الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الوقت الذي ذكر لصلاة العيدين -الفطر والأضحى- هو وقت توقيفي وهو من ارتفاع الشمس قيد رمح أو رمحين إلى الزوال إلا أنه قد يغم على الناس في عيد الفطر المبارك، فلا يعلمون بدخول شهر شوال إلا بعد زوال الشمس من اليوم الأول منه، ففي هذه الحالة يلزمهم الإفطار وجوبا، وتأخير صلاة العيد إلى اليوم الثاني، لخروج وقتها لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم. فقد روى أبو عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن ركبا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم (1)». وفي رواية ابن ماجه قال: حدثني عمومتي من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: «أغمي علينا هلال شوال، فأصبحنا صياما فجاء ركب من آخر النهار، فشهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطروا وأن يخرجوا إلى عيدهم من الغد (2)»
(1) أخرجه أبو داود ج1، ص864، (كتاب الصلاة) باب: إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد، والنسائي ج 3، ص 180، كتاب (صلاة العيدين) باب: الخروج إلى العيدين من الغد
(2)
أخرجه ابن ماجه، ج1، ص529، كتاب (الصيام) باب: ما جاء في الشهادة على رؤية الهلال. .
المبحث السادس: إمامة الناس في صلاة العيد:
الأم بالفتح: القصد، فأمه يؤمه أما إذا قصده، وأم القوم، وأم بهم تقدمهم، وهي الإمامة، والإمام كل من ائتم به قوم كانوا.
على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين. قال تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} (1). وإمام كل شيء قيمه والمصلح له، وأم القوم في الصلاة، أي تقدمهم فاقتدوا به في صلاتهم (2).
فالإمامة مشتقة من الأم، وهو القصد، وتطلق على الخلافة، وما يقوم مقامها من الملك والرئاسة، وعلى إمامة الناس في الصلاة، وكذلك على العالم المقتدى به (3)، ولذلك فهي ذات شأن عظيم وقدر كبير في الإسلام. وتعرف في الصلاة بأنها: ربط صلاة المؤتم بالإمام (4) وعليه لا يعتبر الإمام إماما ما لم يربط المؤتم صلاته بصلاته، ويدل عليه الحديث المتفق عليه:«إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإن صلى قائما فصلوا قياما (5)» . . . ".
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يؤم الناس في الصلاة والجهاد وغيرهما، وكذلك الأمراء الذين استعملهم صلى الله عليه وسلم على البلدان والغزوات كانوا يؤمون الناس في الصلوات، وقد جرت
(1) سورة الإسراء الآية 71
(2)
ابن منظور، المرجع السابق، ج 1، ص 132، 133.
(3)
عبد المحسن المنيف، في أحكام الإمامة الائتمام في الصلاة، ص 62.
(4)
انظر الدر المختار، المطبوع على حاشية ابن عابدين ج1، ص 549.
(5)
أخرجه البخاري، ج1، ص100، في كتاب (الصلاة) باب: الصلاة في السطوح والمنبر والخشب، ومسلم ج1، ص 303 في كتاب (الصلاة) باب: التشهد في الصلاة.
بذلك السنة في عهد الخلفاء الراشدين، ومن اقتدى بهم من ولاة الأمور في الدولة الأموية والعباسية في أن من يتولى أمور المسلمين في الجهاد وغيره، هو الذي يؤمهم في الصلاة (1).
وقد اقتضى اتساع الدولة الإسلامية ودخول الناس في دين الله أفواجا تعددا في الوظائف وزيادة في الترتيب. ومن ذلك حاجة المسلمين إلى من يؤمهم في الصلوات، فتعين على ولي الأمر أو من يفوضه بتعيين أئمة للناس للصلاة بهم، وخاصة بعد أن قل العلم الشرعي عند كثير ممن يتولون الوظائف العامة في الدولة الإسلامية، وقد ذكر العلماء -رحمهم الله تعالى- شروطا لأحق الناس بالإمامة بناء على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما (2)» «ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه» .
وقد جاء في الحديث كما نرى أن أحق الناس بالإمامة الأقرأ ثم الأفقه، ثم الأسبق هجرة ثم الأقدم إسلاما، لكنه وقع خلاف بين العلماء -رحمهم الله تعالى- في الأقرأ والأفقه، هل الأقرأ هو المقدم على الأفقه، لأنه سبقه في الترتيب أم أن الأفقه أحق
(1) انظر ابن تيمية في الفتاوى، ج35، ص34
(2)
أخرجه مسلم، ج1، ص464 في كتاب (المساجد ومواضع الصلاة).
باعتباره أفهم وأعلم بأحكام الصلاة وغيرها وقد علل الحنفية تقديم الأفقه على الأقرأ، وهم ممن يقدمونه بأن القراءة يحتاج إليها في ركن واحد، والعلم يحتاج إليه في جميع الصلاة، والخطأ المفسد للصلاة في القراءة لا يعرف إلا بالعلم (1). فإذا كان هناك من يقدم الأفقه مطلقا على الأقرأ، وأنه أحق بالإمامة في جميع الصلوات، فإن تقديمه يتأكد في صلاة الجمعة والعيدين، لاشتمالهما على خطب تحتاج إلى الفقه في أحكام الدين، بما في ذلك أحكام الصلوات. ولذلك لا بد في صلاة العيدين أن يتطرق الخطيب في خطبته إلى تعليم الناس أحكام الزكاة في خطبتي صلاة الفطر، وأحكام الأضحية في خطبتي صلاة الأضحى، إلى جانب ما يعالج من مواضيع أخرى، وكل من ليس عنده فقه لا يمكن أن يحسن الحديث عن مثل هذه المواضيع.
ويؤيد تقديم الأفقه على الأقرأ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مروا أبا بكر فليصل بالناس (2)» ، مع أنه لم يكن رضي الله عنه أقرأ الصحابة، وإنما كان أعلمهم. فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
(1) السرخسي في المبسوط، ج1، ص41
(2)
أخرجه البخاري، ج1، ص165، في كتاب (الصلاة) باب: استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما.