المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فضل الدعاء بين الأذان والإقامة: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ١

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌شرح مقدمة ابن حجر رحمه الله

- ‌كتاب الطهارة

- ‌1 - باب المياه

- ‌طهارة مياه البحر:

- ‌طهارة الماء:

- ‌كيف ينتقل الماء من الطهورية إلى النجاسة:

- ‌حكم اغتسال الجنب في الماء الدائم:

- ‌النهي عن البول في الماء الدائم:

- ‌اغتسال الرجل بفضل المرأة والعكس:

- ‌ولوغ الكلب:

- ‌أقسام النجاسات:

- ‌ طهارة الهرة:

- ‌كيف تطهر المكان إذا أصابته نجاسة:

- ‌الحوت والجراد والكبد والطحال:

- ‌2 - باب الآنية

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌حكم اتخاذ أوعية من جلود الميتة:

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الكفار:

- ‌تضبيب الإناء بالفضة:

- ‌3 - باب إزالة النجاسة وبيانها

- ‌تحريم الخمر وأحكامها:

- ‌الحمر الأهلية وحكم نجاستها:

- ‌حكم طهارة لعاب الإبل:

- ‌طهارة المني:

- ‌حكم بول الجارية والغلام والفرق بينهما:

- ‌حكم دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌4 - باب الوضوء

- ‌صفة الوضوء:

- ‌وجوب المضمضة والاستنشاق:

- ‌استحباب تخليل اللحية:

- ‌حكم الدلك:

- ‌صفة مسح الرأس والأذنين:

- ‌فضل إسباغ الوضوء:

- ‌استحباب التيمن:

- ‌المسح على العمامة وشروطه:

- ‌حكم البدء بالبسملة:

- ‌حكم الجمع بين المضمضة والاستنشاق بكف واحدة:

- ‌حكم ما يمنع وصول الماء في الوضوء:

- ‌أذكار الوضوء:

- ‌5 - باب المسح على الخفين

- ‌شروط المسح على الخفين:

- ‌صفة المسح على الخفين:

- ‌حقيقة السفر ومدة المسح للمسافر:

- ‌مدة المسح للمقيم:

- ‌حكم المسح على الخفين في الجنابة:

- ‌6 - باب نواقض الوضوء

- ‌حكم نقض الوضوء بالنوم:

- ‌عدم جواز صلاة الحائض:

- ‌الوضوء من المذي:

- ‌حكم نقض الوضوء بالقبلة:

- ‌خروج الريح:

- ‌مس الذكر:

- ‌القيء والرعاف والقلس:

- ‌حكم الوضوء من لحوم الإبل:

- ‌حكم من غسل ميتا:

- ‌حكم مس القرآن بغير وضوء:

- ‌هل يتوضأ من الحجامة:

- ‌حكم الوضوء من النوم:

- ‌التحذير من الوسواس في الوضوء:

- ‌7 - باب آداب قضاء الحاجة

- ‌تجنب دخول الخلاء بشيء فيه ذكر لله:

- ‌ دعاء دخول الخلاء:

- ‌الاستنجاء بالماء:

- ‌الأماكن المنهي عن التخلي فيها:

- ‌الكلام عند قضاء الحاجة:

- ‌النهي عن مس الذكر باليمين في البول:

- ‌النهي عن الاستنجاء باليمين:

- ‌النهي عن استقبال واستدبار القبلة بغائط أو بول:

- ‌ستر العورة أثناء قضاء الحاجة:

- ‌الدعاء بعد قضاء الحاجة:

- ‌ضرورة الاستجمار بثلاثة أحجار:

- ‌النهي عن الاستجمار بعظم أو روث:

- ‌الأمر بالاستنزاه من البول:

- ‌8 - باب الغسل وحكم الجنب

- ‌الجنابة من موجبات الغسل:

- ‌الاحتلام وأحكامه:

- ‌استحباب الاغتسال من تغسيل الميت:

- ‌حكم اغتسال الكافر إذا أسلم:

- ‌غسل يوم الجمعة:

- ‌حكم قراءة الجنب القرآن:

- ‌حكم نوم الجنب بلا وضوء:

- ‌صفة الاغتسال من الجنابة:

- ‌حكم المكث في المسجد للحائض والجنب:

- ‌جواز اغتسال الزوجين في مكان واحد:

- ‌9 - باب التيمم

- ‌التيمم من خصائص الأمة الإسلامية:

- ‌عدم صحة التيمم مع وجود الماء:

- ‌حكم التيمم من الجنابة وصفته:

- ‌بطلان التيمم بوجود الماء:

- ‌حكم التيمم للجروح عند مخالفة الضرر:

- ‌المسح على الجبيرة:

- ‌مسائل مهمة في المسح على الجبيرة:

- ‌10 - باب الحيض

- ‌الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌مباحث مهمة في الحيض:

- ‌علامة المستحاضة:

- ‌أحكام الاستحاضة:

- ‌حكم الاغتسال لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌وجوب الوضوء لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌حكم الكدرة والصفرة:

- ‌الاستمتاع بالحائض:

- ‌كفارة وطء الحائض:

- ‌أحكام تترتب على الحيض:

- ‌النفاس:

- ‌كتاب الصلاة

- ‌1 - باب المواقيت

- ‌استحباب التعجيل بالعصر وتأخير العشاء:

- ‌حكم الإبراد في صلاة الظهر:

- ‌الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها:

- ‌الفجر الصادق والفجر الكاذب:

- ‌الحث على الصلاة في أول الوقت:

- ‌2 - باب الأذان

- ‌صفة الأذان ومعانيه:

- ‌كيفية الأذان:

- ‌لا يشرع الأذان ولا الإقامة لصلاة العيد:

- ‌متابعة السامع للأذان:

- ‌صفة متابعة الأذان:

- ‌حكم أخذ الأجر على الأذان:

- ‌حكم الوضوء للمؤذن:

- ‌حكم إقامة من لم يؤذن:

- ‌فضل الدعاء بين الأذان والإقامة:

- ‌3 - باب شروط الصلاة

- ‌شرط الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر:

- ‌شرط ستر العورة وضوابطه:

- ‌شروط الساتر وضرورة طهارته:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌شرط استقبال القبلة وضوابطه:

- ‌حكم صلاة المسافر على الراحلة:

- ‌شرط طهارة المكان وضوابطه:

- ‌الأماكن التي ينهى عن الصلاة فيها:

- ‌ حكم الكلام في الصلاة وضوابطه:

- ‌حكم الحركة في الصلاة وضوابطها:

- ‌4 - باب سترة المصلي

- ‌صفة السترة للمصلي:

- ‌الأشياء التي تقطع على المصلي صلاته:

- ‌فائدة السترة وحكمها:

- ‌حكم اعتبار الخط سترة:

- ‌مسألة الخط بالتلوين وهل يعتبر سترة

- ‌مسألة حكم العمل بخبر الآحاد والحديث الضعيف:

- ‌5 - باب الحث على الخشوع في الصلاة

- ‌النهي عن الصلاة بحضرة طعام:

- ‌حكم الالتفات في الصلاة وأنواعه:

- ‌حكم البصاق في الصلاة وضوابطه:

- ‌ وجوب إزالة ما يشغل الإنسان عن صلاته:

- ‌التحذير عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة:

- ‌النهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين:

- ‌6 - باب المساجد

- ‌وجوب تنظيف المساجد وتطييبها:

- ‌النهي عن اتخاذ القبور مساجد:

- ‌حكم دخول الكافر للمسجد:

- ‌حكم إنشاد الشعر في المسجد وشروطه:

- ‌حكم إنشاد الضالة في المسجد:

- ‌حكم البيع والشراء في المسجد:

- ‌حكم إقامة الحدود في المسجد:

- ‌تمريض المرضى في المسجد:

- ‌زخرفة المساجد وزينتها:

- ‌تحية المسجد:

الفصل: ‌فضل الدعاء بين الأذان والإقامة:

‌فضل الدعاء بين الأذان والإقامة:

195 -

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة» . رواه النسائي، وصححه ابن خزيمة.

«لا يرد» يعني: أن الله لا يرد الدعاء؛ لأن رد الدعاء وقبوله عند الله عز وجل.

وقوله: «بين الأذان والإقامة» يعني: من كل صلاة، سواء الفجر، ظهر، عصر، مغرب، عشاء، جمعة لا يرد، والغرض من هذا الخبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم الحث على اغتنام هذا الوقت بالدعاء، فإنه حري بالإجابة، ففي هذا الحديث أن هذا الوقت ما بين الأذان والإقامة وقت لإجابة الدعاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة» ، وظاهر الحديث العموم، وأنه لا فرق بين الرجال والنساء، وظاهره أيضًا أنه لا فرق بين منتظر الصلاة وغير منتظر الصلاة، وظاهره أيضًا أنه لا فرق بين المتوضئ وغير المتوضئ.

