الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر العلماء أن من دون السبع لا حكم لعورته فيغسله الرجال والنساء سواء كان ذكرا أو أنثى.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان الاستعداد لفعل العبادة، قبل أن يباشرها على تقدير الذي ذكرنا في قوله:"ومن حمله فليتوضأ".
ومن فوائده: وجوب الوضوء للصلاة على الميت على التقدير الذي ذكرنا أن من حمله - أي: أراد حمله ليصلي عليه فليتوضأ- ولا شك أن الصلاة على الميت لا تصح إلا بوضوء لقوله النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ"، وعموم قوله:"لا صلاة بغير طهور".
حكم مس القرآن بغير وضوء:
71 -
وعن عبد الله بن أبي بكر رحمه الله: "أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم:
ألا يمس القرآن إلا طاهر". رواه مالك مرسلا، ووصله النسائي وابن حبان، وهو معلول.
ظاهر العبارة الموجودة عندي - والظاهر أن هذا خطأ من الطابع-: عن عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه، ظاهره أن هذا أبي بكر الصديق وليس كذلك، بل هذا عبد الله بن أبي بكر بم محمد بن عمرو بن حزم، وليس أبا بكر الصديق.
عمرو بن حزم: هو جد أبي عبد الله بن أبي بكر، وهذا هو وجه الصلة في كونه نقل الكتاب المكتوب لعمرو بن حزم. قال:"أن الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم ألا يمس القرآن إلا طاهر"، قوله:"في الكتاب ألا يمسه" يفهم من هذا التعبير أن في الكتاب أشياء غير هذا؛ لأن قوله: "في الكتاب ألا يمس" إذن هناك مسائل أخرى في هذا الكتاب وهو كذلك فيه مسائل كثيرة، وقد ذكره صاحب الإلمام بكماله تاما، فيه مسائل كثيرة في الديات، وفي الزكاة وفي غيرها؛ ولهذا نقل هذا الحديث بالتواتر، واشتهر بين العلماء وقبلوه وفرعوا عليه مسائل كثيرة.
"ألا يمس القرآن إلا طاهر" المراد بالقرآن هنا: ما كتب في القرآن، يعني: المصحف، اللوح، الأوراق، الأحجار؛ لأنه ليس المراد بالقرآن الذي هو كلام؛ إذ إلا الكلام لا يمس ولكنه يسمع، والمراد: ما كتب فيه القرآن من أوراق وأحجار وغير ذلك.
"إلا طاهر" كلمة "طاهر" قال بعض أهل العلم: أي: إلا مؤمنا، واستدل لهذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إن المؤمن لا ينجس". وإذا كان لا ينجس لزم أن يكون طاهرا؛ لأن النجاسة والطهارة شيئان متقابلان، وقال بعض العلماء:"إلا طاهر" أي: إلا متوضئ، يعني: طاهرا من الحدث الأصغر والأكبر، واستدلوا بقول الله تبارك وتعالى لما ذكر الوضوء والغسل والتيمم قال:{ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم} [المائدة: 6]. فسمى الله الوضوء والغسل والتيمم لمن لم يستطع جعله تطهيرا، وقال تعالى:{ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرهن فأتوهن من حيث أمركم الله} [البقرة: 222]. وردوا على الآخرين فقالوا: إنه لم يعرف في القرآن ولا في السنة أن يعبر عن المؤمن بالطاهر، وإنما الطاهر وصف وليس يعبر به عنه، وفتش هل يوجد في القرآن والسنة التعبير عن المتقين والمؤمنين بالطاهرين؟ لا يوجد لكن وصف المؤمن أنه لا ينجس، فإذا كان كذلك فإنه يبعد جدا أن يراد بالطاهر هنا المؤمن.
