الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضرب الثالث: العمل الواجب على أشخاص بأعيانهم:
يتعين العمل على أشخاص بأعيانهم؛ لتميزهم بقدرات وكفاءات خاصة، لا يستغنى عنها، ولا تتوفر في الآخرين، مما يحتاج الناس إليه في مختلف الشؤون.
فالفقية العالم الذي لا يقوم أحد مقامه في فقه المسائل والأحداث، يتعين عليه تولي بيان الأحكام والفتيا فيما ينتاب الأمة في عصره من أحداث وقضايا. وصاحب الرأي والبصيرة في السياسة والعلاقات ومكر الأعداء، يتعين عليه العمل على كشف أسرار الأعداء، وتخطيطاتهم، ومكرهم، وطريقة التصدي لهم.
والخبير بأسرار التصنيع المتمكن من التقنية، يتعين عليه إعمال كل ما يستطيع في خدمة التصنيع، وتطويره، ليسد حاجة المسلمين، ويحمي ديارهم، وأموالهم، وأعراضهم.
والخبير المتميز في الزراعة، يجب عليه العمل ويتعين، ليرفع من قدرات مزارع المسلمين. والطبيب النابغ في أي جانب من جوانب الطب، يتعين عليه العمل في مجال نبوغه؟ لعلاج مرضى المسلمين، وكشف أدوائهم. والتاجر الماهر الأمين، يتعين عليه العمل، لفتح أبواب رائجة لتجارة المسلمين، ترويجا لبضائعهم، وتنشيطا لاقتصادهم. وهكذا كل صاحب كفاءة متميزة يتعين عليه العمل بكفاءته؛ لخدمة أمة المسلمين.
أدلة هذا الضرب: يدل على تعين العمل على أشخاص بأعيانهم: الكتاب، والسنة، والعقل.
أما من الكتاب: فقد دلت آيات كثيرة على ذلك منها.
1 -
وجه الاستدلال بالآية: يتوعد الله الذين يكتمون العلم بلعن من الله وفي اللاعنين، وهذا يدل على وجوب نشر العلم وتبليغه، وبيان الأحكام الشرعية التي يحتاجها الناس في دينهم ودنياهم.
وما يحتاجه الناس من كل مختص بخبرة خاصة أو قدرة خاصة، هو كذلك، أي أنه يجب عليه أن يبذل هذه الخبرة أو القدرة الخاصة لنفع المسلمين، وإلا فقد كتم علما علمه الله إياه بغير حق.
2 -
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} (2){الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} (3).
وجه الاستدلال بالآية: ذم الله تعالى وتوعد المختال الفخور، الذي يبخل ويأمر الناس بالبخل، ويكتم ما آتاه الله من فضله. فالعالم المتمكن في شرع الله، والمهندس الماهر، والطبيب الحاذق، وصاحب الرأي والمشورة، والخبير بأسرار التصنيع، وصاحب الكنوز والأموال، وما ماثلهم من المتميزين في مختلف المجالات، هم من أولئك الذين آتاهم الله من فضله، وتوعدهم إن لم يعملوا به، فتعين عليهم العمل، فإن هم عملوا ولم يكتموا ولم يبخلوا ولم يختالوا ولم يفخروا بما آتاهم الله من
(1) سورة البقرة الآية 159
(2)
سورة النساء الآية 36
(3)
سورة النساء الآية 37
فضله، بل أظهروه وبذلوه ونصروا به أمر الله، حمدا له على فضله، فقد أدوا واجبهم المتعين عليهم، وإلا فلا.
ومن السنة:
1 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة (1)» .
وجه الاستدلال بالحديث: توعد الله كاتم العلم بعد سؤاله بلجام من نار يوم القيامة. وصاحب الخبرة والقدرة الخاصة في أي جانب من جوانب حياة المسلمين، إذا دعي لأدائها فأبى، فقد كتم علما آتاه الله إياه، والمسلمون في أشد الحاجة إليه، فيكون ممن توعده الله بالعذاب. وأمور الدنيا تقيم أمور الآخرة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فيجب على أولئك المختصين العمل باختصاصاتهم.
2 -
حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل (2)» .
وجه الاستدلال بالحديث: أمر رسول الله صلى الله عليه
(1) أخرجه أبو داود (بذل المجهود في حل أبي داود)(كتاب العلم) باب كراهية منع العلم. (15/ 344)، وأخرجه الترمذي في سننه (كتاب العلم) باب ما جاء في كتمان العلم (5/ 29) وقال عنه: حديث حسن. وله طرق أخرى عن جابر، وابن عمرو.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب السلام) باب (21) أستحباب الرقية من العين، والنملة، والحمة، والنظرة (4/ 1726).