ومن فوائد هذا الحديث: فضيلة الدعاء؛ لأن الدعاء عبادة كما قال - جل وعلا -: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادي سيدخلون جهنم داخرين} [غافر: 60] ، فجعل الله الدعاء عبادة، قال:{ادعوني} ، ثم قال:{إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} . ولا شك أن عبادة لأن الداعي يظهر أمام الله بمظهر المحتاج المفتقر الذي يشعر بأن الله تعالى هو الذي بيده الأمور وهي الذي يعطي ويحرم.

ومن فوائد هذا الحديث: ما أشرنا إليه في أول الكلام من أن الراد والقابل من؟ هو الله عز وجل.

ويتفرع على هذه القاعدة فائدة عظيمة، وهي: أن الإنسان إذا دعا على آخر فهل يخاف الآخر من دعائه؟

الجواب: لا يخاف إلا إذا كان ظالمًا؛ لأن الإنسان إذا دعا على غير ظالم فإن الذي يجيبه هو الله عز وجل، ولو أجابه على دعائه لكان الله تعالى يعين الظالمين، وحاشاه من ذلك، بل قال الله عز وجل:{إنه لا يفلح الظالمون} [يوسف: 23]. وعلى هذا فلا تخف من دعاء من يدعو عليك بغير حق؛ لأن المستجيب للدعاء هو الله عز وجل، وأنه سبحانه وتعالى لا ينصر الظالم أبدًا، لكن إن كنت ظالمًا فاحذر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه وقد بعثه إلى اليمين وأمره بأخذ الزكاة من أموالهم:«واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب» .

وللدعاء آداب معلومة في الكتب المكتوبة في ذلك.

ص: 486

فإن قال قائل: إن الإنسان قد يدعو بين الأذان والإقامة فلا نرى إجابة، فما موقفنا من هذا الحديث؟

فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا بأن هذا الوقت سبب لإجابة الدعاء، والسبب قد لا يحصل المسبب لوجود مانع؛ يعني: إذا جاءت مثل هذه النصوص التي فيها الأخبار ثم تخلف الخبر بناء على ظنك فاعلم أنه لن يتخلف إلا لوجود مانع يمنع إجابة الدعاء، واستمع إلى قول الرسول عليه الصلاة والسلام حين ذكر:«الرجل أشعث أغبر يطيل السفر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له» .

لذلك انظر لهذا الحديث: أسباب الإجابة موجودة وهي السفر كونه أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يدعو يا رب يا رب يا رب، واستبعد النبي صلى الله عليه وسلم الاستجابة له؛ لأنه يأكل الحرام؛ لأن هذا مانع من إجابة الدعاء مع توافر شروطه.

أيضًا أذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدًا» . مع أن كثيرًا من الناس يقولون هذا ولكن الشيطان يستولي على أولادهم؛ وذلك لوجود مانع يمنع من حصول ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، أو لوجود سبب أقوى حصل فيه تفريط من ولي الأمر، مثلًا أن يكون هذا الولد إذا كبر وترعرع صاحب أناسًا لا خير فيهم، وأبوه لم ينهه عنهم ولم يراقبه، فيكون الأب قد أضاع ما أوجيب الله عليه من رعاية الولد، والولد حصل له سبب قوي، وهو صحبة هؤلاء الأشرار، فلاحظوا من هذه المسائل أن الله عز وجل في شرعه وقدره يربط الأشياء بعضها ببعض، وقد يوجد المسبب على غير السبب المعلوم؛ لأن الأمر كله بيد الله عز وجل، ولكن أبشروا أيها الداعون إلى الله أنه ما من إنسان يدعو الله إلا حصل على أجر قطعًا كيف ذلك؟ لأن الدعاء عبادة من أفضل العبادات، ثم إما أن يستجيب الله له، وإما أن يدخر له عنده ما هو أفضل مما دعا به، وإما أن يصرف عنه من السوء الذي انعقدت أسبابه من هذا الداعي ما هو أعظم مما دعا به، فلن يعدم داعي الله تعالى خيرًا، بل هو على خير على كل حال، أكثرمن الدعاء وأحسن الظن بالله عز وجل، ولهذا جاء في الحديث:«ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة» .