"رواه مالك مرسلا، ووصله النسائي وابن حبان، وهو معلول" المحدثون اختلفوا في وصله وإرساله، لكن شهرة هذا الكتاب وتلقي العلماء له بالقبول وتفريعهم عليه يدل على أن له أصلا صحيحا، وهو كذلك وهذا مما ذكره العلماء في المصطلح مما يتقوى به المرسل إذا تلقي بالقبول فإن نقله بين الناس واشتهاره بينهم يدل على أنه صحيح، وهو كذلك هو صحيح، في هذا الحديث دليل على أن تبليغ الرسالة والشريعة يكون باللفظ المسموع وبالكتاب المقروء، وجه الدلالة: أن هذه طريقة النبي صلى الله عليه وسلم تارة يبلغ الرسالة بالقول وتارة بالكتابة.
ومن فوائده: عظمة القرآن، وأنه يجب أن ينزه عن النجس سواء قلنا: إنه من كان محدثا، أو قلنا: إنه من كان كافرا.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الوضوء لمس المصحف؛ لقوله: "لا يمس القرآن إلا طاهر" هذا ما رجحناه أخيرا، وإن كنا بالأول نميل أن المراد بالطاهر: المؤمن، لكن بعد التأمل تبين لي أن المراد بالطاهر: الطاهر من الحدث الأصغر والأكبر.
وهل المراد "ألا يمس القرآن" يعني: القرآن الذي في الأوراق؛ بمعنى: لا يضع يده عليه، أي: على المكتوب دون ما كان من حواشيه وجوانبه؟
الجواب: لا، المراد ألا يمس الذي كتب فيه القرآن كله، وعليه فإذا كتب القرآن بوسط الصفحة فجوانبها تمس؛ أي: لا يمسها المحدث، وإذا كان على المصحف جلدة مقواة فإنه يمسها إن كانت لاصقة به، أما إذا كانت وعاء ينفصل فإنه لا بأس أن يمسها من ليس بمتوضئ.
ومن فوائد هذا الحديث: أن المصحف لا يمسه إلا طاهر سواء كان صغيرا أو كبيرا؛ يعني: فالصغير الذي بلغ ست التمييز لا يمس القرآن إلا إذا تطهر، وقال بعض العلماء: إنه يرخص للصغار في مسه عند الحاجة، فإن الصغار يعطون شيئا من القرآن، إما في اللوح، وإما بأوراق خاصة كأجزاء جزء "عم"، جزء "تبارك"، ويشق أن نلزمهم بالوضوء، ولا شك أنه إذا كان هناك مشقة فإنه لا ينبغي إلزامه؛ لأن من دون البلوغ قد رفع عنه القلم، لكن يؤمرون ولا يلزمون.
فإن قال قائل: ما تقولون فيمن استدل لهذا بقوله تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون} [الواقعة: 79].
قلنا: لا دليل في الآية، يتبين هذا بتلاوتها {إنه لقرءان كريم في كتب مكنون لا يمسه إلا المطهرون} فالضمير هنا يعود إلى أقرب مذكور وهو "الكتاب المكنون"، وإن كان القول بأنه يعود إلى القرآن من حيث إن السياق في القرآن والحكم على القرآن، لكن يضعفه قوله:{إلا المطهرون} وهي اسم مفعول، ولو كان المراد: إلا من تطهر؛ لقال: (إلا المطهرون) أي: المتطهرون، فالآية ليس فيها دليل على ذلك، لكن بعض العلماء استنبط وقال: إنه إذا كان لا يمس الكتاب المكنون إلا الملائكة المطهرون، فكذلك أيضا المصحف الذي فيه القرآن الكريم، ولكننا لسنا بحاجة إلى هذا الاستنباط الذي قد يبدو بعيدا؛ إذ إن لدينا لفظ الحديث.
72 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه". رواه مسلم، وعلقه البخاري.
