الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأمراض النفسية، وغير ذلك، مما ينفذ أثره إلى العقول بفطنة الداعي إلى الله، وإدراكه ما وراء الأمر والنهي في كتاب الله من مصالح ترجى، ومصائب تجتنب.
وفي سير من أسلموا، وإخبارهم عن سبب دخولهم في دين الإسلام الحق، نجد المسلم: أحمد سامي عبد الله، الذي حكى قصة إسلامه، وما لقي من أهله وقرابته، وأبناء ملته السابقة، وهو يكتم إيمانه بالله الواحد الأحد، قبل أن يحكموا تآمرهم ويجمعوا على قتله، يردد هذه الآية الكريمة، ليجعلها نبراسا يعين على التحمل في سبيل دينه الإسلام الذي اعتنقه، وعض عليه بالنواجذ، لأن مدلولها دخل سويداء قلبه، وما تدل عليه قد عايشه من أهله وذوي قرابته:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (1)
(1) سورة لقمان الآية 15
مكانة الدعوة:
الدعوة إلى الله سبحانه لما كانت هي أعظم الأعمال البشرية، وأكبرها نفعا، وهي مهمة أنبياء الله ورسله المأمورين بتبليغ أممهم دين الله جل وعلا، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وإبانة ما يجب عليهم العمل به في حياتهم الدنيا، وما يلزمهم في علاقتهم بالله سبحانه تعبدا وعقيدة، وما تستقيم بهم
أحوالهم الشخصية والاجتماعية وسائر أمورهم في حياتهم. فإن ميراث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لمن بعدهم، ليس بالدرهم ولا الدينار، وإنما بالعلم، والعلم من أداء حقه مواصلة الدعوة إلى دين الله، والتأسي بهم في الطريق الدعوي، الذي أبانه الله سبحانه عنهم في القرآن الكريم، فيتحمل أهل التقى وذوو المعرفه من أتباعهم على الحق عبء الدعوة إلى الله سبحانه على بصيرة، متأسين بطبائعهم في الإخلاص والصبر، ومجادلة من عنده معرفة أو شبهة بالتي هي أحسن يقول سبحانه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في توجيه تعليمي حتى يبين للناس مهمته، ومهمة من يتبعه على طريقة الدعوة، التي أمر بتبليغها وأنه هو القدوة في العمل:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1) وما يقص الله علينا من أخبار الأنبياء في الدعوة إلى الله مع قرابتهم وأهلهم هي منهج دعوي، ترسم خطاه المهتمون بالدعوة في كل عصر، في القدوة والعمل، فقد قال سبحانه بعد الرد على شبه بني إسرائيل في عيسى عليه السلام:{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (2).
قال ابن الجوزي في تفسيره، عند مروره بهذه الآية: قل يا محمد للمشركين: هذه
(1) سورة يوسف الآية 108
(2)
سورة آل عمران الآية 62
الدعوة التي أدعو إليها والطريق التي أنا عليها (سبيلي) أي: سنتي ومنهاجي، والسبيل تذكر وتؤنث {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} (1) يعني: على يقين. قال ابن الأنباري: وكل مسلم لا يخلو من الدعاء إلى الله عز وجل؛ لأنه إذا تلا القرآن، فقد دعا إلى الله بما فيه (2)؛ لأن في القرآن الهدى والنور، والبصيرة لمن يتدبر ويتمعن. فقد أنذر رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيرته الأقربين، بعدما أمره الله بذلك، فوجه الدعوة إلى ابنته فاطمة، وعمه العباس، وسمى غيرهما من بني عبد المطلب، وبني عبد مناف:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (3){وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (4){فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} (5)، ودعاهم بعدما جمعهم إلى دين الله، وقال:«لا أغني عنكم من الله شيئا (6)» . .
وهذا إبراهيم عليه السلام يستغفر لأبيه حتى نهي، ويدعو أباه إلى دين الله الحق، لعله يسلم من غواية الشيطان {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} (7){إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} (8){يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} (9){يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا} (10).
(1) سورة يوسف الآية 108
(2)
زاد المسير في علم التفسير4: 295.
(3)
سورة الشعراء الآية 214
(4)
سورة الشعراء الآية 215
(5)
سورة الشعراء الآية 216
(6)
صحيح البخاري الوصايا (2753)، صحيح مسلم الإيمان (206)، سنن النسائي الوصايا (3646)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 361)، سنن الدارمي الرقاق (2732).
(7)
سورة مريم الآية 41
(8)
سورة مريم الآية 42
(9)
سورة مريم الآية 43
(10)
سورة مريم الآية 44
ونوح عليه السلام لم يستطع إنقاذ ابنه من الغرق؛ لأنه عمل غير صالح تراجع. ولوط عليه السلام كانت زوجته مع القوم الفاسقين، فأصابها ما أصابهم من العذاب تراجع. وابنا آدم غلبت على أحدهما الشقاوة، وحق عليه قدر الله سبحانه فأقدم على أول ذنب عصي الله به على وجه الأرض بسفك الدم الحرام عندما قتل أخاه حسدا على أن تقبل الله منه، قربانه- صدقته- لأنها من جيد ماله، وهو لم تقبل منه، لأنه اختار الرديء، والله سبحانه يتقبل من المتقين ومن هذه النماذج، التي مرت بأنبياء الله، واهتمامهم بالدعوة إلى الله بدءا بالأقرب من ولد وأهل وعشيرة، وقوم، وغيرهم، الأقرب فالأقرب، يبين الله سبحانه للعباد في القرآن الكريم الذي جاء فيه نبأ الأولين والآخرين من أفراد وأمم، وما كانت حالهم عليه، وحال دعوتهم إلى دين الله، وفق المنهج التعليمي لمناهج الدعوة: بأنها أمر إلزامي على كل قادر عليها، عالم فيما يدعو إليه، عالم فيما ينهى عنه، لأن الذمة لا تبرأ إلا بأداء هذه الأمانة بصدق وإخلاص، وأن تكون هذه الدعوة، بالرفق واللين، مع الحلم والصبر، واستيعاب ما عند المدعوين من شبهات وشكوك، بما يحرك الضمائر، ويلامس أوتار القلوب