الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بإذلالها وإخضاعها.
فقد يكون العمل الصناعي أفضل الأعمال، إذا كان بالمسلمين حاجة للصناعة لإنتاج الأسلحة، والآلات اللازمة للحرب، لقهر العدو. وقد تكون الزراعة في زمن من الأزمان أفضل الأعمال، وذلك إذا احتاج المسلمون للمؤونة والطعام. وقد تكون التجارة، أو الحرف المختلفة، أو تنمية الحيوان، أفضل الأعمال، إذا كان بالمسلمين حاجة إلى واحدة منها. ولكن إذا قام أمر الله تعالى، وكان بالمسلمين قوة وسيطرة على الأعداء، وليس بهم حاجة خاصة لنوع من هذه الأعمال، فهنا لعل الزراعة تكون أفضل الأعمال، لتعدد أوجه الخير فيها. والله أعلم.
المبحث الثالث: إيجاد العمل ووفاؤه باحتياجات الأمة:
يجب إيجاد الأعمال التي تستوعب قدرات الناس وإمكاناتهم، وتفي باحتياجاتهم، وقوام حياتهم، ويتبين هذا في المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: إيجاد الأعمال
.
المطلب الثاني: وفاء العمل بالاحتياجات.
المطلب الأول: إيجاد الأعمال:
الأصل في الأعمال أن توجد من غير إيجاد، فتحقيق المصالح والأغراض، يتطلب عمالا يقومون بها، ولا تحدث الأشياء بغرض أن يقوم الناس بأعمالها. إلا أنه قد تخالف هذه القاعدة وهذا
الأصل؛ لأسباب مختلفة، فقد يحتاج إلى إحداث أعمال للعمال العاطلين، وقد يحتاج إلى إيجاد عمال يقومون بالعمل المتعطل. فلمجالات العمل مع العاملين ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن تستوي مجالات العمل مع الأيدي العاملة.
الحالة الثانية: أن تكون مجالات العمل أكثر من الأيدي العاملة.
الحالة الثالثة: أن تكون مجالات العمل أقل من الأيدي العاملة.
فأما الحالة الأولى: فإن كان العمل قائما بجميع الاحتياجات، فلا يحتاج إلى إحداث شيء، وإن لم يكن كذلك، لزم إيجاد ما يسد الحاجات كلها، وإيجاد عمال يقومون بها.
وأما الحالة الثانية: فيجب إيجاد العمال المسلمين الذين يقومون بالأعمال المعطلة أو التي ينقصها بعض العاملين. فتعلم وتدرب أعداد من الناس للقيام بمختلف الأعمال والمهمات حسب الحاجة، ولا توكل هذه الأعمال إلى غير المسلمين، لأنه خلاف ما تقتضيه المصلحة. وإنه لينبغي تقدير التوازن بين العمل والعاملين في التخطيط العام وإعداد العدة لذلك، بحيث لا تطغى إحداهما على الأخرى. ولا تكفي النظرة القريبة في هذا الشأن، فلا بد من بعد النظر مع حسن التقدير.
أما الحالة الثالثة: وهي ما يعرف بالبطالة، وهي ما
استعصى على الأمم الكافرة على مر العصور، فالمسلمون في مأمن من ذلك، وما تضعه الأمم الكافرة لهذه المسألة من حلول، فهي غير معتبرة عند المسلمين، فعندهم الحل الأمثل الأقوم، الذي لا يتصور معه بطالة ولا حاجة، ألا وهو منهج الحياة العظيم عند المسلمين، القائم على شرع رب العالمين، والذي يمكن تلخيص أهم جنباته المتميزة فيما يأتي:
1 -
يسر حياة المسلمين، وقلة عموم تكلفتها، باجتنابهم المحرمات، من خمور، وترف وزيف الحياة.
2 -
اجتناب المسلمين كل ما من شأنه التضييق على الناس، واستغلال حاجتهم وفقرهم، من أنواع الظلم المحرم، كالربا، والقمار، والغش، والمخادعات، والمماطلة، وتعطيل الحقوق، وغير ذلك.
3 -
المراقبة الذاتية للعامل المسلم، حيث إنه يعلم أن الله مطلع على عمله، وهذا ينتج عنه المحافظة على أموال المسلمين وممتلكاتهم خوفا من الله تعالى، وطلبا لرضاه، كما ينتج عنه الإخلاص في العمل، والصبر، والسلوى، مما يغني حياة العامل المسلم، ويزيد في نشاطه، وقوته، ويرفع معنوياته.
4 -
محبة المسلمين بعضهم لبعض، تدعوهم إلى التعاون في إيجاد الأعمال، وإرشاد إخوانهم، وأخذهم بأيديهم، وتذليل ما يواجههم من إشكالات، مما تطيب به النفوس، وتذل به الصعاب.
5 -
سعة أبواب الرزق عند المسلمين، فعندهم من أبواب الرزق ما ليس عند غيرهم، من ذلك مثلا الجهاد في سبيل الله، وما يعود به علي المسلمين من أموال ومكاسب عظيمة، وهي ما يسمى بالفيء. وهو باب عظيم من أبواب الرزق الذي شرعه الله للمسلمين، وكان من أوسع أبواب الرزق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، والسلف الصالح.
6 -
إذا عجز المسلم عن العمل أو أقعده الفقر، فهناك أبواب للإنفاق عليه لا تسد أبدا، من ذلك:
أ- الصدقات الواجبة كالزكاة، والصدقات المستحبة. على اختلاف أنواعها.
ب- النفقات الواجبة على من يجب الإنفاق عليه من الأقرباء وغيرهم من أصحاب الحقوق.
ج- الكفارات، والنذور، وغيرها مما يغني فقراء المسلمين.
د- بيت مال المسلمين، الذي يكون من وراء ذلك كله، ويعول من لا عائل له، فإذا عجز المسلم عن العمل، ولم تسد حاجته بالإنفاقات السابقة، فبيت مال المسلمين كفيل له بضمان حياة كريمة.
هذا هو المنهج العظيم المتميز الذي لم ولن يدانيه منهج، فهو المأمن من الوقوع في البطالة والعوز. ولا يقال: إنه لا وجود له في حياة المسلمين، فليس فعل الناس حجة على شرع الله، فإذا طبق شرع الله بكامله، وبصر الناس بالحق وأخذوا به،