المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

من جنس العمل، ولكن الله عز وجل بفضله ورحمته جعل - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ١

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌شرح مقدمة ابن حجر رحمه الله

- ‌كتاب الطهارة

- ‌1 - باب المياه

- ‌طهارة مياه البحر:

- ‌طهارة الماء:

- ‌كيف ينتقل الماء من الطهورية إلى النجاسة:

- ‌حكم اغتسال الجنب في الماء الدائم:

- ‌النهي عن البول في الماء الدائم:

- ‌اغتسال الرجل بفضل المرأة والعكس:

- ‌ولوغ الكلب:

- ‌أقسام النجاسات:

- ‌ طهارة الهرة:

- ‌كيف تطهر المكان إذا أصابته نجاسة:

- ‌الحوت والجراد والكبد والطحال:

- ‌2 - باب الآنية

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌حكم اتخاذ أوعية من جلود الميتة:

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الكفار:

- ‌تضبيب الإناء بالفضة:

- ‌3 - باب إزالة النجاسة وبيانها

- ‌تحريم الخمر وأحكامها:

- ‌الحمر الأهلية وحكم نجاستها:

- ‌حكم طهارة لعاب الإبل:

- ‌طهارة المني:

- ‌حكم بول الجارية والغلام والفرق بينهما:

- ‌حكم دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌4 - باب الوضوء

- ‌صفة الوضوء:

- ‌وجوب المضمضة والاستنشاق:

- ‌استحباب تخليل اللحية:

- ‌حكم الدلك:

- ‌صفة مسح الرأس والأذنين:

- ‌فضل إسباغ الوضوء:

- ‌استحباب التيمن:

- ‌المسح على العمامة وشروطه:

- ‌حكم البدء بالبسملة:

- ‌حكم الجمع بين المضمضة والاستنشاق بكف واحدة:

- ‌حكم ما يمنع وصول الماء في الوضوء:

- ‌أذكار الوضوء:

- ‌5 - باب المسح على الخفين

- ‌شروط المسح على الخفين:

- ‌صفة المسح على الخفين:

- ‌حقيقة السفر ومدة المسح للمسافر:

- ‌مدة المسح للمقيم:

- ‌حكم المسح على الخفين في الجنابة:

- ‌6 - باب نواقض الوضوء

- ‌حكم نقض الوضوء بالنوم:

- ‌عدم جواز صلاة الحائض:

- ‌الوضوء من المذي:

- ‌حكم نقض الوضوء بالقبلة:

- ‌خروج الريح:

- ‌مس الذكر:

- ‌القيء والرعاف والقلس:

- ‌حكم الوضوء من لحوم الإبل:

- ‌حكم من غسل ميتا:

- ‌حكم مس القرآن بغير وضوء:

- ‌هل يتوضأ من الحجامة:

- ‌حكم الوضوء من النوم:

- ‌التحذير من الوسواس في الوضوء:

- ‌7 - باب آداب قضاء الحاجة

- ‌تجنب دخول الخلاء بشيء فيه ذكر لله:

- ‌ دعاء دخول الخلاء:

- ‌الاستنجاء بالماء:

- ‌الأماكن المنهي عن التخلي فيها:

- ‌الكلام عند قضاء الحاجة:

- ‌النهي عن مس الذكر باليمين في البول:

- ‌النهي عن الاستنجاء باليمين:

- ‌النهي عن استقبال واستدبار القبلة بغائط أو بول:

- ‌ستر العورة أثناء قضاء الحاجة:

- ‌الدعاء بعد قضاء الحاجة:

- ‌ضرورة الاستجمار بثلاثة أحجار:

- ‌النهي عن الاستجمار بعظم أو روث:

- ‌الأمر بالاستنزاه من البول:

- ‌8 - باب الغسل وحكم الجنب

- ‌الجنابة من موجبات الغسل:

- ‌الاحتلام وأحكامه:

- ‌استحباب الاغتسال من تغسيل الميت:

- ‌حكم اغتسال الكافر إذا أسلم:

- ‌غسل يوم الجمعة:

- ‌حكم قراءة الجنب القرآن:

- ‌حكم نوم الجنب بلا وضوء:

- ‌صفة الاغتسال من الجنابة:

- ‌حكم المكث في المسجد للحائض والجنب:

- ‌جواز اغتسال الزوجين في مكان واحد:

- ‌9 - باب التيمم

- ‌التيمم من خصائص الأمة الإسلامية:

- ‌عدم صحة التيمم مع وجود الماء:

- ‌حكم التيمم من الجنابة وصفته:

- ‌بطلان التيمم بوجود الماء:

- ‌حكم التيمم للجروح عند مخالفة الضرر:

- ‌المسح على الجبيرة:

- ‌مسائل مهمة في المسح على الجبيرة:

- ‌10 - باب الحيض

- ‌الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌مباحث مهمة في الحيض:

- ‌علامة المستحاضة:

- ‌أحكام الاستحاضة:

- ‌حكم الاغتسال لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌وجوب الوضوء لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌حكم الكدرة والصفرة:

- ‌الاستمتاع بالحائض:

- ‌كفارة وطء الحائض:

- ‌أحكام تترتب على الحيض:

- ‌النفاس:

- ‌كتاب الصلاة

- ‌1 - باب المواقيت

- ‌استحباب التعجيل بالعصر وتأخير العشاء:

- ‌حكم الإبراد في صلاة الظهر:

- ‌الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها:

- ‌الفجر الصادق والفجر الكاذب:

- ‌الحث على الصلاة في أول الوقت:

- ‌2 - باب الأذان

- ‌صفة الأذان ومعانيه:

- ‌كيفية الأذان:

- ‌لا يشرع الأذان ولا الإقامة لصلاة العيد:

- ‌متابعة السامع للأذان:

- ‌صفة متابعة الأذان:

- ‌حكم أخذ الأجر على الأذان:

- ‌حكم الوضوء للمؤذن:

- ‌حكم إقامة من لم يؤذن:

- ‌فضل الدعاء بين الأذان والإقامة:

- ‌3 - باب شروط الصلاة

- ‌شرط الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر:

- ‌شرط ستر العورة وضوابطه:

- ‌شروط الساتر وضرورة طهارته:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌شرط استقبال القبلة وضوابطه:

- ‌حكم صلاة المسافر على الراحلة:

- ‌شرط طهارة المكان وضوابطه:

- ‌الأماكن التي ينهى عن الصلاة فيها:

- ‌ حكم الكلام في الصلاة وضوابطه:

- ‌حكم الحركة في الصلاة وضوابطها:

- ‌4 - باب سترة المصلي

- ‌صفة السترة للمصلي:

- ‌الأشياء التي تقطع على المصلي صلاته:

- ‌فائدة السترة وحكمها:

- ‌حكم اعتبار الخط سترة:

- ‌مسألة الخط بالتلوين وهل يعتبر سترة

- ‌مسألة حكم العمل بخبر الآحاد والحديث الضعيف:

- ‌5 - باب الحث على الخشوع في الصلاة

- ‌النهي عن الصلاة بحضرة طعام:

- ‌حكم الالتفات في الصلاة وأنواعه:

- ‌حكم البصاق في الصلاة وضوابطه:

- ‌ وجوب إزالة ما يشغل الإنسان عن صلاته:

- ‌التحذير عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة:

- ‌النهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين:

- ‌6 - باب المساجد

- ‌وجوب تنظيف المساجد وتطييبها:

- ‌النهي عن اتخاذ القبور مساجد:

- ‌حكم دخول الكافر للمسجد:

- ‌حكم إنشاد الشعر في المسجد وشروطه:

- ‌حكم إنشاد الضالة في المسجد:

- ‌حكم البيع والشراء في المسجد:

- ‌حكم إقامة الحدود في المسجد:

- ‌تمريض المرضى في المسجد:

- ‌زخرفة المساجد وزينتها:

- ‌تحية المسجد:

الفصل: من جنس العمل، ولكن الله عز وجل بفضله ورحمته جعل

من جنس العمل، ولكن الله عز وجل بفضله ورحمته جعل الجزاء في الحسنات أكثر من العمل، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.

