المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فالدعوة إلى الله، في مراحلها وفرصها، وفي حكمة الداعي وطريقته - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٦٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ دم الإحصار والفوات

- ‌ فدية الأذى وفدية ترك الواجب

- ‌ جزاء الصيد

- ‌ ما لزم بالنذر

- ‌ الأضحية:

- ‌ العقيقة

- ‌ هدي التطوع

- ‌ الصدقة المطلقة

- ‌ ذبيحة وليمة العرس

- ‌ ما ذكر عليه غير اسم الله

- ‌ الفرع والعتيرة:

- ‌حكم إدخال اليدينفي الإناء قبل غسلهما

- ‌حكم افتتاح الجرائد بالبسملة

- ‌حكم البول واقفا

- ‌هل يجوز إبقاء الصبيغير مختون إلى عشر سنوات

- ‌حكم القزع " التواليت

- ‌كيفية تسريح الشعر للرجل والمرأة

- ‌تحريم حلق اللحى وتعريف اللحية

- ‌حكم التقصير من اللحية

- ‌خضب الشعر بالحناء

- ‌الكتب التي بينت أحكام الحج

- ‌العمرة واجبة في العمر مرة

- ‌من اعتمر مع حجهفلا يلزمه عمرة أخرى

- ‌الحج مع القدرة واجب على الفور

- ‌حكم تأخير الحج إلى ما بعد الزواج

- ‌حكم تكرار الحج للرجال والنساء

- ‌العمرة مشروعة في كل وقت

- ‌مدى صحة قول العوام" من حج فرضه يقضب أرضه

- ‌حكم من نوى الحج كل عام ولم يستطع

- ‌الحج والعمرةأفضل من الصدقة بنفقتها

- ‌الأفضل لمن حج الفريضةأن يتبرع بنفقة حج التطوع في سبيل الله

- ‌تصرف نفقة حج التطوع فيعمارة المسجد إذا كانت الحاجة إليه ماسة

- ‌من مات على الإسلامفله ما أسلف من خير

- ‌تارك الصلاة لا يصح حجه

- ‌حج الصبي لا يجزئه عن حجة الإسلام

- ‌كيفية إحرام الصبي ولوازمه

- ‌أعمال الصبي لهويؤجر والده على تعليمه

- ‌ أولياء أمور الزوجات قد لا يوجدون عند كتابة عقود الأنكحة

- ‌ زواج المسيار

- ‌ عقوق الأبناء والبنات للآباء والأمهات

- ‌ عقيدة المرجئة

- ‌ سمعت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يدرك عقلي معناه

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمةللبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ حكم جوائز المسابقات التي يمنحهامهرجان (تسوق في وطني)

- ‌ حكم الجوائز المرتبة علىالمسابقات في الألعاب

- ‌ الوضوء من ألبان الإبل

- ‌ هل يكون لحم البقر من ضمن لحم الجزور

- ‌لا ينتقض الوضوء بالانتشار للذكر

- ‌العمل وأحكامه

- ‌الافتتاحية:

- ‌ موضوع البحث

- ‌ سبب بحث هذا الموضوع:

- ‌ منهج هذا البحث:

- ‌التمهيد: أهمية العمل عند المسلمين:

- ‌الباب الأول: حقيقة العمل، وضمان كفايته واستمراره بقدرة عالية عند المسلمين:

- ‌الفصل الأول: دواعي العمل عند المسلمين

- ‌المبحث الثاني: مشروعية العمل:

- ‌المبحث الثالث: حكمة مشروعية العمل:

- ‌المبحث الرابع: مفاسد ترك العمل عند المسلمين:

- ‌المبحث الخامس: ثمرات عمل المسلم:

- ‌المطلب الأول: العبادة المحضة:

- ‌المطلب الثاني: عمل العادة والعبادة:

- ‌الفصل الثاني: الموازنة في العمل بما يضمن جميع الكفايات:

- ‌المبحث الأول: العمل عند المسلمين وسيلة لا غاية:

- ‌المبحث الثاني: أنواع العمل، وأفضل الأعمال:

- ‌النوع الأول: العمل الزراعي:

- ‌النوع الثاني: العمل الصناعي:

- ‌النوع الثالث: العمل التجاري:

- ‌النوع الرابع: العمل في الخدمة العامة:

- ‌النوع الخامس: العمل في تنمية الحيوان:

- ‌النوع السادس: العمل الحرفي:

- ‌المبحث الثالث: إيجاد العمل ووفاؤه باحتياجات الأمة:

- ‌المطلب الأول: إيجاد الأعمال

- ‌المطلب الثاني: وفاء العمل بالاحتياجات:

- ‌الفصل الثالث: ضمان استمرار العمل ونموه:

- ‌المبحث الأول: تكثير مجالات العمل، وتنميتها

- ‌المبحث الثاني: تذليل معوقات العمل ومحاربة البطالة:

- ‌المطلب الأول: تذليل معوقات العمل

- ‌أولا: المعوقات البشرية:

- ‌ثانيا: المعوقات النفسية:

- ‌ثالثا: المعوقات الآلية:

- ‌رابعا: المعوقات المالية:

- ‌المطلب الثاني: محاربة البطالة:

- ‌المبحث الثالث: توفير المواد اللازمة لمختلف الأعمال والصناعات والتوسع فيها:

- ‌المبحث الرابع: تحسن نوعية الإنتاج:

- ‌الفصل الرابع: رفع قدرات أدوات الإنتاج الآلية والبشرية:

- ‌المبحث الأول: وسائل رفع الكفاءات العمالية

- ‌المبحث الثاني: الصبر على العمل وحوافزه ومغرياته:

- ‌المبحث الثالث: ضمان الإنتاج الكامل لكل عامل:

- ‌المبحث الرابع: تطوير ورفع قدرات آلات الإنتاج:

- ‌الباب الثاني: أحكام العمل:

- ‌التمهيد: هل يلزم العلماء بيان أحكام كل شيء

- ‌الفصل الأول: العمل الواجب:

- ‌الضرب الأول: العمل الواجب على كل قادر عليه من الناس:

- ‌الضرب الثاني: أعمال الواجب الكفائي:

- ‌الضرب الثالث: العمل الواجب على أشخاص بأعيانهم:

- ‌الفصل الثاني: العمل المندوب إليه:

- ‌الفصل الثالث: العمل المباح:

- ‌الفصل الرابع: العمل المكروه:

- ‌الفصل الخامس: الأعمال المحرمة:

- ‌الفصل السادس: هل يترخص العمال في شيء من الفرائض بسبب العمل

- ‌الخاتمة:

- ‌الدعوة الإسلامية ومنهجها القرآني

- ‌المقدمة:

- ‌المنهج القرآني:

- ‌مكانة الدعوة:

- ‌مراحل الدعوة:

- ‌شمولية الدعوة:

- ‌الخاتمة:

- ‌تمهيد في تعريف العيد والحكمة من تشريعه في الإسلام:

- ‌الفصل الأول في صلاة العيد:

- ‌المبحث الثاني: تحديد أماكن إقامة صلاة العيد:

- ‌المبحث الثالث: ما يشترط لصلاة العيد:

- ‌المبحث الرابع: الخروج لصلاة العيد:

- ‌المبحث الخامس: وقت أداء صلاة العيد:

- ‌المبحث السادس: إمامة الناس في صلاة العيد:

- ‌المبحث السابع: صفة صلاة العيد

- ‌المطلب الأول: قدر صلاة العيد:

- ‌المطلب الثاني: التكبير في صلاة العيد

- ‌المسألة الأولى: في عدد التكبيرات في صلاة العيد:

- ‌المسألة الثانية: استحباب رفع اليدين مع كل تكبيرة:

- ‌المسألة الثالثة: صفة التكبير:

- ‌المسألة الرابعة: حكم التكبير:

- ‌المبحث الثامن: ما يقرأ به في صلاة العيد:

- ‌المبحث التاسع: خطبتا صلاة العيد:

- ‌المبحث العاشر: التنفل قبل صلاة العيد وبعدها:

- ‌المبحث الحادي عشر: حكم من فاتته صلاة العيد:

- ‌المبحث الثاني عشر: صلاة العيد بالنسبة للحاج والمعتمر:

- ‌الفصل الثاني في زكاة الفطر:

- ‌التمهيد في الحكمة من مشروعية زكاة الفطر:

- ‌المبحث الأول: تعريف زكاة الفطر:

- ‌المبحث الثاني: حكم زكاة الفطر:

- ‌المبحث الرابع: من تجب عليهم زكاة الفطر:

- ‌المبحث الخامس سبب وجوب زكاة الفطر ووقته:

- ‌المبحث السادس: وقت وجوب أداء زكاة الفطر:

- ‌المبحث السابع: في جواز أداء زكاة الفطر قبل وجود سببها:

- ‌المبحث الثامن: نوع المخرج في زكاة الفطر ومقداره:

- ‌المبحث التاسع: مصرف زكاة الفطر:

- ‌المبحث العاشر: في نقل زكاة الفطر:

- ‌المبحث الأول: تعريف الأضحية والحكمة من مشروعيتها:

- ‌المبحث الثاني: حكم الأضحية:

- ‌المبحث الثالث: شروط وجوب الأضحية أو سنيتها:

- ‌المبحث الرابع: وقت ابتداء التضحية:

- ‌المبحث الخامس: حكم من ضحى قبل وقت التضحية أو أخرها حتى فواته:

- ‌المبحث السادس: أنواع الضحايا:

- ‌المبحث السابع: صفات الضحايا:

- ‌المبحث الثامن: السن المشترطة في الضحايا:

- ‌المبحث التاسع: عدد ما يجزئ من الضحايا عن المضحين:

- ‌المبحث العاشر: في مستحبات ينبغي للمضحي فعلها ومكروهات يحسن به اجتنابها:

- ‌ المستحبات

- ‌ المكروهات

- ‌المبحث الحادي عشر: في أحكام لحوم الضحايا:

- ‌الخاتمة:

- ‌حديث شريف

الفصل: فالدعوة إلى الله، في مراحلها وفرصها، وفي حكمة الداعي وطريقته

فالدعوة إلى الله، في مراحلها وفرصها، وفي حكمة الداعي وطريقته في الدعوة، محورها المنهج القرآني الكريم، حيث يظهر أمام المتأمل في كتاب الله، أن كل آية تعني منهجا تعليميا، وكل دلالة من النص القرآني المجيد، يستفاد منه طريق من طرق الدعوة إلى الله {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (1). .

(1) سورة إبراهيم الآية 52

ص: 249

‌شمولية الدعوة:

إن الآيات العديدة في كتاب الله قد أحاطت بمتطلبات الإنسان في هذه الحياة، واحتوت على الحلول لكل مشكلة من مشكلات الحياة البسيطة والمعقدة، ليجد الإنسان في أي موقع من الأرض وبأي زمن من الأزمنة الحل الطري لكل ما يعترضه، والبرهان القاطع على أن هذا القرآن حق من عند الله، ويدعو إلى معرفة الله معرفة حقيقية، حتى تؤدى له العبادة الخالصة على وجهها الذي يرضيه سبحانه، وحسبما أمر {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (1). فهي دعوة للعالم أجمع إنسهم وجنهم، وذكورهم وإناثهم، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

(1) سورة البينة الآية 5

ص: 249

وهذا منهج دعوي، ينفذ للعقول المختلفة، من المداخل التي تهم الجميع، ويجد فيه كل شخص الجواب الشافي لما يتساءل عنه: مستنيرا أو مشككا.

يقول الشيخ محمد دروزه في تفسيره: " لقد احتوى القرآن الكريم حلولا للمشكلات المعقدة، التي كانت تجعل الناس شيعا وأحزابا، وفرقا وأضدادا، وإهابة بالغلاة والمفرطين للارعواء عن غلوهم وإفراطهم، وإرشادا للحائرين والمترددين للانتهاء من حيرتهم وترددهم بأسلوب وجه فيه الخطاب إلى العقول والقلوب معا فيه كل القوة وكل النفوذ، وكل الإقناع لمن لم تخبث طويته، ويجعل إلهه هواه، وتعمد العناد والمكابرة والاستكبار عن قصد وتصميم.

ثم احتوى تنظيما للمناسبات، بين مختلف الفئات من الناس، وخاصة بين المستجيبين للدعوة -المسلمين- وغيرهم على أساس المسالمة والحرية، والحق والعدل، والتزام حدود ذلك بالتقابل، وكف الأذى، وعدم الصد والتعطيل والدس، والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، إلا الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله، ويبغونها عوجا ومقابلة العدوان بمثله، حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله ".

ص: 250

ذلك أن القرآن يأمر بالدعوة، وأن تكون بالإقناع، حيث يخاطب العقول، ويدعوها للتعقل والتفكر والتبصر، فيما حولها من آيات وعبر، وينهى عن الإكراه، وقسر الناس على الدين، إلا من عرف وعاند، وتصدى للدعوة، يقول سبحانه:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1). كما أن الدعوة ليست ملزمة لكل من استمعها أن يستجيب، بل الهداية هبة من الله يمن بها على من يشاء من عباده يقول سبحانه:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (2). ويقول تعالى في أمره لرسوله صلى الله عليه وسلم بمخاطبة الكفار: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (3){لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} (4){وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} (5){وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} (6){وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} (7){لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (8). وإن من أسباب لين القلب للدعوة، وتقارب النفوس للتآلف والتمعن في المصالح المرتقبة، وراء معرفة ما تنطوي عليه تعاليم الإسلام، وعلاجه لمعضلات المجتمعات المتباينة -أن تفتح القلوب للراغبين، وأن تعرض أمامهم بضاعة الإسلام بأسلوب شيق وهادئ.

وما ذلك إلا أن مخاطبة العقول يحتاج إلى مهارة في

(1) سورة البقرة الآية 256

(2)

سورة القصص الآية 56

(3)

سورة الكافرون الآية 1

(4)

سورة الكافرون الآية 2

(5)

سورة الكافرون الآية 3

(6)

سورة الكافرون الآية 4

(7)

سورة الكافرون الآية 5

(8)

سورة الكافرون الآية 6

ص: 251

الإلقاء، وانفتاح صدر أمام المسترشد والراغب في البحث {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (1).

يقول أرنولد في كتابه الدعوة إلى الإسلام: كان الإسلام منذ بدء ظهوره دين دعوة، من الناحية النظرية، أو الناحية التطبيقية، وقد كانت حياة محمد تمثل هذه التعاليم ذاتها، وكان النبي نفسه يقوم على رأس طبقات متعاقبة من الدعاة المسلمين الذين وفقوا إلى إيجاد سبيل إلى قلوب الكفار، على أنه ينبغي ألا نلتمس الأدلة على روح الدعوة الإسلامية في قسوة المضطهد، أو عسف المتعصب، ولا حتى في مآثر المحارب المسلم، ذلك البطل الأسطوري الذي حمل السيف في إحدى يديه، وحمل القرآن في اليد الأخرى، وإنما نلتمسها في تلك الأعمال الوديعة الهادئة التي قام بها الدعاة، وأصحاب المهن، الذين حملوا عقيدتهم إلى كل صقع من الأرض، على أن هؤلاء الدعاة لم يلجأوا إلى اتخاذ مثل هذه الأساليب السليمة في نشر هذا الدين، عن طريق الدعوة والإقناع بخلاف ما زعم بعضهم حينما جعلت الظروف القوة والعنف أمرا مستحيلا يتنافى مع الأساليب السياسية، فقد جاء القرآن مشددا في الحض على هذه الطريقة السليمة، في غير آية، مثال ذلك:{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} (2){وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا} (3).

(1) سورة النحل الآية 125

(2)

سورة المزمل الآية 10

(3)

سورة المزمل الآية 11

ص: 252

وقوله: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (1). . .

وبعد أن أورد عدة آيات استشهد بها على نهج الدعوة في القرآن الكريم. قال: وإن الغرض مما سنذكره في الصفحات التالية، هو بيان كيف تحقق هذا المثل الأعلى في التاريخ، وكيف كان أئمة الإسلام يطبقون نشاط الدعوة، وهذا الكتاب وضعناه لدراسة: تاريخ الدعوة الإسلامية في أنحاء العالم (2).

وكلامه هذا يعني فهم المسلمين لمنهج القرآن الكريم في الدعوة، ونورد هنا مثالين من النماذج الكثيرة في كيفية الوصول لأعماق القلوب، بمفهوم الدلالة القرآنية، على المعنى الذي يشغل ذهن غير المسلم لينجذب بذلك إلى الإسلام، من باب مخاطبة الناس بما يعرفون:

كان أحد علماء الجيولوجيا في جامعة أكسفورد بإنجلترا يواصل بحثه في المختبر على عينات من الصخور، ووقف حائرا أمام تلون صخور جاءت من مكان واحد، وصار عدة أيام يجري التجارب لعله يهتدي إلى سر هذا التلون، وله مساعد مسلم من الهند، فلما رآه قد زادت به الحيرة، صار يتمتم بآيتين من كتاب الله عدة مرات، فسأله ذلك العالم عما يقول فترجم معناهما وهما

(1) سورة الجاثية الآية 14

(2)

انظر كتابه هذا ص28 - 30.

ص: 253

قول الله في سورة فاطر: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} (1){وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (2). فما كان منه إلا أن طلب إعادة الترجمة عدة مرات وهو يتأمل، ثم قال: وجدت الحل في حكمة الله، كما هي ماثلة أمامنا في النباتات والإنسان وغيره من المخلوقات المختلفة بلونها.

وكان هذا دافعا قويا لإسلامه ولتعمقه في فهم معاني القرآن الكريم العميقة.

أما الثاني: فقد كان بحارا، ومعه مساعد له من الجزيرة العربية، وفي إحدى الرحلات طغى عليهم موج البحر وتلاطمت أمواجه، ونال منه الجهد وهو ممسك بعجلة القيادة، والموج يعلوهم تارة وينخفض أخرى، والظلمات تحيط بهم من كل جانب، مع مطر شديد وريح عاصف، فطلب من هذا العربي أن يساعده ويمسك بعجلة القيادة بقدر ما يستطيع، حتى يتفادى كارثة كادت تحيق بهم، فجاء عنده، وبدأ في تدبير الأمر مع عجلة القيادة وهو يدعو ربه، ويقرأ قول الله تعالى:{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} (3).

(1) سورة فاطر الآية 27

(2)

سورة فاطر الآية 28

(3)

سورة النور الآية 40

ص: 254

وما زال هذا المسلم يرددها وهو يدعو ربه، حتى خفت الأمواج، وسكن الريح والمطر، فسأله الربان ماذا كنت تقول، فأخبره بأنه كان يقرأ آية في كتاب الله القرآن. فطلب الربان إخباره عنها فأخبره بمعناها فقال: هل كان محمد ربان سفينة، أو قد ركب البحر؟ فلما أجابه بالنفي، قال: ما قيل لنا: بأن القرآن من تأليف محمد فهو غير صحيح، من الآن عرفت أنه من قوة فوق قدرة البشر، لقد كنت أعيش في البحر بحارا سنين طويلة ولم يمر علي مثل هذه الليلة وهأنذا أرى الواقع العجيب، في معنى ما ذكرت من القرآن، فأريد أن أتعلم الإسلام الذي يدلنا على أمور لا يدركها حتى المختصون في مجالها، وتعلم الإسلام وهداه الله إليه فأسلم عن علم ويقين.

ولذا فإن كثيرا ممن أسلموا في ديار الغرب كان دخولهم عن طريق القناعة العلمية، بما ثبت لديهم من منهج القرآن في التعليم، والنفاذ إلى أعماق القلوب، بما هو محسوس ومقنع.

يقول سبحانه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} (1){أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (2){كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (3). .

(1) سورة ص الآية 27

(2)

سورة ص الآية 28

(3)

سورة ص الآية 29

ص: 255