الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة" يريد من المعاقدة على الخير ونصرة الحق.
باب قسمة الغنائم والغلول فيها
من الصحاح
3059 -
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لم تحل الغنائم لأحدٍ من قبلنا، ذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا، فطيبها لنا".
قلت: رواه البخاري في الخمس وفي النكاح، ومسلم في الجهاد كلاهما مطولًا من حديث أبي هريرة (1).
والغنيمة: ما أخذ من الكفار بالقتال.
3060 -
قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين، فلما التقينا، كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلًا من المشركين قد علا رجلًا من المسلمين، فضربت من ورائه على حبل عاتقه بالسيف، فقطعت الدرع، وأقبل علي، فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر، فقلت: ما بال الناس؟ قال: أمر الله، ثم رجعوا وجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"من قتل قتيلًا له عليه بينةٌ، فله سلبه"، فقمت، فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله، فقمت، فقال: ما لك يا أبا قتادة؟ فأخبرته، فقال رجل: صدق، وسلبه عندي فأرضه مني، فقال أبو بكر: لا ها الله! إذًا لا يعمِد إلى أسدٍ من أُسْد الله يقاتل عن الله وعن رسوله، فيعطيك سلبه! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"صدق فأعطه"، فأعطانيه، فابتعت به مَخْرفًا في بني سلمة، فإنه لأول مالٍ تأثلته في الإسلام.
(1) أخرجه البخاري في الخمس (3124)، وفي النكاح (5157)، ومسلم (1747).
قلت: رواه البخاري في المواضع منها في الخمس، ومسلم وأبو داود وابن ماجه ثلاثتهم في الجهاد، والترمذي في السير كلهم من حديث أبي قتادة. (1)
والجولة: بفتح الجيم الانهزام، وهذا إنما كان في بعض الجيش، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة فلم يولوا، والأحاديث الصحيحة بذلك مشهورة، وأجمع المسلمون على أنه لا يجوز أن يقال انهزم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة بإقدامه صلى الله عليه وسلم وثباته في جميع المواطن.
قوله: "قد علا رجلًا من المسلمين" يعني ظهر عليه، وأشرف على قتله أو صرعه وجلس عليه ليقتله، وحبل العاتق: هو ما بين العنق والكتف، قوله:"لا ها الله إذًا لا يعمد إلى أسد من أسد الله" قال النووي (2): هكذا هو في جميع رواية المحدثين في الصحيحين وغيرهما، "لا ها الله إذا" بألف وأنكر هذا الخطابي (3) وأهل اللغة، وقالوا: هو تغيير من الرواة، وقالوا: صوابه: "لا ها الله ذا" بغير ألف في أوله، قالوا: و"ها" بمعنى الواو التي يقسم بها، فكأنه قال:"لا والله ذا" قال بعضهم معناه: "لا ها الله ذا يميني" أو "ذا قسمي" وقال أبو زيد: ذا زائدة وفيها لغتان المد والقصر، وقالوا: ويلزم الجر بعدها كما يلزم بعد الواو، قالوا: ولا يجوز الجمع بينهما، فلا يقال:"لا ها والله" وفي هذا الحديث دليل على أن هذه اللفظة تكون يمينًا، قال أصحابنا: إن نوى بها اليمين كانت يمينًا وإلا فلا، لأنها ليست متعارفة في الأيمان.
(1) أخرجه البخاري (3142)، ومسلم (1751)، وأبو داود (2717)، وابن ماجه (2837)، والترمذي (1562).
(2)
المنهاج (12/ 91).
(3)
انظر: أعلام الحديث (2/ 1456 - 1457).
وأما قوله: "لا يعمد" فضبطوه بالياء والنون، قال الجوهري (1): يقال عمدت للشيء أعمده عمدًا قصدت له يعني بفتح الميم في الماضي وكسرها في المضارع، وكذا قوله:"فنعطيك سلبه" بالياء والنون، وفيه منقبة ظاهرة لأبي قتادة، فإنه سماه أسدًا من أُسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله، وصدقه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه منقبة جليلة.
وبنو سلمة: بكسر اللام، والمخرف: بفتح الميم والراء، هذا هو المشهور، قال القاضي (2): ورويناه بفتح الميم وكسر الراء كالمسجد والمسكن بكسر الكاف، والمراد بالمخرف هنا: البستان، وقيل السكة من النخل تكون صفين يخترف من أيها شاء، وتأثلته: هو بالتاء المثلثة بعد الألف أي اقتنيته، وتأصلته.
واختلف العلماء في معنى هذا الحديث، فقال الشافعي وأحمد وجماعات يستحق القاتل السلب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك:"من قتل قتيلًا فله سلبه" أم لم يقل، وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم إخبار عن حكم الشرع، وقال أبو حنيفة ومالك وجماعة: لا يستحق القاتل ذلك حتى يقول الأمير قبل القتال: "من قتل قتيلًا فله سبله" فإن لم يقل فلا سلب للقاتل، وشرط الشافعي في استحقاق السلب أن يغزو بنفسه في قتل كافر ممتنع في حال القتال.
قوله صلى الله عليه وسلم: "له عليه بينه"، فيه تصريح بالدلالة لمذهب الشافعي أن السلب لا يعطى إلا لمن له بينة، وقال مالك: يعطاه بقوله: بلا بينة. (3)
3061 -
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم للرجل ولفرسه ثلاثةٍ أسهم: سهمًا له، وسهمين لفرسه.
(1) الصحاح للجوهري (2/ 511).
(2)
إكمال المعلم (6/ 63).
(3)
انظر: المنهاج للنووي (12/ 88 - 92)، وإكمال المعلم (6/ 60 - 64).
قلت: رواه البخاري في الجهاد وفي غزوة خيبر، ومسلم في الجهاد كلاهما من حديث ابن عمر. (1)
3062 -
وقال يزيد بن هرمز: كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس، يسأله عن العبد والمرأة، يحضران المغنم، هل يقسم لهما؟ ففال لبزيد: اكتب إليه أنه ليس لهما سهم إلا أن يُحْذيا.
قلت: رواه مسلم في الجهاد مختصرًا ومطولًا، وأبو داود في الجهاد بمثل معناه، والترمذي في السير بقصة المرأة خاصة، والنسائي فيه، ولم يخرجه البخاري. (2)
- وفي رواية: كتب إليه ابن عباس: إنك كتبت تسألني: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟ قد كان يغزو بهن، يداوين المرضى، ويُحذين من الغنيمة، وأما السهم، فلم يضرب لهن بسهم.
قلت: رواها مسلم في بعض طرق الحديث المتقدم، وتقدم أن البخاري لم يخرجه.
ويُحذين: بضم الياء آخر الحروف وإسكان الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة أي: يعطين، وتلك العطية تسمى الرضخ. (3)
3063 -
قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رياح -غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا معه، فلما أصبحنا، إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقمت على أكمةٍ، فاستقبلت المدينة، فناديت ثلاثًا: يا صباحاه! ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل، وأرتجز أقول:
إني أنا ابن الأكوع
…
واليوم يوم الرضع
(1) أخرجه البخاري في الجهاد (2863) وفي غزوة خيبر (4228)، ومسلم (1762).
(2)
أخرجه مسلم (1812)، وأبو داود (2982)، والترمذي (1556)، والنسائي في الكبرى (8617).
(3)
انظر: المنهاج للنووي (12/ 262).
فما زلت أرميهم وأعقر بهم، حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا خلفته وراء ظهري، ثم اتبعتهم أرميهم، حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردةً، وثلاثين رمحًا، يستخفون، ولا يطرحون شيئًا، إلا جعلت عليه آرامًا من الحجارة، يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحق أبو قتادة فارسُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن فقتله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خير فرساننا اليوم: أبو قتادة، وخير رجّالتنا: سلمة"، قال: ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين: سهم الفارس، وسهم الراجل، فجعمهما لي جميعًا، ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم دراءه على العضباء راجعين إلى المدينة.
قلت: رواه مسلم في الجهاد مطولًا، ورواه البخاري مختصرًا كلاهما من حديث سلمة بن الأكوع. (1)
والظهر: بالظاء المعجمة، الإبل التي يحمل عليها وتركب، يقال: عند فلان ظهر أي إبل، ومنه الحديث:"أتاذن لنا في نحر ظهرنا؟ " أي إبلنا التي نركبها؟ ومجمع على ظُهران بالضم، قاله ابن الأثير. (2)
والظاهر: أن الظهر اسم جنس يطلق على الكثير والقليل، وأراد به الزائد على الواحد هنا لما يدل عليه بقية الحديث.
والأكمة: الرابية، و"يا صباحاه": كلمة يقولها المستغيث، وأصلها إذا صاحوا للغارة لأنهم أكثر ما يغيرون عند الصباح، ويسمون يوم الغار يوم الصباح، فكأن القائل يا صباحاه يقول: قد غشينا العدو.
(1) أخرجه البخاري (3041)، ومسلم (1807).
(2)
انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 166).
ويوم الرضع: أي يوم هلاك اللئام، يقال: لئيم راضع، إذا كان يرضع اللبن من أخلاف إبله ولا يحلب لئلا يسمع صوت الحلب فيطلب منه اللبن، وقيل: لئلا يصيبه من الإناء شيء.
قوله: فما زلت أرميهم وأعقرهم، أي أرميهم بالنبل وأعقر خيلهم.
والبردة: الشملة المخططة، وقيل: كساء أسود فيه صغر يلبسه الأعراب (1)، والأرام: الأعلام وهي حجارة تجمع وتنصب في المغارة يهتدى بها، واحدها إرم، كعنب.
قوله: "ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين سهم الفارس وسهم الراجل فجمعهما لي" قال النووي (2): هذا محمول على أن الزائد على سهم الراجل كان نفلًا، وهو حقيق باستحقاق النفل رضي الله عنه.
3064 -
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفّل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصَّة، سوى قسمة عامة الجيش.
قلت: رواه البخاري في الخمس في باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسلم في الجهاد كلاهما من حديث ابن عمر. (3)
والنفل: اسم لزيادة يعطيها الإمام بعض الجيش على القدر المستحق، ومنه سميت النافلة، لما زاد على الفرائض، وسُمي ولد الولد نافلة لكونه زائدًا على الولد.
3065 -
قال نَفَّلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفلًا سوى نصيبنا من الخمس، فأصابني شارف، والشارف: المسن الكبير.
قلت: رواه البخاري فيه، ومسلم في الجهاد من حديث ابن عمر. (4)
(1) المصدر السابق (2/ 116).
(2)
المنهاج (11/ 251).
(3)
أخرجه البخاري (3135)، ومسلم (1750).
(4)
أخرجه البخاري (3135)، ومسلم (1750).
3066 -
قال: ذهبتْ فرس له، فأخذها العدو، فظهر عليهم المسلمون، فرُدّت عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأَبق عبدٌ له، فلحق بالروم، فظهر عليهم المسلمون، فردَّه عليه خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: رواه البخاري في الجهاد من حديث ابن عمر بن الخطاب. (1)
وقال الإمام عبد الحق: لم يصل البخاري سنده بهذا الحديث، انتهى، وفيما قاله نظر، فإن البخاري قال: وقال ابن نمير حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر وساقه، وابن نمير هو محمد بن عبد الله، وهو شيخ البخاري.
فقوله: وقال ابن نمير، مثل قوله: حدثنا ابن نمير، على ما نقله النووي وغيره.
ورواه أبو داود وابن ماجه (2)، وقد اتفق الإمامان: الشافعي وأبو حنيفة على العمل بظاهر هذا الحديث، فقالا: إذا استولى الكفار على عبد المسلم الآبق، والفرس الذاهب ثم استنقذ ذلك المسلمون من أيديهم كان صاحبه أولى به قبل القسمة أو بعدها، وإنما اختلفا فيما إذا استولى الكفار على مال المسلم بالغلبة.
فقال الشافعي: لا يملكونه، فإذا أخذ من أيديهم رد إلى مالكه، وقال أبو حنيفة: إن أحرزوه بدارهم ملكوه، ثم إن ظهر عليهم السلمون فوجده المالك قبل القسمة فهو له بغير شيء، وإن وجده بعد القسمة أخذه بالقيمة إن أحبوا، واتفق العلماء على أنهم لا يملكون رقاب السلمين ولا أمهات أولادهم، ويملك السلمون منهم جميع ذلك.
3067 -
قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا، ونحن بمنزلة واحدةٍ؟، فقال:"إنما بنو هاشم، وينو المطلب شيءٌ واحد"، قال جبير: ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس، وبني نوفل شيئًا.
(1) أخرجه البخاري (3067).
(2)
أخرجه أبو داود (2698)(2699)، وابن ماجه (2847).
قلت: رواه البخاري في الخمس وفي المغازي (1)، وقال في الخمس من حديث جبير بن مطعم، قال ابن إسحاق: وعبد شمس، وهاشم، والمطلب إخوة لأم، وأمهم عاتكة بنت مرة، وكان نوفل أخاهم لأبيهم.
ورواه أبو داود في الخراج، والنسائي في قسم الفيء، وابن ماجه في الجهاد مختصرًا، ولم يخرجه مسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: شيء واحدًا بالشين المعجمة أي حكمهما واحد، وكان يحيى بن معين يرويه "سيء واحد" بالسين المهملة المكسورة أي مثل، يقال:"هذا سِيء هذا" أي مثله ونظيره، وقال الخطابي: وهو أجود. وصوّب غيره رواية الكافّة. (2)
3068 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما قريةٍ أتيتموها، وأقمتم فيها، فسهمكم فيها، وأيما قريةٍ عصت الله ورسوله، فإنّ خُمُسها لله ولرسوله، ثم هي لكم".
قلت: رواه مسلم في الجهاد وأبو داود في الخراج كلاهما من حديث معمر عن أبي هريرة يرفعه، ولم يخرجه البخاري. (3)
3069 -
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أعطيكم ولا أمنعكم، إنما أنا قاسم، أضع حيث أمرت".
(1) أخرجه البخاري (4229، 3140)، وأبو داود (2980)، والنسائي (7/ 136)، وابن ماجه (2872)، وأخرجه أحمد في المسند (4/ 81، 83، 85).
(2)
انظر: معالم السنن (3/ 19)، ومختصر المنذري (4/ 220).
وانظر تفاصيل هذا الموضوع في كتاب استجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول وذوي الشرف للسخاوي (1/ 276 - 280) وفي مقدمة الكتاب تحدث السخاوي عن أقرباء الرسول صلى الله عليه وسلم المنسوبين إلى جدّه الأقرب عبد المطلب. وفيه فوائد مهمة، فراجعه.
(3)
أخرجه مسلم (1756)، وأبو داود (3036).
قلت: رواه البخاري في الخمس من حديث أبي هريرة، وقد قدمه المصنف في أول باب "رزق الولاة" فإعادته تكرار، والله أعلم. (1)
3070 -
قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن رجالًا يتخوضون في مالِ الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة".
قلت: رواه البخاري في الخمس من حديث خولة الأنصارية وهي خولة بنت قيس. (2)
وقال بعضهم: هي خولة بنت ثامر، وقال علي بن المديني: خولة بنت قيس هي خولة بنت ثامر، انتهى.
وليس لخولة هذه في البخاري غير هذا الحديث، ولا روى لها بقية أصحاب الكتب الستة شيئًا غير الترمذي فإنه روى لها حديثًا واحدًا في الزهد. "إن هذا المال خضرة حلوة" وسيأتي في الحسان. (3)
3071 -
قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فذكر الغلول، فعظمه وعظّم أمره، ثم قال: "لا أُلفِين أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته بعيرٌ له رغاءٌ، يقول: يا رسول الله أغِثني! فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، لا أُلفِين أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته فرس له حَمْحَمَة فيقول: يا رسول الله أغِثني! فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، لا أُلفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاةٌ لها، ثُغاء، يقول: يا رسول الله أغثني! فأقول: لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك، لا أُلفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفسٌ لها صياح، فيقول: يا رسول الله أغثني! فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رِقاعٌ تخفق، فيقول: يا رسول الله أغثني! فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة،
(1) أخرجه البخاري (3117).
(2)
أخرجه البخاري (3118).
(3)
انظر ترجمة خولة الأنصارية في الإصابة (7/ 617 - 618).
على رقبته صامت فيقول: يا رسول الله أغثني! فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك".
قلت: رواه الشيخان في الجهاد من حديث أبي هريرة، واللفظ لمسلم، ولم يذكر البخاري: النفس. (1)
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا أُلفين" قال النووي (2): ضبطناه بضم الهمزة وبالفاء المكسورة أي "لا أجدن أحدكم على هذه الصفة"، ومعناه: لا تعملوا عملًا أجدكم بسببه على هذه الصفة.
قال القاضي (3): ووقع في رواية "لا ألقين" بفتح الهمزة والقاف، والرغاء، بالمد: صوت البعير، وكذا المذكورات بعده وصف كل شيء بصوته، والرقاع: ما عليه من الحقوق المكتوبة في الرقاع، وتخفق: تتحرك، والصامت: الذهب والفضة.
3072 -
قال: أهدى رجلٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلامًا يقال له: مِدْعم، فبينما مِدْعم يحط رحلًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا سهم عائِر فقتله، ففال الناس: هنيئًا له الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كلا! والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم: لتشتعل عليه نارًا"، فلما سمع ذلك الناس، جاء رجل بشراك أو شراكين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"شراك من نار، أو شراكان من نار".
قلت: رواه البخاري في المغازي، ومسلم في الإيمان، وأبو داود في الجهاد، والنسائي في السير (4)، أربعتهم من حديث مالك قال: "حدثني ثور قال حدثني سالم مولى ابن
(1) أخرجه البخاري (3073)، ومسلم (1831).
(2)
المنهاج (12/ 299).
(3)
إكمال المعلم (6/ 233).
(4)
أخرجه البخاري (4234)، ومسلم (115)، وأبو داود (2711)، والنسائي في الكبرى (8763)، وفي المجتبى (7/ 24).
مطيع أنه سمع أبا هريرة يقول: افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبًا ولا فضة وإنما غنمنا البقر والإبل والغنم والمتاع والحوائط، ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى ومعه عبد يقال له مدعم أهداه له أحد بني الضباب فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
" الحديث.
هذا لفظ البخاري، ولمسلم نحوه.
قال الدراقطني: قال موسى بن هارون: وهم ثور بن زيد في هذا الحديث لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم يعني إلى خيبر، وإنما قدم المدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم وقد فتح الله عليه خيبر.
قال أبو مسعود الدمشقي: وإنما أراد البخاري ومسلم من نفس هذا الحديث قصة مدعم في غلول الشملة التي لم تصبها المقاسم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنها لتشتعل عليه نارًا". (1)
قلت: ولذلك حذف صاحب المصابيح أول الحديث واقتصر على المقصود منه.
ومِدْعم: هو بكسر الميم وإسكان الدال وفتح العين المهملتين.
وعائر: بعين مهملة هو الذي لا يدرى من رماه.
والمهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم مِدْعم هو رفاعة بن زيد كما جاء في بعض طرق الحديث.
3073 -
قال: كان على ثَقَل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له: كركرة، فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هو في النار"، فذهبوا ينظرون، فوجدوا عباءةً قد غلّها.
(1) انظر: كتاب الأجوبة للشيخ أبي مسعود عما أشكل الشيخ الدارقطني على صحيح مسلم بن الحجاج ص (187 - 188)، وقال الحافظ ابن حجر بعد ذكره كلام الدارقطني == وأبي مسعود: قلت: وكأن محمد بن إسحاق صاحب المغازي استشعر بوهم ثور بن يزيد في هذه اللفظة، فروى الحديث عنه بدونها، أخرجه ابن حبان والحاكم وابن منده من طريقه بلفظ: "انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى، انظر: الفتح (7/ 488).