الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحرير، أخرجت الجبة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلبسها وإذا أكمامها فيه الحرير وجيبها فيه الحرير، وفيها أيضا لينة من حرير. قالوا: اللينة: عبارة عن قطعة من الحرير ترفع عند الجيب، وقالوا: إنهم كانوا يستشفون بها للمرضى.
حكم اتخاذ أوعية من جلود الميتة:
16 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر". أخرجه مسلم، وعند الأربعة:"أيما إهاب دبغ".
17 -
وعن سلمة بن المحبق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دباغ جلود الميتة ظهورها". صححه ابن حبان.
18 -
وعن ميمونة رضي الله عنها، قالت: مر النبي صلى الله عليه وسلم بشاة يجرونها، فقال: لو أخذتم إهابها؟ فقالوا: إنها ميتة، فقال:"يطهرها الماء والقرظ". أخرجه أبو داود والنسائي.
هذه أحاديث في حكم الجلود التي تكون من ميتة، هل تطهر بالدباغ أو لا؟ تطهر، وأتى بها المؤلف في هذا الباب؛ لأن الجلةود تتخذ أوعية للماء والسمن وغير ذلك.
الأول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا دبغ الإرهاب فقد طهر" الإهاب: هو الجلد ما لم يدبغ، فيقول:"إذا دبغ الإهاب"، يعني: الجلد قبل دبغه إذا دبغ فقد طهر، وهذا لا شك أنه يعني بها الجلد النجس؛ لأن قوله:"فقد طهر" بعد ذكر الدبغ يدل على أنه كان قبل الدبغ نجس، إذن الرسول عليه الصلاة والسلام يتحدث عن الجلود النجسة إذا دبغت هل تطهر أو لا، فالحديث يدل على أنها تطهر، والإهاب هنا اسم جنس محلا ب"أل" فيكون للعموم، ويؤيد العموم اللفظ الذي ذكره عند الأربعة:"أيما إهاب دبغ فقد طهر". ووجه لك - أنه يؤيد العموم-: أن "أيما إهاب" أداة شرط، والنكرة في سياق الشرط تفيد العموم، إذن أي إهاب دبغ فإنه يطهر، وكذلك أيضا دباغ جلود الميتة طهورها يدل على أن الميتة إذا أخذت جلودها ودبغت فإنها تطهر.
وحديث ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بشاة يجرونها فقال: "لو أخذتم إهابها" فقالوا: إنها ميتة، فقال:"يطهرها الماء والقرظ". القرظ: حب ينبت في الأثل ونحوه يدبغ به، فقال:"يطهرها الماء والقرظ"، وهذه يعرفها الدباغون.
إذا نظرنا إلى الأحاديث الثلاثة الأول قلنا: إن الحديث عام، وإن أي إهاب نجس يدبغ؛ فإنه يطهر سواء كان هذا الإهاب مما يؤكل لحمه، وكان سبب نجاسته أن البهيمة ماتت أو مما لا يؤكل.
وإذا نظرنا إلى حديث ميمونة وجدنا أن الحديث فيما يؤكل لحمه، ولكن هل نقول: إننا نربط العموم بالسبب، أو نقول: إن ذكر فرد من أفراد العموم لا يقتضي التخصيص؟ هذا محل خلاف بين العلماء؛ منهم من يقول: كل جلد دبغ فإنه يكون طاهرا سواء كان مما يؤكل لحمه أو مما لا يؤكل، وبناء على هذا القول لو دبغ جلد الكلب صار طاهرا، جلد الذئب صار طاهرا، جلد الأسد صار طاهرا، جلد الثعبان صار طاهرا، كل جلد يدبغ يكون طاهرا، وبهذا أخذ كثير من العلماء ومنهم الظاهرية، قالوا: كل جلد يدبغ فإنه يكون طاهرا، وهذا القول فيه نوع سعة للناس باعتبار أنه يوجد الآن خفاف كثيرة من جلود الثعابين أو غيرها مما يحرم أكله.
والقول الثاني: أن الجلد لا يطهر بالدباغ وهو مقابل الأول لا يطهر بالدباغ مطلقا حتى وإن كان جلد ما يؤكل، واستدلوا بحديث ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب قبل أن يموت بشهر ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب، لكن الحديث ضعيف ولا يدل على النسخ، ولكن هؤلاء قالوا: إنه إذا دبغ تخف نجاسته؛ فيجوز استعماله في اليابس دون الرطب، يعني: يجوز أن تجعله وعاء للحبوب، وعاء للأشياء اليابسة كالدراهم، كالثياب وما أشبه ذلك، أما الرطب فلا؛ لأنه على رأي هؤلاء لا يطهر بالدباغ هو نجس، والنجس إذا لاقى شيئا رطبا نجسه.
القول الثالث: أنه يفرق بين جلود البهيمة التي تباح بالذكاة، وجلود البهيمة التي لا تباح بالذكاة، فجلود البهيمة التي تباح بالذكاة تطهر بالدباغ، وجلود البهيمة التي لا تحل لذكاة لا تطهر بالدباغ.