ص: 487

196 -

وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته؛ حلت له شفاعتي يوم القيامة» . أخرجه الأربعة.

قوله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يسمع النداء» أي: حين يسمع النداء كاملًا، ليس حين يسمع أوله كما جاء مفسرًا في حديث آخر، أي:«من قال مثل ما يقول المؤذن، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم سأل الله الوسيلة للرسول عليه الصلاة والسلام حلت له الشفاعة» .

فيقول: «حين يسمع النداء» ، أي: حين يسمعه كاملًا: «اللهم رب هذه الدعوة التامة» ما أكثر أن تأتي «اللهم» في الدعاء، قال أهل النحو: وأصلها يا الله فحذفت يا النداء تبركًا بسبق الاسم الأعظم الله، ثم عوض عنها بالميم؛ لأن الميم تدل على الجمع، كأن من ينادي الله عز وجل قد جمع قلبه ولسانه على هذا الدعاء، يعني: ما جاءت بدل الميم قاف، أو كاف، أو فاء، جاءت الميم؛ لأنها تدل على الجمع كما هو معروف على كل حال معناها: يا الله، «رب هذه الدعوة التامة» هذا عطف بيان، أو بدل، وإن شئت فاجعله منادى مستقلًا.

«اللهم يا رب هذه الدعوة التامة» ما هذه الدعوة؟ هي: الأذان دعوة تامة؛ لأنها فيها تعظيم الله بالتكبير، والشهادة له بالتوحيد، والشهادة لنبيه بالرسالة، والدعوة إلى الصلاة، والدعوة إلى الفلاح، والعود إلى التعظيم مرة ثانية، ثم إلى التوحيد مرة ثانية، وتختم بذلك، أي دعوة أكمل من هذه؟ ! أو أي دعوة مثل هذه الدعوة؟ !

«أيها الناس صلوا» ، هذه دعوة لكن لو قارنت بينها وبين الأذان لوجدت أن الأذان دعوة تامة.

وقوله: «رب هذه الدعوة» وما وجه كونه عز وجل ربًا لهذه الدعوة؟ لأنه الذي شرعها، ولأنها صدرت من مخلوق الله ربه، و «التامة» كما ذكرنا هي تامة من كل وجه في صيغها وفي عددها وفي كل ما تضمنته، والصلاة القائمة معناها: التي ستقام، هكذا ذكر بعض أهل العلم، ووجهه: أن هذا الأذان لصلاة ماضية أو بعد يومين أو ثلاثة؟ الصلاة القائمة التي ستقام قريبًا، فعبر بالوصف الدال على الحال لقرب الإقامة من الصلاة؛ لأن الإقامة للصلاة، وكذلك الأذان للصلاة، فالأذان قريب والإقامة قريبة، لكن الإقامة لا يقال فيها هذا الذكر كما سيتبين إن شاء

ص: 488

الله، والصلاة القائمة يعني: التي ستقام، ويحتمل أن يكون معنى الصلاة القائمة أي: ذات الاستقامة والتمام حتى يتطابق مع قوله: «رب هذه الدعوة التامة» ؛ لأن القائمة بمعنى: القيمة المستقيمة المشتملة على روضات من رياض الذكر والهيئة والدعاء، لا يوجد عبادة تشتمل على ما تشتمل عليه الصلاة؛ رياض متنوعة من العبادات، قيام وركوع وسجود، جلوس، هيئات، حركات باليد أيضًا، أقوالها: قرآن، تسبيح، تعظيم، قيام وركوع وسجود، جلوس، هيئات، حركات باليد أيضًا، أقوالها: قرآن، تسبيح، تعظيم، دعاء، فهي روضة مشتملة على أنواع كثيرة من الرياضات، أي: رياضات العبادة، فصارت كلمة «القائمة» لها معنيان: المعنى الأول: التي ستقام؛ لأن الأذان لها. والمعنى الثاني: القائمة؛ أي: ذات القيام، بمعنى: المستقيمة التامة لما تشتمل عليه من أنواع الذكر وأنواع العبادة.

