الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} (1){وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} (2) والآيات في هذا المعنى كثيرة، فإذا تأمل العبد هذا علم عظيم نعمة الله عليه، وما يجب له سبحانه من حق الشكر بالقلب واللسان والجوارح، ومن أعظم الشكر لهذه النعمة أن يستعملها العبد في مرضاة الله وما يقرب إليه.
وإن من كفران هذه النعمة العظيمة أن تستعمل فيما هو محرم على العبد فعله والذبائح المحرمة على العبد أنواع، فمنها ما اختل فيه شرط من الشروط السابقة، كأن يكون الذابح غير عاقل، أو لم يقصد الذكاة، أو كان مجوسيا أو وثنيا أو كانت الآلة سنا أو ظفرا، أو لم يذكر اسم الله عليها ذاكرا عالما، ونحو ذلك.
(1) سورة يس الآية 71
(2)
سورة يس الآية 72
ومما يحرم من الذبائح
ما ذكر عليه غير اسم الله
، وأعظم منها ما ذبح تقربا لغير الله، فإن هذه الذبيحة محرمة ميتة، وهذا الفعل شرك أكبر، لا يغفر الله لصاحبه إن لم يتب يقول الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1). ودليل كونها شرك وكونها محرمة قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2){لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (3)، والنسك هنا الذبح، فتبين من الآية أن الذبح عبادة لله، كالصلاة، لا يجوز صرفها لغير الله، ولا التقرب بها
(1) سورة النساء الآية 48
(2)
سورة الأنعام الآية 162
(3)
سورة الأنعام الآية 163
لسواه، فمن فعل ذلك فقد أشرك بالله، وهذا بحمد الله واضح جلي، كما قال سبحانه في الآية بعدها (لا شريك له) الآية.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من ذبح لغير الله (1)» أخرجه مسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والله سبحانه وتعالى حين عد ما حرم علينا من المأكول قال:{وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} (2)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" ظاهره أنه ما ذبح لغير الله، مثل أن يقول: هذه ذبيحة كذا. وإذا كان هذا هو المقصود، فسواء لفظ به أو لم يلفظ، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه للحم وقال فيه: باسم المسيح ونحوه، كما أن ما ذبحناه متقربين به إلى الله أزكى وأعظم مما ذبحناه للحم، وقلنا عليه: باسم الله، فإذا حرم ما قيل فيه: باسم المسيح أو الزهرة، فلأن يحرم ما قيل فيه: لأجل المسيح أو الزهرة، أو قصد به ذلك أولى فإن العبادة لغير الله أعظم كفرا من الاستعانة بغير الله، وعلى هذا فلو ذبح لغير الله متقربا إلى الله لحرم وإن قال فيه باسم الله، كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة الذين قد يتقربون إلى الكواكب بالذبح والبخور ونحو ذلك. وإن كان هؤلاء مرتدين، لا تباح ذبيحتهم بحال، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان، الأول: أنه مما أهل به لغير الله، والثاني: أنها ذبيحة مرتد. . . " اهـ المقصود من كلامه رحمه الله، وهذا يبين أن الذبح لغير الله شرك، وكذلك
(1) صحيح مسلم الأضاحي (1978)، سنن النسائي الضحايا (4422)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 118).
(2)
سورة البقرة الآية 173
الذبح بغير اسم الله؛ لأن الأول عبادة لغير الله، والثاني استعانة بغير الله.
وإن مما تجدر الإشارة إليه، بل ويجب التنبيه عليه ما وقع فيه كثير ممن انتسب للإسلام من الذبح لغير الله من الموتى وغيرهم ممن سموهم بالأولياء والصالحين، فإن هذا من الشرك الأكبر، نسأل الله لنا ولهم السلامة والعافية مما يغضب الله عز وجل.
فإن الذبح لغير الله سواء كان وليا أو نبيا أو ملكا لأجل جلب نفع أو دفع ضر، أو طلب الشفاعة والقربى، كل ذلك شرك وصرف لخالص حق الله لمخلوق ضعيف بل ميت، هو من أحوج الخلق لمن يدعو له، ويتصدق عنه، فكيف يدعى هو ويطلب منه، بل وتصرف له النذور والذبائح؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون. وواجب العلماء والدعاة في كل مكان وزمان أن يبينوا هذا ويصدعوا بالحق، فإنه لا يسعهم أن يسكتوا عن هذا الأمر العظيم، وأي شيء أعظم من الشرك بالله، نسأل الله الهداية للجميع.
ومما يحرم من الذبائح ما يذبح عند استقبال معظم من سلطان ونحوه، وقد نقل النووي عن أهل بخارى أن من فعل هذا تقربا فإنهم أفتوا بتحريمه، لأنه مما أهل به لغير الله.
وهناك من الذبائح ما يحرم لا لذاتها بل للمكان الذي تذبح فيه، كالذبح بمكان يعبد فيه غير الله، وإن كان الذابح إنما ذبح لله، والدليل حديث ثابت بن الضحاك المتقدم «وأن رجلا نذر أن يذبح إبلا ببوانة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " هل كان