الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بجلالها فقسمتها، ثم بجلودها فقسمتها (1)». .
وذهب أبو حنيفة إلى جواز بيع ما ينتفع به كشعرها وصوفها وشحومها وأكارعها وجلدها، ولكن بغير الدراهم والدنانير، أي بالعروض، وذلك أن المعارضة هي من باب الانتفاع، وقد أجمع العلماء على جوازه، فإذا باع المضحي ما ينتفع به من الأضحية بما يمكن الانتفاع به كالجراب والمنخل جاز، لأن للبدل حكم المبدل. .
(1) أخرجه البخاري، ج 2، ص 286، في كتاب (الحج) باب: يتصدق بجلال البدن
الخاتمة:
العبادات البدنية والمالية المرتبطة بالعيد عبادات جليلة النفع عظيمة الفائدة للمسلمين في دينهم ودنياهم، فهذه صلاة العيد صلاة جامعة، يتردد حكمها بين فرض العين، والسنة المؤكدة، يخرج إليها المسلمون، رجالا ونساء، كبارا وصغارا، مهللين ومكبرين، تسود بينهم أخوة إسلامية عجيبة أساسها وحدة العقيدة في الدين، زالت فيها فوارق الجنس والعرق واللون، فكلهم لآدم وآدم من تراب، وأكرمهم عند الله أتقاهم.
إن خروج المسلمين إلى مصليات العيد، لأداء الصلاة جماعات وأفرادا يشكل مظهرا إيمانيا رائعا ليس له عند غير المسلمين ند ولا نظير، حيث تمتلئ بهم سائر الفجاج والطرق، فترى في هذا المظهر العجيب عزة الإسلام وقوة تماسك المسلمين، وأنهم أمة من دون الناس، يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم فيرهبهم العدو ويخشاهم الناس، ويتحقق فيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«نصرت بالرعب مسيرة شهر (1)» ناهيك عن مصالح أخرى تتم من خلال هذا المظهر العظيم، والاجتماع الكبير من تهاني المسلمين، وتفقد أحوال بعضهم لبعض، ومواساة الغني للفقير، وتجدد أواصر القربى، وصلة الأرحام، وفوق ذلك كله أنهم يرجعون من مصلياتهم إلى بيوتهم بمغفرة من ربهم ورضوان.
وهذه زكاة الفطر التي هي فرض عين على كل مسلم ومسلمة تكون سببا لتطهير المسلم من ذنوبه، وتغني الفقير في يوم العيد، تظهر لنا صورة من صور النظام التكافلي في الإسلام، حيث تسد حاجة الفقراء، وتكفهم عن المسألة في يوم العيد، فيتفرغون مع إخوانهم المسلمين لأداء هذه العبادات العظيمة، وللاحتفال بهذه المناسبة الكبرى.
وهذه الأضحية التي يتردد كذلك حكمها بين الوجوب والاستحباب يشترك القادرون من المسلمين في إحيائها، وهي من شعائر الإسلام الكبرى، وتذبح في يوم عيد الأضحى، يتقرب بها
(1) صحيح البخاري التيمم (335)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (521)، سنن النسائي الغسل والتيمم (432)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 304)، سنن الدارمي الصلاة (1389).
المضحي إلى الله تعالى، فهاهو يقول عند الذبح: بسم الله والله أكبر، ويقع الدم منها عند الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، ويتبع فيها سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيأكل الثلث منها، ويهدي الثلث إلى أصدقائه من الإخوان والجيران، ويتصدق بالثلث الباقي، فيعم الخير جميع المسلمين الموسرين منهم والمعدمين، منشرحة بها صدورهم، مغتبطة بها قلوبهم، يعلوهم البشر، الكبير منهم والصغير.
وبهذه العبادات ذات الصلة بالعيد وبغيرها من العبادات المشروعة يشعر المسلمون دوما أنهم عباد الله المخلصون، وأن صلتهم بالله تعالى دائمة، لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله تعالى، وأنهم ينتمون إلى بناء واحد شامخ مرصوص، وإلى كيان الأمة الواحدة والجسد الواحد، الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وفي نهاية خاتمة هذا البحث المتواضع. يسأل الباحث الله العلي العظيم الحليم أن يجعله نافعا في بابه، وأن تكون فيه إضافة جديدة للمكتبة الإسلامية، وأن يوفق المسلمين للعمل بأحكام شريعتهم، وألا يعبدوه إلا بما شرع، وأن يعيد للإسلام عزته وسابق مجده، كما يسأله أن يغفر له ما وقع فيه من خطأ أو نسيان، وألا يحرمه أجر المجتهد، إنه سميع مجيب. وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.