الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى زيادة عمل، وإنما إلى مجرد احتساب ونية. وبالغفلة والانغماس في معمعة الحياة يفوت هذا الفضل العظيم على كثير من الناس. وبهذا يتبين لنا أن أعمال المسلم قد تكون كلها عبادة، رغم أنه لا يحتاج في كثير منها إلا إلى مجرد النية والقصد، فيفوز بخيري الدنيا والآخرة، طيبة عيش في الدنيا، وطمأنينة قلب، وفي الآخرة خلود في جنات النعيم، ورضا رب العالمين.
الفصل الثاني: الموازنة في العمل بما يضمن جميع الكفايات:
تختلف نظرة المسلمين إلى العمل عن نظرة غيرهم إليه، فالمسلمون ينظرون إلى العمل على أنه وسيلة لا غاية، لذا يختارون من أنواعه ما هم بحاجة إليه دون إفراط ولا تفريط. وما يحتاجون إليه من الأعمال بكثرة أو قلة يحدده ويوفره لهم ولي أمرهم القائم على مصالحهم، بالتشاور مع أهل الحل والعقد منهم، حسب ما تقتضيه المصلحة العامة من سد حاجاتهم، وتشغيل أفرادهم، وقيام مصالحهم.
وهذا ما أبينه في المباحث الثلاثة الآتية:
المبحث الأول: العمل عند المسلمين وسيلة لا غاية:
إذا كان الكافر يحمل لدنياه، فإن المسلم يعمل في دنياه، ليكسب في دنياه، ويؤجر في أخراه. فالعمل الدنيوي لديه وسيلة لا غاية، وإن كان يسد به كثيرا من حاجاته، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (1)
(1) سورة الأعراف الآية 32
والمسلم يعمل في دنياه ليس طلبا لغاية فيها، وإنما وسيلة لتحقيق الغاية العظمى التي من أجلها خلقه الله، وسخر له كل شيء وهي عبادة الله، التي لا تقوم إلا بالعمل الدنيوي على اختلاف أنواعه.
وبهذه النظرة يضبط المسلم عمله بميزان القرب والبعد من هذه الآية، فليس عند المسلمين تفريق بين الأعمال إلا بهذا الميزان.
فقد يترك المسلم عملا يدر عليه كنوز الأموال، ليقوم بعمل آخر لا يدر عليه شيئا، بل يطلب منه إنفاق الأموال وراء الأموال، دون أن يعود عليه بأي مردود، إلا ما يقربه من غاية الوجود. هذا هو منهج المسلمين في العمل، أو هو الأصل في منهجهم، وهو الميزان الحق في كل عمل. وإذا كان العمل عند المسلمين وسيلة لا غاية فما الفرق وما الأثر؟.
إذا كان العمل عند المسلمين وسيلة لا غاية فإن الإنسان يأمن غوائل البغي والاستغلال والظلم في جانب العمل والعاملين في شتى الميادين. كما يأمن اختلال التوازن في إنتاج الحاجيات الناتج عن اندفاع طلاب المال وراء إنتاج الكم الهائل من الملهيات، والمغريات من الكماليات، وسائر الشهوات، لابتزاز أموال الناس على حساب الحاجيات، بل وعلى حساب الضروريات، وكما يأمن الإنسان الغش والخداع في كل المنتجات، وباختصار ينعم الجميع بعدل رب العالمين.