الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روي عن أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام جمع أهله فصلى بهم مثل صلاة الإمام في العيد، وروي عنه أيضا أنه إذا كان بمنزله بالزاوية فلم يشهد العيد بالبصرة جمع مواليه، وولده ثم يأمر مولاه عبد الله بن أبي عتبة فيصلي بهم كصلاة أهل البصرة ركعتين ويكبر كتكبيرهم.
وأيضا لكونها قضاء لصلاة، فكانت على صفتها، والمصلي بالخيار إن شاء صلاها جماعة، وإن شاء صلاها منفردا (1). . وصلاة الجماعة أولى، لما فيها من الفضل وزيادة الدرجات، لما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة (2)» والله تعالى أعلم.
(1) ابن قدامة، المغني، ج 3، ص 285
(2)
أخرجه البخاري ج 1، ص 158، كتاب (الأذان) باب: فضل صلاة الجماعة، ومسلم ج 1، ص 450، كتاب (المساجد) باب فضل صلاة الجماعة.،
المبحث الثاني عشر: صلاة العيد بالنسبة للحاج والمعتمر:
يتفق العلماء رحمهم الله تعالى على أن صلاة العيد لا تلزم الحاج الآفاقي والمعتمر الآفاقي، أي الذي يأتي من خارج مكة، ومن مسافة تقصر فيها الصلاة الرباعية، لأنه يعتبر في حكم المسافر، والمسافر يجوز له قصر الصلاة الرباعية والجمع بين صلاتي الظهر
والعصر، وكذلك بين صلاتي المغرب والعشاء، جمع تقديم أو تأخير؛ لقول الله تعالى في حقه:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (1) ولما روي عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: " ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا " فقد أمن الناس، فقال: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته (2)» .
ولما روي عن حفص بن عاصم عن أبيه قال: صحبت ابن عمر في طريق مكة. قال: فصلى بنا الظهر ركعتين، ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله وجلس وجلسنا معه فحانت منه التفاتة نحو حيث صلى، فرأى ناسا قياما فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون، قال: لو كنت مسبحا لأتممت صلاتي، «يا ابن أخي إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وقد قال الله: (4)» .
(1) سورة النساء الآية 101
(2)
أخرجه مسلم، ج 1، ص 478، في كتاب (صلاة المسافرين وقصرها) باب صلاة المسافرين وقصرها.
(3)
صحيح البخاري الجمعة (1102)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (689)، سنن النسائي تقصير الصلاة في السفر (1458)، سنن أبو داود الصلاة (1223)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1071)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 56).
(4)
سورة الأحزاب الآية 21 (3){لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}
وعليه فإن أحكام السفر تثبت لكل حاج ومعتمر جاء من مسافة لا تقل عن ثمانية وأربعين ميلا عن مكة، ومنها أن صلاة العيد غير لازمة له، وكذلك صلاة الجمع والجماعات.
أما الحاج أو المعتمر الذي لا تنطبق عليه أحكام السفر، فتلزمه صلاة العيد سواء كان من مكة أو من مسافة تقل عن ثمانية وأربعين ميلا، لأنه لا يعد مسافرا، ولا يعاني من مشقة السفر التي من أجلها شرعت هذه الرخصة، وهذا قول بعض أهل العلم (1)، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق:«يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد، من مكة إلى عسفان» وفي رواية أخرى: «أتموا فإنا قوم سفر (2)» .
وقال الإمام مالك وبعض أهل العلم: إنه يجوز لهم القصر كما جاز لهم الجمع بعرفات ومزدلفة، فلا تلزمهم بناء على هذا القول صلاة العيد، لكنهم أجيبوا على ذلك بأنهم قوم غير سفر بعيد لا يجوز لهم القصر قياسا على غيرهم ممن لم يكونوا في عرفات ومزدلفة، وكذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث
(1) انظر محمد الشربيني الخطيب، المرجع السابق، ج 1، ص 272، وابن قدامة في المغني، ج 5، ص 262، 263
(2)
سنن الترمذي الجمعة (545)، سنن أبو داود الصلاة (1229).
السابق: «يا أهل مكة أتموا الصلاة (1)» .
وكذلك لا يجوز لهم الجمع بين صلاتي الظهر والعصر كما جاز للمسافرين في السفر البعيد، ولا الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء عدا في يوم الوقفة بعرفة، فيجوز لهم أن يجمعوا بين صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم، ويجوز لهم أيضا أن يجمعوا بين المغرب والعشاء إذا دفعوا من عرفات إلى مزدلفة جمع تأخير، لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ومن حضره من مكيين وغيرهم، وهذا قول الجمهور.
وقال قوم آخرون: لا يجوز الجمع إلا لمن يبعد موطنه عن مكة ثمانية وأربعين ميلا فأكثر لأن الثمانية والأربعين ميلا هي أقل مسافة تقصر فيها الصلاة. وقد أجيبوا على ذلك بجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرفات ومزدلفة، ومن حضره من المكيين وغيرهم، ولو لم يكن الجمع جائزا لهم لأمرهم بتركه، كما أمرهم بالإتمام، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. وهذا كذلك فعل عثمان رضي الله عنه بعد أن اتخذ أهلا بمكة، فقد أتم في غير عرفات ومزدلفة الصلاة، وجمع وقصر في عرفات ومزدلفة، وكذلك فعل عبد الله بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز عندما كان واليا على مكة (2).
(1) موطأ مالك النداء للصلاة (349).
(2)
ابن قدامة، المرجع السابق، ج هـ، ص 262، 263.
بل إن ابن تيمية رحمه الله تعالى ذهب إلى القول بجواز القصر والجمع لأهل مكة حتى في أيام منى، كغيرهم من الحجاج، فقد قال:" وكذلك يجمعون الصلاة بعرفة ومزدلفة، ومنى كما كان أهل مكة يفعلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ومزدلفة، ومنى، وكذلك كانوا يفعلون خلف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه أحدا من أهل مكة أن يتموا الصلاة ولا قالوا لهم بعرفة ومزدلفة ومنى: «أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر (1)» ومن حكى ذلك عن النبي فقد أخطأ، ولكن المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك في غزوة الفتح لما صلى بهم بمكة. أما في حجه فإنه لم ينزل بمكة ولكن كان نازلا خارج مكة، وهناك كان يصلي بأصحابه، ثم لما خرج إلى منى وعرفة خرج معه أهل مكة وغيرهم، ولما رجع من عرفة رجعوا معه، ولما صلى بمنى أيام منى صلوا معه ولم يقل لهم: «أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر (2)» ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم السفر لا بمسافة ولا بزمان "(3).
فعلى القول: إنه لا يجوز للحاج الذي لا تنطبق عليه أحكام السفر قصر الصلاة الرباعية في غير عرفات والمزدلفة تكون صلاة العيد لازمة له، وعلى القول إنه يجوز له القصر بمنى كما جاز لبقية الحجاج الذين جاءوا من مسافة قصر فأبعد تكون صلاة العيد غير ملازمة له، وهذا القول الأخير أميل إلى ترجيحه؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر الحجاج المكيين الذين كانوا معه بإتمام الصلاة لا في منى ولا
(1) سنن الترمذي الجمعة (545)، سنن أبو داود الصلاة (1229).
(2)
سنن الترمذي الجمعة (545)، سنن أبو داود الصلاة (1229).
(3)
الفتاوى ج 26، ص 130، 131.