الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى (1)».
بل وفي يوم العيد تؤدى صلاة العيد، والصلاة من أعظم ما يتقرب به العبد إلى مولاه، وكذلك تؤدى زكاة الفطر التي هي طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، وتذبح فيه كذلك الأنساك التي يقع الدم منها بمكان عند الله قبل أن يقع على الأرض، ويأكل المضحي منها وأهل بيته، ويهدي إلى الأصدقاء، ويطعم الفقراء. ولذلك فإنه بالزكاة والأضاحي تتجلى لنا صورة من صور النظام التكافلي عند المسلمين الذي سبقت الإشارة إليه والذي لا يحققه، ولا يرقى إليه أي نظام تكافلي عند غير المسلمين مهما كان حسنه وكماله، لاختلاف المصدر والباعث لكل منهما.
(1) أخرجه البخاري، ج2، ص138 في كتاب (الزكاة) باب: زكاة الفطر، ومسلم ج ا، ص 677 في كتاب (الزكاة) باب: زكاة الفطر على المسلمين.
الفصل الأول في صلاة العيد:
وفيه توطئة واثنا عشر مبحثا:
التوطئة في حكمة مشروعية صلاة العيد:
الصلاة صلة بين العبد وربه، وهي أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى. يدل على ذلك أنها الركن الثاني من أركان الإسلام، حيث تأتي بعد الشهادتين، وهي راحة المسلم، فقد ورد
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لبلال رضي الله عنه في شأنها: «أرحنا بها يا بلال (1)» .
وصلاة العيد من جنس الصلاة، وهي تزيد على غيرها في أن المسلمين يخرجون لها جميعا، رجالا ونساء، صغارا وكبارا، حتى الحيض من النساء ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، ففي الحديث المتفق عليه الذي روته أم عطية رضي الله تعالى عنها قالت:«أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى. العواتق والحيض وذوات الخدور. فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: لتلبسها أختها من جلبابها (2)» .
والحكم التي شرعت لها صلاة العيد عظيمة وكثيرة، وأعظمها أن الله تعالى تعبدنا بها، إلا أن لها مع ذلك حكما أخرى؛ لأن جميع المسلمين الذكور منهم والإناث، الصغار والكبار، مأمورون بالخروج إليها مهللين ومكبرين لينالوا الخير منها ودعوة المسلمين، ويتم التعارف والتواصل والتناصح والتزاور والتهاني، فيتحقق بهذا الاجتماع من المصالح الدينية والدنيوية الشيء الكثير (3).
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند، ج5، ص 371.
(2)
أخرجه البخاري، ج2، ص 8 في كتاب (العيدين) باب خروج النساء إلى المصلى، ومسلم، ج1، ص 606 في كتاب (صلاة العيدين) باب: ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى، وشهود الخطبة، واللفظ له.
(3)
عبد الله بن عبد الرحمن آل بسام، تيسير العلام شرح عمدة الأحكام، ج1، ص 323.
ولو تأملنا فقط فيما سنه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخروج إلى صلاة العيد من طريق، والعودة من طريق آخر لاتضحت لنا حكم عظيمة من مشروعية هذه الصلاة، فمما ذكره العلماء عن ذلك قولهم: ليسلم على أهل الطريقين، وقيل: لينال بركته أهل الطريقين، وقيل: ليقضي حاجة من له حاجة منهما، وقيل. ليظهر شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق، وقيل: ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام، وأهله، وقيام شعائره، وقيل: لتكثر شهادة البقاع، فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى خطواته ترفع درجة والأخرى تحط خطيئة حتى يرجع إلى منزله، والصحيح أنه لذلك كله، ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله عنها (1).
المبحث الأول: حكم صلاة العيد:
الأصل في صلاة العيد الكتاب والسنة والإجماع.
فأما الكتاب فقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (2) فقد قيل في تفسيرها: إنه أمر بالصلاة على العموم، ففيه المكتوبات بشروطها والنوافل، وقيل: إن المراد به صلاة العيد، فالصلاة أولا ثم النحر ثانيا (3) فهذا النص يشمل صلاة العيد سواء كانت هي المخصوصة بالنص أو كان النص عاما لجميع الصلوات المكتوبات، ومنها النوافل.
(1) ابن القيم، زاد المعاد، ج1، ص123، وانظر في ذلك أيضا ابن قدامة المقدسي، في المغني، ج 3، ص283، 284. .
(2)
سورة الكوثر الآية 2
(3)
ابن عطية، تفسير ابن عطية، ج15، ص584.
وأما السنة فقول ابن عباس رضي الله عنهما: «شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة (1)» .
كما أجمع المسلمون على صلاة العيدين (2) وقد اختلفت المذاهب الفقهية في حكمها، فقال الحنفية: إنها واجبة بدليل قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (3). فقد قيل في تفسيرها: إنها صلاة العيد، ولأن مطلق الأمر للوجوب. وكذلك لقوله تعالى:{لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (4). وقد قيل: إن المراد منه أيضا صلاة العيد. ثم إنها من شعائر الإسلام فلو كانت سنة، فربما اجتمع الناس على تركها فيفوت ما هو من شعائر الإسلام، فكانت واجبة صيانة لما هو من شعائر الإسلام (5) وقال المالكية: إنها سنة مؤكدة، واستدلوا على سنيتها بمواظبة الرسول صلى الله عليه وسلم عليها (6) وقال الشافعية: إنها سنة، واستدلوا على ذلك «بأن
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري، ج2، ص5، كتاب (العيدين) باب: الخطبة بعد العيد، ومسلم ج1، ص 602، كتاب (صلاة العيدين) الحديث رقم1
(2)
انظر: ابن قدامة في المغني، ج3، والكشناوي في أسهل المدارك، ج1، ص334.
(3)
سورة الكوثر الآية 2
(4)
سورة الحج الآية 37
(5)
الكاساني، بدائع الصنائع، ج1، ص275، والشيخ نظام، الفتاوى الهندية، ج1، ص149.
(6)
الكشناوي، أسهل المدارك، ج1، ص334، والقرطبي، الكافي، ج1، ص 163
رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خمس صلوات في اليوم والليلة" فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع (1)». . . " متفق عليه. ولأنها صلاة مؤقته لا تشرع لها الإقامة، فلم تجب بالشرع كصلاة الضحى (2).
وقال الحنابلة: إنها فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، واحتجوا لقولهم بعدم مشروعيتها على الأعيان. كما يرى الحنفية بأنها صلاة لا يشرع لها أذان ولا إقامة، فهي ليست واجبة عينا كصلاة الجنازة، واحتجوا على المالكية والشافعية الذين يرون أنها سنة، وأنها لو كانت واجبة لشملها خبر الرسول صلى الله عليه وسلم السابق، وأيضا لوجبت خطبتها، ووجب استماعها كالجمعة، لأن قول الله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (3) أمر، والأمر يقتضي الوجوب، وأن مداومة الرسول صلى الله عليه وسلم على فعلها دليل على وجوبها، وأنها من أعلام الدين الظاهرة، فكانت واجبة كالجمعة، وأنها لو لم تكن كذلك لما وجب قتال تاركها كما هو في سائر السنن؛ لأن القتال عقوبة والعقوبة لا تتوجه إلى تارك مندوب. أما حديث الأعرابي المذكور فإنه لا حجة لهم فيه؛ لأن الأعراب غير ملزمين بالجمعة لعدم الاستيطان، فإذا كان الأمر
(1) أخرجه البخاري، ج1، ص17، كتاب (الإيمان) باب: الزكاة من الإسلام، ومسلم، ج1، ص40، كتاب (الإيمان) باب: بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام
(2)
الشافعي، الأم، ج1، ص230، والشيرازي، المهذب، ج1، ص163.
(3)
سورة الكوثر الآية 2