الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحرص على حل المكسب وطيب المأكل والمشرب، أمر واجب على جميع المسلمين، بل إن خبث المكسب من أسباب رد الدعاء وعدم استجابته، وهذا شر عظيم على ابن آدم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: وقال:، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك (3)» أخرجه مسلم.
(1) صحيح مسلم الزكاة (1015)، سنن الترمذي تفسير القرآن (2989)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 328)، سنن الدارمي الرقاق (2717).
(2)
سورة المؤمنون الآية 51 (1){يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}
(3)
سورة البقرة الآية 172 (2){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}
س: سمعت أحد الدعاة ينهى الآباء عن قولهم عندما يسألون عن أبنائهم لماذا لم يصلوا: " سيصلون عندما يكبرون ويعقلون " أو هكذا من القول. ويقول هذا الداعية: إن هذا من قول المرجئة المبتدعة، فما
عقيدة المرجئة
؟ جزاكم الله خيرا، وما وصيتكم لولاة الأمور الذين لا يشهد أبناؤهم الصلاة؟
ج: قول بعض أولياء الأبناء إذا ما نصحوا في شأن من يلونهم من الأبناء ليحضوهم على الصلاة. " سيصلون إذا كبروا " ونحو ذلك من الكلام الذي فيه التسويف والإشعار بعدم الاهتمام وعدم المبالاة، كل هذا من الخطأ البين، وإني لأنصح ولاة
الأمور بأن يحذروا من ذلك وأن يبذلوا قصارى جهدهم مع أبنائهم ومن تحت أيديهم ليقوموا بحقوق الله، وخصوصا الصلاة فإن أمرها عظيم، والله تعالى يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} (1).
وإنما يكون ذلك بأن يقوم المرء بطاعة الله سبحانه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وكذلك يقوم على أهله وأبنائه بذلك، ومن أهم الأمور أمر الصلاة، وكذلك أيضا قد جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته (2)» . . . الحديث. فالأمر عظيم جدا، ولا بد من الوقفة الصادقة مع أنفسنا فإن التفريط قد كثر في الأزمان المتأخرة، وقلت المبالاة بشأن الصلاة فمن الناس من يتهاون بأدائها جماعة مع المصلين، ومنهم من لا يؤديها إلا بعد خروج وقتها، والله يقول:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} (3)، ومنهم من تساهل بها حتى لا يكاد يرى يصليها، والرسول صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه أنه قال:«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر» فالمسألة عظيمة جدا، وعلى كل واحد منا أن يتفقد نفسه وأهله وأبناءه ومن تحت يده نسأل الله الهداية للجميع.
(1) سورة التحريم الآية 6
(2)
صحيح البخاري الجمعة (893)، صحيح مسلم الإمارة (1829)، سنن الترمذي الجهاد (1705)، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2928)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 121).
(3)
سورة مريم الآية 59
أما ما ذكره السائل من أن مثل هذا الكلام من عقيدة المرجئة، فلا يظهر لي الآن وجه ذلك.
وأما المرجئة فهم فرق ضالة يختلف ضلالهم حسب مراتبهم، ومعنى الإرجاء في اللغة: التأخير، وسموا مرجئة؛ لتأخيرهم العمل عن مسمى الإيمان- هذا في الجملة- وإلا فدرجاتهم في الضلال متفاوتة جدا، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كلام له يجمع غالب مقالات المرجئة:" والمرجئة ثلاثة أصناف: الذين يقولون: الإيمان مجرد ما في القلب، ثم من هؤلاء من يدخل فيه أعمال القلوب، وهم أكثر فرق المرجئة، كما قد ذكر أبو الحسن الأشعري أقوالهم في كتابه وذكر فرقا كثيرة يطول ذكرهم، لكن ذكرنا جمل أقوالهم، ومنهم من لا يدخلها في الإيمان كجهم ومن اتبعه كالصالحي، وهذا الذي نصره هو- يعني الأشعري - وأكثر أصحابه. و" القول الثاني " من يقول: هو مجرد قول اللسان، وهذا لا يعرف لأحد قبل الكرامية، و" الثالث " تصديق القلب وقول اللسان، وهذا هو المشهور عن أهل الفقه والعبادة منهم " ثم ذكر رحمه الله ثلاثة أوجه لغلط المرجئة في الإيمان:
الأول: ظنهم أن الإيمان الذي فرضه الله على العباد متماثل في حق العباد وأن الإيمان الذي يجب على شخص يجب مثله على كل شخص.
الثاني: ظنهم أن ما في القلب من الإيمان ليس إلا التصديق فقط، دون الأعمال.
الثالث: ظنهم أن الإيمان الذي في القلب يكون تاما بدون شيء من الأعمال، وللرد على هذه الشبه يراجع كتاب (الإيمان) لشيخ الإسلام ابن تيمية، وقد ذكر الشيخ أيضا رحمه الله سبب ضلال المرجئة في هذا الباب فقال رحمه الله:" وقد عدلت " المرجئة " في هذا الأصل عن بيان الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان، واعتمدوا على رأيهم، وما تأولوه بفهم اللغة، وهذه طريقة أهل البدع، ولهذا كان الإمام أحمد يقول: أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس " انتهى المقصود من كلامه رحمه الله.
والكلام عن الإرجاء ومذاهب وأقوال المرجئة يطول جدا وقد يحتمل ذلك كتابا كاملا، لتشعب فرق الإرجاء وتعدد مشاربهم، وأيضا اختلاف مذاهبهم في العقيدة، فالجهمية والأشاعرة والكرامية كلهم مرجئة، ثم هناك غير هؤلاء كمن ينتسب إلى الفقهاء وهم في الغالب من أتباع حماد بن زيد والذي أخذ بقوله أبو حنيفة رحم الله الجميع ثم سار على ذلك جمع من أتباعه، وإن كانوا أخف من أولئك، وأخذهم للإرجاء أقل بكثير من أولئك وهم أقرب إلى مذهب السلف في الإيمان من جميع فرق المرجئة.
والذي يجب أن يعلم هنا أن الإيمان تصديق بالجنان وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان، وأهله متفاضلون فيه، على هذا دل الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة. يقول الله تعالى:
{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (1)، والمراد به هنا الصلاة، فدل على أن العمل ركن في الإيمان، ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم:«الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان (2)» رواه البخاري. فجمع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين النطق، وهو قول لا إله إلا الله، وبين عمل القلوب، وهو الحياء، وبين عمل الجوارح، وهو إماطة الأذى عن الطريق.
وقد أجمع السلف على أن الإيمان قول وعمل ونية، نقل الإجماع غير واحد من الأئمة المعتبرين، كالشافعي رحمه الله، نقله عنه اللالكائي وابن تيمية رحمهما الله وأحالا إلى كتابه (الأم) في كتاب الطهارة عند كلامه عن النية، ونقل الإجماع أيضا الآجري في (الشريعة) وغيرهم، ودليل تفاضل الناس في مسمى الإيمان قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (3)، وقوله سبحانه:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} (4)، والنصوص في هذا المعنى كثيرة، وعلى هذا سار السلف رضي الله عنهم.
وفق الله الجميع للفقه في دينه والتزام شرعه والعمل بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والثبات على ذلك.
(1) سورة البقرة الآية 143
(2)
صحيح البخاري الإيمان (9)، صحيح مسلم كتاب الإيمان (35)، سنن الترمذي الإيمان (2614)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5005)، سنن أبو داود السنة (4676)، سنن ابن ماجه المقدمة (57)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 414).
(3)
سورة الأنفال الآية 2
(4)
سورة الفتح الآية 4