنسبة للمسافر، فيستفاد من هذا مراعاة الشريعة للتسهيل.
ومن فوائده أيضا: بيان الحكمة في التشريع، وأنه يناسب الأحوال، وهذا ظاهر جدا في العبادات وفي المعاملات، فمثلا في العبادات ما رأيتم المسافر يمسح كم؟ ثلاثة أيام بلياليهن والمقيم يوما وليلة، الصلاة الرباعية تتم في الحضر وتقصر في السفر، الجمع يجوز في السفر.
كذلك في المعاملات بيع التمر بالرطب حرام؟ لكن إذا احتاج الإنسان إلى الرطب وليس عنده دراهم جاز أن يشتري الرطب بالتمر بالشروط المعروفة في العرايا، هذا أيضا تسهيل بل لدينا قاعدة:{وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم} [الأنعام: 119]. هذه قاعدة: "كل حرام يضطر الإنسان إليه وتندفع ضرورته به يكون حلالا"، وهذا مما يدل على أن الشريعة تراعي الأحوال.
ومن فوائد هذا الحديث: أن من كان لابسا للخف فإنه لا ينزعه بأمر الرسول لقوله: "أمرنا ألا ننزع"، وهو مما يؤيد ما ذكرناه أولا بأن من كان لابسا الخفين فإنه لا ينزعهما؛ لأن هذا في باب التعمق والتنطع بل مسح عليهما من هو أتقى لله منك وأعلم بالله منك.
ومن فوائد هذا الحديث: أن المسافر يمسح ثلاثة أيام بلياليهن.
ومن فوائده: أنه لا مسح على الخف في الجناية؛ لأن حدث الجناية أغلظ من حدث البول والغائط؛ فلهذا ليس فيها مسح إلا في حال الضرورة في الجبيرة كما سيأتي إن شاء الله.
ومن فوائد هذا الحديث: أن المسح يكون بالحدث الأصغر وهو متفرع على الفائدة التي ذكرنا.
ومن فوائده: أن الغائط والبول والنوم ناقض للوضوء لقوله: "إلا من بول وغائط ونوم" وظاهر الحديث: أنه لا فرق بين الغائط القليل والكثير، وكذلك البول لا فرق بين القليل والكثير والنوم ظاهر الحديث لا فرق بين القليل والكثير، لكن دلت أدلة أخرى أن هناك فرقا بين القليل والكثير بالنسبة للنوم، إذن يستفاد من هذا الحديث: أن الغائط ناقض للوضوء قل أو كثر، البول ناقض للوضوء قل أو كثر، النوم ناقض للوضوء قل أو كثر، لكن هذا مقيد - النوم- بأحاديث أخرى أنه إذا كان النوم قليلا فإنه لا ينتقض به الوضوء، وسيأتي - إن شاء الله- بيان ذلك.
هل حديث صفوان هنا حصر نواقض الوضوء أو هناك نواقض أخرى؟
سؤال:
- هناك نواقض أخرى منها الريح، وهي لم تذكر هنا، ومنها لحم الإبل وهو لم يذكر هنا، المهم أن صفوان رضي الله عنه إنما ذكر أمثلة فقط ولا تدل على الحصر.