الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: الخروج لصلاة العيد:
صلاة العيدين كغيرها من الصلوات في استحباب التهيؤ والاستعداد لها والتبكير، فللمبكر من الأجر ما ليس لمن يأتيها متأخرا. فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول عمن بكر لصلاة الجمعة:«من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر (1)»
وللمبكر للصلاة ثواب عظيم بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا ألا أن يستهموا لاستهموا عليه، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا (2)»
وقد كان السلف الصالح -رحمهم الله تعالى- يبكرون بالخروج إلى صلاة العيدين، لإدراكهم ثوابه العظيم، فهذا يزيد بن عبيد يقول: " صليت مع سلمة بن الأكوع في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، ثم خرج فخرجت معه حتى أتينا المصلى فجلس وجلست
(1) أخرجه مسلم، ص582، في كتاب (الجمعة) باب: الطيب والسواك يوم الجمعة، واللفظ له، والبخاري، ج1، ص158، 159 في كتاب (الأذان) باب: فضل صلاة الجماعة. .
(2)
أخرجه البخاري، ج 1، ص159، في كتاب (الأذان) باب: فصل التهجير. .
حتى جاء الإمام " (1) وروى مالك -رحمه الله تعالى- عن سعيد بن المسيب أنه كان يغدو إلى المصلى بعد أن يصلي صلاة الصبح قبل طلوع الشمس.
ومن السنة التعجيل بصلاة عيد الأضحى وعدم الأكل قبلها، ليتسع الوقت لذبح الأضحية، والأكل منها، وتأخير صلاة الفطر ليتسع الوقت كذلك لإخراج زكاة الفطر، وتناول تمرات تؤكل وترا قبل الذهاب إلى الصلاة، فقد روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات- قال أنس -: يأكلهن وترا (2)» .
وعن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي (3)» .
(1) أبو بكر القريابي، أحكام العيدين، ص 104.،
(2)
أخرجه البخاري، ج2، ص3، في كتاب (العيدين) باب: الأكل يوم الفطر قبل الخروج.
(3)
أخرجه الترمذي: ج2، ص426، في كتاب (أبواب الصلاة) باب: ما جاء في الأكل يوم الفطر قبل الخروج، والإمام أحمد ج5، ص52، وابن ماجه ج5، ص558، في كتاب (الصيام) باب في الأكل يوم الفطر قبل أن يخرج.
وصلاة العيدين من شعائر العيد، ولذلك حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغب المسلمين في الخروج إليها رجالا ونساء، كبارا وصغارا حتى العواتق من النساء والحيض وذوات الخدور؛ ليشهدوا الخير، ودعوة المسلمين. قالت أم عطية رضي الله عنها:«أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله: إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها (1)»
ويستحب أن يخرج إليها المسلمون مشيا على الأقدام لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: «من السنة أن تخرج إلى العيد ماشيا، وأن تأكل قبل أن تخرج (2)» ، ولما روي عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى العيد ماشيا، ويرجع ماشيا (3)» وأن يمشي إليها بسكينة ووقار للحديث المتفق عليه الذي رواه أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ثوب بالصلاة فلا يسع إليها أحدكم، ولكن ليمش وعليه السكينة والوقار، صل ما أدركت
(1) سبق تخريجه. .
(2)
أخرجه الترمذي، ج2، ص410، في كتاب (أبواب الصلاة) باب: ما جاء في المشي يوم العيد.
(3)
أخرجه ابن ماجه، ج1، ص411، في كتاب (إقامة الصلاة) باب: ما جاء في الخروج إلى الصلاة ماشيا.
واقض ما سبقك (1)». .
غير أنه لو ركب فلا بأس بذلك وعلى وجه الخصوص إذا كان من أهل الأعذار أو كان المصلى بعيدا يخشى أن تفوته الصلاة أو بعض منها إذا ذهب إليها ماشيا.
ومن السنة أنه إذا خرج من طريق رجع من طريق آخر، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج يوم العيد في طريق رجع من غيره (2)» ، ولما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا خرج إلى العيدين سلك على دار سعيد بن أبي العاص، ثم على أصحاب الفساطيط، ثم انصرف في الطريق الآخر. . .
واختلف في تفسير الحكمة من ذهاب الرسول صلى الله عليه وسلم من طريق وعودته من طريق آخر، فقيل: إنه من أجل السلام على أهل الطريقين، وقيل: لينال بركته أهل الطريقين، وقيل: إنه من أجل حاجة المحتاج من أهل الطريقين، وقيل: إنه من أجل إظهار شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق، وقيل: إن المقصود من ذلك هو إغاظة المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام وأهله وقيام
(1) أخرجه البخاري، ج1، ص218، في كتاب (الجمعة) باب: المشي إلى الجمعة، ومسلم، ج1، ص421، في كتاب (المساجد) باب. استحباب إتيان الصلاة بوقار واللفظ له
(2)
أخرجه الترمذي، ج2، ص424، في كتاب (أبواب الصلاة) باب: ما جاء في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى العيد.
شعائره، وقيل: بل من أجل طلب زيادة الحسنات وحط الخطيئات؛ لأنه بكل خطوة يخطوها المسلم إلى المسجد أو المصلى ترفع له بها درجة وتحط بها عنه خطيئة، ويشهد لذلك الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة (1)» . .
هذه التفسيرات لحكمة خروج الرسول صلى الله عليه وسلم من طريق وعودته من طريق آخر تفسيرات مقصودة أصلا في الإسلام الذي يسعى دائما وأبدا لتحقيقها في واقع المسلمين في كل زمان ومكان، فما المانع أن تكون جميعها مرادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما أنه القدوة الحسنة لأمته؟ هذا ما أظنه أنه مراد لصاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم.
ولا شك أن خروج المسلمين وشهودهم صلاة العيد على الوجه الذي أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم مظهر من مظاهر العيد عند المسلمين، ومن دينهم الذي ارتضاه الله لهم، ولذلك فإنه إذا غم العيد عليهم فلم ينكشف لهم إلا بعد خروج وقت الصلاة لزمهم الإفطار وجوبا إذا كانوا صواما، والخروج إلى المصلى من غد،
(1) أخرجه مسلم، ج1، ص462 في كتاب (المساجد) باب: المشي إلى الصلاة، واللفظ له، والبخاري، ج1، ص158، في كتاب (الأذان) باب: فضل صلاة الجماعة