المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: مشروعية العمل: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٦٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ دم الإحصار والفوات

- ‌ فدية الأذى وفدية ترك الواجب

- ‌ جزاء الصيد

- ‌ ما لزم بالنذر

- ‌ الأضحية:

- ‌ العقيقة

- ‌ هدي التطوع

- ‌ الصدقة المطلقة

- ‌ ذبيحة وليمة العرس

- ‌ ما ذكر عليه غير اسم الله

- ‌ الفرع والعتيرة:

- ‌حكم إدخال اليدينفي الإناء قبل غسلهما

- ‌حكم افتتاح الجرائد بالبسملة

- ‌حكم البول واقفا

- ‌هل يجوز إبقاء الصبيغير مختون إلى عشر سنوات

- ‌حكم القزع " التواليت

- ‌كيفية تسريح الشعر للرجل والمرأة

- ‌تحريم حلق اللحى وتعريف اللحية

- ‌حكم التقصير من اللحية

- ‌خضب الشعر بالحناء

- ‌الكتب التي بينت أحكام الحج

- ‌العمرة واجبة في العمر مرة

- ‌من اعتمر مع حجهفلا يلزمه عمرة أخرى

- ‌الحج مع القدرة واجب على الفور

- ‌حكم تأخير الحج إلى ما بعد الزواج

- ‌حكم تكرار الحج للرجال والنساء

- ‌العمرة مشروعة في كل وقت

- ‌مدى صحة قول العوام" من حج فرضه يقضب أرضه

- ‌حكم من نوى الحج كل عام ولم يستطع

- ‌الحج والعمرةأفضل من الصدقة بنفقتها

- ‌الأفضل لمن حج الفريضةأن يتبرع بنفقة حج التطوع في سبيل الله

- ‌تصرف نفقة حج التطوع فيعمارة المسجد إذا كانت الحاجة إليه ماسة

- ‌من مات على الإسلامفله ما أسلف من خير

- ‌تارك الصلاة لا يصح حجه

- ‌حج الصبي لا يجزئه عن حجة الإسلام

- ‌كيفية إحرام الصبي ولوازمه

- ‌أعمال الصبي لهويؤجر والده على تعليمه

- ‌ أولياء أمور الزوجات قد لا يوجدون عند كتابة عقود الأنكحة

- ‌ زواج المسيار

- ‌ عقوق الأبناء والبنات للآباء والأمهات

- ‌ عقيدة المرجئة

- ‌ سمعت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يدرك عقلي معناه

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمةللبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ حكم جوائز المسابقات التي يمنحهامهرجان (تسوق في وطني)

- ‌ حكم الجوائز المرتبة علىالمسابقات في الألعاب

- ‌ الوضوء من ألبان الإبل

- ‌ هل يكون لحم البقر من ضمن لحم الجزور

- ‌لا ينتقض الوضوء بالانتشار للذكر

- ‌العمل وأحكامه

- ‌الافتتاحية:

- ‌ موضوع البحث

- ‌ سبب بحث هذا الموضوع:

- ‌ منهج هذا البحث:

- ‌التمهيد: أهمية العمل عند المسلمين:

- ‌الباب الأول: حقيقة العمل، وضمان كفايته واستمراره بقدرة عالية عند المسلمين:

- ‌الفصل الأول: دواعي العمل عند المسلمين

- ‌المبحث الثاني: مشروعية العمل:

- ‌المبحث الثالث: حكمة مشروعية العمل:

- ‌المبحث الرابع: مفاسد ترك العمل عند المسلمين:

- ‌المبحث الخامس: ثمرات عمل المسلم:

- ‌المطلب الأول: العبادة المحضة:

- ‌المطلب الثاني: عمل العادة والعبادة:

- ‌الفصل الثاني: الموازنة في العمل بما يضمن جميع الكفايات:

- ‌المبحث الأول: العمل عند المسلمين وسيلة لا غاية:

- ‌المبحث الثاني: أنواع العمل، وأفضل الأعمال:

- ‌النوع الأول: العمل الزراعي:

- ‌النوع الثاني: العمل الصناعي:

- ‌النوع الثالث: العمل التجاري:

- ‌النوع الرابع: العمل في الخدمة العامة:

- ‌النوع الخامس: العمل في تنمية الحيوان:

- ‌النوع السادس: العمل الحرفي:

- ‌المبحث الثالث: إيجاد العمل ووفاؤه باحتياجات الأمة:

- ‌المطلب الأول: إيجاد الأعمال

- ‌المطلب الثاني: وفاء العمل بالاحتياجات:

- ‌الفصل الثالث: ضمان استمرار العمل ونموه:

- ‌المبحث الأول: تكثير مجالات العمل، وتنميتها

- ‌المبحث الثاني: تذليل معوقات العمل ومحاربة البطالة:

- ‌المطلب الأول: تذليل معوقات العمل

- ‌أولا: المعوقات البشرية:

- ‌ثانيا: المعوقات النفسية:

- ‌ثالثا: المعوقات الآلية:

- ‌رابعا: المعوقات المالية:

- ‌المطلب الثاني: محاربة البطالة:

- ‌المبحث الثالث: توفير المواد اللازمة لمختلف الأعمال والصناعات والتوسع فيها:

- ‌المبحث الرابع: تحسن نوعية الإنتاج:

- ‌الفصل الرابع: رفع قدرات أدوات الإنتاج الآلية والبشرية:

- ‌المبحث الأول: وسائل رفع الكفاءات العمالية

- ‌المبحث الثاني: الصبر على العمل وحوافزه ومغرياته:

- ‌المبحث الثالث: ضمان الإنتاج الكامل لكل عامل:

- ‌المبحث الرابع: تطوير ورفع قدرات آلات الإنتاج:

- ‌الباب الثاني: أحكام العمل:

- ‌التمهيد: هل يلزم العلماء بيان أحكام كل شيء

- ‌الفصل الأول: العمل الواجب:

- ‌الضرب الأول: العمل الواجب على كل قادر عليه من الناس:

- ‌الضرب الثاني: أعمال الواجب الكفائي:

- ‌الضرب الثالث: العمل الواجب على أشخاص بأعيانهم:

- ‌الفصل الثاني: العمل المندوب إليه:

- ‌الفصل الثالث: العمل المباح:

- ‌الفصل الرابع: العمل المكروه:

- ‌الفصل الخامس: الأعمال المحرمة:

- ‌الفصل السادس: هل يترخص العمال في شيء من الفرائض بسبب العمل

- ‌الخاتمة:

- ‌الدعوة الإسلامية ومنهجها القرآني

- ‌المقدمة:

- ‌المنهج القرآني:

- ‌مكانة الدعوة:

- ‌مراحل الدعوة:

- ‌شمولية الدعوة:

- ‌الخاتمة:

- ‌تمهيد في تعريف العيد والحكمة من تشريعه في الإسلام:

- ‌الفصل الأول في صلاة العيد:

- ‌المبحث الثاني: تحديد أماكن إقامة صلاة العيد:

- ‌المبحث الثالث: ما يشترط لصلاة العيد:

- ‌المبحث الرابع: الخروج لصلاة العيد:

- ‌المبحث الخامس: وقت أداء صلاة العيد:

- ‌المبحث السادس: إمامة الناس في صلاة العيد:

- ‌المبحث السابع: صفة صلاة العيد

- ‌المطلب الأول: قدر صلاة العيد:

- ‌المطلب الثاني: التكبير في صلاة العيد

- ‌المسألة الأولى: في عدد التكبيرات في صلاة العيد:

- ‌المسألة الثانية: استحباب رفع اليدين مع كل تكبيرة:

- ‌المسألة الثالثة: صفة التكبير:

- ‌المسألة الرابعة: حكم التكبير:

- ‌المبحث الثامن: ما يقرأ به في صلاة العيد:

- ‌المبحث التاسع: خطبتا صلاة العيد:

- ‌المبحث العاشر: التنفل قبل صلاة العيد وبعدها:

- ‌المبحث الحادي عشر: حكم من فاتته صلاة العيد:

- ‌المبحث الثاني عشر: صلاة العيد بالنسبة للحاج والمعتمر:

- ‌الفصل الثاني في زكاة الفطر:

- ‌التمهيد في الحكمة من مشروعية زكاة الفطر:

- ‌المبحث الأول: تعريف زكاة الفطر:

- ‌المبحث الثاني: حكم زكاة الفطر:

- ‌المبحث الرابع: من تجب عليهم زكاة الفطر:

- ‌المبحث الخامس سبب وجوب زكاة الفطر ووقته:

- ‌المبحث السادس: وقت وجوب أداء زكاة الفطر:

- ‌المبحث السابع: في جواز أداء زكاة الفطر قبل وجود سببها:

- ‌المبحث الثامن: نوع المخرج في زكاة الفطر ومقداره:

- ‌المبحث التاسع: مصرف زكاة الفطر:

- ‌المبحث العاشر: في نقل زكاة الفطر:

- ‌المبحث الأول: تعريف الأضحية والحكمة من مشروعيتها:

- ‌المبحث الثاني: حكم الأضحية:

- ‌المبحث الثالث: شروط وجوب الأضحية أو سنيتها:

- ‌المبحث الرابع: وقت ابتداء التضحية:

- ‌المبحث الخامس: حكم من ضحى قبل وقت التضحية أو أخرها حتى فواته:

- ‌المبحث السادس: أنواع الضحايا:

- ‌المبحث السابع: صفات الضحايا:

- ‌المبحث الثامن: السن المشترطة في الضحايا:

- ‌المبحث التاسع: عدد ما يجزئ من الضحايا عن المضحين:

- ‌المبحث العاشر: في مستحبات ينبغي للمضحي فعلها ومكروهات يحسن به اجتنابها:

- ‌ المستحبات

- ‌ المكروهات

- ‌المبحث الحادي عشر: في أحكام لحوم الضحايا:

- ‌الخاتمة:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المبحث الثاني: مشروعية العمل:

تركه، وما يجب تقديمه، وما لا يضر تأخيره، إلى غير ذلك.

ولا يقول أحد إن العمل لا يدخل في الأبواب الفقهية، فلا ريب أنه من أهمها وأعظمها شأنا حيث إنه باب واسع، يلجه كل الناس، وعلى الفقهاء أن يطلعوا على ما يأتيه الإنسان لبيان حكمه الشرعي، مهما كان الأمر تافها، فكيف بهذا الباب العظيم، وقد تكفل الشرع الحكيم بالبيان والتفصيل لكل شيء في حياة الناس. وأقف في هذا البحث عند العمل بمعناه الخاص، وهو ما يتعلق بالعمل الإنتاجي، سواء كان ماديا أو فكريا، مما لم يتكلم عنه الفقهاء في باب فقهي مستقل.

ص: 129

‌المبحث الثاني: مشروعية العمل:

دل الكتاب، والسنة، والإجماع على مشروعية العمل.

أولا: من الكتاب:

1 -

قول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (1).

وجه الاستدلال من الآية: أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بإعداد أقصى ما يستطيعونه من القوة؛ لإرهاب الكفار والمشركين، أعداء الله وأعداء المسلمين، وإرعاب المتربصين من المنافقين،

(1) سورة الأنفال الآية 60

ص: 129

ورغب سبحانه في الإنفاق في سبيله ببيان أن كل نفقة في ذلك مخلوفة لا تضيع (1).

وإعداد القوة، والنفقة في سبيله تحتاج إلى عمل، فلا قوة ولا مال من غير عمل في ميادين الحياة.

2 -

قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2) وجه الاستدلال من الآية: أباح الله لنا الابتغاء من فضله، ولا يكون ذلك إلا بالعمل على اختلاف أنواعه.

3 -

قوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} (3).

وجه الاستدلال من الآية: علم الله تعالى نبيه داود عليه السلام صناعة الدروع التي يتقي بها الإنسان بأس عدوه حين القتال. وإذا شرع الله تعالى ذلك لنبيه، وامتن به على عباده فقد شرع لعباده صناعة كل ما يلزمهم لاتقاء شر أعدائهم.

4 -

قوله تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (4).

(1) ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/ 321). .

(2)

سورة الجمعة الآية 10

(3)

سورة الأنبياء الآية 80

(4)

سورة سبأ الآية 13

ص: 130

وجه الاستدلال من الآية: دل امتنان الله تعالى على سليمان بتسخير الجن له ليعملوا له ما يشاء من الأعمال المعمارية والصناعية على مشروعية هذه الأعمال ونحوها للعباد (1).

5 -

قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (2).

وجه الاستدلال من الآية: في هذه الآية الأمر بالعمل مطلقا، فهي شاملة للأعمال الصالحة الخالصة من العبادات، كالصلاة والصيام وغيرها، كما تشمل الأعمال التي لا تقوم بعض العبادات إلا بها، كالصناعات اللازمة للجهاد في سبيل الله، وكسائر الأعمال المباحة التي تدر المال الذي ينفق منه في عموم سبيل الله.

بهذا القدر من الآيات نكتفي عن ذكر آيات كثيرة أخرى، كلها تدل على مشروعية العمل في الإسلام.

ثانيا: من السنة:

وردت أحاديث كثيرة وآثار تحث على العمل، وتبشر العاملين بخير، وتحذر من ترك العمل، وتذم العاطلين. فمن هذه الأحاديث:

1 -

حديث ابن عمر رضي الله عنهما:

(1) انظر: تفسير الآية والمعاني الواردة فيها في تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/ 528).

(2)

سورة التوبة الآية 105

ص: 131

«سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أطيب الكسب، فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور (1)» . .

وجه الاستدلال من الحديث: يدل هذا الحديث على مشروعية العمل، حيث جعل النبي صلى الله عليه وسلم عمل الرجل بيده، وهو أصل العمل أطيب الكسب الذي يرضي الله تعالى.

2 -

حديث المقدام رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده» وفي رواية أبي هريرة رضي الله عنه: «أن داود كان لا يأكل إلا من عمل يده (2)» . .

وجه الاستدلال من الحديث: يثني النبي صلى الله عليه وسلم على العمل باليد، ويبين أن الطعام الناتج عن عمل اليد هو خير طعام على الإطلاق. وأن داود نبي الله عليه السلام كان لا يأكل إلا من عمل يده. وهذا حث عظيم على العمل.

(1) أخرجه الذهبي في السير موصولا عن ابن عمر (18/ 376) وللحديث شواهد كثيرة جدا توثقه، منها. حديث رافع بن خديج عند أحمد (4/ 141) والطبراني في الكبير (4411) وحديث البراء بن عازب عند البزار، وحديث أبي هريرة عند أحمد (2/ 334) وغيره كثير بمعان متقاربة وألفاظ مختلفة

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب البيوع) باب كسب الرجل وعمله بيده (3/ 9)

ص: 132

3 -

حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه (1)» . .

وجه الاستدلال من الحديث: يحث النبي صلى الله عليه وسلم على العمل، على أي عمل حتى ولو جلب حزمة من الحطب يستغني بها عن الناس، ولا شك أن العمل فيما فوق ذلك أولى وأفضل كما يفهم من الحديث.

4 -

حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على المنبر، يقول:«وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي (2)» . .

وجه الاستدلال من الحديث: بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بالقوة في الآية الرمي، وهذا البيان ليس من باب الحصر وإنما هو من باب ذكر الأخص الأعلى. ومعلوم أن القدرة على الرمي بما يعلي كلمة الله تختلف باختلاف قوة العدو. ولا قوة إلا بعمل صناعي واسع النطاق، حسب الحاجة

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الزكاة) باب (50) الاستعفاف عن المسألة (2/ 129)

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الإمارة) باب (52) فضل الرمي والحث عليه، وذم من علمه ثم نسيه (3/ 1522)

ص: 133

لدحر العدو وإذلاله، وحفظ ديار المسلمين وإعلاء كلمتهم. وهو عمل مستمر لا يتوقف أبدا، لضمان القدرة القتالية المستمرة، وإعداد الجيل بعد الجيل، ولذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ترك الإعداد المستمر، كما جاء في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من علم الرمي ثم تركه فليس منا، أو قد عصى (1)» . .

5 -

حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز (2)»

وجه الاستدلال من الحديث: في هذا الحديث حث عظيم على قوة المؤمن في كل شيء، فالقوة في الحديث مطلقة فتشمل قوة الإيمان، والعمل الصالح على اختلافه، وقوة البدن وقوة المال، وسائر القوى. فهذا المؤمن القوي ينتج عنه خير كثير في كل الميادين، والمؤمن الضعيف لا ينتج عنه شيء إلا الضعف والقلة، ولا تقوم به دنيا ولا دين. وفيما يقص الله تعالى علينا أن بنت شعيب عليه السلام رغبت أباها في موسى عليه السلام

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الإمارة) باب (52) فضل الرمي والحث عليه، وذم من علمه ثم نسيه (3/ 1522)

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب القدر) باب (81) في الأمر بالقوة وترك العجز، والاستعانة بالله، وتفويض المقادير له (4/ 2052) والإمام أحمد في مسنده 2/ 366، وابن ماجة 11/ 30، وغيرهم.

ص: 134

بقولها: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (1)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:«اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول. وخير الصدقة عن ظهر غنى (2)» . . فالحديث دعوة وحث على العمل على اختلاف أنواعه وأهدافه، فلا قوة إلا بعمل.

هذا طرف من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الداعية إلى العمل، وطلب الرزق، والاستغناء عن الناس. وقد ثبت أن جميع الأنبياء كان لهم حرف.

أما من الآثار فهناك آثار كثيرة جدا تحض على العمل، وممارسة الحياة، وتنهى عن الكسل والاعتماد على الآخرين، نذكر طرفا يسيرا منها:

1 -

روى معاوية بن قرة "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقي ناسا من أهل اليمن فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: بل أنتم المتأكلون، إنما المتوكل الذي يلقي حبه في الأرض ويتوكل على الله"(3).

2 -

حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمال أنفسهم، وكان يكون لهم

(1) سورة القصص الآية 26

(2)

فتح الباري شرح صحيح البخاري (3/ 294)

(3)

أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (1/ 106 / 2)، ونقله ابن رجب في جامع العلوم والحكم (414).

ص: 135

أرواح، فقيل لهم: لو اغتسلتم" (1).

ففي الأثر الأول ينكر عمر رضي الله عنه ترك العمل، ويأمر بفعل الأسباب. وفي الأثر الثاني تخبر عائشة رضي الله عنها أن الصحابة رضي الله عنهم يرون العمل، ويعملون بأنفسهم، وليست الأعمال السهلة وإنما تلك التي تعرق لها الأبدان، فتثور منها الرائحة لقوة العمل.

3 -

ومن آثار السلف الكثيرة الداعية إلى العمل نكتفي بأثر الإمام أحمد وابن عيينة حول وجوب العمل، قال الخلال: أخبرني محمد بن علي حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل أنه سأله أباه رحمه الله عن التوكل، فقال:"التوكل حسن، ولكن ينبغي للرجل أن لا يكون عيالا على الناس، ينبغي أن يعمل حتى يغني نفسه وعياله، ولا يترك العمل" قال: وسئل أبي رحمه الله وأنا أشاهد عن قوم لا يعملون، ويقولون: نحن متوكلون. فقال: "هؤلاء مبتدعة" وروى أبو بكر المروزي قال لأبي عبد الله رحمه الله: إن ابن عيينة كان يقول: "هم مبتدعة" فقال أبو عبد الله - أحمد بن حنبل -: "هؤلاء قوم سوء يريدون تعطيل الدنيا".

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب البيوع) باب (15) كسب الرجل وعمله بيده (3/ 8).

ص: 136