الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبذلك يتضح التقاء المعنى الاصطلاحي مع المعنى اللغوي حيث إن كلا منهما يعني: النمو والزيادة والبركة والطهارة والصلاح والمدح، ويدل على ذلك قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (1).
(1) سورة التوبة الآية 103
المبحث الثاني: حكم زكاة الفطر:
اختلف العلماء في الحكم التكليفي لهذه الزكاة فقال بعضهم: إنها فرض. وقد ادعى ابن المنذر رحمه الله تعالى إجماع أهل العلم على ذلك (1). واستدل له بأحاديث منها الحديث المتفق عليه، وهو قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما:«فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى (2)» ، ومنها الحديث المتفق كذلك عليه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما:«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير (3)» . قال ابن عمر: فجعل الناس عدله مدين من حنطة ". وقال
(1) ابن قدامة، المرجع السابق، ج 4، ص 281.
(2)
أخرجه البخاري، ج 2، ص 138 في كتاب (الزكاة) باب: فرض الزكاة، ومسلم ج 1، ص 677 في كتاب (الزكاة) باب: زكاة الفطر على المسلمين.
(3)
صحيح البخاري الزكاة (1503)، صحيح مسلم الزكاة (984)، سنن الترمذي الزكاة (675)، سنن النسائي الزكاة (2504)، سنن أبو داود الزكاة (1611)، سنن ابن ماجه الزكاة (1826)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 66)، موطأ مالك الزكاة (627)، سنن الدارمي الزكاة (1661).
بعضهم: إنها سنة مؤكدة، وممن قال بذلك أهل الظاهر وابن اللبان من الشافعية (1).
بل ذهب متأخرو المالكية إلى أنها سنة، وقال آخرون: إنها منسوخة بزكاة الأموال (2)، بحجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر بها قبل نزول الزكاة، فلما نزلت آية الزكاة لم يؤمروا بها ولم ينهوا عنها (3). أما الجمهور فيقولون: إنها واجبة (4).
وقد أول الحنفية كلمة " فرض " الواردة في الحديث إلى أن المقصود بها التقدير، لأن الفرض عندهم لا يثبت إلا بدليل مقطوع به، والزكاة هنا لم تثبت إلا بدليل فيه شبهة العدم وهو خبر الواحد (5).
وقد انتصر ابن قدامة رحمه الله تعالى لمن قال: إنها فرض بقوله (6): " وقال بعض أصحابنا: وهل تسمى فرضا مع القول
(1) د. عبد الرحمن حبنكة الميداني في كتاب (الصيام ورمضان) ص 335.
(2)
ابن رشد، المرجع السابق، ج 1، ص 236.
(3)
ابن رشد القرطبي، المرجع السابق، ج 1، ص 236.
(4)
انظر. المراجع السابقة. .
(5)
انظر: الكاساني، المرجع السابق، ج 2، ص 69 والسرخسي، المرجع السابق، ج 2، ص 101.
(6)
في المغني، المرجع السابق، ج 4، ص 283.
بوجوبها؟ على روايتين والصحيح أنها فرض، لقول ابن عمر:«فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر (1)» ولإجماع العلماء على أنها فرض، ولأن الفرض إن كان الواجب فهي واجبة، وإن كان الواجب المتأكد فهي متأكدة مجمع عليها ". والذي يظهر لي من هذا أن القول الذي رجحه ابن قدامة أولى بالصواب، وذلك لورود كلمة فرض في حديث ابن عمر السابق، وحديث ابن عباس أيضا ثم إنه ليس هناك وجه لتأويل كلمة فرض إلى كلمة قدر بحجة أن الفرض لا يثبت إلا بدليل مقطوع به، وأن الزكاة ثابتة بدليل فيه شبهة العدم وهو خبر الواحد، لأن ما ذكروه لا يسلم لهم، حيث إن أكثر أهل العلم يثبت عندهم الفرض بخبر الواحد، كما هو الحال في ثبوت دخول شهر رمضان المبارك بشهادة الواحد، وهو فرض، ثم إن كلمة " قدر " لا يستقيم لهم معناها في نظري، إذ كيف نقول: قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر بكذا وكذا، ونحن لم نعلم بحكمها بعد، فالحكم أولا ثم التقدير ثانيا، أو الحكم والتقدير معا، وهو ما حصل هنا في زكاة الفطر، والله أعلم.
(1) صحيح البخاري الزكاة (1503)، صحيح مسلم الزكاة (984)، سنن الترمذي الزكاة (675)، سنن النسائي الزكاة (2504)، سنن أبو داود الزكاة (1611)، سنن ابن ماجه الزكاة (1826)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 102)، موطأ مالك الزكاة (627)، سنن الدارمي الزكاة (1661).
المبحث الثالث: في شروط وجوب أداء زكاة الفطر:
لوجوب أداء زكاة الفطر شروط ثلاثة، وهي الإسلام والحرية والقدرة على الإخراج. وقد اختلف العلماء في بعض هذه الشروط، وإليك بيان ذلك.
الشرط الأول: الإسلام.
وهذا الشرط محل اتفاق بين العلماء إلا ما روي عن الشافعية صحيح عندهم، أنه يجب على الكافر أداء زكاة
الفطر عن أقاربه المسلمين. وقد علل العلماء عدم وجوب زكاة الفطر على الكافر بأنها قربة من القرب، وطهرة للصائم من اللغو والرفث، والكافر ليس من أهل القرب ولا تقبل منه. وهذا هو الصحيح، لقوله تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (1) وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (2).
أما ما ذهب إليه الشافعية من أنه يجب على الكافر أن يؤدي زكاة الفطر عن أقاربه المسلمين، فإن ذلك ليس بسديد؛ لأنه لا علاقة البتة بين الكافر والمسلم، ولا قرابة ولا توارث، لقوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام وابنه:{وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} (3){قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (4) وقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (5).
(1) سورة الفرقان الآية 23
(2)
سورة النساء الآية 48
(3)
سورة هود الآية 45
(4)
سورة هود الآية 46
(5)
سورة التوبة الآية 71
الشرط الثاني: الحرية:
كذلك قال جمهور العلماء: إن زكاة الفطر لا تجب إلا على من كان حرا مسلما، لأن غير الحر لا يملك ولا يملك، وقد خالف في ذلك الحنابلة، فالمذهب عندهم أنها تجب على الرقيق كما تجب على الأحرار، لعموم حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال:«فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة (1)» . وفي لفظ آخر: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من شعير أو صاعا من تمر على الصغير والكبير والحر والمملوك (2)» .
وهذا حديث متفق على صحته، وليس له ما يدفعه، وبناء عليه تجب زكاة الفطر على العبد صغيرا كان أو كبيرا، كما تجب
(1) أخرجه البخاري، ج 2، ص 138 في كتاب (الزكاة) باب: فرض صدقة الفطر، ومسلم ج 1، ص 677 في كتاب (الزكاة) باب زكاة الفطر على المسلمين.
(2)
أخرجه البخاري، ج 2، ص 140 في كتاب (الزكاة) باب: صدقة الفطر على الصغير والكبير من المسلمين، ومسلم، ج 1، ص 677 في كتاب (الزكاة) باب: زكاة الفطر على المسلمين.
على الحر لأنها على الأبدان، يقوم بدفعها عنه سيده، لكونه صاحب ولاية عليه مثله كولده الصغير، والله تعالى أعلم.
الشرط الثالث: القدرة على إخراج زكاة الفطر:
وهذا الشرط محل اتفاق بين أهل العلم في أنه لا بد من توافر القدرة فيمن يجب عليه إخراج زكاة الفطر لأن غير القادر مرفوع عنه الحرج بمثل قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (1)، لكنهم اختلفوا في معنى هذه القدرة، فقال المالكية والشافعية والحنابلة إنه لا يشترط ملك النصاب في وجوب أداء زكاة الفطر، غير أنه يشترط له الغنى، وقالوا: إن من يملك قوت يومه وليلته فهو غني، ولذلك فإن من ملك ما يزيد على قوت يومه وليلته وجب عليه إخراج زكاة الفطر.
لكن الحنابلة والشافعية قالوا: على شرط أن يكون ذلك فاضلا عن مسكنه وخادمه، وما يحتاج إليه. أما المالكية فقالوا: إنه إذا كان قادرا على المقدار الذي عليه حتى ولو كان أقل من الصاع فإنه يجب عليه دفعه، بل قالوا إنه إذا كان باستطاعته أن يقترض وهو يرجو القضاء، لوجب عليه أن يقترض، وإذا كان لا يرجو القضاء فلا يجب عليه (2). وقد استدل هؤلاء جميعا بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سأل وعنده ما يغنيه فإنما
(1) سورة البقرة الآية 286
(2)
انظر الموسوعة الفقهية، المرجع السابق، ج 23، ص 337، وابن قدامة، المرجع السابق، ج 4، ص 307.
يستكثر من النار " قالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: " قدر ما يغديه ويعشيه (1)».
وقال الحنفية: يشترط لها ملك النصاب، فلا تجب إلا على من ملك نصابا من أي مال كان، سواء كان ذهبا أو فضة أو عروض تجارة أو سوائم، فمن كان عنده نصاب من أي من هذه الأموال فاضل عن حوائجه الأصلية من ملبس ومأكل ومسكن ومركب وسلاح وجبت عليه زكاة الفطر. وعللوا عدم وجوبها على من يملك أقل من ذلك أنه ممن تجوز عليهم الصدقة، فلا يجتمع جواز الصدقة عليه مع وجوبها عليه. واستدلوا على هذا بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا صدقة إلا عن ظهر غنى واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول (2)» .
ووجه استدلالهم بالحديث أنه ذكر فيه كلمة ظهر، وهي كناية عن القوة فكأن المال بالنسبة للغني بمكان الظهر الذي يعتمد عليه ويستند، ولذلك فلا تجب الزكاة إلا على من كانت له قوة من غنى، وحده عندهم ملك النصاب، كما قالوا عن حديث ابن عمر السابق: إنه منسوخ بهذا الحديث
(1) أخرجه أبو داود، ج 2، ص 281 في كتاب (الزكاة) باب: من يعطى الصدقة، وهو غني.
(2)
أخرجه الإمام أحمد ج 2، ص 230.