«آت محمدًا الوسيلة والفضيلة» . «آت» ؛ بمعنى: أعط، و «ائت»؛ بمعنى: اذهب، ائت زيدًا، بمعنى: اذهب إليه، لكن «آت محمدًا» أعطه، وهذه خذها قاعدة: الهمز بالمد بمعنى: الإعطاء، {وآتي المال على حبه ذوي القربى} [البقرة: 177] ، وبالقصر بمعنى: المجيء، أتى زيد؛ أي: جاء، آت أي: أعط.

«محمدًا الوسيلة» ؛ هذا العلم علم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله أعلام متعددة لكثرة أوصافه الطيبة، فله من كل وصف علم، قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:[الطويل]

وشق له من اسمه ليجله

فذو العرش محمود وهذا محمد

ولما علم المشركون أن كلمة «محمد» تعني: الثناء والتحميد؛ صاروا يسمونه بمذمم، والذم لهم، إذن «محمد» علم على رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله، وله أسماء أعلام كثيرة لكثرة أوصافه الحميدة.

«آت محمدًا الوسيلة والفضيلة» . «الوسيلة» : بينها الرسول عليه الصلاة والسلام بأنها درجة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله، قال: وأرجو أن أكون أنا هو، إذن هي درجة عالية أعلى درجات الجنة؛ لأنه استحقها من أعلى درجات الخلق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله:«الفضيلة» هي الفضل في ذاته؛ لأن علو المكان قد يكون لمن لا يستحق في ذاته وفي فضله، فأنت تسأل الله الوسيلة المنزلة العليا والفضيلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجمع بين علو المكانة وعلو المكان والفضيلة.

«وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته» . «ابعثه» يعني: يوم القيامة، «مقامًا محمودًا» أي: مقامًا يحمد عليه، ولم يعين الحامد إشارة إلى أن كل أحد يحمده صلوات الله وسلامه عليه، ومن

ص: 489

المقام المحمود: الشفاعة العظمى التي لا يتقدم إليها أولو العزم من الرسل؛ لأن الناس يوم القيامة يحشرون في مكان واحد يسمعهم الداعي وينفذهم الصبر حفاة عراة غرلًا، لا ماء ولا ظل، ولا أكل، ولا لباس، شاخصة أبصارهم ويلحقهم من الغم والكرب ما لا يطيقون، حتى إن الإنسان ينسى قريبه {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم ولا يتساءلون} [المؤمنون: 101]. ما يتساءلون أين أخي؟ أين أبي؟ أين عمي؟ ما يتساءلون، بل يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه الرجال والنساء، ولما قالت عائشة: واسوأتاه الرجال والنساء في صعيد واحد، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك» . يتساءل الناس من ينجيهم من هذا الكرب، فيلهمون أن يأتوا إلى آدم أبي البشر فيسألونه الشفاعة فيعتذر، فيذهبون إلى نوح فيعتذر، إلى إبراهيم فيعتذر، إلى موسى فيعتذر، كل منهم يرى أنه فعل فعلًا لا يناسب أن يكون شفيعًا من أجل هذا الفعل، آدم يقول: إنه أكل من الشجرة التي نهي عنها، نوح يقال: إنه سأل ما ليس له به علم، إبراهيم يقول: إنه كذب ثلاث كذبات، موسى يقول: إنه قتل نفسًا لم يؤمر بقتلها، عيسى لا يذكر شيئًا يحول بينه وبين الشفاعة، ولكنه يحيلهم على محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أشرف الناس، فيقول: اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتون إلى محمد صلى الله عليه وسلم يسألونه الشفاعة عند رب العالمين فيشفع إلى الله عز وجل، فيجيب الله تعالى الشفاعة ويقضي بين العباد فيريحهم من هذا الموقف، إذن هذا الموقف يحمد فيه من؟ الأولون والآخرون؛ لأنه خلص الناس من كرب عظيم، هذا من المقام المحمود الذي قال الله تعالى فيه:{عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79].

ولهذا قال: «الذي وعدته» في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} فإذا قال قائل: أهذا وعد؟ قلنا: نعم، كما قال بعض السلف:«عسى» من الله واجبة، إذن فهو وعد، والذي علمنا هذا الدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنستفيد من هذا أن «عسى» من الله وعد، فإذا قرأنا قول الله تعالى:{إلا المستضعفين من الرجال والنساء والوالدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا (98) فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم} [النساء: 98 - 99]. ماذا نقول: هذا وعد أو غير وعد؟ وعد، ولابد أن يقع في آخره.

«إنك لا تخلف الميعاد» وهذه الجملة اختلف فيها المحدثون أصحيحة هي أم لا؟ صححها شيخنا عبد العزيز بن باز وناهيك به في علم الحديث، فإنني لا أعلم له مثيلًا في المملكة فمرة صححه ومرة حسنه، وعلى كل حال فالجملة «إنك لا تخلف الميعاد» هي مطابقة تمامًا لما

ص: 490

جاء في دعاء المؤمنين في القرآن: {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد} [آل عمران: 194]. وحينئذ لا إنكار على من زادها، بل يحمد من زادها.

في هذا الحديث فوائد منها: مشروعية هذا الدعاء عند سماع المؤذن، وظاهر الحديث أن أي مؤذن يؤذن أذانًا مشروعًا فإنه يقال بعده هذا الدعاء، وعليه فالأذان الأول في يوم الجمعة الذي سنه عثمان يتابع، ويدعى بعده بهذا الدعاء؛ لأنه أذان مشروع، وقد تكايس قوم؛ أي: طلبوا الكيس، ولكنهم تكايسوا إلى أسفل، قالوا: الأذان الأول يوم الجمعة غير مشروع، بل تجرأ بعضهم - والعياذ بالله - وقال: إنه بدعة، وسبحان الله! أن يتجرأ جريء على أذان سنه خليفة من الخلفاء الراشدين وأقره عليه الصحابة رضي الله عنهم ما أنكروا عليه حتى يأتي ضعيف التصور وضعيف التفكير، ويقول: هذا بدعة، أليس ما سنه الخلفاء الراشدون مما أمرنا باتباعه؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» . ثم ألسنا دون الصحابة بمراحل، والصحابة فوقنا بدرجات، هل أنكروا على عثمان؟ ما أنكروا عليه، ولو كان شيئًا منكرًا لأنكروا عليه كما أنكروا عليه الإتمام في منى. الصحابة لا تأخذهم في الله لومة لائم.

فالأذان الأول يوم الجمعة أذان مشروع بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم وبسنة الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه، وبإجماع الصحابة فيما نعلم، وعليه فمتابعته سنة مشروعة، والدعاء بعده بهذا الدعاء أيضًا مشروع.

ومن فوائد الحديث: أن من لم يسمع النداء فإنه لا يقوله، يعني: لو فرض أن الإنسان استيقظ بعد إتمام المؤذنين أذانهم ودعا بهذا الدعاء فإننا نقول: ليس بمشروع؛ لماذا؟ ما سمع النداء، والنبي صلى الله عليه وسلم رتب هذا على من سمع النداء.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي أن يصدر الإنسان دعاءه بمثل هذه الجملة: «اللهم رب» ، وهذا كثير في الدعاء لا في القرآن ولا في السنة.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الأذان من الدعوات التامة «رب هذه الدعوة التامة» .

ص: 491

ومن فوائد هذا الحديث: شرف الأذان؛ حيث أضاف النبي صلى الله عليه وسلم الربوبية إليه فقال: «اللهم رب هذه الدعوة» .

ومن فوائد هذا الحديث: الثناء على الصلاة بأنها صلاة قائمة مستقيمة؛ لقوله: «والصلاة القائمة» .

ومن فوائد هذا الحديث: «آت سيدنا» أي: زيادة سيدنا بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمها أمته، فإن قال الزائد: ألست تؤمن بأن رسول الله سيدنا؟ فالجواب: بلى، ومن سيادته لنا ألا نزيد على ما علمنا؛ لأننا إذا زدنا على ما علمنا جعلنا أنفسنا أعلم منه بشريعة الله وأسد رأيًا، والذي يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم سيدًا حقيقة هو الذي لا يتقدم بين يديه ولا يبتدع في دينه ما ليس منه، بل يعظمه ويحترمه.

ومن فوائد هذا الحديث: جاز ذكر اسم الرسول صلى الله عليه وسلم باسمه عند الخبر، أما عند دعائه وندائه فلا، عندما تدعو الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، قل: يا رسول الله، يا نبي الله، لا تقل: يا محمد؛ لقول الله تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا} [النور: 63]. على أحد التفسيرين في هذه الآية.

