الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هي المحبة ماذا نقول؟ نقول: ميل الإنسان إلى الشيء، إذا قلت: ميل الإنسان إلى الشيء، فمعناه: أنك عرفت المحبة بأثرها؛ لأن الميل إلى الشيء نتيجة المحبة؛ ولهذا لما ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه "روضة المحبين" تفسيرات للمحبة أظن أنها بلغت العشرين قال: "ولا يمكن أن تحد المحبة بأحسن من لفظها". المحبة المحبة، الكراهة الكراهة، الحزن الحزن، الحياء أيضا لا يمكن أن تحده بأوضح من لفظه، وأما قول من قال: انكسار يأخذ الإنسان عند فعل ما يخجل أو ما أشبه ذلك، فهذا إنما هو آثاره.
إذن نقول: في هذا الحديث شدة استحياء النبي صلى الله عليه وسلم أن يرى على صفة مكروهة، من أين تؤخذ؟ "فانطلق حتى توارى عني".
ويؤخذ منه فائدة أيضا: أنه ينبغي للإنسان إذا كان في برية، وأراد قضاء الحاجة أن يبتعد حتى لا يرى، وما أبعد ما يمشي إذا كان في أرض مستوية.
الأماكن المنهي عن التخلي فيها:
83 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا اللاعنين: الذي يتخلى في طريق الناس، أو ظلهم". رواه مسلم.
قوله: "اتقوا" أي: احذروا؛ لأن التقوى معناها: اتخاذ الوقاية من محذور، فيكون معنى اتقوا: احذروا، وقوله:"اللاعنين" اسم فاعل، وهل هو على ما اشتق منه، أي: إنه اسم فاعل، أو إنه فاعل بمعنى مفعول؟ يحتمل هذا وهذا، فعلى الأول "اتقوا اللاعنين" أطلق عليه اسم اللاعن؛ لأنه يكون سببا في اللعن، وعلى الثاني يكون بمعنى مفعول؛ لأن اسم الفاعل يأتي بمعنى اسم المفعول كما في قوله:{فهو في عيشة راضية} [الحاقة: 21]. أي: مرضية، على كل حال حتى إذا قلنا: إنها بمعنى اسم مفعول؛ أي: الملعونين؛ فالمراد بالملعون هو الفاعل، ومعنى اللعن: هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله.
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن اللاعنين، فقال:"الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم". "يتخلى"؛ أي: يقضي حاجته ويفرغ ما في بطنه من الأذى، "في طريق الناس"؛ أي: ما يستطرقه الناس، "أو ظلهم" أي: ما يستظلون به، وذلك أن الناس في أيام الصيف يحتاجون إلى الظل فيستظلون عن الشمس بظل الجدران أو الأشجار أو غيرها؛ وذلك لأن الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم لا شك أنه يؤذيهم من عدة أوجه:
أولا: من حيث الرائحة؛ لأن رائحة الخلاء خبيثة منتنة.
ثانيا: من حيث التقزر والتكره؛ لأن الإنسان إذا رأى الخلاء فإنه يتكره هذا الشيء ويتضرر منه ويتقزز، وربما يكون من بعض الناس الذين لا يقدرون على رؤية ما يكرهون حتى يتقيئوا.
ثالثا: أنه يؤذيهم من حيث تلوثهم به، فإنهم إذا تلوثوا بهذا الخلاء ماذا يحدث؟ يحدث تنجس أرجلهم أو خفافهم أو ثيابهم أيضا.
رابعا: فيه أذية من حيث حرمانهم من هذا المجلس الذي يأوون إليه يتحدثون، يذهبون عنهم السآمة والملل؛ فلهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم التخلي في هذا من أسباب اللعن، أي: أن الإنسان يلعن بسبب ذلك.
ففي هذا الحديث فوائد: منها: تحريم التخلي في الطريق، وتحريم التخلي في الظل، ووجه التحريم ظاهر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله سببا للعن.
ومن فوائد الحديث: أن المتسبب في الإثم كالمباشر؛ لأننا نعلم أن اللاعن ليس هو المتخلي. من اللاعن؟ الناس الذين يتأذون بهذا؛ ولهذا نقول: المتسبب في الإثم كالمباشر، أما في الضمان فإنه يختلف على تفصيل عند الفقهاء.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز لعن من فعل ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن هذا محذرا من أن تقع اللعنة على الفاعل، ولا يمكن أن تقع اللعنة على الفاعل إلا إذا كان اللاعن محقا، أما إذا كان غير محق فلا يمكن أن تقع اللعنة على الملعون، وعلى هذا فيجوز أن يلعن الإنسان فاعل ذلك، ولكن هل يلعنه على سبيل التعيين، يعني: لو فرض أن الإنسان شاهد هذا الإنسان الذي يتخلى في الطريق أو في الظل هل يلعنه بعينه؟ الذي نرى أنه من الورع ألا يلعنه بعينه، ولكن يقول: اللهم العن من فعل كذا؛ لأن من المعلوم أن لعن المعين حرام، حتى لو كان من أكفر عباد الله، حتى لو رأيت رجلا يسجد لصنم لا تقل: اللهم العنه، فهذا - أعني: التخلي في ظل الناس أو طريقهم- ليس أشد من عبادة الصنم.
ومن فوائد هذا الحديث: حماية الشريعة الإسلامية لأمتها من الأذى؛ لأن الغرض من ذلك هو تحذير الناس من أذية المؤمنين، الرسول عليه الصلاة والسلام لم يأمرنا أن نتقي اللاعنين من أجل أن نعرف أنه ملعون، بل من أجل التحذير من أذية المؤمنين، وقد قال الله تبارك وتعالى:{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنت بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتنا وإثما مبينا} [الأحزاب: 58].
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لو كان الطريق واسعا، والناس يستطرقونه من وسطه أو من
أطرافه بحيث لا يتمكنون من الاستطراق في وسطه؛ فإنه لا بأس أن يتخلى الإنسان في هذا الجانب الذي لا يستطرقه الناس؛ لأنه قال: "طريق الناس"، ولم يقل: الطريق عامة، فعلى هذا لو كان الطريق واسعا واحتاج الإنسان أن يتغوط أو يتبول في هذا الطريق الذي لا تطرقه الأقدام فظاهر الحديث أنه لا بأس به، ولكن هاذ مشروط بألا يكشف عورته أمام الناس.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يحرم التخلي في الظل مطلقا، بل في الظل الذي يقصده الناس لقوله:"أو ظلهم"، أما مجرد الظل فلا يحرم.
استثنى بعض العلماء رحمهم الله قال: ما لم يكونوا يقصدون الظل للجلوس فيه لغيبة الناس، يعني لو كان هؤلاء يجلسون في الظل يغتابون الناس أو يشربون الخمر أو يفعلون معصية يأوون إلى الظل لهذا الغرض؛ فإنه لا بأس أن يتخلى فيه؛ لأن ذلك سبب لبعدهم عنه، ولكن هذا الاستثناء فيه نظر؛ لأنهم إذا بعدوا عنه ذهبوا يلوثون ظلا آخر يعني: لن ينتهوا، ثم إنه لو حصل هذا التخلي في هذا الظل الذي يقصده هؤلاء ربما يقصده أناس يحتاجونه ولا يعملون فيه المعصية فهذا الاستثناء فيه نظر.
والصواب: أنه إذا كان هذا الظل مأوى لمن يعمل فيه المعاصي أن يجلس الإنسان فيه حتى إذا جاء الذين يعتادونه للمعاصي ينكر عليهم، هذا هو الحل، أما أن يتغوط أو يبول في هذا المكان الذي حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام ففيه نظر.
هل يمكن أن نأخذ من هذا الحديث قاعدة عامة وهي تحريم أذية المسلمين بأي نوع من الأذى؟ نعم، نقول: إن هذا الحديث يدل على تحريم أذية المسلمين بأي نوع من الأذى سواء بالقول، أو الفعل، أو اللمس، أو أي شيء.
84 -
وزاد أبو داود، عن معاذ رضي الله عنه:"والموارد". ولفظه: "اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل".
"اتقوا الملاعن" نقول: في "اتقوا" كما قلنا في الأولى؛ أي: احذروا، و"الملاعن" مكان اللعن، يعني: الأمكنة التي تكون سببا للعن، وذلك مفسر في قوله:"البراز في الموارد"، والمراد ب"البراز" هنا: قضاء الحاجة، يفسره الحديث الذي قبله:"الذي يتخلى في طريق الناي أو ظلهم".
"الموارد" جمع مورد، وهو ما يرده الناس للشرب، أو للاستسقاء من حوض أو غدير، أو ساقية، أو نهر أو ما أشبه ذلك، المهم أن الناس يردونه للاستسقاء والشرب، فإنه لا يحل للإنسان أن يتبرز فيه.
"وقارعة الطريق" هناك "طريق الناس" وهنا قال: "قارعة الطريق" يعني: التي تقرعها الأقدام.
والثالث: "الظل" وهنا أطلق، ولكن ينبغي أن يحمل على ما سبق وهو ظل الناس ليس كل ظل، فزاد أبو داود موضعا ثالثا وهو:"الموارد"، قال:
85 -
ولأحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أو نقع ماء" وفيهما ضعف.
"نقع ماء" يشبه الموارد إلا أنه أعم؛ لأن نقع الماء أعم من كونه موردا أو غير مورد؛ لأنه إن كان موردا ففيه جنايتان، وإن كان غير مورد ففيه جناية واحدة، وهو إفساد الماء؛ لأنه إذا خلى الإنسان في نقع ماء فلا شك أن يفسده، إما أن ينجسه إن كان قليلا وإما أن يفسده وإن لم يكن نجسا هذه أربعة.
86 -
وأخرج الطبراني النهي عن قضاء الحاجة تحت الأشجار المثمرة.
هذا خامس: "الأشجار المثمرة" أيضا ينهى عن قضاء الحاجة تحتها، لكن بشرط أن تكون الثمرة مقصودة سواء كانت تؤكل أو لا تؤكل، فإن كانت تؤكل ففي قضاء الحاجة تحتها إساءتان الإساءة الأولى إلى من قصدها، والإساءة الثانية إلى تلويث الطعام بالخبث، ومعلوم أن تلويث الطعام بالخبث حرام؛ ولهذا نهى عن الاستجمار بالعظم؛ لأنه زاد إخواننا من الجن، والمراد إذن: الأشجار المثمرة يجب أن نقيدها بالمقصود، أما أشجار مثمرة ثمرتها لا تقصد وتبقى بالأرض لا يأخذها الناس فلا بأس؛ لأنه ليس فيها أذية لأحدكم هذه خمسة، والسادس قال:
- وضفة النهر الجاري. من حديث ابن عمر بسند ضعيف.
- "ضفة النهر الجاري"، يعني: طرفه، وذكر الجاري على أنه وصف كاشف؛ لأن النهر لا يكون إلا جاريا، لكن لو فرضنا أن هذه الأحاديث لم تصح فلدينا القاعدة العامة التي أشرنا إليها أولا وهي: كل موضع يتأذى به المسلمون فإنه لا يجوز أن يتخلى فيه.
- فإن كان هذا الطريق لغير المسلمين فهل يجوز للإنسان أن يتخلى فيه؟
الجواب: ى؛ لأن حديث رواية مسلم "يتخلى في طريق الناس" ولم يقيدها ب"المسلمين"؛ ولأن الدين الإسلامي ليس فيه عدوان وأذية، فما دام بيننا وبين هؤلاء الكفار عهد أو ذمة فإنه لا يحل لنا إيذاءهم، ثم قال المؤلف: