الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحاديث صحيحة، ويؤيدها ما رواه البيهقي رحمه الله تعالى (1)، عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قال:" بلغنا أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما كانا لا يضحيان كراهية أن يقتدى بهما، فيظن من رآهما أنها واجبة " كما يؤيده ما روي عن مجموعة من السلف أنها ليست بواجبة، ومنهم ابن عباس وابن مسعود وابن عمر رضي الله تعالى عنهم أجمعين (2).
(1) في السنن الكبرى، ج 9، ص 264، 265، في كتاب (الضحايا) باب: الأضحية سنة نحب لزومها ونكره تركها
(2)
انظر السنن الكبرى للبيهقي، ج 9، ص 265، نفس الكتاب والباب السابقين.
المبحث الثالث: شروط وجوب الأضحية أو سنيتها:
يشترط في وجوب الأضحية أو سنيتها جملة من الشروط وهي:
أولا: الإسلام، وهذا الشرط متفق عليه بين القائلين إن الأضحية واجبة، والقائلين إنها سنة مؤكدة، وذلك أنها قربة من القرب التي يتقرب بها العبد إلى مولاه، حيث إن دمها يقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، والكافر ليس من أهل القرب، ولا تصح منه (1)، لقوله تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (2)، ولقوله تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3){لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (4).
(1) ابن الهمام الحنفي، المرجع السابق، ج 9، ص 509، والكاساني، المرجع السابق، ج 5، ص 63
(2)
سورة الفرقان الآية 23
(3)
سورة الأنعام الآية 162
(4)
سورة الأنعام الآية 163
ثانيا: الإقامة: وهذا الشرط ليس متفقا عليه، وإنما هو محل خلاف بين أهل العلم، فقد اشترطها الحنفية فقالوا لا تجب الأضحية إلا على من كان مقيما.
أما المسافر فلا تجب عليه، وذلك لظروف السفر ومشقته، ولأنه يتطلب منه وقتا مخصوصا، وكل هذا قد لا يتيسر للمسافر، كما أن حمله الأضحية معه فيه مشقة وحرج عليه، ومن أجل ذلك رفع عنه وجوبها (1).
أما غير الحنفية فلا يشترطون هذا الشرط، وإنما قالوا: تسن للمسافر كما تسن للمقيم، فلا فرق إلا أن المالكية استثنوا من ذلك الحاج، حيث قالوا: إن السنة في حقه الهدي، والهدي هو ما يهديه الحاج إلى فقراء الحرم تقربا إلى الله تعالى به.
ثالثا: الغنى، وهذا الشرط متفق عليه بين العلماء أنه لا بد أن يكون المضحي قادرا على الأضحية، فلا تطلب من غير القادر لقوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2)، ولكنهم اختلفوا في معنى الغنى أو القدرة. فقال الحنفية: الغني
(1) الكاساني، المرجع السابق، ج 3، ص 63، 64
(2)
سورة البقرة الآية 286
هو من كان عنده نصاب، وهو مائتا درهم من الفضة أو عشرون دينارا من الذهب أو من يملك من المتاع ما تساوي قيمة هذا المقدار من الذهب أو الفضة، على أن يكون ذلك فاضلا عن حوائجه الأصلية وديونه إن كان عليه ديون.
وقال المالكية: إن القادر على الأضحية أو الغني هو من لا تجحف في حقه، أي أنه لا يحتاج إلى ثمنها في ضرورياته العامة، فقد قال الخرشي في شرحه على مختصر خليل (1): وقوله: " لا تجحف " أي الأضحية، بمعنى الذات المضحى بها لا بمعنى التضحية، ففي كلامه استخدام، يعني أن الأضحية يشترط فيها ألا تجحف بمال المضحي، فإن أجحفت بماله من غير تحديد، فإنه لا يخاطب بها. والذي يفيده كلام بعض الفقهاء أن المراد بالمجحف ما يخشى بصرفه في الأضحية الحاجة إليه في أي زمن من عامه.
وقال الحنابلة عن الغني أو القادر على الأضحية: إنه الذي يملك ثمنها بشرط أن يكون ذلك فاضلا عن حوائجه الضرورية، ومن عدم ثمنها فعليه أن يقترض إذا كان قادرا على الوفاء (2). رابعا: التكليف، ويقصد به البلوغ والعقل، وقد اختلف
(1) انظر: ج 3، ص 33
(2)
منصور البهوتي، المرجع السابق، ج 3، ص 21
العلماء في اشتراطهما في وجوب الأضحية أو سنيتها، فقال محمد بن الحسن وزفر من الحنفية: إنهما يشترطان في إيجاب الأضحية على المضحي، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: بعدم اشتراطهما على الصبي والمجنون لكونهما غير مكلفين.
وثمرة هذا الخلاف عند الحنفية أنه إذا ضحى وليهما أو وصيهما عنهما من مالهما فإنه لا يضمن عند أبي حنيفة وأبي يوسف، ويضمن عند محمد وزفر. والراجح من القولين في المذهب ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف (1).
وقال المالكية: لا يشترط التكليف للتضحية، وإنما يسن لولي الصغير أو المجنون أو وصيهما أن يضحي عنهما من مالهما حتى ولو كانا يتيمين.
وقال الشافعية: لا يجوز لولي الصغير أو المجنون أو الوصي عليهما أن يضحي عنهما من مالهما، لأنه مأمور بالاحتياط لهما، ممنوع من التبرع به والأضحية تبرع. وإذا كان الولي أبا أو جدا، فإنه يجوز له أن يضحي عنهما من ماله الخاص على سبيل التبرع لهما، وهو بهذا التبرع كأنه ملكها لهما وذبحها عنهما، فيقع له أجر التبرع ولهما ثواب التضحية (2).
(1) انظر: الموسوعة الفقهية، المرجع السابق، ج 5، ص 80
(2)
انظر: النووي في المرجع السابق، ج 8، ص 425، والموسوعة الفقهية، المرجع السابق، ج 5، ص 80.