الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليهم يبتدئ بعد طلوع الشمس يوم العيد وارتفاعها قدر رمح، كما قالوا: إذا فاتت صلاة العيد بزوال الشمس في الأماكن التي فيها مصلى للعيد، فإن ابتداء وقت تضحيتهم من وقت الفوات (1).
ويظهر لي أن ضابط الزمان الذي ذكره الشافعية والحنابلة في القول الثاني هو ضابط جيد، وفي غاية الأهمية، فهو يحقق مصالح المسلمين ويجنبهم الفوضى ويرفع عنهم الحرج على اختلاف أماكنهم وتباين بلدانهم، وخاصة أولئك الذين لا تقام فيهم صلاة العيد كالأقليات المسلمة في البلدان غير الإسلامية، ويتفق مع مراد الشارع وقريب منه القول الأخير للحنابلة، والله تعالى أعلم.
(1) ابن قدامة، المرجع السابق، ج 13، ص 384 - 387
المبحث الخامس: حكم من ضحى قبل وقت التضحية أو أخرها حتى فواته:
من الأمور المتفق عليها بين أهل العلم أنه لا يجوز تقديم التضحية قبل طلوع فجر يوم النحر بحال، وأن من قدمها قبل هذا الوقت لا تجزئه، لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح فإنما هو لحم قدمه لأهله، وليس من النسك في شيء (1)» . . ومن الأمور
(1) أخرجه مسلم، ج 2، ص 1553، في كتاب (الأضاحي) باب: وقتها، والبخاري، ج 6، ص 237، 238، في كتاب (الأضاحي) باب: الذبح بعد الصلاة
المتفق عليها أيضا أنه لا يجوز تأخير التضحية حتى فوات وقتها، وأن من فعل ذلك فإنها لا تجزئه، وإنما هي شاة لحم قدمها لأهله، أو صدقة من الصدقات.
وقد مر في مطلب سابق أن وقت التضحية يبدأ بطلوع الفجر من يوم النحر، وينتهي بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق مع خلاف بين العلماء في بدايته ونهايته. وهنا نريد أن نوضح حكم من ضحى قبل الوقت الذي يجوز التضحية فيه أو من أخرها حتى فات هذا الوقت.
اختلفت الرواية عند الحنفية فيما إذا أخطأ الناس في تعيين يوم النحر فصلوا وضحوا، ثم اتضح لهم بعد ذلك أنه يوم عرفة وليس يوم النحر، فروي عنهم أن صلاتهم وتضحيتهم تجزئهم، لأن مثل ذلك لا يمكن الاحتراز منه، ولأن القول بعدم الجواز يوقع المسلمين في حرج شديد. وهناك قول آخر: أنها لا تجزئهم ويجب أن تعاد الصلاة والتضحية، لأنه تبين أن الصلاة والتضحية وقعت قبل الوقت فلم يجز.
أما من فاته وقت التضحية، وهو من أهل وجوبها سواء أوجبها على نفسه بنذر أو بشرائه لها بنية التضحية من غني أو فقير، ثم مضى وقت التضحية وهو لم يضح فإن عليه أن يتصدق بها حية لفوات إراقة الدم الذي لا تكون القربة به إلا في وقت مخصوص، وهو أيام النحر، وقد مضت فلم يبق إلا التصدق بها لأن الأصل في الأموال التقرب بالتصدق بها وليس بإراقة الدم، وإنما نقله الشرع إلى الإراقة بالدم في وقت مخصوص، وقد فات
فعاد الأمر في ذلك إلى الأصل.
أما من وجبت عليه بإيجاب الشرع ولم يعينها بالشراء أو بغيره، وقد مضى وقت التقرب بها بعينها، أي بإراقة دمها فإنه يبقى التصدق بثمنها لأنه حق تعلق بذمته فلا يتحلل منه إلا بأدائه إلى مستحقيه، وكذلك من وجبت عليه ولم يضح حتى فات وقت التضحية ثم حضرته الوفاة تعين عليه أن يوصي بالتصدق بثمنها من ثلث ماله، لأنه حق واجب عليه، ولا يمكن التخلص منه في هذه الحالة إلا عن طريق الوصية.
كما نص الحنفية على أن من وجب عليه التصدق بالبهيمة حية، فإنه يحرم عليه ذبحها أو إتلاف شيء منها، وإذا خالف وذبحها فإنه يجب عليه أن يتصدق بها مذبوحة، وعند نقصان قيمتها مذبوحة عنه وهي حية يلزمه أن يتصدق بالفرق بين القيمتين.
ويبتدئ وقت التضحية عند المالكية لإمام صلاة العيد بعد فراغه من الصلاة والخطبتين، ولغيره بعد فراغه من ذبح أضحيته إذا ضحى، أو بعد مضي زمن قدر ذبحه لأضحيته إذا لم يضح، وذلك في اليوم الأول من أيام العيد، فمن ذبح قبل ذلك فإنها لا تجزئه، ويلزمه أن يذبح أضحية أخرى مكانها إلا لمتحر لأقرب إمام، فإنه إذا ذبح قبله تجزئه، وقد استدلوا على ما ذهبوا إليه بما
رواه جندب بن سفيان رضي الله عنه، قال: شهدت الأضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قضى صلاته بالناس نظر إلى غنم قد ذبحت فقال: «من ذبح قبل الصلاة فليذبح شاة مكانها، ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله (1)» وبما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدينة، فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر أخرى ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم (2)» . .
أما بالنسبة لمن لم يضح حتى فات وقت التضحية الذي يفوت عند المالكية بغروب شمس اليوم الثاني عشر من ذي الحجة، فإنها لا تعتبر أضحية، وإنما هي شاة لحم قدمها لأهله، إلا إذا كانت منذورة لزمه أن يضحي قضاء.
وقال الشافعية: إن وقت التضحية يبدأ بعد طلوع الشمس يوم النحر ومضي زمن قدر فعل ركعتين خفيفتين، وكذلك خطبتين خفيفتين، فمن ضحى قبل هذا الوقت لم تقع أضحية، وإنما هي
(1) أخرجه البخاري، ج 6، ص 238، في كتاب (الأضاحي) باب: من ذبح قبل الصلاة الإمام، ومسلم، ج 2، ص 1551، في كتاب (الأضاحي)
(2)
أخرجه مسلم، ج 2، ص 1555، في كتاب (الأضاحي) باب: سن الأضحية