قولها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر" ذكر العلماء في أصول الفقه أن "كان" إذا كان خبرها مضارعا فإنها تدل على الدوام غالبا، وليس دائما، كان يفعل يعني: باستمرار، وهذا على الغالب وليس على الدائم، والدليل على أنه الغالب أنه ثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يقرأ في صلاة الجمعة بسبح والغاشية". وجاء في لفظ آخر:"كان يقرأ في صلاة الجمعة بالجمعة والمنافقين". فلو قلنا: إن "كان" تدل على الدوام دائما لكان في الحديثين تعارض وتناقض، لكن نقول: إنها تدل على الدوام غالبا لا دائما.
قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه""يذكر الله" يحتمل أن يكون المراد بالذكر هنا: الذكر اللفظي باللسان، وهذا هو الظاهر؛ يعني: أن يقول: "لا إله إلا الله"، ويحتمل أن يكون عاما لذكر القلب، والجوارح، واللسان؛ لأن الذكر يكون بالقلب، ويكون باللسان،
ويكون بالجوارح، الذكر بالقلب هو تذكر الله عز وجل وعظمته ورجاؤه وخوفه، وخشيته، ومحبته، وتعظيمه، وما أشبه ذلك، هذا ذكر الله بالقلب، وذكر الله باللسان: التسبيح، والتكبير، والتهليل، وما أشبه ذلك، وهو بالمعنى العام يشمل كل قول يقرب إلى الله عز وجل وذكر الله بالجوارح الركوع، والسجود، والقيام، والقعود في الصلاة، والمشي بالدعوة إلى الله وغير ذلك، فالذكر إذن متعلق بالقلب واللسان والجوارح.
والذي يظهر من حديث عائشة ما يتعلق باللسان؛ أي: أن الرسول عليه الصلاة والسلام يذكر الله دائما، وقولها:"على كل أحيانه" يعني: على كل حين يمر به، وهو بمعنى قول القائل: على كل أحواله، يعني: قائما، وقاعدا، وعلى جنبه، كما قال الله 0 تبارك وتعالى:{الذين يذكرون الله قيما وقعودا وعلى جنوبهم} [آل عمران: 191].
هذا الحديث أتى به المؤلف رحمه الله في باب نواقض الوضوء ليفيد أنه لا يشترط لذكر الله أن يكون الإنسان على طهارة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحواله، فأما قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سلم عليه ولم يرد عليه السلام حتى تيمم، ثم رد عليه السلام، وقال:"إني أحببت ألا أذكر الله إلا على طهر". فهذا من باب الاستحباب، وليس من باب الواجب؛ بمعنى: أنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يذكر الله أن يكون على طهر، ولكن لو ذكر الله على طهر فلا إثم عليه ولا حرج علي.
يستفاد من هذا الحديث فوائد:
منها: معرفة عائشة رضي الله عنها بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم، ويتفرع على هذه الفائدة: أن ما روته عن الرسول عليه الصلاة والسلام وعارض ما رواه غيرها فإن روايتها تقدم؛ يعني: أن روايتها مرجحة؛ لأنها من أعلم الناس بحال النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: فضيلة إدامة ذكر الله والاستمرار فيه؛ لقولها: "يذكر الله على كل أحيانه"، ولا شك أن ذكر الله حياة للقلب بمنزلة الماء تسقى به الثمار، لكن بشرط أن يكون الذاكر ذاكر لله تعالى بلسانه وقلبه.
ومنها: أنه لا يشترط للذكر أن يكون [الإنسان] على طهارة لقولها: "يذكر الله على كل أحيانه".
فإن قال قائل: هل يشمل ذلك ما إذا كان الإنسان على جنابة؟
فالجواب: نعم، يشمل هذا؛ فيجوز للجنب أن يذكر الله بالتسبيح، والتكبير، والتهليل، وقراءة الأحاديث، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك مما يقرب إلى الله تعالى من الأقوال إلا ذكرا واحدا وهو القرآن، فالصحيح أنه لا يجوز للجنب أن يقرأ القرآن، وإن كانت