الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} (1). وآيات كثيرة تدل على تفضل الله على عباده بما سخر لهم من الحيوانات البرية والبحرية، كما تدل عليه أحاديث كثيرة من السنة.
ويدخل في الثروة الحيوانية الأسماك، والدواجن، والطيور، والصيد كافة، على اختلاف أنواعه. والعمل في تنمية الحيوان ميدان فسيح لطلب الرزق من الله رب العالمين.
(1) سورة النحل الآية 80
النوع السادس: العمل الحرفي:
حرف واحترف: أي كسب. والحرفة: الكسب، والمحترف: المكتسب، أو الصانع، ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه:"لحرفة أحدهم أشد علي من عيلته".
فالعمل الحرفي: هو العمل التكسبي، ويشمل جميع الأعمال التي يتعلمها الإنسان بقصد التكسب، فيعمل بها ويقدمها للناس، مثل أعمال البناء، والنجارة، والحدادة، والسباكة، والأعمال الكهربائية، والخرازة، والحجامة، والسقاية، والخياطة، والصباغة، والطبخ، والخبز، وإصلاح السيارات والمعدات، والنقل، والدهان، والرسم والكتابة، والطب، والصيدلة، وكثير من الحرف الأخرى. لهذه الحرف وغيرها شأن عظيم في حياة الناس، حيث يسد أصحاب الحرف حاجات الناس في مثل هذه
الأعمال التي لا يستطيع أحد من الناس تعلمها جميعا والقيام بها، كما أنه لا يستطيع أكثر الناس الاستغناء عنها.
ولكن ينبغي أن لا يزاول هذه الحرف إلا من يتقنها. وينبغي للمكتب الخاص بالحرف أن لا يأذن لأحد بمزاولة أي حرفة يدعيها، ويريد العمل بها حتى يختبره ويعرف قدرته، ومهارته، فيأذن له، أو يمنعه حتى يتقن حرفته، وذلك حفظا لحقوق الناس وأموالهم، ودفعا لأصحاب الحرف إلى التنافس في إتقان حرفهم، بدلا من التنافس في التعهد بالقيام بحرف لا يتقنونها، فيفسدوها على أصحابها، فتحدث النزاعات، وتضيع الأموال بغير حق.
إن العمل الحرفي لهو أشرف الأعمال، حيث إنه عمل باليد، والعمل باليد أطيب الأعمال، وكسبه أطيب المكاسب، كما جاء في حديث المقدام رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده (1)» . والعمل الحرفي من أوسع ميادين العمل، وطلب الرزق، لذا تعمل فيه أعداد هائلة من الناس نظرا لكثرة مجالاته، ووفر عطائه، ويسر ارتباطه، ومحدودية مسئوليته، ومتعة إنتاجه، وتحصيله السريع. ويجب تعليم وتدريب أعداد كبيرة من أبناء
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب البيوع) باب كسب الرجل وعمله بيده (3/ 9). وينظر فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر (4/ 304).
المسلمين على هذه الحرف، تعليما تطبيقيا، وتدريبا عمليا ليقوموا بحرف المسلمين بكفاءة عالية، وتقنية واسعة، فيكتفوا بهم عن الأيدي الكافرة المعادية.
هذه هي أهم أنواع العمل الستة، وفيها سعة عظيمة لكل طالب رزق، وراغب في العمل من أبناء المسلمين، لا تضيق عن أحد منهم. وفي إقامة هذه الأنواع من العمل بكفاءة وقدرة عالية، رفعة، وعزة للمسلمين، ودحر لأعداء الدين.
مسألة: أي أنواع العمل أفضل: اختلف العلماء في أي أنواع العمل أفضل؟ وإن اتفقوا على فضل كل عمل مشروع. فمن العلماء من فضل الزراعة، لما ورد فيها من نصوص تحث عليها، وتبين فضلها. ومنهم من قال: "إن الحرف الصناعية أفضل، لأنها عمل يد خالص. ومنهم من قال: إن أفضل الأعمال هي التجارة المبرورة، حيث إن التجارة تغري أصحابها بتجاوز الحلال في طلبها، فإذا قاوم المسلم هذا الإغراء، وبر في تجارته، فهو أفضل عمل. ومنهم من جعل أفضل الأعمال والاكتساب ما يأخذه المسلم من أيدي الكفار في الجهاد في سبيل الله (1). ولعل أفضل الأعماق والمكاسب هي ما كانت في قضاء حاجة الأمة الشديدة في أي عصر من العصور، لأن في سد حاجات الأمة استغناء عن أعدائها، الذين لا يقضون حاجتها إلا
(1) ينظر: فتح الباري - شرح صحيح البخاري - لابن حجر (4/ 304)، وشرح النووي على صحيح مسلم (10/ 213).