ومن فوائد هذا الحديث: فضيلة هذه الأمة حيث تأتي يوم القيامة على هذا الوجه الذي يشهد به الأولون والآخرون من عمل مضى في حين من الدهر سابق بعيد، فيأتون على هذا الوجه - جعلنا الله وإياكم منهم- ففيه فضيلة لهذه الأمة، ولهذا جاء في الحديث "سيما ليست لغيركم"

وذكر الحديث، "سيما" يعني: علامة، والحمد لله.

ومن فوائد هذا الحديث: فضيلة الوضوء؛ حيث كان جزاؤه يوم القيامة ظاهرا بارزا للخلائق.

ومن فوائد هذا الحديث على ما ذهب إليه بعض العلماء: أنه ينبغي أن يزيد على محل الفرض لتزيد الغرة والتحجيل، وهذا القول ليس له حظ من النظر في هذا الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الناس سيأتون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء، والوضوء محدد بالقرآن:{فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} [المائدة: 6]. يعني: لو أن إنسانا خرج وزاد إلى نصف العضد أو إلى الكتف ما كان للوضوء محل؛ إذ أن الوضوء محدد بالمرافق، وفي الرجلين محدد بالكعبين، فلا نقول: توضئوا إلى الركبتين؛ لأن الوضوء محدد، فالحديث لا يقتضي زيادة ولا يدل على فضيلة الزيادة، وبهذا نعرف أن قوله: "فمن استطاع منكم

" إلخ. مدرج ولا يستقيم لكنه قد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه "أنه توضأ فغسل يديه حتى أشرع في العضد وغسل رجليه حتى أشرع في الساق، وقال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل"، وهذا مرفوع لكن هل إشراعه في العضد إشراع زائد أو على قدر ما يتأتى به الفرض؟ الثاني هو المتعين؛ لأنه لا يمكن أن يجزم بأنه غسل المرفق إلا إذا غسل بعض العضد، وكذلك في الكعبين لا يمكن أن يتيقن أنه غسلهما إلا إذا شرع في الساق، وما ذكرناه هو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يعني: أنه لا تسن الزيادة على موضع الفرض في الوضوء.

‌استحباب التيمن:

40 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله". متفق عليه.

"يعجبه" أي: يسره، وهل الإعجاب الذي هو السرور والاستحسان شرعي أو طبعي؟ قد

ص: 192

يكون شرعيا، وقد يكون طبيعيا، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الحلوى والعسل هذا شرعي أو طبعي؟ هذا طبعي، وكان يعجبه التيمن؟ هذا شرعي؛ لأنه هو صلى الله عليه وسلم أمر به فقال:"ألا فيمنوا ألا فيمنوا". إذن يعجبه، يعني: يسره ويستحسنه.

"التيمن" يعني الأخذ باليمين، "في تنعله"، أي: في لبس النعل إذا أراد أن يلبس النعل بدأ باليمين، وكذلك في "ترجله" إذا أراد أن يجل شعر رأسه بدأ باليمن؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان له شعر يصل أحيانا إلى فروع أذنيه، وأحيانا إلى منكبيه؛ لأن اتخاذ الشعر في زمنه يعتبر رجولة وقوة ونشاطا، وأحيانا يجعله ذوائب كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما "أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذؤابته من خلفه"، وأحيانا لا يكون له ذوائب لكن في حق الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصل إلى شحمة الأذنين، وأحيانا إلى المنكبين.

"وطهوره" يعني: تطهره كالوضوء والغسل إلا في العضو الواحد، فإنه يبدأ به جميعا كالرأس مثلا فإنه لا يبدأ بالصفحة اليمنى قبل اليسرى، اللهم إلا أن يقال: إذا كان ليس له إلا يد واحدة فربما يقال: ابدأ باليمين. وقولها: "في شأنه كله" أي: ما يهمه من أمور الدين والدنيا يبدأ باليمن.

في هذا الحديث: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يجب التيامن في شأنه كله ونص على ثلاثة أشياء: التنعل، والترجل، والطهور، ولكن هذا الحديث ليس على عمومه أنه في كل الشئون يقدم اليمين، فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء باليمن، و"كان يستنثر باليسار"، فليس على عمومه، لكن لا مانع أن يقال: إن النصوص تأتي عامة ولها ما يخصصها، "يعجبه التيمن في شأنه كله" نقول: هذا ليس على العموم كما سيأتي.

من فوائد هذا الحديث: أنه إذا أراد الإنسان أن يلبس النعل أن يبدأ باليمن وغير النعل مثلها، فإذا أردت أن تلبس السراويل فأدخل الرجل اليمنى قبل اليسرى، إذا أردت أن تلبس القميص فأدخل اليد اليمنى في كمها قبل اليسرى وعلى هذا فقس.

ص: 193

أسئلة:

- ما حكم دلك المتوضئ لأعضائه؟ الدلك إذا كان الماء قليلا لا يصل إلى العضو إلا بدلك فهو واجب، وإن كان الماء كثيرا فهو مستحب.

- هل الأفضل الإكثار من استعمال الماء طلبا للنظافة أو التقليل؟ الإقلال الدليل: {ولا تسرفوا} [الأعراف: 31]. ومن فعل الرسول أنه توضأ بثلثي مد.

- في حديث أبي هريرة: "إن أمتي يدعون" ما المراد بالأمة؟

- ما الفرق بين غرا ومحجلين؟ الغرة في الوجه، والتحجيل في الأيدي والأرجل.

- كيف نعرب "من أثر".

- حديث عائشة: "كان النبي يعجبه التيمن" هل قوله: "في شأنه كله" عام؟ لا، ما هو الدليل؟ لا يتمسح من الخلاء بيمينه.

- هل في حديث عائشة ما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم يتخذ الشعر؟ نعم، من ذكرها الترجل، والترجل لا يكون إلا في الشعر.

- ما هو الترجل؟ تسريح الشعر ودهنه وإصلاحه.

- الفوائد:

قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله"، يستفاد من هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيمن؛ لأن الإعجاب هنا بمعنى: المحبة والسرور.

ومن فوائده: تقديم اليمين على اليسار لقولها: يعجبه التيمن. قال العلماء رحمهم الله: إلا في مواطن الأذى والقذر فتقدم اليسرى، وأخذوا هذا الاستثناء من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء باليمين والتمسح بها، وعلى هذا فاليسرى تقدم للأذى واليمنى لما سواه، هذه قاعدة.

والأشياء ثلاثة أقسام: أذى ونزاهة، ولا أذى ولا نزاهة، تقدم اليمين في موضعين في النزاهة، وفيما ليس بأذى ولا نزاهة، أما ما فيه أذى وقذر فإنه يقدم له اليسرى.

هل يبدأ السواك بيمين فمه أو بشماله؟

نقول: يبدأ بيمين الفم لدخوله في قوله: "وطهوره"، أو في قوله:"وشأنه كله".

وهل يمسك السواك باليمنى أو باليسرى؟

قال بعض العلماء: يمسكه باليسرى مطلقا.

وقال بعضهم: باليمنى مطلقا، وفصل آخرون.

فمن قال: باليسرى، قال: إن السواك آلة تنظيف وآلة تطهير فهي كالحجر يستجمر به

ص: 194

الإنسان، والحجر الذي يستجمر به الإنسان يأخذه باليسار فيتسوك باليسار وهو المذهب عند الحنابلة أنه يستاك بيده اليسرى.

وقال بعض العلماء: بل باليمين؛ لأن السواك عبادة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب"، فهو عبادة ولا ينبغي للإنسان أن يفعل العبادة إلا باليمين، لا يفعلها بآلة القذر.

وفضل آخرون فقالوا: إن كان السواك لتطهير الفم فيأخذ باليسار، كما لو كان بعد الأكل بعد النوم بعد تغير الفم فيكون باليسار، وإذا كان لمجرد التطوع فهو باليمين كما لو توضأ الإنسان واستاك، ثم جاء إلى الصلاة فورا فهنا الفم لا يحتاج إلى تطهير لكنه يستاك عند الصلاة تسننا وتعبدا لله عز وجل فيأخذه باليمين، ولو قيل: إن الأمر في هذا واسع، وأن ألإنسان إن شاء باليمين وإن شاء باليسار لم يكن بعيدا؛ لأن هذه علل قد لا يستطيع الإنسان أن يجزم ببناء الحكم عليها، فنقول: الأمر واسع، وأما بداءة الفم فيبدأ باليمين الجانب الأيمن.

ومن فوائد هذا الحديث: جواز الترجل لكن هل هو سنة عبادة أو سنة عادة؟ قال الإمام أحمد رحمه الله هو سنة لو نقوى عليه اتخذناه لكن له كلفة ومئونة، كلفة بالعمل ومئونة بثمن الدهن ونحوه، فالإمام أحمد رحمه الله ترك اتخاذ الشعر لهذا وإلا فهو سنة عنده وقيل: إنه سنة عادة، وأن الناس إذا اتخذوه عادة فلا ينبغي للإنسان أن يخرج عن عادتهم، وإن لم يتخذوه فلا ينبغي أن يخالف عادتهم، وهذا عندي أقرب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به، بل قال في الغلام الذي خلق بعض رأسه:"احلقوه كله أو اتركوه كله".

ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يعتني بنفسه في النظافة، وجهه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرجل شعره، وهذا لا شك أنه تنظيف له، فالذي ينبغي للإنسان ألا يكون أشعث أغبر، بل يصلح من شعره ما يستطيع إصلاحه؛ لما في ذلك من النظافة والتجمل، والله سبحانه وتعالى جميل يحب الجمال، وأما أن يبقي نفسه رثا كريه المنظر فهذا ليس من الأدب الإسلامي، الأدب الإسلامي أن يكون الإنسان متجملا كما قال الصحابة رضي الله عنهم: يا

ص: 195

رسول الله، إن أحدنا يحب أن يكون وجهه حسنا ونعله حسنة، فقال:"إن الله جميل يحب الجمال".

ومن فوائد هذا الحديث: جواز التنعل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنعل لكن هل الأفضل التنعل أو الحفاء، أو في ذلك تفصيل؟ نقول: أما إذا كان الإنسان سيمشي على أرض تضره فلا شك أن التنعل أولى بل قد يكون واجبا؛ لأن الله تعالى قال: {ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء: 29]. كما لو كانت الأرض ذات حصى لها أسنة فهنا لا يجوز أن يمشي عليها بلا نعال، مثل أرض الحرة في المدينة، هذه لو مشى الإنسان عليها أمتارا غير بعيدة تقطعت رجله، فهنا نقول: لا يجوز أن يخاطر بنفسه ويمشي على هذه الأرض التي تضره؛ لأن الإنسان مأمور بحفظ نفسه.

وأما إذا كانت الأرض عادية فالأفضل أن يحتفي أحيانا ويتنعل أحيانا، كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن كثرة الإرفاه ويأمر بالاحتفاء أحيانا".

ومن هنا نعرف أن ما يذهب إليه المترفون الذين يلبسون الجوارب والخفين حتى في أحر الأيام صيفا، هذا لا داعي له، اللهم إلا أن يكون في رجله شيء يحب أن يستره، أو أن فيها مرضا لو كشفها تأثرت بالكشف، هذا معذور، أما إن يعود نفسه إلى هذا الحد فإن رجله ستكون أرق من يده؛ لأنها في هذه الحال لا تبدو للشمس ولا للهواء فتكون رقيقة لا يستطيع أن يمشي عليها كما قال لي ذلك بعضهم قال: إني إذا مشيت على رجلي كأني مشيت على خدي من شدة الألم

لا يستطيع أن يمشي أبدا لأنه عود نفسه على هذه الرفاهية، والرسول عليه الصلاة والسلام كان ينهى عن ذلك ويأمر بالاحتفاء أحيانا.

ومن فوائد هذا الحديث: استحباب البداءة باليمين في التطهر اليدان والرجلان لا شك أن الإنسان يبدأ باليمين فيهما كما تواترت به السنة.

الأذنان هل يمسحهما اليمنى قبل اليسرى أو نقول هما جزء من الرأس يمسحهما جميعا؟

الثاني هو الحق أن الأذنين لا ترتيب بينهما أي بين اليمين واليسار، اللهم إلا إذا كان لا يستطيع أن يمسحهما جميعا، فهنا نقول ابدأ باليمين.

إذا كان على الإنسان خفان هل يمسحهما جميعا أو يمسح اليمنى قبل اليسرى؟ هذا فيه احتمال؛ حديث المغيرة بن شعبة ذكر أن النبي صلى الله عليه سلم لما أهوى المغير لينزع خفيه أنه قال:

ص: 196

"دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما"، وهذه الجملة تحتمل أنه مسح عليهما بالترتيب، وتحتمل أنه مسح عليهما جميعا، والعلماء رحمهم الله اختلفوا في هذا؛ فمنهم من قال: يمسحان مرة واحدة؛ لأن هذا شأن كل ممسوح وهو ظاهر حديث المغيرة، ومنهم من قال: يبدأ باليمنى؛ لأن المسح عليهما بدل عن الغسل، والغسل يبدأ فيه باليمنى قبل اليسرى، والذي يظهر أن الأمر في هذا واسع إلا إذا كان لا يستطيع المسح إلا بيد واحدة فهنا يبدأ باليمنى.

في حال الغسل هل يبدأ بالجانب الأيمن قبل الأيسر أو يغسل الجسم جميعا مرة واحدة؟ الأول أنه يبدأ بالجانب الأيمن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم عطية وهو ممن شارك في غسل إحدى بناته قال: "ابدأن بميامنها ومواضع السجود منها"، وقيل: إنه في الغسل لا يرتب بل يغسل الجسم جميعا؛ لأن الجسم عضو واحد، والعضو الواحد ليس فيه ترتيب، ولكن الأول أولى، يعني: أنه يتيامن حتى في الغسل.

42 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم". أخرجه الأربعة، وصححه ابن خزيمة.

"إذا توضأتم" يعني: فعلتم الوضوء ووصلتم إلى غسل اليدين فابدءوا باليمنى، وكذلك يقال في الرجلين، والأمر هنا هل نقول هو للوجوب أو للاستحباب؟ هو للاستحباب في الواقع؛ لأن الله قال:{وأيديكم إلى المرافق} [المائدة: 6]. ولم يرتب؛ وإنما رتب بين الأعضاء دون العضوين الذين هما في مقام العضو الواحد.

فيستفاد من هذا الحديث: أن التيامن في الوضوء ثابت في السنة الفعلية والسنة القولية؛ أما ثبوته بالسنة الفعلية ففي حديث عائشة، وأما ثبوته بالسنة القولية ففي هذا الحديث.

ص: 197