ومن فوائد هذا الحديث: فضيلة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث جعل الله الوسيلة له والفضيلة، وذلك بالإضافة إلى ما ذكرته لكم من أن الوسيلة درجة في الجنة لا ينبغي إلا أن تكون لعبد من عباد الله، قال:«وأرجو أن أكون أنا هو» ز

ومن فوائد هذا الحديث: الإيمان بالبعث، لقوله:«وابعثه مقامًا محمودًا» .

ومن فوائد هذا الحديث: فضيلة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أمرنا أن ندعو الله تعالى بهذا الدعاء الذي لابد أن يستجاب؛ لأنه لو كان لا يستجاب لكان أمر النبي صلى الله عليه وسلم إيانا به عبثًا لغوًا.

ومن فوائد هذا الحديث: التوسل إلى الله تبارك وتعالى بصفاته؛ لقوله: «الذي وعدته» ، ولا شك أن هذا الوصف من وسيلة الإجابة، فإن الناس حتى فيما بينهم يقول: يا فلان، أعطني كذا وكذا؛ لأنك وعدتني من أجل تأكيد إجابة المطلوب.

من فوائد هذا الحديث: إثبات الشفاعة للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لقوله: «حلت له شفاعتي يوم القيامة» ، والشفاعة نوعان: عامة في جميع الخلق، وخاصة، فالعامة في جميع الخلق هي أن يشفع النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف أن يقضى بينهم، فهذه عامة، لكنها خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ بمعنى: أنه لا يتقدم إليها أحد سوى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يشترط فيها - أي: في هذه الشفاعة - رضا الله عن المشفوع له؛ لماذا؟ لأن من ضمنها أعداء الله من المشركين والكفار يدخلون في هذه الشفاعة.

ص: 492

الثانية: الشفاعة الخاصة بالمؤمنين لا تكون لكل أحد بالمؤمنين العصاة الذين استحقوا دخول النار دون الخلود فيها، فهؤلاء يشفع فيهم النبيون، والصديقون، والشهداء، والملائكة، والصالحون فيمن استحق النار ألا يدخلها، وفيمن دخلها أن يخرج منها، وهذا النوع من الشفاعة ينكره الوعيدية من المعتزلة والخوارج؛ لأن المعتزلة والخوارج يرون ألا شفاعة في عاصٍ قد عصى بكبيرة؛ لأن المعتزلة والخوارج كل منهم يقول: إن فاعل الكبيرة مخلد في النار، والمخلد في النار ليس فيه شفاعة، لكن أهل الحق يقولون: إن هذه ثابتة وتواترت بها الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن فوائد هذا الحديث: هذا الثواب العظيم لمن قال هذا الدعاء أن تحل له شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، أي الشفاعتين؟ الخاصة.

الحديث فيه مباحث: إذا قال قائل: كيف حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الدعوة وقد حصلت له، وكيف حثنا على الصلاة عليه وقد حصلت له {إن الله وملائكته يصلون على النبي} ، وقال الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب: 56]. وكيف حثنا وأمرنا أن نصلي عليه مع أنه يأمرنا أن ندعو له، وسؤال الغير أن يدعو للإنسان غير مستحسن، كم مبحثًا الآن؟ ثلاثة مباحث:

الأول: كيف أمرنا أو حثنا على الدعاء بهذا وقد حصل له الجواب على ذلك: أنه ربما يكون من أسباب الحصول دعاء الأمة؛ لأن الأسباب قد تكون واحدًا أو اثنين أو ثلاثة أو عشرة.

ثانيًا: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حثنا على ذلك من أجل أن نذكر ما للرسول صلى الله عليه وسلم من حق علينا أن ندعو له عند كل أذان في اليوم خمس مرات على الأقل:

الإشكال الثاني: أمرنا وحثنا على الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام مع أن الله أخبر أنه يصلي عليه؟

الجواب: أنه أمرنا بذلك لمصلحتنا من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرا. إذن المصلحة لمن؟ لنا، لكن أمرنا بذلك وهي للرسول عليه الصلاة والسلام من أجل ما قدمنا قبل قليل أن نذكره عليه الصلاة والسلام، وألا يبعد عن قلوبنا.

ويقال أيضًا في الإشكال الثالث، وهو كيف يسأل أن ندعو له؟ نقول: هو ما سأل أن ندعو له لمصلحته هو؛ لأنه عارف عليه الصلاة والسلام وعالم أنه حاصل له لكن لمصلحتنا نحن؛ لأن الصلاة عليه الواحدة بعشر صلوات.

ص: 493