الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
س: إذا
سمعت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يدرك عقلي معناه
، ولم يصدقه، فماذا علي؟ جزاكم الله خيرا، وهل جميع أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم محل التصديق أم أن ذلك مقتصر على ما وافق العقل وصدقه؟
ج: ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث وجب الإيمان به واعتقاد أنه الحق والعمل بموجبه، إذ هذا مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله وهي من أركان الإسلام، وكذلك أيضا هي من مقتضى الإيمان بالرسل الذي هو ركن في الإيمان، ثم إن ما ثبت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم يكون وحيا من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وليس هو مجرد قول أو فعل صادر منه كما يصدر من سائر البشر يقول الله تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (1){إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (2)، ويقول سبحانه:{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} (3)، ويقول صلى الله عليه وسلم:«ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه (4)» أخرجه الإمام أحمد رحمه الله، وقد بين الله لعباده المؤمنين شدة هذا الأمر وأنه لا خيار لهم في تصديق خبر المصطفى صلى الله عليه وسلم والعمل بمقتضاه متى ما ثبت، يقول الله سبحانه:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (5)
(1) سورة النجم الآية 3
(2)
سورة النجم الآية 4
(3)
سورة النساء الآية 113
(4)
مسند أحمد بن حنبل (4/ 131).
(5)
سورة الأحزاب الآية 36
ثم أيها الأخ الكريم اعلم أنه لا يشترط أن تكون عالما لمعنى كل حديث يردك، فاهما له، وأن يكون عقلك مدركا له مصدقا، كلا، فمعلوم أن النصوص الشرعية منها ما يفهمه غالب الناس، ومنها مما لا يفهمه إلا العلماء، ومنها ما لا يفهمه ويعرف دلالته إلا الراسخون من أهل العلم، فيكون موقفنا هو العمل بالمحكم والوقوف عند المتشابه. والمتشابه: هو ما لا يعلمه إلا الراسخون من أهل العلم، وأما جعل هذا المتشابه أصلا، أو التشكيك في المحكمات بضربها بالمتشابهات فهذا سبيل أهل الغي، يقول الله سبحانه:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (1).
وأما ما ذكرت من أن هناك من الأحاديث ما يوافق العقل فتصدقه وما لا يوافقه فتسأل عنه هل تصدقه أم لا؟ فهذا السؤال غير وارد أصلا، لأن العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح بحال، ومتى توهم متوهم أن نصا من النصوص الشرعية الثابتة
(1) سورة آل عمران الآية 7
مخالف للعقل فليتهم عقله هو، والشريعة الإسلامية - بحمد الله- تأتي بما تحار فيه العقول ولا تأتي أبدأ بما تحيله العقول كما قرر ذلك المحققون من العلماء، بمعنى أن الشريعة لا تأتي بما تعده العقول السليمة أمرا مستحيلا. هذا لا يمكن أبدا.
فالواجب إذن هو التسليم والانقياد لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم متى ثبتت وألا نردها بأي حجة أيا كانت، فإن الله تعالى يقول:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (1). وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه ورزق الله الجميع العمل بكتابه وسنة مصطفاه صلى الله عليه وسلم.
(1) سورة النساء الآية 65
س: يسألني بعض المسلمين من دول أخرى عن مذهبي، فهل أقول أنا محمدي نسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أم أقول أنا سلفي، أم ماذا أقول جزاكم الله خيرا؟
ج: الواجب على كل مسلم أن ينتسب للإسلام فهو الاسم الشرعي الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا
…
} (1).
وقد سار السلف على الانتساب إلى أهل السنة والجماعة،
(1) سورة الحج الآية 78
ويعنون به اتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولزوم جماعة المسلمين الجماعة العلمية والجماعة البدنية. فمتى انتسب المسلم بهذه النسبة مستحضرا هذا المعنى فإنه لا بأس به، وكذلك أيضا الانتساب إلى السلف أو الأثر فيقول سلفي أو أثري، لا على سبيل تزكية النفس وإنما ليتميز عن سائر أهل البدع، فهذا لا بأس به، والذي يجب التنبيه عليه أنه لا ينبغي أن تكون هذه النسبة سببا لأمور غير شرعية كالعصبية الجاهلية التي ليس لها مستند شرعي، فإن اسم المهاجرين والأنصار اسم شرعي وارد في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الله سبحانه:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (1) ويقول سبحانه: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} (2). وغير ذلك من الأدلة، ومع هذا فإن هذه النسبة لما خرجت إلى أمور غير مشروعة كانت غير مرضية، فإنه لما تلاحى رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحدهما: يا للمهاجرين، وقال الآخر: يا للأنصار، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان فقال:«أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم (3)» ..... الحديث. فنفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) سورة التوبة الآية 100
(2)
سورة التوبة الآية 117
(3)
صحيح البخاري المناقب (3518)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2584)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3315)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 393).
وسماها دعوى الجاهلية.
فالمهم هو تحقيق عبادة الله على بصيرة، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإن حقق ذلك والتزم به لم يضره ألا ينتسب لأحد، وإن كان انتسابه إلى أهل السنة والجماعة هو الأفضل؛ اتباعا لآثار السلف وتميزا له عن أهل البدع.