الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذلك فالعيد من باب أولى (1).
وما ذهب إليه الحنابلة بأنها فرض كفاية فإذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين أولى بالصواب، لقوة دليلهم كما يظهر لي، والله أعلم.
(1) ابن قدامة، المغني، ج3، ص253، وما بعدها.
المبحث الثاني: تحديد أماكن إقامة صلاة العيد:
أداء صلاة العيد في المصلى خارج البلد غير بعيد منه، حتى لا يشق على المصلين أفضل من فعلها في المسجد، ما عدا مكة المشرفة، فإن أداءها في المسجد الحرام أفضل، وذلك لخصوصية المسجد الحرام، حيث إن الصلاة فيه خير من مائة ألف صلاة في غيره، ثم إنه لم ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد من الذين تولوا على مكة أنهم كانوا يؤدون صلاة العيد خارج المسجد الحرام، يضاف إلى ذلك طبيعة مكة المكرمة حيث إنها جبال وأودية يشق على الناس أن يخرجوا للصلاة في الجبانة (1).
فالأصل في صلاة العيد أن تصلى خارج البلدة لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يكن هناك عذر من مطر أو برد شديد، يخشى على الناس منه، أو خوف عدو أو نحو ذلك، لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم حيث كان يصلي العيد في المصلى الذي على باب المدينة الشرقي (2)، ولم يرو عنه أنه صلاها في مسجده إلا مرة واحدة في
(1) انظر: الشيخ محمد بن عثيمين في الشرح الممتع على زاد المستقنع ج5، ص162. .
(2)
انظر: ابن القيم في زاد المعاد، ج ا، ص 441.
يوم مطير، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:«أصاب الناس مطر في يوم عيد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم في المسجد (1)» وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف، فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم فإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه، أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف (2)»
وهذا قول أهل العلم، ولم يرو لهم مخالف إلا ما روي عن الشافعي -رحمه الله تعالى- أنه قال: إذا كان مسجد البلد واسعا فالصلاة فيه أولى من الصلاة خارجه، لأنه خير البقاع وأطهرها، ولأن أهل مكة يصلون في المسجد الحرام (3). . .
وقد احتج عليه بأنه فعل الرسول صلى الله عليه وسلم حيث كان يخرج إلى المصلى ولم ينقل عنه أنه صلى في مسجده إلا مرة واحدة لعذر، ولا يمكن أن يترك الرسول صلى الله عليه وسلم الأفضل مع قربه، ويتكلف الأبعد
(1) أخرجه أبو داود، ج1، ص686 في كتاب (الصلاة) باب: يصلى بالناس العيد في المسجد إذا كان يوم مطر، وابن ماجه، ج 1، ص416، في كتاب (إقامة الصلاة والسنة فيها) باب: ما جاء في صلاة العيد في المسجد إذا كان مطر.
(2)
أخرجه البخاري، ج2، ص4، في كتاب (العيدين) باب: الخروج إلى المصلى بغير منبر، ومسلم، ج1، ص605، في كتاب (صلاة العيدين) الحديث رقم 889.
(3)
الشيرازي، المهذب، ج1، ص 164
مع نقصه، وهو القدوة لأمته وفعله تشريع.
واحتج عليه كذلك بإجماع المسلمين، حيث إن الناس في كل عصر ومصر يخرجون إلى المصلى، فيصلون العيد فيه مع سعة المسجد وضيقه، وبما روي عن علي رضي الله عنه أنه قيل له: قد اجتمع في المسجد ضعفاء الناس وعميانهم، فلو صليت بهم في المسجد؟ فقال: أخالف السنة إذا، ولكن نخرج إلى الصلاة واستخلف من يصلي بهم في المسجد أربعا (1).
وهذا الأثر في سنن البيهقي، ونصه عن هزيل أن عليا أمر رجلا أن يصلي بضعفة الناس في المسجد يوم فطر أو يوم أضحى وأمره أن يصلي أربعا فهذا الأثر لم يرد فيه جملة (أخالف السنة إذا) ولكن روي في أثر آخر عنه رضي الله عنه أنه قال: من السنة أن يمشي الرجل إلى المصلى، وقال: الخروج يوم العيدين من السنة ولا يخرج إلى المسجد إلا ضعيف أو مريض، زاد معاوية: لكن اخرجوا إلى المصلى ولا تحبسوا النساء (2).
(1) انظر: ابن قدامة، المرجع السابق، ج3، 260.
(2)
انظر: المرجع السابق الكتاب، والباب، ص 311
وتحديد أماكن مصليات العيد موكول أمره إلى ولاة الأمر، فهم المسؤولون عن تحديد هذه المصليات؛ اقتفاء لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، فهم أدرى بما يحتاج إليه المصلون من مصليات، وبما هو أنفع لهم، ولا يشق عليهم، لأن الإكثار منها بما لا حاجة إليه من الأمور المكروهة (1)، ولأنه كلما كثر تجمع المسلمين في مصلى واحد كان أفضل، لأن الكثرة من شعار العيد ومظاهره.
لكن صلاة العيد خارج البلد مقيدة بما لا يشق على المصلين، فمتى تبين أن الخروج فيه مشقة عليهم كانت الصلاة في الجوامع أفضل من الصلاة في الجبانة (2)، فعلى ولاة الأمر أن يعينوا الجوامع المناسبة لصلاة العيدين داخل المدينة، رفعا للحرج عن الناس وعدم تكليفهم ما لا يطيقون؛ لقوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (3) ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث السواك: «لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة (4)» ، وقوله صلى الله عليه وسلم:«اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به (5)» .
(1) انظر: محمد الشربيني الخطيب، المرجع السابق، ج 2، ص 386.
(2)
أي الصحراء، انظر. الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ص1184
(3)
سورة البقرة الآية 286
(4)
أخرجه البخاري، ج1، ص214، في كتاب (الجمعة) باب: السواك يوم الجمعة، ومسلم، ج1، ص220، في كتاب (الطهارة) باب: السواك.
(5)
أخرجه مسلم، ج 2، ص 1458، في كتاب (الإمارة) باب: فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم.