الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا:
المكروهات
التي ينبغي للمضحي أن يجتنبها:
1 -
إذا دخلت العشر فإنه يكره لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره وبشرته شيئا، أي يكره له أن يأخذ من شعره، سواء كان شعر الرأس أو كان في أي موضع من جسمه شيئا بحلق أو تقصير أو نتف أو غيره، أو أن يقص أظفاره بتقليم أو غيره، أو أن يأخذ من بشرته شيئا إلا ما كان فيه ضرر عليه، وذلك ابتداء من ليلة اليوم الأول من شهر ذي الحجة، حتى يفرغ من ذبح أضحيته في أيام العيد، وقد دل على ذلك الحديث الذي أخرجه مسلم. رحمه الله تعالى عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره (1)» . وفي لفظ آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا (2)» .
وهذا قول المالكية والشافعية وبعض الحنابلة، وقال بعض الحنابلة: إنه يحرم أن يأخذ المضحي من شعره وبشره شيئا إذا دخلت العشر حتى يضحي، للنهي الوارد في الحديث حيث إن مقتضى النهي التحريم.
وقال الحنفية: إن حلق الشعر وتقليم الأظفار غير مكروه
(1) صحيح مسلم الأضاحي (1977)، سنن الترمذي الأضاحي (1523)، سنن النسائي الضحايا (4362)، سنن أبو داود الضحايا (2791)، سنن ابن ماجه الأضاحي (3150)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 289)، سنن الدارمي الأضاحي (1947).
(2)
صحيح مسلم الأضاحي (1977).
للمضحي، بدليل أنه لا يحرم عليه الوطء ولا اللباس (1)، وبدليل قول عائشة رضي الله عنها:«أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه، ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدي (2)» . .
2 -
ومما يكره للمضحي أن يحلب الشاة التي تعينت أضحية بالشراء أو جز صوفها، سواء كان الذي عينها موسرا أو معسرا، وكذلك الشاة المنذورة أضحية، وهذا قول الحنفية. وقد عللوا ذلك بأن المضحي عينها قربة، فلا يجوز له الانتفاع بشيء منها قبل إقامة القربة. وقالوا كذلك: إن الجز والحلب يؤثران على الأضحية وينقصان من لحمها، وهذا ما لا يجوز أن يلحق بالأضاحي، والشأن في هذا كالشأن في لحمها إذا ذبحها قبل وقتها حيث لا يحل له الانتفاع بشيء منه سواء بأكل أو بغيره. وإذا كان في ضرعها حليب، ويخشى الضرر عليها منه أو الهلاك بسببه فإنه لا يحلبها ولكن ينضحه بالماء البارد حتى يتقلص ويخف ألمه أو بأي شيء يخفف الألم عليها، وإذا خالف وحلبها لزمه التصدق بثمنه، لكونه جزءا من شاة متعينة للقربة، وإذا تلف ولم يتصدق به أو بقيمته لزمه التصدق بثمنه، والشأن في صوفها كالشأن في لبنها (3).
(1) الكاساني، المرجع السابق، ج 5، ص 78
(2)
أخرجه البخاري، ج 2، ص 183 في كتاب الحج، باب: من قلد القلائد بيده، ومسلم، ج 1، ص 959، في كتاب الحج، باب: استحباب بعث الهدي إلى الحرم لمن يريد الذهاب بنفسه
(3)
انظر. الكاساني، المرجع السابق، ج 5، ص 78، والموسوعة الفقهية، ج 5، ص 95، 96
وقال المالكية: إذا تعينت الأضحية بالشراء أو عينها المضحي من بين بهائمه، فإنه يكره شرب لبنها كراهة تنزيه، لأنها قربة، والإنسان لا يعود في قربة، وكذلك يكره جز صوفها قبل ذبحها، لأن ذلك يؤثر في جمالها، وقد استثنوا من ذلك حالتين:
الأولى: إذا كان هناك زمن كاف يعتقد المضحي أن صوفها سينبت فيه، فيعود إلى مثل ما كان عليه أو قريبا منه. فإن جزه لا يكره.
والثانية: إذا نوى حين تعيينها أضحية من بين بهائمه جز صوفها، فإنه لا يكره ذلك، لارتباط النية بالتعيين كالشرط والمشروط، وإذا جز في غير هاتين الحالتين كره له بيعه (1).
أما الشافعية والحنابلة فقد قالوا: بجواز الانتفاع بلبن الأضحية إذا كان فاضلا عن ولدها ولم يلحقها ضرر بسبب حلبه. أما إذا لم يكن فائضا عن ولدها أو كان يضر بها أو ينقص فإنه لا يجوز أخذه ولا الانتفاع به. وكذلك الشأن في صوفها إذا كان بقاؤه أنفع وأجمل للأضحية أو جزه يضر بها فلا يجوز أخذه. أما إذا كان جزها أفضل لها ولا يعود عليها بالنقص فإنه لا يكره، ووجب التصدق بالمجزوز.
3 -
كذلك يكره للمضحي أن يبيع الشاة المتعينة أضحية،
(1) انظر. الخرشي على مختصر خليل، المرجع السابق، ج 3، ص 40، 41
سواء كان التعيين بالشراء أو بالنذر، وهذا قول الحنفية، وقد عللوا ذلك بأنها أضحية تعينت قربة فلا يجوز الانتفاع بثمنها كلحمها وصوفها، غير أنه لو باعها صاحبها نفذ البيع عند أبي حنيفة ومحمد بن الحسن، لأنه بيع مال مملوك منتفع به، ومقدور على تسليمه، ولا ينفذ عند أبي يوسف، لأنها بمنزلة الوقف، وإذا باعها فإنه يجب عليه أضحية مكانها تكون مثلها أو أفضل منها، فإن كانت مثلها أو أرفع منها جاز وليس عليه شيء غيرها، وإن اشترى أقل منها لزمه أن يتصدق بالفرق بين القيمتين دون النظر إلى ثمن البيع والشراء إذا كان يختلف عن القيمة (1).
وعند المالكية إذا كانت الأضحية منذوره، فإنه يحرم بيعها أو إبدالها بغيرها، وإذا كانت غير منذورة كره بيعها أو استبدالها بما هو مثلها أو دونها (2).
وقال الشافعية: لا يجوز بيع الأضحية الواجبة بمال ولا إبدالها ولو بخير منها.
أما الحنابلة فلهم قولان في ذلك، أحدهما: أنه يجوز بيعها أو إبدالها بخير منها؛ لأنها عين يجوز إبدالها، فجاز بيعها كما قبل إيجابها. والثاني: وهو المذهب، أنه لا يجوز بيعها؛ لأن المضحي جعلها قربة فلم يجز بيعها كالوقف، غير أنه يجوز
(1) انظر: الكاساني، المرجع السابق، ج هـ، ص 97
(2)
انظر: الخرشي على مختصر خليل، المرجع السابق، ج 3، ص
إبدالها بما هو خير منها من جنسها لأنه لم يزل الحق فيها عن جنسها، وإنما انتقل إلى خير منها، فكأنه ضم زيادة إليها (1).
4 -
ومن الأمور التي يكره للمضحي فعلها بيع ما ولد للشاة المتعينة أضحية، سواء كان التعيين بالشراء بنية التضحية من غني أو فقر، أو كان بالنذر، وسواء كانت حاملا به وقت التعيين أو حدث بعده، لأن الولد يأخذ حكم الأم بطريق السراية، أي يسري عليه حكم الأم كالرق والحرية وما إلى ذلك. ولهذا فهناك شبه اتفاق من العلماء رحمهم الله تعالى أنه يجب الإبقاء عليه حيا حتى يذبح مع أمه في أيام النحر، فقد قال الحنفية: يكره بيعه ويذبح معها، وإذا باعه وجب التصدق بثمنه. وفيهم من قال: يستحب التصدق به حيا، وإن ذبحه تصدق به، وإن أكل منه تصدق بقيمة ما أكله (2).
وقال المالكية: يحرم بيع ولد الأضحية الواجبة بالنذر، ويندب ذبح ولد الأضحية مطلقا، سواء كانت منذورة أو تطوعا، وإذا ذبح سلك به مسلك الأم في الأكل والإهداء والتصدق، وإن أبقاه حيا جاز التضحية به في عام قادم، وهذا في حالة خروجه قبل الذبح. أما الذي يخرج بعده وكان حيا حياة متحققة وجب ذبحه مع أمه، لأنه استقل بنفسه، وإن خرج ميتا وقد تم خلقه
(1) انظر. ابن قدامة، المرجع السابق، ج 13، ص 383، 384، والمرداوي في الإنصاف، ج 4، ص 89. .
(2)
انظر: الكاساني، المرجع السابق، ج 5، ص 97
ونبت شعره فإنه يعتبر جزءا منها لا يستقل بحكم عنها (1).
وقال الشافعية: إذا عين أضحية بالنذر أو قال: جعلت هذه الشاة أضحية أو نذر أضحية في الذمة، ثم عين شاة عما في ذمته، فولدت هذه الشاة المعينة، وجب ذبح ولدها معها في أيام النحر في هذه الصور الثلاث، ولا يلزم تفرقة لحمه على الفقراء بخلاف أمه، فإنه يلزم تفرقة لحمها، لكنه لو ماتت الأم قبل ذبحها في أيام النحر وجب تفرقة لحمه عليهم أي على الفقراء.
أما ما ولدته الأضحية في غير هذه الصور الثلاث فإنه لا يلزم ذبحه بحال، وإذا ذبحه لا يلزم تفرقة لحمه، لكنه لو تصدق أو أكل أو أهدى أو تصدق وأكل وأهدى جاز (2).
وقال الحنابلة: إذا عين أضحية فولدت، فولدها تابع لها في الحكم، فحكمه حكمها، حيث يثبت له ما هو ثابت لها، سواء كانت حاملا به وقت التعيين أو حدث الحمل بعده، فيذبحه كما يذبحها في أيام النحر، لأنه صار أضحية على وجه التبع لأمه كولد أم الولد والمدبرة، ولا يجوز تقديم ذبحه قبل يوم النحر ولا تأخيره عن أيامه، ويسلك فيه مسلك الأم في التصدق والأكل والإهداء، وقد استدلوا على ذلك بما روي أن رجلا من أهل همدان باليمن جاء إلى علي رضي الله عنه يسوق بقرة ومعها
(1) انظر. الخرشي على مختصر خليل، المرجع السابق، ج 3، ص 40، والموسوعة الفقهية، ج 5، ص 97
(2)
انظر: محمد الشربيني الخطيب، المرجع السابق، ج 4، ص 291، 292