مثال الأول: جلد الشاة، لو أن شاة ماتت، وسلخوا جلدها ودبغوه، صار الجلد طاهرا يستعمل في اليابس والرطب، في الماء واللبن وكل شيء، ولو أن ذئبا قتل أخذ جلده ودبغ، فإنه لا يطهر يكون نجسا، وعللوا ذلك بأنه إذا كانت الذكاة لا تحل هذا الذئب ولا تطهره، فالدباغ من باب أولى ألا يطهر جلده بخلاف الشاة ونحوها، وهذا القول وسط، يعني: خلاصته
أنه إذا دبغ جلد الميتة التي تحل بالذكاة فإنه يطهر، وإذا دبغ جلد البهيمة التي لا تحل بالذكاة فإنه يبقى على نجاسته، لكن يستعمل في اليابس؛ لأنه إذا استعمل في اليابس فإن نجاسته لا تتعدى، وألفاظ الحديث كما رأيتم، لكن قلنا: هل نحمل "أيما إهاب دبغ" أو "إذا دبغ الإهاب" على سبب الحديث الخاص ونقول: إن قوله: "الإهاب" يعني: إهاب الشاة ونحوها؛ لأنه قال ذلك حين مروا بالشاة التي يجرونها، ونظير ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى زحاما قد ظلل عليه وهو مسافر في رمضان فقال: "ما هذا؟ " قالوا: صائم، قال:"ليس من البر الصيام في السفر".
الحديث الآن عام أو غير عام؟ "ليس من البر الصيام في السفر" هو عام، والسبب خاص، فهل نقول: إنه يختص بمن كانت هذه حاله أو هو عام؟ الجواب: يختص بمن هذه حاله لمن إذا صام شق عليه مشقة شديدة كهذا الرجل فيكون صومه من غير البر، كذلك هنا لما رأى شاة قال:"إذا دبغ الإهاب" يعني: إهاب الشاة ونحوها. "فقد طهر" وحينئذ يكون عاما في مثل الحال التي رآها الرسول عليه الصلاة والسلام أي عام بالنسبة للشاة وما يذبح؛ لأنه إنما قال ذلك حين رأى الشاة التي تجر.
أسئلة:
- ما الذي يتبين لنا مما سبق في الأحداث في حكم الشرب، يعني: في الذهب والفضة أمن الكبائر أو من الصغائر؟ من الكبائر، لماذا؟ لأنه ترتب وعيد عليه.
- لو شرب في آنية الماس؟ جاز، أيهما أغلى؟ الماس، كيف يكون جائزا؟ لأن الحديث ذكر الذهب والفضة فما عداهما عي الإباحة.
إذا قدر أن استعمال الماء لهذا القدر المعين من الإسراف، يجوز أو لا يجوز؟ لا يجوز، الدليل قوله: {
…
ولا تسرفوا
…
}.
كيف اختلف العلماء في حكم طهور جلد الميتة؟ ثلاثة أقسام بناء على القول بأن كل إهاب دبغ فإنه يطهر، لو دبغ الإنسان جلد حمار؟ يطهر ويستعمل في كل شيء.
وعلى القول بأنه لا يطهر لو دبغ جلد شاة ميتة؟ القول الراجح عندي: أنه لا يطهر إلا ما تحله الذكاة؛ أي: لا يطهر جلد ميتة إلا إذا كانت تحل بالذكاة؛ لأنه يكون كالثوب إذا تنجس فطهر، وأما ما كان نجس العين من أصل الخلقة فلا يطهر بالدباغ. هذا أقرب الأقوال عندي، والله أعلم.
حديث ابن عباس من فوائده: أن دبغ الجلد يطهره لقوله: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر"، ولكن يشترط في الدباغ أن يكون مزيلا للنتن والرائحة الكريهة، أما إذا لم يكن كذلك فإنه لا يؤثر شيئا.
ومن فوائد هذا الحديث: أن ظاهره أن أي إهاب دبغ فقد طهر حتى لو كان إهاب كلب، ولكن الراجح: أن هذا العموم يكون عموما معنويا على حسب الوصف الذي ورد عليه فلا يخص بذلك الجلد، أي: جلد الشاة المعينة، فالعموم نوعان: عموم لكل جلد، وعموم في جلد مقيد لصفة، فهنا إذا دبغ الإهاب ما دمنا عرفنا أن سبب ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر بشاة يجرونها، فمعلوم أن الشاة مما تحله الذكاة، فيكون المراد إذا دبغ الإهاب الذي من جنس الشاة فقد طهر.
فإذا قال قائل: كيف تخصصون الجلد أو النوع واللفظ عام؟
قلنا: نظيره أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد ظلل عليه وزحاما حوله، وكان في سفر فقال:"ما هذا؟ " قالوا: صائم، قال:"ليس من البر الصيام في السفر" أي: ليس من البر الصيام في السفر فيمن كان حاله كهذا الرجل، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر، حتى قال أبو الدرداء رضي الله عنه: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في يوم شديد الحر، وأكثرنا ظلا صاحب كساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة، ومعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يدع البر ولا يفعل ما ليس ببر، وعلى هذا فيتعين أن يكون هذا العموم عاما في جنس من هذه حاله، وهذا لا ينافي قول العلماء: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ لأننا الآن لم نخصصه بالسبب، لو خصصناه بالسبب لقلنا: ليس من البر صيام هذا الرجل فقط، لكنا عممناه في جنسه، وهذا هو معنى قولنا: بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فعلى هذا يكون قوله:"إذا دبغ الإهاب". أي إهاب؟ إهاب هذا الجلد، يعني: الغنم، والغنم مما تحله الذكاة.
ومن فوائد إتيان المؤلف رحمه الله بلفظ الأربعة أصحاب السنن: "أيما إهاب": الإشارة بأن الأول في قوله: "الإهاب" في اللفظ الأول للعموم، حتى لا يقول قائل: إن "أل" للعهد "إذا دبغ الإهاب"، يعني: إهابكم هذا، وحينئذ نستفيد من هذا اللفظ ما استفدناه أولا أن الإهاب - أي إهاب كلن- من هذا النوع أو من هذا الجلد فإنه يطهر.
ومن فوائد هذا الحديث: الإشارة إلى أن النجاسة يراد إزالتها بأي مزيل، ولذلك لم يجعل النبي عليه الصلاة والسلام أداة للتطهير في الجلد - جلد الميتة- إلا الدباغ، فلو أنك غسلته بماء البحر لم يطهر حتى يدبغ؛ لماذا؟ لأن النجاسة لا تزول إلا بهذا، فعلم من ذلك: أن المقصود بالتطهير من النجاسات هو إزالتها بأي سبب، يتفرع على هذه الفائدة ما يوجد الآن من غسيل الثياب في الأبخرة كثياب الصوف، فإذا غسلتها بالبخار وزالت النجاسة تطهر، وهذا هو ما دلت عليه السنة، وهو أيضا ما دل عليه النظر؛ حيث إن النجاسة عين خبيثة متى وجدت فحكمها باق، ومتى زالت فحكمها زائل.
ومن فوائد حديث سلمة بن المحبق ما سبق: أن جلود الميتة دباغها تطهير لها.
ومن فوائد حديث ميمونة: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على حفظ المالية وعدم إضاعة الأموال؛ حيث عرض عليهم أن يدبغوا جلد هذه الميتة حتى ينتفعوا بها، ولهذا قال:"لو أخذتم إهابها".
ومن فوائد الحديث: حسن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يباشر أمرهم بأخذه؛ لأنه يعلم أنهم تركوا ذلك استقذارا لها فلهم نوع من العذر، ولهذا عرض عليهم المسألة عرضا قال:"لو أخذتم إهابها".
ومن فوائد الحديث أيضا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم الغيب؛ ولتنظر لهذه الفائدة لقولهم: "إنها ميتة"، فهل يصح أن تأخذ هذه العلة من الحديث لأن الصحابة أخبروه؟ في هذا نظر، لكن فيه دليل على جواز مجادلة العالم الذي يخشى أن يكون خفي عليه بعض الشيء وتنبيهه ولا يعد هذا تنقصا له، ولا يعد هذا سوء أدب ممن ناقشه، الدليل على هذا قولهم: إنها ميتة لما قال: "لو أخذتم إهابها" وذها عرض منه صلى الله عليه وسلم أن يأخذوه، قالوا: إنها ميتة، كيف نأخذه.
ومن فوائد هذا الحديث: أن دباغ الجلد - جلود الميتة- يطهره لقوله: "يطهرها الماء والقرظ"، ويتفرع على ذلك أنه يجوز استعماله في اليابسات والمائعات، وفي الألبان وفي المرق، وفي كل شيء.
فإن قال قائل: هل يجب علي إذا أتيت باللبن من سقاء جلد ميتة مدبوغ أن أخبر من أسقيه أو لا يجب؟ لا يجب حتى لو علمت أنه لو علم بذلك لن يشرب؟ الظاهر: نعم، حتى لو علمت؛ لأن ذلك لا يضره، أما لم أخف عليه شيئا يكون ضارا له، ونظيره ما مر علينا في مسألة الذباب، لو سقط الذباب في الشراب وغمسته وأخرجته، ثم قدمته لإنسان يشرب، وعرفت بأن هذا الإنسان لو علم بأنه لو سقط فيه الذباب ما شرب هل يجب أن أخبره؟ لا يجب ما دام الشيء لا يضر فإنه لا يجب؛ لأن هذا إنما يستقذره لو علم به، وإذا لم يعلم فالأمر طبيعي، ثم قال: