الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كرهًا، فأما إذا لم يكن قد شرط عليهم، والنازل غير مضطر فلا يجوز أخذ مال الغير إلا بطيب من نفسه. (1)
باب الصلح
من الصحاح
3110 -
قالا: خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، في بضع عشرة مائة من أصحابه، فلما أتى ذا الحليفة، قلّد الهدي وأشعره، وأحرم منها بعمرة، وسار، حتى إذا كان بالثنيّة التي يُهبط عليهم منها، بركت به راحلته، فقال الناس: حَلْ، حل خَلأت القصواء، خلأت القصواء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل"، ثم قال:"والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله، إلا أعطيتهم إياها". ثم زجرها فوثبت، فعدل عنهم، حتى نزل بأقصى الحديبية، على ثمد قليل الماء، يتبرّضه الناس تبرُّضًا، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، وشُكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهمًا من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالريّ، حتى صدروا عنه، فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي، في نفر من خزاعة، ثم أتاه عروة بن مسعود
…
وساق الحديث، إلى أن قال: إذ جاء سهيل بن عمرو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ". فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله، ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"والله إني رسول الله، وإن كذبتموني، اكتب: محمد بن عبد الله".
(1) انظر: معالم السنن (4/ 221 - 222).
فقال: سهيل: وعلى أن لا يأتيك منَّا رجل، وإن كان على دينك، إلا رددته علينا، فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:"قوموا فانحروا ثم احلقوا". ثم جاء نسوة مؤمنات، فأنزل الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} الآية. فنهاهم الله عز وجل أن يردوهن، وأمرهم أن يردوا الصداق، ثم رجع إلى المدينة، فجاءه أبو بصير رجلٌ من قريش، وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به، حتى إذا بلغا ذا الحليفة نزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدًا، أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لقد رأى هذا ذعرًا". فقال: قتل والله صاحبي، وإني لمقتول. فجاء أبو بصير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ويل أمه مِسْعَر حرب! لو كان له أحدٌ". فلما سمع ذلك، عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر، قال: وتفلّت أبو جَندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم، إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام، إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم، لما أرسل إليهم، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم.
قلت: رواه البخاري في الشروط بطوله (1)، وفي المغازي، وليس في الشروط ذكر الإحرام بالحج، إنما ذكره في المغازي وفي الحج أيضًا، وأبو داود في الحج كلاهما من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، ولم يخرجه مسلم ولا أخرج في صحيحه عن مروان بن الحكم شيئًا.
والحديبية: الأفصح فيها التخفيف.
(1) أخرجه البخاري في الشروط (2711)(2712) وفي المغازي (4178)(4179) وفي الحج (1694)(1695)، وأبو داود (1754).
وحلْ حَلْ: بفتح الحاء المهملة وسكون اللامين، ويقال: بكسر اللامين وتنوينهما أيضًا، وهو زجر للناقة إذا ترددت عن النهوض، وخلأت القصواء: بفتح الخاء المعجمة، أي حرنت وبركت من غير علّة، والخلأ في الإبل، كالحران في الخيل، والخطة: الأمر المشكل الذي يفصله الرجل برأيه، قال الجوهري (1): بالضم، الأمر والقصة، والثمد بالتحريك: الماء القليل.
قوله: "يتبرضه الناس تبرضًا" هو بالضاد المعجمة أي يأخذونه قليلًا قليلًا.
قوله: "يجيش لهم بالري" أي يفور ماؤه ويرتفع.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد" هو فاعل من القضاء وهو الفصل والحكم. "وبديل بن ورقاء": هو بضم الباء الموحدة وبفتح الدال المهملة ثم ياء آخر الحروف ولام، وورقاء: بواو ثم راء ثم قاف أسلم عام الفتح، وعروة بن مسعود أسلم بعد الطائف، لحق النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل إلى المدينة في منصرفه من الطائف فأسلم وسأل أن يرجع إلى قومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن فعلت فإنهم قاتلوك، فقال: يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبشارهم، فكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلوه حين أظهر إسلامه، وسهيل بن عمرو أسلم أيضًا وحسن إسلامه.
قوله: "فضربه حتى برد" أي مات، و"الذعر": بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة وبعدها راء هو الفزع، وأبو بصير: بفتح الباء الموحدة وكسر الصاد المهملة. ومسعر الحرب: قال الجوهري (2): المسعر والمسعار: الخشب الذي تُسعر به النار، ومنه قيل للرجل: مسعر حرب أي تحمى به الحرب، وسِيْف البحر: بكسر السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفاء، وهو ساحل البحر، والجمع أسياف، والعير: الإبل
(1) الصحاح للجوهري (3/ 1123).
(2)
الصحاح للجوهري (2/ 684).
بأحمالها من عار يعير إذا سار، وقيل: هي قافلة الحَمِير، وكثرت حتى سميت بها كل قافلة.
"ويناشده الله والرحم" أي سألوه بالله وبالرحم. يقال: "نشدتك الله، وأنشدتك الله وبالله، وناشدتك الله وبالله، أي سألتك وأقسمت عليك، قال البغوي (1) وغيره: وهذا الذي شرطه النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين عام الحديبية كان لمصلحة رآها النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز اليوم شيء من ذلك لقوة أهل الإسلام وغلبة أمرهم إلا في موضع قريب من دار الكفر يخاف أهل الإسلام منهم على أنفسهم، وذهب الشافعي إلى أن أقصى الهدنة عشر سنين ولا تجوز الزيادة على ذلك، واختلف العلماء في أن الصلح هل وقع على رد النساء أيضًا أم لا على قولين فمن قال: نعم، جوز نسخ السنة بالكتاب.
3111 -
قال: صالح النبي صلى الله عليه وسلم المشركين يوم الحديبية على ثلاثة أشياء: على أنّ من أتاه من المشركين ردّه إليهم، ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه. وعلى أن يدخلها من قابل، ويقيم بها ثلاثة أيام، ولا يدخلها إلا يجُلُبّان السلاح: السيف والقوس، ونحوه. فجاء أبو جندل يحجُل في قيوده، فرده إليهم.
قلت: رواه البخاري في الصلح بهذا اللفظ، ومسلم في المغازي بمثل معناه كلاهما من حديث البراء بن عازب (2)، وقال البخاري فيه: "وقال موسى بن مسعود عن سفيان بن سعيد عن أبي إسحاق عن البراء، وقد قدمنا أن مثل هذا لا يجعله عبد الحق والحميدى متصلًا، والصواب: أنه متصل لأن موسى بن مسعود شيخ البخاري وأخذ عنه.
وجلبان السلاح: قال أبو إسحق السبيعي: القراب بما فيها، وإنما شرط هذا ليكون أمارة للمسلم، فلا يظن أنهم يدخلون قهرًا.
(1) انظر: شرح السنة للبغوي (11/ 161).
(2)
أخرجه البخاري (2700)، ومسلم (1783).
قال الأزهري (1): القراب: غمد السيف، والجلبان: شبه الجراب من الأدم، يوضع فيه السيف مغمودًا، ويطرح فيه الراكب بسَوْطه، وأداته، ويعلقه في آخرة الرحل.
قال الخطابي (2): أكثر المحدثين يرويه بضم اللام وتشديد الباء الموحدة، وكذا قال في المشارق (3) قال: ورواه بعضهم بإسكان اللام.
قوله: "ويقيم بها ثلاثة أيام"، قال العلماء: سبب هذا التقدير أن المهاجر من مكة لا يجوز له أن يقيم بها أكثر من ثلاثة أيام، وهذا أصل في أن الثلاثة ليس لها حكم الإقامة.
3112 -
أن قريشًا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم، فاشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم: أن من جاء منكم لم يرد عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا، فقالوا: يا رسول الله أنكتب هذا؟ قال: "نعم، إنه من ذهب منا إليهم، فأبعده الله، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجًا ومخرجًا".
قلت: رواه مسلم في المغازي من حديث أنس، ولم يخرج البخاري عن أنس في هذا شيئًا. (4)
3113 -
قالت في بيعة النساء: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحنهن بهذه الآية: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ..} الآية، فمن أقرت بهذا الشرط منهن قال لها:"قد بايعتك"، كلامًا يكلمها به، والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة.
قلت: رواه البخاري في الطلاق، ومسلم، وابن ماجه في الجهاد، والنسائي في التفسير كلهم من حديث عائشة. (5)
(1) انظر: تهذيب اللغة (7/ 123).
(2)
انظر: أعلام الحديث (2/ 1320 - 1321).
(3)
مشارق الأنوار (1/ 150).
(4)
أخرجه مسلم (1784).
(5)
أخرجه البخاري (5288)، ومسلم (1866)، وابن ماجه (2875)، والنسائي في الكبرى (11586).