الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهي كذلك سنة أبينا إبراهيم عليه السلام قال تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (1)، فقد روي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا له:«يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال: " سنة أبيكم إبراهيم " قالوا، فمالنا فيها يا رسول؟ قال: " بكل شعرة حسنة " قالوا: فالصوف يا رسول الله؟ قال: " بكل شعرة من الصوف حسنة (2)»
ففي إحياء هذه السنة ذكرى للذاكرين وموعظة للمتقين بما حصل لأبينا إبراهيم عليه السلام من امتحان عظيم، فقد أمره الرب عز وجل بذبح ابنه إسماعيل عليه السلام وهو ابنه الوحيد حينئذ، فلما علم أنه حسن التوجه وصدق اليقين وتله للجبين، فداه بذبح عظيم، فكان ذلك سنة في عقبه للمتقين ولهم بها أجر عظيم، بالإضافة إلى أن فيها توسعة على الأهل وإطعام للفقراء والمساكين، وبها كذلك يكرم الجيران والأصدقاء المقربين، ألا ترى أن السنة فيها أن تثلث أثلاثا، ثلث يأكله الرجل وأهل بيته، وثلث يهديه، وثلث يتصدق به على الفقراء والمساكين، ففيها نفع عظيم لآحاد المسلمين وجماعاتهم إلى جانب أنها شعيرة من شعائر هذا الدين العظيم.
(1) سورة الصافات الآية 107
(2)
أخرجه ابن ماجه، ج 2 ص 1045، في كتاب (الأضاحي) باب: ما جاء في ثواب الأضحية. .
المبحث الثاني: حكم الأضحية:
اختلف الفقهاء في حكم الأضحية هل هي واجبة أم سنة؟ فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إنها واجبة، واستدل على
الوجوب بقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (1)، وبما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة، هل تدرون ما العتيرة؟ هي التي تسمونها الرجبية (2)» ، وكذلك بما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا (3)» ، وهذا كله أمر والأمر يقتضي الوجوب. كما أنهم عللوا الحديث الأخير بقولهم: إن فيه وعيدا والوعيد لا يلحق بغير تارك الواجب، فلو لم تكن الأضحية واجبة ما لحق تاركها الوعيد (4).
وقد خالف أبو يوسف ومحمد بن الحسن شيخهما أبا حنيفة وقالا بقول الجمهور إنها سنة مؤكدة. وقد استدل الجمهور على هذا الحكم بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمسن من شعره
(1) سورة الكوثر الآية 2
(2)
أخرجه أبو داود، ج 3، ص 226 في كتاب (الضحايا) باب: ما جاء في إيجاب الأضاحي، والترمذي، ج 4، ص 98، في كتاب (الأضاحي) باب رقم 19، والنسائي، ج 7، ص 167، في كتاب (الفرع والعتيرة) باب: رقم (1) وابن ماجه، ج 2، ص 1045، في كتاب (الأضاحي) باب: الأضاحي واجبة هي أم لا، والإمام أحمد، ج 4، ص 215
(3)
أخرجه ابن ماجه، ج 2، ص 1044، في كتاب (الأضاحي) باب: الأضاحي واجبة، أم لا
(4)
انظر تكملة فتح القدير، ج 9، ص 508
وبشره شيئا (1)»، وقد عللوا الحديث فقالوا إن الرسول صلى الله عليه وسلم علق التضحية على الإرادة، فلو كانت واجبة ما علقها بها، لأن الواجب لا يعلق بالإرادة، وقالوا أيضا إن الأضحية ذبيحة لا يجب تفريق لحمها فلم تكن واجبة، شأنها كشأن العقيقة.
وكذلك استدلوا بالحديث المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: «ثلاث هن علي فرائض وهن لكم تطوع: النحر والوتر وركعتا الفجر (2)» ، وقالوا أيضا عن الحديث الذي استدل به الحنفية إنه حديث ضعيف لا تقوم به الحجة على وجوب الأضحية، ولو فرض أنه صحيح، فإنه يحمل على تأكيد الاستحباب وليس على الوجوب كحديث:«غسل الجمعة واجب على كل محتلم (3)» وحديث «من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مصلانا (4)» فقد حملهما أهل العلم رحمهم الله تعالى على تأكيد الاستحباب:
ويظهر لي والله أعلم أن حجة الجمهور أقوى لاستنادها إلى
(1) أخرجه الإمام مسلم، ج 3، ص 1565، في كتاب (الأضاحي) باب: نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو يريد التضحية
(2)
أخرجه الدارقطني، ج 2، ص 21، في كتاب (الوتر) باب: صفة الوتر، وأنه ليس بفرض، والإمام أحمد، ج 1، ص 231
(3)
صحيح البخاري الجمعة (880)، صحيح مسلم الجمعة (846)، سنن النسائي الجمعة (1375)، سنن أبو داود الطهارة (341)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1089)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 60)، موطأ مالك النداء للصلاة (230)، سنن الدارمي الصلاة (1537).
(4)
صحيح البخاري الأذان (853)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (561)، سنن أبو داود الأطعمة (3825)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1016)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 21)، سنن الدارمي الأطعمة (2053).