الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلم (1)» في هذا الحديث العظيم تحريم أي نوع من أنواع الخيانة والخذلان للمسلمين وتحريم الكذب عليهم، سواء كان ذلك في الأعمال الجليلة أو اليسيرة.
ونكتفي بذكر هذا القدر اليسير من الأحاديث الكثيرة، التي كلها تدل على تحريم الأعمال المنكرة التي سبق ذكرها، وما ماثلها مما يضر بالمسلمين في دينهم أو دنياهم.
أما القواعد العامة: فإن قواعد الشريعة العامة وكلياتها تدل على تحريم أي عمل يضر بالمسلمين في دينهم أو دنياهم، وما ذكرته آنفا، وما ماثله من الأعمال الضارة بالمسلمين مما لم أذكره هو محرم وفقا لذلك.
(1) أخرجه الترمذي في سننه (كتاب؟ البر والصلة) باب ما جاء في شفقة المسلم على المسلم (4/ 325)، وقال عنه. هذا حديث حسن غريب.
الفصل السادس: هل يترخص العمال في شيء من الفرائض بسبب العمل
؟.
لم ترد رخص الشرع في شيء من الفرائض إلا في أحوال معينة كالسفر، والمرض، والخوف، والعجز بالكبر، وشدة البرد والرياح، أو ظلمة الليل والمطر والزلق. أما الترخص بسبب العمل في أي فرض من الفروض، بأي لون من ألوان الترخص، فلا أصل له، ولم يقل به أحد من علماء السلف أو الخلف، وإنما ظهرت في الآونة الأخيرة دعوة إلى ذلك من جهلة لم يعرفوا الشرع، ولا أحكامه، فهو قول على الله بغير علم، وكذب وافتراء
عليه بمجرد الهوى، فهو قول باطل من أصله كسائر دعوات الضلال الباطلة في مختلف العصور.
وهذا الرأي لا يستحق العرض، ولا المناقشة، ولا النظر فيه، لسقوطه، وعدم اعتباره، وقد كبته الله والحمد لله. ولكن حيث إن الكلام هنا عن العمل والعمال في عصرنا الذي عم فيه الجهل بأحكام الشرع، وقل من يسأل عنها فضلا عن أن يتعلمها، وقد تلتبس هذه الدعوى على بعض الناس فيظنونها يوما من الأيام حقا يقوم على أدلة شرعية، وذلك لبعد كثير من الناس عن الحق، وعن أدلة الشرع، وعدم قدرتهم على البحث للتحقق من صحة هذا القول أو فساده. لهذا كله ذكرت هذه المسألة من باب الحيطة، ودفع الالتباس عن الناس، وحتى الجهاد الذي هو من ألزم الأعمال للإسلام لم يبح الله ترك الصلاة فيه، بل نظمت صلاة الخوف لتؤدى على وجهها. ونصوص الكتاب والسنة صريحة في رد هذا القول وإبطاله.
فمن الكتاب:
1 -
قول الله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} (1).
2 -
وقوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (2) ففي
(1) سورة الأنعام الآية 119
(2)
سورة الأنعام الآية 144
هاتين الآيتين رد لكل قول أو فعل لا يعتمد على دليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو قواعد الشرع. ومن ذلك القول بترخص العمال في شيء من الفرائض بسبب العمل.
3 -
قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} (1){مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2) وصف الله تعالى من يقول على الله بغير علم أنه كاذب مفتر خائب مقبل على عذاب أليم. ومن يقول بترخص العمال قائل على الله بغير علم، فهو كذلك.
4 -
قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (3) من يقول بترخص العمال في شيء من الفرائض بسبب العمل لا يعتمد في قوله هذا على أي دليل شرعي، فهو قائل على الله بغير علم، ومشرع بمجرد الهوى والمصالح الدنيوية، فهو كمن جعل هواه مصدر تشريع مع الله، تعالى الله علوا كبيرا.
ومن السنة: تدل أحاديث كثيرة على تحريم الابتداع في الدين، والقول على الله بغير علم، نقتصر منها على حديث واحد، عظيم جامع، في إبطال كل قول أو عمل لا يعتمد على أصل شرعي، وهو حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما
(1) سورة النحل الآية 116
(2)
سورة النحل الآية 117
(3)
سورة الشورى الآية 21